عوامل عديدة متساندة تهدد مكانة سهل "متيجة" العريض والخصيب وذلك بتحويله إلى مدن وقرى وصحراء أيضا، وإخضاعه إلى عاصفة الزوال من حيث الإنتاج الزراعي والخضروي، إنها عوامل متعاضدة تهاجم هذا السهل العظيم في عنف، وقد أصبح في الوقت الراهن مثل ذئب حاصرته الكلاب من كل جانب، وأحاطت به، بل تغلغلت في أعماقه ثلاث ظواهر مفسدة وربما مهلكة وواضحة للعيان، وهي البيع والمتاجرة، وانتشار الحديد والأسمنت، والإهمال الناجم عن الغفلة وسوء التقدير، في غياب سيطرة شعار "الأرض لمن يخدمها".
بقلم: إبراهيم قمور
فعملية تقطيع الأراضي والمتاجرة فيها تجري على مبدإ "خير البر عاجله" واليوم قبل الغد، ولذلك فالعناية بشؤون الأرض من حيث الحرث والزرع والغرس تستدعي الوقت الطويل والجهد الثقيل، وانتظار النتائج في صبر مديد، أما التقطيع والبيع فلا يتطلب إلا وقتا قصيرا، وجهدا خفيفا وصبرا عابرا، ولهذا فهناك اقتلاع الأشجار المثمرة وتعويضها بالبنايات المجتمعة والمتفرقة، واستحالت تلك البساتين إلى فيلات، وشبه عمارات في وقت ضيق جدا، بالقياس إلى مقدار الأعمال المختلفة التي يتطلبها الحفاظ على الأرض وخدمتها بما يناسب من الفكر والجهد والوقت، ويأتي الإهمال السائد ليضيف متاعب أخرى إلى سهل "متيجة" الواسع بمساحة خصبة ومياه جوفية عذبة وقريبة من السطح، ورغم ذلك يبدو السهل جافا ويشتكي من الظمإ إلى الماء، وغياب العناية والجدية الكافية بالحرث والبذر والغرس والتنمية الشاملة، مما يساعد على الاتجاه إلى الفساد والتدمير فيما يتعلق بالأرض.
ومن العوامل الداعية إلى هذا الموقف، الحاجة الشديدة إلى السكن، وكثرة الأموال المتداولة في الميدان العملي بدون تعب، والرغبة الجارفة في الامتلاك العقاري، والافتخار بالقدرة على الاكتساب المادي والتوسع فيه، مع غياب التخطيط المباشر الذي يشرف ويوجه ويرشد إلى الصواب في الأمور كلها، ولاسيما في تثمير الأرض واستغلال خيراتها التي لا تكاد تحصى، بعيدا عن امتدادات الحديد والأسمنت الغازيين لكل مساحة أرضية يبدو أنها قابلة للغزو، أليس الأمر باختصار شديد يتطلب إنقاذ هذا السهل؟ وذلك قبل أن يجرفه تيار الاستحالة من الواقع الذي يوجد فيه إلى واقع آخر، تجف فيه عروق وجذور الأشجار والنباتات بفعل الجفاف والإهمال معا...
إن تدمير الوجه الجمالي والإنتاجي المتنوع لهذا السهل الشهير، وتجريده من مقومات الازدهار الفلاحي الذي يمكن من الاكتفاء الذاتي في الغذاء. قد يجلب لنا بالدرجة الأولى لوم الأجيال القادمة، لأننا تصرفنا بكيفية خاطئة فيما يعود إليهم من ثمرات الأرض، ولم نكن مضطرين إلى ذلك التصرف، ولعل الأجيال القادمة تقدر أن تعذر الذين جزأوا الأراضي وتاجروا فيها بأثمان مرتفعة جدا، لماذا؟ لأن ظروف الحياة الحاضرة قد أصبحت مسرعة بشكل لا يلائم انتظار النتائج التي تأتي من الأرض بعد وقت طويل، بينما البيع يحقق في الحين مالا كثيرا، بدون جهد ومن غير إضاعة للوقت، وطيلة للجهد، ولذلك فكيف يطمئن صاحب الأرض إلى خدمتها المعذبة، وانتظار ثمراتها التي تجيء متمهلة ومتباطئة، فمن الواقعية أنه لا يستطيع الثبات في الانتظار إلى الجنين والاستفادة إلى أهل الإرادة الصلبة والعزم الذي يخترق أشد الحوادث صلابة. ويمكن لنا أن نتصور موقف الأجيال الآتية حينما تجد حظها من ثمرات الأرض قد أخذ منها غصبا، ووقع التصرف فيه بغير حكمة ولا دراية، إنما بدافع الأنانية والأثرة.
إنه يحق لتلك الأجيال لومنا بشدة لأننا استحوذنا على حقوقهم وأكلنا ما ليس لنا مما يعود إليهم، بل إنه يليق بهم اللوم والإنكار والاتهام بالنهب والخطف في أنانية عنيفة وركوب لقطار السهولة مع الإهمال. إن المتجول المتبصر في رحاب وأحضان سهل "متيجة" يرى بعينيه مقدار آثار الهجوم الكاسح على الأرض الخصبة، وكيف يتوسع من سنة إلى أخرى ومن فصل إلى آخر، فهناك مساحة عريضة كانت تسقى وتزرع أو تغرس قد استولى عليها الجمود، واستحالت إلى صخور لا تنتج شيئا طيبا، وتسلطت عليها ريح الإفلاس، فما يجري في هذا السهل من متاجرة وثراء سريع من جهة، وإهمال مقصود من جهة أخرى، جدير بأن يجلب إلينا، فيما بعد اللوم والإنكار من الأجيال الآتية من بعدنا كما يجلب الآن انتباه القائمين بشؤون التنظيم والتسيير، والذين يرهقهم استيراد المواد الغذائية من بلدان لا تملك سهولا تشبه سهل متيجة الخصيب فأنقذوا هذا السهل من فضلكم يا ناس، من براثين المفسدين الكثيرين، وذلك واجب مقدس!
من السبب !؟
ردحذفأين نحن من هكذا قرارات لماذا لا يجتمع أصحاب المجال والمهتمين والمعارضين ضد المعننين بصناع القرار وإتخاذ قرار تعمير وبناء مدينة جديدة مثل التي تقام حااليا في بوينان في البليدة
ردحذفلا يكفي الكلام والإشارة إلى المشكل فقط
الأهم هو إتخاذ الخطوة الأولى في الإتجاه المراد تحقيقه
إكمال وتطوير مشروع مدينة بوغزول بالهضاب العليا ربما يكون أنفع من إتلاف مزيد من الأراضي الفلاحية بسيدي عبد الله وبو عينان (بوينان).
حذفأحسنت أخي
ردحذفأحسنت
ردحذف