أمام إستحالة إحراز نصر عسكري على الثورة الجزائرية وتصاعد كلفة الحرب ماديا وبشريا وتزايد قلق الفرنسيين، بالإضافة إلى تدهور موقف باريس الدولي، وجد العدو نفسه مضطرا إلى قبول مبدأ التفاوض.
العوامل التي دفعت فرنسا إلى التفاوض
ترجع هذه العوامل إلى :
- الضربات العنيفة التي تلقتها الدولة الإستعمارية في الجزائر، وفي فرنسا على يد الثورة التحريرية الكبرى.
- التنظيم المحكم الذي امتازت به الثورة الجزائرية خاصة بعد مؤتمر الصومام 1956
- الأزمات الاقتصادية والمالية والإجتماعية التي أنهكت فرنسا نتيجة التكاليف الباهضة لقمع الثورة .
- ضغط الرأي العام العالمي على فرنسا وتنديده بسياستها في الجزائر خاصة في جلسات الأمم المتحدة
تطور المفاوضات
مرت المفاوضات بعدة مراحل، وطال أمدها بفعل عدم جدية فرنسا بل حاولت من خلال التظاهر بالتفاوض إضعاف الثورة لكن الإنتصارات الميدانية والتفاف الشعب حول ثورته هو الذي أرغم فرنسا على الإستجابة لمطالب الثورة في التفاوض على أساس الإستقلال الذي دعت إليه منذ أول نوفمبر 1954.
ويمكننا تتبع تطور المفاوضات عبر المراحل التالية:
اللقاءات السرية : تعود الإتصالات السرية بين السلطات الإستعمارية وجبهة التحرير الوطني إلى 12 أفريل 1956 بالقاهرة بين جوزيف ببفارا وجورج غورس من الجانب الفرنسي ومحمد خيضر من جبهة التحرير الوطني، ثم ببلغراد في 25 جويلية 1956 بين محمد يزيد والدكتور أحمد فرانسيس من جبهة التحرير وبييركومين وبيير هيريو من الجانب الفرنسي، ثم حصل اتصال جديد في روما بإيطاليا يومي 2 و 3 سبتمبر 1956 بين محمد خيضر ومحمد يزيد و عبد الرحمان كيوان عن جبهة التحرير الوطني وبييركومين، وبيير هيريو عن الجانب الفرنسي غير أن هذه اللقاءات لم تسفر عن نتيجة، ثم انقطعت بسبب حادثة اختطاف الطائرة في 22 أكتوبر 1956.
الإتصالات والمفاوضات في عهد ديغول : بدأت الإتصالات أكثر جدية في عهد ديغول كنتيجة منطقية لفشل فرنسا في ا لقضاءعلى الثورة وسقوط الجمهورية ا لفرنسيةالرابعة بفعل ذلك وتمثلت هذه الإتصالات فيما يلي:
- محادثات "مولان" بفرنسا بين 25 و 29 جوان 1960 وإنتهت بالفشل نظرا لإشتراط فرنسا إستسلام المجاهدين وفصل الصحراء عن الجزائر.
ضم الوفد الفرنسي كل من روجي موريس، الجنرال الهوميردي كاسين أما الوفد الجزائري فضم أحمد بومنجل ومحمد الصديق بن يحي ولقد حاول الجنرال ديغول في أواخر 1960 أن يقنع نفسه بأنه بإمكان حل مشكل الجزائر بما يفيد فرنسا، ومن ذلك اقتراحه لما أسماه ب " الجزائر جزائرية " ولكي يضمن النجاح لمشروعه ذهب بنفسه إلى الجزائر يوم 10 ديسمبر 1960 ليقوم بالدعاية الواسعة له فأستقبله السكان بالمظاهرات.
أثر مظاهرات 11 ديسمبر 1960 على سير المفاوضات
إلى غاية 1960 م كان ديغول يعتقد أن بإمكان فرنسا أن تحقق نصرا عسكريا وكانت سياسته تستند إلى هذا الإعتقاد ولكنه أمام الإنتصارات التي حققتها جبهة التحرير وجيش التحرير الوطني، إقتنع أن طريق النصر أصبح مسدودا وقد لمس هذه الحقيقة عندما زار الجزائر في ديسمبر 1960 ليشرح سياسته الجديدة فأستقبله الجزائريون يحملون العلم الجزائري وينادون بشعارات الجبهة وقد أكدت هذه المظاهرات مايلي:
- تمثيل جبهة التحرير الوطني للشعب الجزائري وتزكيته لقيادتها (الممثل الشرعي الوحيد للشعب)
- الرد الفعلي والعنيف على المتطرفين الأوروبيين الذين نظموا يوم 09 ديسمبر 1960 مظاهرات كان الهدف منها تهيئة الظروف. لإنقلاب عسكري و ذلك بإثارة حوادث وإصطدمات يدفع الجيش إلى التدخل.
- السعي لإفشال القوة الثالثة التي حاول الجنرال تكوينها من الحركة الوطنية للتفاوض معها وبالتالي إنكار وجود جبهة التحرير الوطنية.
- إن إستقرار الأوضاع في الجزائر والتحكم في زمام الأمور حسب مايدعي جيش الإحتلال فكرة خاطئة.
نتائج مظاهرات ديسمبر 1960
كانت لهذه المظاهرات نتائج إيجابية خاصة بعد أن إتسعت رقعتها ليجبر ديغول على التصريح "إن هذا الوضع لا يمكن أن يجلب لبلادنا سوى الخيبة والمآسي، وأنه حان الوقت للخلاص منه" و جلوسه إلى طاولة المفاوضات و الإعتراف بجيش التحرير وجبهة التحرير الوطني كممثل وحيد شرعي للشعب الجزائري.
أثار هذا الموقف إستياء الجنرالات الفرنسيين في الجزائر : ( راؤول سلان، إدموند جوهو، موريس شارل، أندري زيلر) الذين قاموا بمحاولة إنقلاب ضد ديغول وذلك في 22 أفريل 1961 إلا أنه باء بالفشل .وإعترفت هيئة الأمم المتحدة بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره في 19 ديسمبر 1960 م.
أدرك ديغول حساسية الموقف وتيقن من إستحالة الحل العسكري و أدرك ضرورة تقديم التنازلات وهكذا أستؤنفت المفاوضات
ما بين 20 و 22 فيفري 1961 في مدينة لوسرن (LUCERNE ) السويسرية وشارك فيها عن الجانب الجزائري أحمد بومنجل والطيب بولحروف، وعن الجانب الفرنسي جورج بودبييرو وبرونو دولوس واعترف ديغول موازاة لذلك في 22 أفريل 1961 بحق الجزائريين في إقامة دولتهم ، لكن ما يلاحظ هو طول مدة المفاوضات التي تعود إلى تمسك فرنسا بما يلي:
- إعطاء الجزائر الحكم الذاتي بدلا من الإستقلال.
- حصول المعمرين على إمتيازات خاصة في الجزائر.
- فصل الصحراء عن سائر القطر.
- إشراك أطراف أخرى في المفاوضات عوضا عن الإقتصار على التفاوض مع جبهة التحرير وحدها.
مفاوضات إيفيان الأولى والثانية
مفاوضات إيفيان الأولى 1961 : أجريت مفاوضات إيفيان الأولى ( إيفيان بلدة على بحيرة ليمان ) ما بين 20 جوان و 13 جويلية 1961 ترأس الوفد الجزائري كريم بلقاسم والوفد الفرنسي لويس جوكس، توقفت ثم استؤنفت في لوغران ( وهي بلدة فرنسية شرقي إيفيان من 20 إلى 28 جويلية 1961 وأخفقت مثل سابقتها بسبب الصحراء ومصير المعمرين، وحاولت فرنسا بين مفاوضات إيفيان الأولى ولوغران وبعدهما إيهام الدول الإفريقية المجاورة بأن الثورة الجزائرية تريد الهيمنة على الصحراء وكذا أن تبحث عن مفاوضين جزائريين من خارج جبهة التحرير فخاب مسعاها في المحاولتين وعادت المباحثات في " لي روس" وهي قرية على الحدود الفرنسية السويسرية ما بين 11 و 19 فيفري 1962.
وفيها إتفق مبدئيا على وقف إطلاق النار وتم تناول كل المحاور وشرع في تحرير النصوص وفي خضم هذا السعي الحثيث لإنهاء الصراع كانت منظمة (O.A.S ) تبذل محاولات بائسة لوقف عجلة التاريخ ناشرة في طريقها الموت والدمار وقدرت بعض المصادر عن التفجيرات التي نفذتها المنظمة بأكثر من 4000 والإغتيالات بحوالي 900 إغتيال ومجموع ضاحايا جرائمها بأكثر من 12 ألف قتيل، ورغم محاولات هذه المنظمة الإرهابية إفشال المفاوضات إلا أن انتصارات الثورة على كل الجبهات أرغمت فرنسا على التعامل بواقعية مع مطالب الجزائريين تجلت في الإستجابة للأهداف التي حددتها الثورة في أول نوفمبر 1954 والتي عرضها الوفد المفاوض على المجلس الوطني للثورة الجزائرية المنعقد في تونس من 22 إلى 27 فيفري 1962 وبعد المناقشة وافق المجلس بالأغلبية الساحقة على نتائج مفاوضات ليروس التي تعترف بالإستقلال والوحدة الترابية ووحدة الشعب الجزائري.
مفاوضات إيفيان الثانية 1962 : إنطلقت مفاوضات إيفيان الثانية النهائية والحاسمة يوم 07 مارس 1962 حتى 18 مارس من نفس السنة ترأس الوفد الجزائري كريم بلقاسم ومن بين الشخصيات التي ضمها الوفد ( بن طوبال دحلب، يزيد، بن يحي، بولحروف إلخ...)، إنتهت بالتوقيع على إتفاقية وقف إطلاق النار وكان هناك إعتراض داخل فرنسا على الإتفاقية جعل ديغول يجري حولها
إستفتاء أسفر في 08 أفريل 1962 عن موافقة 91 % من الفرنسيين عليها.
مضمون إتفاقيات إيفيان
نضمت إتفاقيات إيفيان ستة فصول، نص كل منها على النقاط الرئيسية التالية:
- إعلان وقف إطلاق النار والعفو العام
- الإعتراف بوحدة الأرض الجزائرية، وإجراء إستفتاء يقرر فيه الشعب الجزائري مصيره في غضون مدة لا تزيد عن ستة أشهر .
- تسيير البلاد خلال الفترة الإنتقالية حكومة مؤقتة من 03 فرنسيين و 09 جزائرين في إنتظار نتيجة الإستفتاء
- إحتفاظ المعمرين وعملائهم بالحقوق التي كانت لهم ثلاث سنوات قبل إختيارهم جنسيتهم النهائية، إما الجزائرية فيصبحون رعايا للجزائر أو الفرنسية فيعاملون كآجانب .
- جلاء القوات الفنرسية عن الجزائر خلال ثلاث سنوات مع إحتفاظها بالمرسى الكبير لمدة 15 سنة، ومطارات عسكرية في عنابة، وبوفاريك وبشار، وقاعدة رقان لمدة خمس سنوات.
- تحتفظ فرنسا بمصالح إقتصادية في قطاعات النفط والتعدين خاصة، وإمتيازات ثقافية ( كحق فتح المدارس على سبيل المثال ) كما تعهد الطرفان بالتعاون في مختلف المجالات الإقتصادية والثقافية، مقابل حصول الجزائر على معونات مالية فرنسية.
نقطة مهمة حول قانونية بنود اتفاقيات إيفيان
نستنتج من هذه المواد أن إتفاقيات إيفيان تضمنت قيودا كثيرة لاتتناسب والتضحيات التي قدمها الجزائريون لكن المؤيدين لها أكدوا على أن هذه القيود قابلة للمراجعة في ظل الإستقلال وهو ما حدث بالفعل عندما استرجعت الجزائر استقلالها رسميا بعد الإستفتاء في جويلية 1962 حيث قامت في إطار السيادة بجملة من الإجراءات تستكمل من خلالها الإستقلال تمثلت في تأميم أراضي المعمرين والبنك الجزائري في سنة 1963 والمناجم في سنة 1966 ، وأخلت قاعدة المرسى الكبير سنة 1968 وأممت قطاع المحروقات في 1971.
وقف القتال و إعلان الإستقلال
دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في منتصف نهار 19 مارس 1962 وقد حاولت منظمة (OAS) القيام بعملياتها الإرهابية لدفع الثورة إلى إرتكاب الأخطاء من أجل عرقلة المسار الإستقلالي إلا أنها فشلت، وأجري استفتاء تقرير المصير يوم 01 جويلية 1962 وصوت فيه 97.3 %من الجزائريين لصالح الإستقلال وبعد يومين إعترفت فرنسا رسميا بإستقلال الجزائر وفي 05 جويلية 1962 أعلنت الجزائر إستقلالها رسميا وهكذا استرجعت الجزائر استقلالها بعد أن قدمت تضحيات جسام خلال ثورة التحرير الكبرى تمثلت
في استشهاد 1,5 مليون شهيد زيادة عن الجرحى والمعطوبين ( حوالي 150 ألف مجاهد ) واليتامى والمشردين والمصابين بالأمراض النفسية والعقلية لهول ما ارتكبته فرنسا من جرائم، أما القوات الفرنسية فقد خسرت حوالي 25 ألف قتيل و حوالي 63 الف جريح.
وخلاصة القول أن إصرار الشعب الجزائري على استقلاله وحريته وإستعداده لتقديم التضحيات الجسام في سبيل ذلك قد أوصله إلى هدفه بعد نضال شاق دام أكثر من سبع سنوات وبالتالي إستكملت الجزائر إستقلالها التام بفضل الله أولا و عونه.
شكرا لكم
ردحذفهل حقا (L'os) إرهابية كما ادعيت ؟
ردحذفغير مذكور
حذفhal(l'os)irhabiya lianni lame adrose hada
ردحذفنريد ان ندرس تاريخنا مهما كان نريد الحقيقة لنبني مبادءنا الحققية
ردحذفممكن المصادر لتدعيم مذكرة تخرجي وشكرا
ردحذف