كان الفاتح من نوفمبر من سنة 1954 تاريخ انطلاقِ رصاصةِ الغضب في الجزائر رفضًا للمستعمِر الفَرَنسي. لم تكن ثورة عفوية و لم تكن ثورة تحركها القنوات الفضائية و شبكات التواصل الصهيونة و دفاتر شِيكات الأمراء.
لم تكن إعلانا للحرب من أجل الحرب أو خلق الفوضى، بل كانت ثورة لها هياكلها و منهجيتها و انضباطها. فانطلقت لتعطي دروسًا في رد الإعتبار، و كرامة النفس و عزة الإنعتاق من نير العبودية و الإستغلال.
لقد كان الإسلام و لا يزال مقومًا أساسيًّا للمجتمع الجزائري، و كان الحاجز المنيع الذي حال دون ذوبان الهوية الجزائرية في الكيان الإستعماري لمدة زادت على 130 عاما. فكان المحرك الخفي و الظاهر و الطاقة الكامنة لمجاهدي جيش التحرير.
إنفجر بركان الإيمان بالله و قدرته على نصر المؤمنين المستضعفين، من قلب الجزائر، فانفجرت الثورة الشعبية في وجه المستعمر الغاشم و زلزلت الأرض من تحت أقدامه السوداء رغم عدم التكافؤ النظري للقوى و التجهيزات.
لم تستطع جيوش فرنسا العسكرية و لا الدبلوماسية و لا الدعائية و لا سياسات القمع و الإغراء من النيل من عزيمة شعب صقلته المحن و التجارب فاستعصى على المستعمر اسغفاله و ترويضه. ثورة تبناها شعب فأنجبت من الأبطال ما لا تسعه مؤلفات، فمنهم من مات في ساحات الوغى و منهم من مات تحت التعذيب و لم يبح بسر و منهم من قُدِّم للمشنقة مبتسما و منهم من مشى راجلا حافيا جائعا لأيام ليلتحق باجتماع أو فصيلة ومنهم من عاش ليرى جزائره حرة و لم يرجُ لجهاده أجرا إلا من خالقه.
لقد تغير الزمان اليوم و تغيرت معه الوسائل و التكنولوجيات و المسميات، و تعددت الأقنعة، و لكن المتربص الحقود واحد و لا زال حاضرا. بل وحد صفوفه و دخل في تحالفات أشد فتكا بضعيف هذا العالم. فتعلم من ماضيه الإمبريالي و أصبح يتحاشى المواجهات المباشرة و الفاتورات المكلفة. فألبسنا شيعا و أحزابا و أقليات، و سخر أموال سفهاء الأمة و عملائها لخدمة مشاريعه التدميرية و التوسعية و الإستعلائية. فأصبحنا نسمي الخراب ربيعا، و الفوضى ثورةً، و اقتتال أبناء الوطن الواحد و الدين الواحد حِراكا شعبيا، و سيطرة المال الأجنبي على السياسات المحلية و الأحزاب ديمقراطيةً، و ضاعت الحقائق في زخرف القول و نفاق القائل.
نحن أمَّةٌ ما زال الخير فينا ينبض بدم الحياة، ويتمتَّع بمقومات الوجود، غير أنَّ وجودنا هذا اعتَراه ما يعتَرِي المعتل من ضعفٍ وانحرافٍ فور نسيان العهود و الإنشغال بجمع الثروات و الإستئثار بها على حساب العدالة الإجتماعية و بناء الدولة القوية التي لا تزول بزوال الرجال، التي هي من مبادئ ثورتنا.
إذا لم يتمَّ تدارُك الموقف، و من خِلال حِرص الدُّوَلِ الصهيو - غربية على تفتيت ما يمكن تفتيته من أمتنا و مكاسبنا لبَسْطِ سيطرتهم أكثر على العالم الإسلامي، فالسِّياق التاريخي اليوم يوحي بخطر وشيك و تقسيم فسيفسائي لدولنا لا يراد لها بعده أن تقوم لها قائمة. فأوفوا بالعهود و صونوا الأمانات و احفظوا تاريخكم الذي كتبه أسلافنا بالدم و التضحيات الجسام.
إنَّ نداءنا من هذا المنبر الجادِّ هو قراءةٌ للأحداث قراءةً واعية، وأخذٌ للحيطة والحذر ممَّا يُحاك ضدَّ المسلمين، و اليقين بضرورة توحيد الصفوف و طرح الأنانيات و الخلافات جانبا و إعادة توجيه العناية إلى رتق الفتق قبل اتِّساعه، وتدارُك العلَّة قبل استِحكامها.
عاشت الجزائر حرة مزدهرة موحدة و عاش المسلمون في أوطانهم آمنين.
بوابة الجزائر
0 comments:
إرسال تعليق