728x90 AdSpace

  • أحدث المواضيع

    الجزائر وشمال إفريقيا تحت الحُكم الروماني

     

    الجزائر وشمال إفريقيا تحت الحُكم الروماني


    بداية النفوذ :

    بعد إخماد ثورة النومديين التي اندلعت على اثر اغتيال الملك بطليموس والذي اتسم حكمه تجاه روما بالمسالمة والإخلاص متبعا سياسة أبيه يوبا الثاني، فكان قد ساعد الرومان في القضاء على ثورة تاكفاريناس، لكن وبالرغم من ذلك قتل بإيعاز من الإمبراطور كاليغولا (Caligula) حسدا و بغضا سنة 40م، و هذا لسبب تافه يتمثل في ارتداء بطليموس عند زيارته لروما ثيابا فاخرة تفوق ملابس الإمبراطور الروماني، ثم استولى كاليغولا على أمواله ومملكته. وبموت بطليموس انتهى نظام الحماية ودخلت نوميديا تحت الحكم المباشر الروماني فأصبحت إقليميا تابعة له.

    فعملت روما على توسيع نفوذها العسكري في كل الشمال الإفريقي عن طريق مصادرة أراضيها الفلاحية الصالحة لحساب المعمرين الرومان، لكن تواصلت ثورات الأفارقة الواحدة بعد الأخرى في عهد كل من الإمبراطور كلوديوس 41-54، و فسبازيان 69-79م و دوميتيانوس وتراجانوس وهادريانوس 117-138م... وعندما وطد الاستعمار الروماني أقدامه في شمال إفريقيا شرع في رسم الحدود و تعبيد الطرق لربط المدن المحصنة فيما بينها، كما شجع سياسة الاستيطان و أنشأ مراكز عسكرية و مستعمرات فلاحية.


    نظام الحكم و الإدارة:

    بعد استيلاء الرومان على إفريقيا الشمالية وإخضاعها للحكم المباشر لروما، قام الأباطرة بتقسيمها إلى ثلاث ولايات وهي:

    1.  إفريقية البروقنصلية: و تضم كل من تونس و طرابلس و جانب من أرض الجزائر الشرقية.
    2.  نوميديا و هي الجزائر الحالية إلى مصب الواد الكبير قسنطينة.
    3. موريطانيا: وتشمل أراضي المغرب الأقصى حاليا إلى المحيط الأطلسي.

    و في سنة 42م قسم الإمبراطور الروماني كلوديوس شمال إفريقيا إلى قسمين:
    1.  موريطانيا القيصرية: الجزائر و تونس و عاصمتها شرشال.
    2.  موريطانيا الطنجية: المغرب الأقصى و عاصمتها طنجة، ويفصل بين موريطانيا القيصرية والطنجية نهر ملوية.

    و لتثبيت سيطرتهم على البلاد و قطع طموح الولاة الرومانيين في الاستقلال بولاياتهم، قسموا نوميديا إلى أربع مقاطعات .

    مفهوم المقاطعة :

    هي الأراضي التي استحوذت عليها روما خارج شبه جزيرة إيطاليا، في فترات متعاقبة، وكونت منها ولايات أو مقاطعات خاضعة لها، يسير شؤونها إما مجلس الشيوخ الروماني عن طريق قنصل أو الإمبراطور عن طريق مندوب، أو نواب بدرجة برايتور يختارون من بين أعضاء مجلس الشيوخ الذين سبق وأن تمتعوا بسلطة القنصلية.  وكانت هذه المقاطعات تضم الأهالي والإيطاليين من الرومان واللاتين، الذين كانوا جنودا مسرحين أو عاطلين عن العمل أو تجارا أو فرسانا، إلى جانب الجيش.

     والمقاطعات مستقلة فيما بينها وفقا للنظام اللامركزي يحكمها ولاة ذوو سلطة واسعة لا يحد من نفوذهم إلا إرادة الإمبراطور و يخضعون كلهم للسلطة المركزية المباشرة بروما، ومن مهام الولاة:

    -المحافظة على الأمن واستخلاص الضرائب ومراقبة البلديات والإشراف على التعمير والقضاء، وكانت عاصمة موريطانيا القيصرية مدينة شرشال.

    و قسموا هذه المقاطعات إلى نوعين مدنية يحكمها مدنيون يتمتعون بالعضوية في مجلس الشيوخ وهي التي يسود فيها الهدوء مثل قرطاج و نوميديا الشرقية، ومناطق عسكرية يشرف عليها ضباط عسكريون يعينون من طرف الإمبراطور و هي الأقاليم المناهضة للاستعمار الروماني والتي كانت أراضيها ميدانا للنشاط العسكري، وبقي نظام المقاطعات معمولا به في إفريقيا الشمالية إلى غاية نهاية العهد الإمبراطوري الأول، وعندما اعتلى العرش الروماني دقليانوس (Dioclitien) سنة 284م عدل نظام المقاطعات في إفريقيا وأنشأ الولايات ومنها:

    1- ولاية موريطانيا القيصرية و عاصمتها شرشال.

    2- ولاية موريطانيا الطنجية وعاصمتها طنجة.

    3- ولاية موريطانيا السطيفية وعاصماتها سطيف.

    4- ولاية نوميديا الشمالية وعاصمتها قسنطينة.

    5- ولاية طرابلس وعاصمتها لبدة.

    6- ولاية نوميديا العسكرية جنوبا و عاصمتها لمباز، و كل مقاطعة من هذه المقاطعات يشرف عليها نائب الإمبراطور يحمل لقب بروقنصل.

    و قد اعتمد الولاة داخل مقاطعتهم على نظام البلديات الكبرى الذي كان نمط تسييره متنوعا ويختلف من جهة إلى أخرى حسب أصل السكان، فنجد في المرتبة الأولى المستعمرات الرومانية يسكنها المعمرون الرومان ويتمتعون بنفس الحقوق التي يمتلكها الإيطاليون في روما، تأتي من بعدها البلديات اللاتينية يديرها مجلس بلدي ينتخب لمدة سنة ويعتبر سكانها مواطنين رومانيين و لكن على خلاف المستعمرات الرومانية يطبق على سكانها العقارات، كما يخضعون لقانون وسط بين ما يجري على المواطنين الرومان وما يجري على الأجانب، وفي الأخير البلديات الأجنبية الموجودة خارج المدن يسكنها السكان الأصليون تسيرها مجالس قبلية عرفها الأمازيغ منذ القدم ومع ذلك كانت تخضع لسلطة الحاكم الروماني. وبالرغم من طول بقائهم في شمال إريقيا إلا أنه لم يستطيعوا السيطرة على كامل التراب حيث بقيت المناطق الجبلية مثل الأوراس، جرجرة، الونشريس والبابور والظهرة.. محتفظة باستقلالها مضروب عليها حراسة مشددة من طرف الجيش الروماني.

    و تعاقب على حكمها الذي دام أربع قرون من سنة 42م إلى 430م عدة ملوك كان أقلهم سوءا عهد الأباطرة، أما الملوك الجمهوريين فقد اعتمدوا نظاما تمييزيا استغلاليا طيلة حكمهم، وإلى جانب الجنود الإيطاليين كان الجيش الروماني مشكلا من لفيف أجنبي مجند من بلاد الغال، وشرق اليونان وإسبانيا وكورسيكا وسردينيا ومفتوحا أيضا على السكان المحليين الأفارقة يساعدونه في حماية المستعمرات الرومانية وحفظ الأمن داخل الولايات، ولهذا الغرض اعتنى الأباطرة بتحصين المدن النوميدية حيث أحاطوها بأسوار وأبراج دفاعية ووضعوا فيها قواعد عسكرية على غرار معسكر لمباز.


    الحياة الاقتصادية و الاجتماعية :


    الناحية الاقتصادية:

    لم يستفد الأفارقة شيأ من الاحتلال الروماني رغم أنه استغرق أربعة قرون، فكان عهدهم يتسم بالطابع العسكري والإستغلال الاقتصادي من خلال الاستيلاء على ثروات شمال إفريقيا لخدمة مصالح روما، وسياسة التمييز العنصري والتي تتجلى في الاعتقاد بتفوق و أفضلية العنصر الروماني على غيره من الشعوب، و هي نفس السياسة التي انتهجتها فرنسا قرونا من بعد في شمال إفريقيا. و لغرض التوسع و البقاء فتحت روما أبواب شمال إفريقيا على مصراعيها لرجال الأعمال و التجار الرومانيين في مختلف الميادين، فاهتم الإيطاليون بالفلاحة منذ وطئت أقدامهم أراضي إفريقيا فأصبحت أراضيها مستعمرة للاستغلال ونزعت أخصب الأراضي من أصحابها الشرعيين بالقوة وقسمتها إلى حصص متناسبة ووزعتها على المواطنين الرومان من الأرستقراطيين والموظفين الساميين والضباط و الجنود اعتبارا أن الأرض ملك للإمبراطورية الرومانية وتدخل ضمن أملاك الدولة، و بالمقابل قامت بترحيل الأهالي إلى الأراضي القاحلة والرعوية. ومن أجل الاستيلاء نهائيا على هذه الأراضي الفلاحية، قامت روما بمسحها وتنظيمها وتشجيع المواطنين الرومان للهجرة والاستيطان فيها، فأنشؤوا مستثمرات فلاحية كبيرة و شرعوا في شق الطرق وتعبيدها لتسهيل المواصلات الداخلية، ومن أهم هذه الطرقات يمكننا ذكر الطريق الرابط بين تبسة و تيمقاد، و بين تبسة وعنابة، وبين سطيف وسور الغزلان وبين قرطاج وتبسة ولمباز.

    ومن أهم مزروعاتهم القمح الذي كان يحتل المرتبة الأولى و يتمتع بشهرة كبيرة، و لهذا الغرض أنشؤوا مخازن لتخزين الحبوب و المطاحن لطحنها.  واهتموا بغرس أشجار الزيتون، كما اهتموا بزراعة الكروم والأشجار المثمرة، كالرمان والتين والليمون واللوز والجوز، إضافة إلى الخضر والفواكه المتنوعة، وكانوا يربون المواشي و الخنازير والدجاج والبط والنحل والخيل والبغال والحمير... فكانت المواد التالية تصدر إلى روما : القمح والزيت والخشب والصوف.  كما اعتنى الرومان بنظام الري لخدمة الفلاحة، و أنشؤوا كذلك السدود والآبار والصهاريج، كما طوروا قنوات نقل المياه والخزنات و قنوات التوزيع لتموين الأرياف والمدن وأنشؤوا مصانع لعصر الزيتون ونسج الملابس ودبغ الجلود وصنع الأثاث وصهر الحديد، وأخضع الرومان سكان شمال إفريقيا لنظام جبائي متعدد الوجوه وهذا ما نص عليه أبيانوس: "إن الرومان أخضعوا الأرض والأشخاص لضريبة المهزومين." و بالتالي أصبح الشعب في عداد الغنائم، وكانت أموال الضرائب ترسل إلى خزينة الدولة بروما، أما المزارعين الرومان فكانوا معفيين من دفع الضريبة.

    الناحية الاجتماعية: 

    أما من الناحية الاجتماعية بقي سكان شمال إفريقيا محافظين على عادتهم و تقاليدهم، و كان معظمهم يشتغلون في الفلاحة لدى الملاك الكبار من العائلات الأرستقراطية الرومانية، وكانت وضعيتهم الاجتماعية سيئة. و قد أصدرت الإمبراطورية الرومانية قرارا يحق بموجبه الحصول على حق المواطنة ولكن كانت شكلية أكثر من واقعية لم يستفد منه إلا القليل من المواطنين الأفارقة من الطبقة المثقفة والأغنياء وكانت إجراءاته جد معقدة و طويلة ولا تعفي صاحبها من دفع الضريبة المستحقة للشعب الروماني. هذا وعرفت إفريقيا الشمالية طيلة الاحتلال الروماني هجرة كبيرة من الوافدين الإيطاليين الذين انتقلوا إليها بعد أن وزعت عليهم مجموعة من الأراضي الزراعية، و سبب هذه الهجرة هو سوء الحالة الفلاحية في إيطاليا.

       ولما ضم قيصر مملكة نوميديا إلى المستعمرات الرومانية عام 46ق.م، شجعت سياسته التوسعية حركة الاستيطان حيث أمر بإنشاء مستعمرات في الأقاليم المحتلة سواء في إفريقيا القديمة أو الجديدة، وكان أول مشروع جربه على الأراضي النوميدية هي إقطاعية المرتزقة أتباع ستوس (Sittus) في سيرتا التي جعلوا من أراضيها مستعمرات فلاحية هذا بالإضافة إلى الأراضي الأخرى التي وزعها على جنوده عرفانا بإخلاصهم له أثناء الحرب ضد خصمه بومبي.  وبعد مقتل قيصر زادت وتيرة الإستيطان تشجيعا من طرف الأباطرة والرأسماليين الرومان لما كانوا يجنونه من أرباح الأراضي النوميدية، إذ استحوذوا على أجودها، و إلى جانب المستثمرين الزارعين توافدت على أراضي نوميديا فئة أخرى من الإيطاليين تتمثل في التجار والمعلمين والأطباء، استقر معظمهم بالمدن كم وفد إليها المهاجرون من الأراضي الخاضعة للاحتلال الروماني كالسوريين والإسبان، هذا بالإضافة إلى العبيد الذين جلبوا من المستعمرات واستخدموا في مختلف الخدمات ذات الطابع الحضري و الريفي. 

    ومن أهم المدن التي كانت موجودة في شمال أفريقيا آنذاك: سيرتا، عنابة، خنشلة وتيمقادن، جميلة، سطيف، تيبازة، شرشال،.....

    وكانت المدن الكبرى محصنة بأسوار يوجد في مدخلها أبواب ضخمة وأقواس النصر، أما في الداخل فكانت تحتوي على ساحات عمومية ومتاجر وفيها يصوت المواطنون الرومانيون ويلقي الحكام خطبهم على الشعب ومقرات بلديات يجتمع فيها المجلس البلدي، ومعابد تشمل بداخلها تماثيل كبيرة، ومكتبات عمومية هي عبارة عن قاعات معدة للمطالعة وحفظ المجلدات والمخطوطات، ومسارح كثيرة نذكر منها مسرح تيمقاد وحمامات كثيرة وكبيرة الحجم معدة للاغتسال بالماء الساخن يوجد بداخلها أحواض وغرف معتدلة الحرارة وباردة وقاعات للأحاديث، وملاعب على شكل الكوليزيوم تنظم فيه مسابقات المركبات و تجرى فيه أيضا مباريات بين المتصارعين إما بين شخصين أو بين شخص و حيوان مفترس عادة ما يكون الأسد، بالإضافة إلى وجود ملاهي وأسواق عبارة عن ساحات فسيحة ومكشوفة تحاط بها الدكاكين، و منازل أنيقة و قصور فخمة، و موانئ نذكر منها: ميناء سكيكدة، القالة، جيجل، بجاية، دلس ...


    • Blogger Comments
    • Facebook Comments

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: الجزائر وشمال إفريقيا تحت الحُكم الروماني Rating: 5 Reviewed By: Algeria Gate
    Scroll to Top