تزامنا مع غياب الإستقرار السياسي بداية القرن التاسع عشر ومسلسل الإغتيالات الذي طال حكام الجزائر الدايات، إشتعلت عدة إنتفاضات أهلية نتيجة للغضب الشعبي على تردي الأوضاع السياسية والمعيشية الناتجة عن الأول.
نذكر من هذه الإنتفاضات على سبيل المثال لا الحصر، إنتفاضات جرجرة سنوات 1804، 1810، 1823م؛ إنتفاضة بلحرش سنة 1804م بالشمال القسنطيني؛ ثورة درقاوة ما بين 1805 و 1816م بالغرب الجزائري؛ وثورة النمامشة والأوراس بين عامي 1818 و 1823م؛ والتجانية بعين ماضي سنة 1826م.
لكن نكتفي هنا بالثورات والإنتفاضات الأشهر والأكثر توثيقا ومن أهمها :
إنتفاضة بلحرش (أو ابن الأحرش)، 1804م :
قادها محمد بن عبد الله الشريف البودالي في عهد الداي مصطفى باشا (المغتال سنة 1805م). إستولى بلحرش في بداية ثورته على القُل ثم عنابة، ثم حاصر بعد ذلك قسنطينة سنة 1804م. وتمكن من سحق جيش باي قسنطينة عثمان الذي خرج للقضاء عليه بتكليف من الداي في معركة وادي الزهور التي هلك فيها الباي ، وكان ذلك سنة 1804م أيضا.
دامت إنتفاضة بلحرش في الشرق أربع سنوات قبل أن يقضي عليها عبد الله بن إسماعيل، باي قسنطينة الجديد، بمساعدة القبائل الموالية. فانتقل بلحرش إلى الغرب وانضم إلى انتفاضة درقاوة حيث قُتل هناك.
إنتفاضة درقاوة، 1805م :
قادها بن عبد القادر بن الشريف الدرقاوي الذي تمكن من السيطرة على رقعة جغرافية واسعة إمتدت من مليانة وسط الجزائر إلى وجدة بالمغرب الأقصى، بعد أن انتصر على مصطفى العجمي باي وهران في موقعة فرطاسة قرب غليزان سنة 1805م.
هاجم بعدها وهران وحاصرها لثمانية أشهر قبل أن يتمكن الباي محمد بن عثمان المقلش من كسر الحصار ومطاردة قوات درقاوة وإخضاع القبائل المتحالفة معه كالبرجية وعامر ومهاجر بمساعدة القبائل الموالية للأتراك، وتم له ذلك سنة 1808م بعد ثلاث سنوات من الكر والفر.
باب : النزعة الإنفصالية و انشقاق الولاة
بعد إخماد ثورة درقاوة، تولى محمد بوكابوس بايلك وهران عام 1808م، وانتمى سرّا إلى الطريقة الدرقاوية وأعلن انشقاقه عن سلطة الداي، وتحالف مع سلطان المغرب الأقصى سليمان، ثم طلب العون العسكري من إسبانيا وبريطانيا مقابل امتيازات اقتصادية يمنحهما إياها.
إنتفاضة التجانية، 1826 م
شن بايات الغرب، وحتى باي التيطري، عدة حملات ضد أتباع التجانية بعين ماضي، إبتداءاً بمحمد الكبير سنة 1784م، لكننا سنقتصر هنا على آخر تمرد للتجانية قُبَيل الإحتلال الفرنسي لاتصاله بالموضوع، وهو انتفاضة 1826م والتي قادها محمد الكبير التجاني.
سار محمد الكبير التجاني نحو مدينة معسكر فدخلها عنوة بعد أن مات من الفريقين خلق كثير. بعد الموقعة، خرج إليه باي وهران حسن بن موسى يطلبه، فالتقى الجمعان في موقعة السمار قرب أولاد رحو. فانهزم جيش التجاني ولم ينجُ منهم أحد، لكن بعد أن قُتل من جيش الباي جمعٌ كثير.
والمؤسف أن الباي حسن قام بالتمثيل بالجثث وصلبها بعدة مدن وأمر بقطع رؤوس قادة الثوار ومنهم رأس محمد الكبير التجاني وبعث بها إلى الداي حسين بالجزائر.
أسرد هذه الأحداث هنا لأنها تفسر الضغائن التي أدت بالتجانية إلى التعاون مع المحتل الفرنسي ووقوفها ضد الأمير عبد القادر في مقاومته للإحتلال فيما بعد.
هذا غيض من فيض من أحداث وعوامل أضعفت الأتراك فمهدت للإحتلال، وأضعفت التلاحم الشعبي واستنزفت قدرات وموارد الأهالي فأفشلت مقاومتها للمحتل.
بارك الله فيك و كأننا نعيش تلك الحقبة... موكوسو
ردحذف