3 - تحرير السواحل الجزائرية من الاستعمار الإسباني
أهم المحاولات التي قام بها الأخوان خير الدين و عروج لتحرير السواحل الجزائرية:
1 - محاولة تحرير بجاية : في عام 1512 م اتجه عروج وأخواه إلى مدينة بجاية لتحريرها من الإسبان تلبية لنداء أهلها، وسلطانها الحفصي أبي بكر. لكنهم فشلوا بسبب التحصينات الإسبانية للمدينة. فقد عروج ذراعه خلال المعارك التي دارت حول المدينة، ولهذا انسحب إلى الشرق.
2 - تحرير مدينة جيجل : بعد عامين ( 1514 م) تمكن عروج وأخواه من إفتكاك مدينة جيجل من الجنويين وأندري دوريا الجنوي، الذين أقاموا بها قلعة لصيد المرجان عام 1513 م، فاتخذوها قاعدة لهم بدلا من جربة وحلق الوادي، لكونهما أقرب الأماكن للصراع ضد القراصنة الإسبان في الحوض الغربي للمتوسط.
3 - تحرير الجزائر العاصمة : في عام 1516 م استنجد سكان مدينة الجزائر بعروج و أخواه ليساعدهم في محاربة الإسبان الذين تمركزوا في الجزيرة المجاورة للمدينة، وأسسوا عليها قلعة البينيون، واتخذوها مركزا لشن الغارات على المدينة وذلك منذ عام 1511 م. فقد استجاب عروج لرغبتهم، فكلف أخاه خير الدين بقيادة الأسطول البحري إليها الذي كان يتكون من 18 سفينة كبيرة و 3 سفن مسلحة تحمل 2500 مجاهدا وقادة قوة برية هامة تضم 8000 من الأتراك و 3000 من مجاهدي الجبال القبائلية.والتقيا في مدينة الجزائر، وتمركزوا بها في نفس العام حيث استقبلوا من طرف سكان المدينة إستقبال الفاتحين.
بعد ذلك سار عروج فورا إلى مدينة شرشال وطرد الإسبان منها. ورجع إلى مدينة الجزائر حيث أسند له واجب الأمير (أمير الجهاد) وكان ذلك من أبرز أحداث الجزائر في سنة 1516 م.
الصراع في تلمسان و استشهاد عروج :
ما إن تم عروج استعداداته حتى اندفع بجرأة في اتجاه تلمسان وهو يقود قواته عبر الهضاب الداخلية بهدف تجنب الاصطدام بالحاميات الإسبانية المنتشرة على محيط وهران.
عندما وصل إلى قلعة (بني راشد) إتخذ منها قاعدة لحماية خطوط مواصلاته، ووضع فيها حامية تضم600 مقاتل تقوم بتنفيذ عمليات لإزعاج الإسبان في وهران.
ثم مضى بقواته فوصل سهل (أربال) حيث كان أبو حمو الثالث الذي أقام معسكره فيها، ونظم قواته المكونة من ثلاثة آلاف من المشاة وستة آلاف فارس. غير أن هذه القوة على ضخامة حجمها لم تصمد أمام القوات الجزائرية التي يقودها عروج وتمكن من الوصول إلى تلمسان.
موقف الملك شارلكان
كان ملك إسبانيا الجديد شارلكان يتابع تطور الموقف في المغرب الإسلامي. فأرسل إلى الحاكم العام في وهران يأمره باستخدام كل إمكاناته لانتزاع تلمسان من قبضة المسلمين الجزائريين، وإعادة (أبو حمو) إلى حكم إمارته بتلمسان، ودعمه بقوة مقاتلة بلغ عدد أفرادها عشرة آلاف مقاتل.
خرج أبو حمو من مدينة وهران في جانفي 1518 م ومعه فرقة من الجيش الإسباني وتمكنت هذه القوة من مباغتة قلعة (بني راشد) بهجوم قوي لم تصمد له حامية القلعة.
تابع أبو حمو تقدمه نحو تلمسان، وفي هذا الوقت تم إنزال قوة إسبانية أخرى زج بها حاكم وهران، وأنزلها في بلدة (رشقون) الساحلية لدعم الهجوم البري، وسارت هذه القوة بسرعة نحو تلمسان على الطريق الساحلي حيث التقت مع قوات أبي حمو على أبواب تلمسان، وضرب حصار قوي ومحكم على المدينة، وبعد مقاومة عنيفة استشهد عروج.
ربط الجزائر بالدولة العثمانية :
ترددت أصداء كارثة تلمسان بقوة في ضمائر أبناء الجزائر، واجتمع فيها من الشيوخ و الزعماء لمناقشة الموقف، وقرروا أن يسندوا إلى خير الدين واجب إمارة الجهاد بعد أخيه، ووافق على أن يتم ربط الجزائر بالدولة العثمانية وتم ذلك سنة 1518 م وعين خير الدين بارباروس حاكما ولقب (باي لارباي) أي (باي البايات).
عمل السلطان العثماني سليم بعد ذاك مباشرة على إرسال دعم إلى الجزائر يتكون من قوة بحرية محملة بأربعة آلاف مقاتل من المتطوعين الأتراك وكميات ضخمة من الأسلحة والذخائر والتجهيزات البحرية.
إنصرف خير الدين لتنظيم أمور الدولة الجديدة في المغرب الأوسط (الجزائر).
تحرير مدينة تلمسان :
تقدم الباي لارباي خير الدين أولا إلى مستغانم وحاصرها برا وبحرا، ففتحها ثم استولى على قلعة بني راشد ثم تقدم إلى مدينة تلمسان و نجح في الإستلاء عليها.
الجزائر تطرد الإسبان من وهران و المرسى الكبير :
لقد وعت الجزائر الدرس جيدا وأدركت الأبعاد الحقيقية للحملات الصليبية ضدها، ولذلك صمم شعبها وقيادتها على تصفية الوجود الإسباني الإستعماري في البلاد بمختلف الوسائل، وبأي ثمن مهما كان غاليا.
فبعد أن تمكنت الدولة الجزائرية من تطهير الشواطئ التونسية والطرابلسية بصفة نهائية من أوكار القراصنة في أوروبا نفسها. وأرغمت معظم دول ومماليك أوروبا شرط الأمن والسلم لها، ولأساطيلها في البحر بالمال و الهدايا القنصلية، ومعاهدات الصداقة والأمن خاصة في القرنين 17 م 18 م اللذين يمثلان العصر الذهبي للجزائر عسكريا، سياسيا وإقتصاديا.
كانت قضية تحرير وهران والمرسي الكبير من الاهتمامات الكبرى للجزائر وأصبحت الشغل الشاغل للسكان والدولة معا، فتم نقل مركز بايليك الغرب من مازونة إلى معسكر ليكون قريبا من الاسبان.
وانكب القادة من زعماء السكان وإدارة البايليك، ورجال الحكومة المركزية بالعاصمة، على وضع الخطط وإعداد الوسائل الكفيلة لتحقيق الهدف، وهكذا تعددت الحملات العسكرية الجزائرية ضد المحتلين الإسبان في وهران و الشواطئ الإسبانية نفسها في إطار سياسة الاستنزاف. وهاجمت الجزائر حتى حلفاء الإسبان في البحر والشواطئ الأوروبية و تمكنت من غنم ما يقرب من 1200 سفينة ومركب بحري بين 1613 م و 1621 م تابع للإسبان والإنجليز والألمان والهولنديين والدانماركيين والإيطاليين منها 447 هولندية 193 - فرنسية و 120 إسبانية و 60 إنجليزية و 56 ألمانيا.
وبذل كل من حسن باشا ( 1563 م) ومحمد كوسا ( 1606 م) وشعبان الزناقي ( 1686 م) والباي إبراهيم1687 م) عدة محاولات لإنقاذ وهران والمرسى الكبير وتحريرهما من نير الإستعمار الإسباني. وفي عام 1707 م حشد الباشا محمد بكداش جيشا جرارا حرر به المدينتين التحرير الأول في مطلع 1708 م. ولكن الإسبان جددوا الكرة عليهما عام 1732 م واحتلوهما مرة أخرى لمدة حوالي 60 سنة أخرى. ثم عزمت الجزائر وصممت على تحرير وهران والمرسى الكبير من قبضة الإسيان، لهذا حشد البطل الباي محمد بن عثمان باشا الكبير قوات عسكرية كبيرة، وأكره الإسبان على الجلاء عنهما بصفة نهائية عام1792 م بعد استعمار دام قرابة قرنين وستين عاما. وسجلت الجزائر شعبا وقيادة صفحة مشرقة في تاريخها العسكري الحديث.
0 comments:
إرسال تعليق