728x90 AdSpace

  • أحدث المواضيع

    أوضاع الجزائر الزراعية قُبَيل الثورة التحريرية

    فلاحان جزائريان إبان الإحتلال



    الجزائر بلد زراعي، هذه حقيقة قديمة، لا تحتاج إلى تدعيم، ولكن الجديد في الأمر هو أن مؤرخي الاستعمار يدعون بأن المعمرين الفرنسيين هم الذين استصلحوا الأراضي، وصيروا ترتبها طيبة. إن هؤلاء المؤرخين يتناسون أو يتجاهلون ما ورد في تقرير السيد "تادنة" الذي قدمه لسلطات الإمبراطورية الفرنسية في أيام عزها، والذي جاء فيه: "إن مناخ الجزائر جميل وأرضها طيبة، توجد بها مراع شاسعة، وسهول فسيحة: تكثر فيها منتوجات أمريكا والهند، بالإضافة إلى ما ينبت في أراضي أوربا، كما أنها تنتج كميات هائلة من القمح والشعير والصوف والجلود والشموع. أما مراعيها فتزخر بأنواع الحيوانات المختلفة مثل الأبقار والأغنام والماعز والبغال والحمير الممتازة".

    ويبدو كذلك أن هؤلاء المؤرخين لم يطلعوا على ما أورده السيد (شايلر) في كتابه "لمحة تاريخية عن الدولة الجزائرية" إذ يؤكد بأن سهول متيجة تعتبر من أحسن الأراضي وأوسعها في العالم، وذلك نظراً لمناخها وخصوبتها وموقعها، وهي تمتد على مساحة قدرها بالتقريب 330 ميلاً مربعاً. 

    صحيح أن سلطات الاحتلال قد استصلحت بعض المستنقعات القريبة من العاصمة لكنها لاتمثل شيئاً بالمقارنة مع ملايين الهكتارات من الأراضي الخصبة التي اغتصبتها سواء من أملاك الدولة الجزائرية أو من أملاك الأعراش والخواص ثم وزعتها على الكولون المرحين من الجيش أو المرافقين له وعلى عدد من الشركات الفلاحية التابعة لمختلف المؤسسات الفرنسية في "المتروبول". 

    وكانت معظم الأراضي في الجزائر، قبل الاحتلال الفرنسي، ملكاً مشاعاً للأعراش التي كانت تستثمرها جماعياً لتحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي وتصدير الفائض من الإنتاج إلى المشرق وإفريقيا السمراء وإلى بلاد جنوب أوربا على وجه الخصوص ثم جاءت قرارات القادة العسكريين االفرنسيين ومراسيم السلطات الاستعمارية فأباحت اغتصاب تلك الأراضي بسبب مشاركة أصحابها في الانتفاضات الشعبية المختلفة وتسليمها بالمجان إلى المعمرين الأوربيين. 

    وبفعل عمليات الاغتصاب تلك تحول الفلاحون الجزائريون الذين كانوا، قبل الاحتلال، يمثلون الأغلبية الساحقة من السكان، إلى مجرد خماسين أو أوأجراء موسميين أو إلى أناس عاطلين تماماً عن العمل يعيشون من التسول أو من الأعشاب والنباتات التي تجود بها الطبيعة. 

    وما كاد يحل الاحتفال بمرور قرن على الاحتلال حتى فقدت الجزائر قدرتها على تحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي وتحولت من منتج للحبوب ومصدر لها إلى بلد مضطر لاستيراد المواد الغذائية الضرورية لحاجات سكانه. 

    مثل هذه الحقائق تفرض علينا طرح أسئلة كثيرة، وفي مقدمتها: كيف انقلبت الأوضاع بهذه الصورة وبتلك السرعة؟ والجواب يكون سهلاً ومعقولاً، إلا على الفرنسيين، ويكمن في التالي: إن المهاجرين الأوربيين كانوا يجهلون طريقة الاعتناء بالفلاحة، ولم يكونوا يهدفون لغير الإثراء بأية طريقة كانت، لأجل ذلك، ركزوا مجهوداتهم على استنزاف الثروات، وتسخير الأرض بدون حساب، كما أنهم لم يهتموا باستصلاح الأراضي البور، أو الأراضي الموات الممتدة على ملايين الهكتارات جنوب التل شرقاً وغرباً. 

    وبالإضافة إلى إهمال العمليات الاستصلاحية التي كان من الممكن أن تقلب الجنوب الجزائري جنة خضراء، قادرة على تغذية عشرات الملايين من البشر، فإن المستعمرين قد وجهوا ضربة قاسية ما زالت بصماتها واضحة المعالم على فلاحتنا، وتتمثل في تخصيص حوالي نصف مليون هكتار من أحسن الأراضي لغراسة الكروم المنتجة لعنب الخمور، مع العلم أن الجزائريين مسلمون ولا يستهلكون المشروبات الكحولية. 

    وعلى حساب الحبوب أيضاً اهتم الكولون بالحوامض التي كانت تدر عليهم أضعاف أضعاف ما كانوا يجنونه من القمح والشعير. ولقد تطور منتوجها من سبعمائة ألف قنطار سنة 1931م إلى مليونين وسبعمائة وستة عشر ألف قنطار سنة 1950م وأصبح بذلك يحتل المرتبة الثانية في قائمة الصادرات بعد الخمور التي كانت تنتج بمعدل 16 مليون هكتار سنوياً عندما اندلعت الثورة الجزائرية. 

    ولصالح الكروم والحوامض قضي، في ضواحي معسكر، على زراعة الأرز  وكذلك الأمر في شمال شرقي الجزائر، حيث أهملت زراعة القمح وسائر أنواع الحبوب الغذائية والفول والعدس وغيرها. 

    وإذا كانت مغارس الكروم والحوامض قد أنشئت على حساب زراعة القمح والشعير، فإن اقتصار المعمرين على استغلال المساحات التي وجدها عند الغزو، وعدم التفاتهم إلى الجنوب حيث تتكاثر المياه الجوفية، قد أديا، بسبب ارتفاع عدد السكان وبالتالي تزايد الحاجيات، إلى تحويل الجزائر من بلد مزدهر إلى مستعمرة لا يستفيد منها سوى الكولون الذين اجتمعت بين أيديهم حوالي ثلاثة ملايين هكتار من أخصب الأراضي. 

    وعلى هذا الأساس فإن سنة 1954، قد وجدت الفلاحة الجزائرية متقهقرة بالنسبة لما كانت عليه قبل الغزو: وإن تعسفات الاستعمار، وعمليات الاغتصاب التي قام بها، والتي تعرضت لها كافة أنحاء الوطن، وكذلك روح المستعمرين الانتهازية الاستغلالية، كل ذلك ترتب عنه إبعاد الفلاحين الجزائريين عن التسيير في مجال الزراعة، لتحويل معظمهم إلى آلات تسخر لخدمة المستغليين الأوربيين من جهة، ولتزويد الفلاحين الفرنسيين بما يحتاجون إليه لتحسين منتوجاتهم، ولتنمية طاقاتهم الإنتاجية من جهة ثانية. 

    وتجمع الإحصائيات بالنسبة للعشرية التي سبقت الثورة، أن الأراضي الصالحة للفلاحة، تبلغ مساحتها أحد عشر مليون هكتار: منها ثمانية بيد الجزائريين الذين يمثلون تسعة أعشار السكان، وثلاثة ملايين هكتار بيد حوالي خمسة وعشرين ألف مستعمر، لأن الباقي يحتكرون التجارة الخارجية والصناعة الهامة ويشغلون مناصب القيادة على اختلاف أنواعها في جميع الميادين. 

    ولئن كان ممكناً الحديث بإسهاب عن الفلاحة الجزائرية قبل اندلاع الثورة، والإيفاء بذلك الحديث يتطلب عشرات المجلدات، خاصة إذا أردنا التعرض للتفاصيل، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للتجارة الخارجية والصناعة لأنهما تكادان تكونان وقفاً على المعمرين الذين يحتكرون كما ذكرنا، عمليات التصدير والتوريد، واستغلال المناجم على اختلاف أنواعها.

    • Blogger Comments
    • Facebook Comments

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: أوضاع الجزائر الزراعية قُبَيل الثورة التحريرية Rating: 5 Reviewed By: Algeria Gate
    Scroll to Top