728x90 AdSpace

  • أحدث المواضيع

    حرب الإبادة الجماعية الفرنسية ضد الشعب الجزائري إبان الليل الاستعماري الطويل

    حرب الإبادة الجماعية الفرنسية ضد الشعب الجزائري إبان الليل الاستعماري الطويل


    خلف الله سمير الطارف / الجزائر

    " السعوا أول من ترونه واستمدوا حياتكم من موته " أرسطوفان الزنابير 422 ق م01 هذا هو دين المستعمر الفرنسي في الجزائر طوال وجوده فيها .

    بداية نقول كم يا ترى قد قتل الاستعمار الفرنسي من الجزائريين وهذا منذ دخوله إلى الجزائر على إثر اعتداء 1830 وإلى غاية خروجه منها في العام 1962 ؟ المؤرخ الفرنسي الشيوعي جاك جوركي Jacques jurguet يخبرنا بأن فرنسا قد قتلت 10 ملايين جزائري خلال حقبة ليلها الاستعماري الطويل 02 . وإننا لنجد بأن رقم 10 ملايين شهيد يمثل فقط العدد الظاهر ممن قتلتهم فرنسا من أبناء الشعب الجزائري . ونحن هنا من حقنا أن نتساءل ترى لو أن هذا الرقم المهدور قد بقي على قيد الحياة ونما نموا ديمغرافيا طبيعيا بعيدا عن الثالوث الأسود والذي نشره الاستعمار الفرنسي في الجزائر والمتمثل في الجوع والمرض والجهل والذي قتل هو الآخر من الجزائريين مثل ما حصده رصاص وسيف جنود فرنسا الاستعمارية , نقول ترى كم كان سيكون عدد سكان الجزائر في العام 1962 وهذا لو بقي نمونا السكاني يسير بوتيرة طبيعية ومنتظمة ؟ الشيء الأكيد أنه لن يكون بين 9 و 10 ملايين نسمة وإنما هو حتما كان سيكون قرابة الخمسين مليون نسمة كأقل تقدير ونحن هنا نعتمد النمو السكاني الطبيعي في الجزائر كمعيار لنا في تقديراتنا هذه وبدلا من الأربعين مليون اليوم ( 2015 ) فالعدد حتما كان سيكون قرابة التسعين مليون نسمة . وعليه ففرنسا الاستعمارية قد قتلت وأبادت من الجزائريين أكثر من 50 مليون نسمة وهي جريمة لا نستطيع أن نتصور كيف يستطيع الفرنسيون تحمل تبعاتها الأخلاقية وكيف سيستطيع ضميرهم اليوم وغدا تجاوزها والتعايش معها ومع ذلك الماضي الأسود لبلادهم ؟ .

    وسوف نتناول في دراستنا هذه العناصر التالية :

    فرنسوا هولاند وموقفه من سياسة الإبادة الجماعية الفرنسية في الجزائر
    جريمة الإبادة في القانون الدولي
    هدف فرنسا الاستعمارية من وراء انتهاجها لسياسة الإبادة الجماعية ضد الجزائريين
    مبرر فرنسا الاستعمارية في إبادة الجزائريين
    خلق الظروف الملائمة من قبل الإدارة الاستعمارية لإبادتنا
    سياسة الأرض المحروقة ومسؤوليتها عن الإبادة الجماعية للجزائريين
    نماذج من عمليات الإبادة الجماعية الفرنسية في الجزائر
    وماذا عن الإبادة الحضارية لشعبنا ؟
    وأخيرا لماذا لم يبدونا ؟

    فرنسوا هولاند وموقفه من سياسة الإبادة الجماعية الفرنسية في الجزائر

    إن السيد فرانسوا هولاند François Hollande يقول بأن الفرنسيين في الجزائر لم يكونوا ينوون إبادة الشعب الجزائري وإننا لنجد هذا الكلام مزاح ثقيل جدا يماثل النكتة القائلة بأن الأوروبيين في أمريكا لم يكونوا ينوون أبدا إبادة الهنود الحمر وإن هم قد ماتوا وحسب أدبياتهم طبعا فإن ذلك الموت قد كان  قضاء وقدرا ولئن صدقنا هذه المغالطة المفضوحة فإننا نصدق أيضا ما يقوله الفرنسيون أيضا فيما يخص سياسة الإبادة الجماعية في الجزائر .

    إن السيد فرانسوا هولاند يغالطنا وهذا عندما يدعي بأنه لم تحدث حرب إبادة في الجزائر . سيدي الكريم إن الفرنسيين ومن بعد سقوط مدينة الجزائر بأيديهم قد قرروا الاحتفاظ بالجزائر ككل كجزء من ممتلكاتهم فيما وراء البحار وأن يجعلوا الجزائر مقاطعة فرنسية . ولذلك فقد شرعوا في استقدام المستوطنين الأوروبيين إلى الجزائر وتقرر الاستيلاء على أراضي الجزائريين ومنحها لهم ونحن لا ننتظر بأن يتنازل الجزائريون عن أراضيهم وعقاراتهم عن طيب خاطر لهؤلاء الدخلاء . ومن هنا تقرر إفراغ الجزائر من أهلها حتى يتسنى لهم توطين الأوروبيين في مكانهم . ولقد كان من أبرز المتحمسين لتك السياسة الجنرال كلوزيل Bertrand Clauzel والذي عاش لفترة في أمريكا الشمالية وتوهم أن سياسة التهجير والإبادة الجماعية التي مارسها الأوروبيون هناك ضد الهنود الحمر ستنجح أيضا في الجزائر 03 . ولكن هذه السياسة الخرقاء قد لقيت معارضة من قبل بعض الفرنسيين أنفسهم مثل الإمبراطور نابليون الثالث والذي أعرب عن رأيه في رسالة بعث بها إلى الحاكم العام مكماهون Edme Patrice Comte de Mac-Mahon في العام 1865 والتي جاء فيها بأنه لا يمكن الفضاء على ثلاثة ملايين من الجزائريين أو رميهم في الصحراء كما فعل الأمريكان بالهنود الحمر 04 . وهذا طبعا لأنه قد كان على علم تام بنوايا الفرنسيين تجاه الجزائريين وأنهم عازمون على إفنائهم وإبادتهم . تلك النوايا التي ترجمها المستعمر على أرض الواقع ورآها ذلك الإمبراطور متجسدة فيما ارتكبته جيوش فرنسـا من أعمـال التقتيل والتخريب والحرق والنهب والسلب والتشريد وقطع الرؤوس ما لا يمـكن وصفه 05 .

    نعم يا سيدي الرئيس إن ما حدث في الجزائر لم يكن حربا كما تدعى أنت فالحرب تكون بين جيش وجيش أما أعمالكم أنتم فقد كانت أعمال عصابات ومجرمين وقطاع طرق كما سنراها فيما بعد ضد سكان عزل أمنين ذبحتموهم كالخرفان نساء وأطفال وعجائز ورجال مسالمين وهذا بشهادة جنودكم وقادة جيوشكم من د يبرمون Louis Auguste de Bourmont وإلى غاية الجنرال ديغول فهم يؤمنون فقط وكما يرى الدوق دي روفيقو Jean Marie duc de Rovigo بأن : " كل الضربات مباحة مع الأهالي " 06 . نعم إن جيشكم يا سيدي الكريم قد كان معتديا وقاد حربا غير مشروعة في الجزائر لتحقيق أهداف استعمارية لا علاقة للجزائريين ولا لشرفاء وأحرار فرنسا بها . ومن بينها حلم أخرق مضمونه خرافة استعادة الكاثوليكية لمجدها في شمال إفريقيا . ونحن هنا لسنا ضد الديانة المسيحية ولكن أن تتحالف مع المجرمين وقطاع الطرق والقتلة ممن واكبوا عملية غزو الجزائر فهنا القضية لا بد من أن يتخذ منها الواحد منا موقفا محددا . سيدي الكريم وهل مجازركم في الثامن ماي 1945 وقتلكم للمدنيين العزل كانت أيضا أعمال حربية لجيش ضد جيش ؟ أم أنها قد كانت انتقام الجبناء والعبد الذي أصبح سيدا وهذه هي الحقيقة المرة والتي عليكم طال الزمن أم قصر أن تواجهوها وجها لوجه وتعترفون بها .

    ألا يعلم السيد هولاند بأن الجيش الفرنسي العامل في الجزائر كان يريدها حربا مفتوحة ومتواصلة في الجزائر وهذا لكي يضمن وضع يده على المزيد والمزيد من الأراضي الزراعية الخصبة والتي يحتاجها لتوطين فيالق المعمرين المتدفقين على الجزائر ومتى انتهت حالة الحرب انتهت معها عمليات مصادرة الأراضي وتحويل ملكيتها لهؤلاء الغرباء القادمين بحثا عن الثروة والثراء السريع في الجزائر ولهذا وجب وكما يقول بيجو Thomas Robert Bugeaud وضع الجزائر في حالة حرب دائمة لتستمر معها عمليات التسابق لنيل المجد والمرتبة والترقية والأرباح العاجلة 07 وعليه وجب أن تكون الحرب في الجزائر دائمة ويفتعلها الجيش الفرنسي ولهذا وجب كذلك نقض الصلح وإعلان الحرب في كل لحظة لتحقيق غاية يخبرنا بها الجنرال بيجو وهذا حينما يقول : " فمن أراد أن يكون ظالما عليه أن يكون قويا وقد كتب علينا أن نكون ظالمين في إفريقيا – الجزائر – لكيلا نكون مظلومين في فرنسا " 08 وبعد هذا ترى من هو المعتدي والظالم في الجزائر ومن هو المعتدى عليه والمظلوم يا سيد فرانسوا هولاند ؟ .

    كما أنه يبدو بأن السيد فرانسوا هولاند لم يقرأ ما خطه رؤساء الحرب الفرنسية في الجزائر بخط يدهم عن أعمالهم والتي لا علاقة لها بالحرب ولا بقوانينها وإنما هي أعمال لصوص وقطاع طرق ومجرمين ومرضى نفسانيين . تري أين هو الدفاع عن النفس في إبادة القبائل الآمنة وقتل الآمنين والمسالمين والنساء والأطفال والشيوخ وها هو لاموريسيير Louis Juchault de Lamoricière  يقول : " رابطنا في وسط البلاد وهمنا الوحيد هو الإحراق والقتل والتدمير والتخريب ولكننا نطارد من كل جانب حتى تصبح النساء والأطفال بين سبي وذبيح والغنائم بين سلب ونهب " 09 . وأين هي مظاهر الدفاع عن النفس في مثل هذه الجرائم يا سيد هولاند ؟ أهي في ذبح الأطفال والنساء وفي أعمال السلب والنهب ؟ . وهذه الأخيرة وبشهادة سانت ارنوا Armand Jacques de Saint-Arnaud لم تبق مقتصرة على الجنود فقط بل أصبحت أيضا المهنة المفضلة للضباط ولجيشهم والذي أينما حل إلا وأصْلى المنطقة نارا حامية كتخريب مدينة معسكر في العام 1835 10 . ترى أين هؤلاء المعتدون الأشباح والمفترضين على الجيش الفرنسي إلا في مخيلة السيد فرانسوا هولاند ؟ وأين ومتى هم قد اعتدوا على الجيش الفرنسي الغازي ؟ . سيدي الكريم إنه ومن أسماء فرقكم العسكرية نستنتج بأنها فرق هجومية لا دفاعية فمونتياك يسمي فرقه بمشاة الموت لا الدفاع وبيجو يسميها بالطوابير الجهنمية 11 . يا سيدي الكريم إن جيشكم قد قتل الجزائريين عن عمد ليتحصل على مجد زائف وعلى ترقيات كاذبة على أشلاء الأبرياء . فها هم أسلافك من الاستعماريين يعترفون ويقرون بأنه ومن بعد أن : " قضينا على حكم عبد القادر وشتتنا جيشه كان لزاما علينا أن نستولي على الأموال والأرزاق وأن نتلف المحاصيل الزراعية لكي نرغم القبائل على الاستسلام " 12  ولئن استسلمت القبائل فسوف يرغمونها على أن تحاربهم مجددا وهذا لاعتناقهم لفكرة الحرب لأجل الحرب والتي أصبحت من الفنون الجميلة عند الفرنسيين 13 وبعد كل هذا نسمعهم يتحدثون عن الحرب الدفاعية . ولعل السيد هولاند تشابهت عليه الأمور كما تشابه البقر على بني إسرائيل فأصبح يعتبر محاربة : " قطعان الماشية والمستضعفين من السكان العزل الواقعين تحت وطأة الجوع والشقاء " وهذا كما يخبرنا بذلك المارشال دي كاستيلان Le Maréchal de Castellane في العام 1843 14 أعمالا عسكرية دفاعية مشروعة وهنا لا بد أن نوقف النقاش فورا لأننا نكون بهذا قد دخلنا في العبثية ذاتها .

    كما أن السيد هولاند يقول بأنها لم تكن إبادة فقط لأنهم لم يقتلوا كل الجزائريين ونحن هنا نرفض الكيل بمكيالين ونقول له وهل البيض في أمريكا قد أبادوا كل الهنود الحمر الجواب الأكيد هو لا . وهل الأتراك هم الآخرون قد أبادوا كل الأرمن الإجابة هنا أيضا بلا ، هذا طبعا إن كانوا أصلا قد ارتكبوا ضدهم حرب إبادة جماعية . وهل هتلر Adolf Hitler قد أباد هو الآخر كل اليهود الجواب هنا أيضا بلا . فلماذا إذن تعتبرون ما حدث للأرمن إبادة وما حدث للهنود الحمر ولليهود أيضا إبادة وأين عدد من قتل من الأرمن مقارنة بمن قتل من الجزائريين فلماذا إذن التباكي على كل هؤلاء وعندما نصل إلى إبادة الجزائريين نتعامى عن الحقيقية ونحاول التحايل عليها وطمسها وتجاوزها وإيجاد مبررات لها ؟ والتحايل حتى في تسميتها . لا يا سيد هولاند فكلامك هذا مردود عليك ذلك أن جريمة الإبادة الجماعية وحسب القانون الدولي لا تحصل فقط عند إبادة لكل الشعب أو لكل الأمة أو لكل المجموعة البشرية وإنما تحدث عندما ينكر على ما سبق ذكرهم وهذا إما بصفة جماعية أو على بعض أعضائها الحق في الحياة وهذا ما حصل في الجزائر إنكم قد أنكرتم علينا حقنا في الحياة وبصورة جماعية كأفراد أو كجماعات وهذا حسب المناسبات ثم شرعتم في عملية إبادتنا قدر ما تستطيعون والتاريخ شهد على هذا ولا يمكنكم تغييره أبدا .

    نعم إن ما حدث في الجزائر أحببنا أم كرهنا يدخل في إطار الإبادة الجماعية لأنه لا يشترط فيها قتل كل السكان حتى نقول بأن هناك إبادة قد حدثت بحقهم فهتلر وكما مرّ أعلاه لم يقتل كل يهود أوروبا ومع ذلك تم توصيف أعماله بأنها إبادة لليهود في أوروبا أو ما يعرف بالمحرقة النازية وهي تعبير يستخدم كمرادف لمصطلح الإبادة . وكذلك الحال فقد استخدمت اللفظة في وصف عمليات التقتيل الوحشية والتي حدثت بحق سكان البوسنة Bosnie من قبل الصرب في العام 1995 أو ما حدث في رواندا Rwanda في العام 1994 وهذا حينما تم قتل الآلاف من قبيلة التوتسي Tutsi والأمثلة كثيرة ومتنوعة ولماذا فقط قتل الآلاف من البشر والتي هي جريمة غير مقبولة ومهما كانت مبرراتها ومن العار أن ننصت حتى لمن يقدمها ذلك أن هذا العمل الإجرامي أي قتل آلاف البشر يدخل ضمن خانة الإبادة الجماعية المقيتة . وعندما يقتل الملايين من الجزائريين نقول بأن كل ما في الأمر أن هناك عمليات حرب وليست إبادة . إن هذا لهو منطق القوى فهو من يحدد طبيعة ما يفعله فالقوة تقلب الحق باطلا والباطل حقا ولكوننا جزائريين فأرواحنا لا تتساوى مع أرواح الإنسان الأعلى وهي ليست أهلا للاحترام والتقدير وعلية فلا مشكلة هنا في ممارسة النفاق القانوني والكيل بمكيالين تجاههم هم وتجاهنا نحن . أم أن تلك القوانين الدولية تراها قد وُضِعَـتْ فقط لما كانوا هم ضحايا لسياسة الإبادة الجماعية وبالتالي فقد وضعوها لمعاقبة أعدائهم ولحماية أنفسهم في المستقبل لا أكثر ولا أقل من هذا أما باقي الأجناس الأخرى فهي أعراق دون البشر ولذا فلا مشكلة في إبادتها .

    ثم لماذا يتباكى البعض على مجازر الأرمن وعلى المحرقة اليهودية وعلى مذبحة سربرنيتشا Srebrenica وعلى مذبحة حماة وعلى عمليات الأنفال وعلى عمليات الإبادة الجماعية في رواندا وعلى هيروشيما Hiroshima ولكننا لا نجد أية إشارة ولو يتيمة إلى إبادة الجزائريين من قبل الفرنسيين والجواب هنا بسيط فالحق وكما مرّ أعلاه وكما يعلمه الجميع يصنعه الأقوى وفق ما يخدم مصالحه هو ولذا فإن سياسة اللاعقاب مع البعض واعتبار ما حدث قد حدث وانتهي الأمر ويجب أن لا يتكرر وفقط هي القاعدة المستخدمة مع الأضعف . في حين أن نفس الأمر إذا ما حدث مع مجموعة أخرى فإنه أمر لا ينسى ويجب معاقبة مرتكبيه لأنه حق وجريمة لا يسقطان بالتقادم وأي عنصرية أكبر من هذا ؟ وأي مصداقية تبقي للهيئات والمؤسسات الدولية بعد هذا ؟ .

    والرئيس فرانسوا هولاند هنا إما هو جاهل بالقانون الدولي أو هو يحاول مغالطتنا وليس من حقنا أن نقول عنه هذا أو ذاك لأنه ليس من حقنا أن نحكم على نوايا الآخرين ولكنه من حقنا أن نذكّـره بأن مصطلح الإبادة الجماعية يستخدم في القانون الدولي للدلالة على : " الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية " ويدخل تحت هذا الإطار القتل الممنهج لمجموعة سكانية أو تهيئة الظروف والتي ستؤدي لا محالة إلى إبادتهم وبصورة كلية أو جزئية كسياسة التجويع مثلا . إضافة إلى ما سبق فالقانون الدولي واضح فيما يخص هذه المسألة فيدخل تحتها أيضا زيادة على الإبادة الجماعية لمجموعة سكانية عنصر : " التآمر لارتكاب الإبادة الجماعية ؛ والتحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية ؛ ومحاولة ارتكاب الإبادة الجماعية ؛ والتواطؤ في الإبادة الجماعية . " وأن تكون تلك الجريمة مرتكبة من قبل حكومة بلد ما ولذلك فإننا هنا نجد بأن كل أركان جريمة الإبادة الجماعية متوفرة فيما ارتكبه الاستعمار الفرنسي من جرائم ضد الإنسانية في الجزائر وهو ما حدث وبصورة جلية لا لبس فيها . ففيها تمت عمليات القتل الجماعي للجزائريين كما حدث في مختلف الجرائم المرتكبة في حق القبائل الجزائرية كقبيلة العوفية وأولاد رياح وبني صبيح والزعاطشة . أو في تلك السياسة والتي انتهجها المستعمر من خلال مصادرة أراضي الجزائريين ومنعهم وبالقوة من فلاحة أرضهم مما ترتب عنه مجاعات سنوات 1866-1867-1868-1869 والتي راح ضحيتها نصف مليون جزائري . وكل هذه الحقائق تتطابق مع تعريف مصطلح الإبادة الجماعية في القانون الدولي فكيف يأتي السيد هولاند ويستحمرنا بعد كل هذا ؟ .

    نعم لقد جانب فرانسوا هولاند الصواب وهذا عندما ادعى بأن أعمال الجيش الفرنسي العسكرية في الجزائر هي عملية دفاع عن النفس نتيجة لاعتداءات الجزائريين على الجيش الفرنسي النبيل والذي لا يمكن لأحد أن يزايد على أخلاقه وعلى احترامه لقوانين الحرب وعلى الكولون المسالمين وهو هنا يغالطنا وبصورة مفضوحة . فالمعتدي هو الجيش الفرنسي الغازي والذي أباد قبيلة العوفية بكاملها وفي ليلة واحدة مما حفز روح المقاومة لدى الجزائريين وهذا بهدف الدفاع عن أرواحهم وعن أعراضهم وعن ممتلكاتهم والتي تزهق وتنتهك وتنهب . وهذا الوضع أي دفع الجزائريين صوب الثورة هو ما يبحث عنه الاستعمار ليجد مبررا لمصادرة أراضيهم وإبادتهم وهي خطة قديمة وليست بالجديدة أبدا يستخدمها كل محتل وكل غازي فها هو الكاردينال خمينيسFrancisco Jiménez de Cisneros قد دفع بالمورسكيين Les Morisques إلى الثورة ليجد مبررا ليتحلل مما بقي من العهود ومن المواثيق التي أعطيت لهم وهي نفس الخطة الدنيئة تتكرر مع الجزائريين ليتنصل المستعمر من آخر ما تبقى من عهود ومواثيق يكون قد أعطاها للجزائريين والتي سماها كلوزيل clozel مجرد لعبة حرب 15 وهذا في إشارة منه إلى اتفاق الداى حسين ودي برمون ولكي يكشف وبصورة نهائية عن حقيقة أهدافه من وراء غزوه للجزائر وعن حقيقة وجهه الاستعماري القبيح .

    إن السيد هولاند وبكلامه السابق يريد أن يوهمنا بأننا نحن المعتدون وهم الضحايا أي أنه يجعل المنطق مقلوبا كما يقال فكأننا نحن من غزونا مارسيليا وباريس ونحن من شردنا شعبهم ودمرنا بلادهم . إنه منطق جنون العظمة والأستاذية الفارغة ولئن صدقنا كلامه هذا فعلينا أن نصدق أيضا أكاذيب الو م أ حول إبادة الحمر ومن أنها هي الأخرى قد كانت في حالة دفاع عن النفس . فمن عدد 12 م نسمة أنزلوا تعدادهم إلى واحد مليون فقط وهذا الواحد مليون هو من أشعل نار الحرب ضد المستوطنين الأوائل فاحترقوا بالنار التي أشعلوها ومن مات منهم خارج حروبهم العدوانية هذه فقد مات بالأمراض المتنقلة عن غير قصد من الأوروبيين البيض وبهذه الشقلبة البهلوانية أصبح الغزاة ضحايا والضحايا مجرمين وهو نفس منطق السيد فرانسوا هولاند .

    إن مقاومتنا للاستعمار الفرنسي لم تكن أبدا اعتداء على جيش الغزو المسالم وعلى هؤلاء المستوطنين الطيبين طيبة الحواريين والملائكة وإنما مقاومتنا وكما يخبرنا عنها المؤرخ الكبير أبو القاسم سعد الله ما هي إلا رد فعل طبيعي على إجراءات الاستعمار التعسفية وعلى جملة الأضرار البليغة والتي مست الجزائريين وعلى جور الفرنسيين واستهتارهم 16 وكل هذه السلبيات تأتت لأن الفرنسيين كانوا يهاجمون الجزائريين هجومات عدوانية لا هم يدافعون عن أنفسهم كما ادعى السيد هولاند . والذي يدافع هو من يدافع عن أرضه لا أن يغزو أراضي غيره ويعتدي عليها كما هو حال الجيش الفرنسي العامل في الجزائر والذي مارس سياسة القهر والعنف ضد الجزائريين وسياسة الحرب والإبادة ضد المقاومة حتى أنه من الصعب ذكر تفاصيل عهده المظلم في هذا المجال وهو هنا أي أبو القاسم سعد الله يقصد السفاح بيجو وفترة حكمه للجزائر في الفترة ما بعد 1841 17 وعملياته الحربية والهجومية تلك هي ما اصطلح عليها بالرزاياrazzia  والتي ما هي إلا أعمال إجرامية على شكل هجومات كان يقوم بها الجيش الفرنسي لتقتيل وتشريد الجزائريين وبث الرعب بينهم والاستيلاء على ممتلكاتهم على شكل غنائم .

    يا سيد هولاند أين هو عنصر الدفاع عن النفس في اقتراف جرائم إبادة في حق الجزائريين بهدف التسلية والترفيه عن النفس كما يخبرنا به العقيد ديمونتنياك Demonitagnac والذي يقول بأنه قد يقطع الرؤوس لطرد الخواطر المحزنة التي تساوره أحيانا 18 . وهو ليس وحده في إتيان هذا العمل المخزي بل يشاركه فيه أيضا الجنرال شانغارنييه Général Changarnier والذي يتحدث عن جنوده بالقول : " لقد وجدوا خير تسلية لهم في الغارات التي كنت أشنها في الشتاء ضد القبائل المناهضة لنا فيما بين الحراش وبوركيكة " 19 . ولهذا فقد أصبحت الحرب عندهم من الفنون الجميلة كما يخبرنا بذلك مصطفي الأشرف في كتابه الجزائر الأمة والمجتمع . وهنا يمكن القول بأنهم قد رجعوا إلى أحلك أيام الرومان همجية والموغلة في الممارسات البربرية والوحشية والتي لا تأتيها حتى الضباع فما بالك بالأسود نعم فحتى الضباع لا تقتل لأجل القتل وكفي وإنما تقتل لأجل ضمان استمرار وجودها فأي هدف إنساني نبيل في قتل إنسان لأجل الترفيه عن النفس ؟ ؟ وبعد هذا لا يستحي السيد فرانسوا هولاند ويتحدث عن عمليات دفاع عن النفس وأي مسخرة أكبر من هذا ؟ ؟ .

    يا سيد هولاند إن تلك الحرب الوحشية والتي شنتها بلدكم على الجزائريين لم تكن أبدا حربا للدفاع عن النفس وإنما كانت حربا عدوانية على الأبرياء وعلى العزل وعلى الضعفاء الهدف منها هو ما يخبرنا به الجنرال كافينياك Général Cavaignac والذي يقول بأن : " الغارات والحرائق ما كانت في نظره إلا من بين الأساليب الوحشية التي هو مضطر ومكره على استعمالها من أجل القضاء على المقاومة وجمع الغنائم لمكافأة الأصدقاء والأوفياء له أو التعويض عما خسره " 20 ولتحقيق تلك الغايات النبيلة عندهم فخطتهم هي ما نجدها عند ديمونتنياك هذا والذي اشتهر كقاطع للرؤوس ، فهو يقول في كتابه رسائل جندي : " أننا رابطنا في وسط البلاد وهمنا الوحيد الإحراق والقتل والتدمير والتخريب حتى تركنا البلاد قاعا صفصفا ، إن بعض القبائل لازالت تقاومنا لكننا نطاردها من كل جانب حتى تصبح النساء والأطفال بين سبي وذبيح والغنائم بين سلب ونهب 21 وعلى السيد هولاند أن يخبرنا على ما يسميه هو بالدفاع عن النفس في كل ما سبق ذكره .

    ثم هو يقول بأن ما حدث كان من ضرورات الحرب وعن أي ضرورات للحرب يتحدث الرئيس الفرنسي هولاند وهذا عندما تباد قبائل بأكملها وهي نائمة ليلا كقبيلة العوفية مثلا في شهر أفريل من العام 1832 . وأي ضرورة للحرب في قتل النساء والأطفال الرضع وهم ملتصقين بصدور أمهاتهم وهذا بهدف سلب الحلي والأقراط وأي ضرورة للحرب في إبادة قبيلة بكاملها بالدخان داخل كهف ؟ وهذا من بعد استسلامها وقبولها لكل شروط المعتدي الغازي . ثم هو يقول بأن الجيش الفرنسي قام بعمليات عسكرية في الجزائر دفاعا عن نفسه ترى من قدم دعوة لذلك الجيش لاحتلال الجزائر ؟ وماذا كان ينتظر من الجزائريين وأغراضهم تنتهك فحتى العجائز لم يسلمن من الاغتصاب وهذا بشهادة رواد الاستعمار الأوائل وماذا كان ينتظر منهم وأراضيهم تصادر لتمنح لشذاذ الأفاق وديارهم يسلبها منهم الأعداء ويستقروا فيها . وماذا كان ينتظر وسانت أرنو Jacques Leroy de Saint-Arnaud وغيره من مجرمي الحرب في الجزائر يقترفون كل تلك الفظائع هل كان ينتظر أن يستقبلهم الجزائريون بالورود ؟ . ثم هو هنا يرتكب مغالطة كبرى ترى من كان في حالة دفاع عن النفس هل هو الجيش الفرنسي الغازي والمحتل والمغتصب والمعتدى أم هم الجزائريون المعتدى عليهم من قبل الجيش الفرنسي في الجزائر والذي لم يكن يدافع عن نفسه بل كان في حالة عدوان سافر على شعب آمن ولئن يدعي بأنه عدو الأتراك فالأتراك قد رحلوا فما هو مبرر بقائه في الجزائر ولا مبرر سوى الغزو والنهب والسلب .

    وعليه فمن الواجب وضع الأعمال الإجرامية والتي قام بها الجيش الفرنسي في الجزائر في سياقها التاريخي الحقيقي حتى تتضح الرؤية أهي أعمال دفاعية أم أعمال إجرامية وعدوانية والفيصل هنا هي هذه الفقرة والتي جاء فيها : " وكانت هناك عمليات قتل انتقامية ووقائية وأخرى جماعية فالتقتيل الانتقامي تحت اسم التهدئة ، فبعد كل انتفاضة متفرقة لأشخاص يطلبون الثأر لشرفهم أو ما لحقهم من ظلم والتقتيل الوقائي لمنع الانتفاضات ، بهدف ردع وٕإرهاب السكان ، والتقتيل الجماعي بشن عمليات الرزايا لتجويع وتشتيت من بقي على قيد الحياة من الأطفال والنساء " 22 وأين هو الدفاع عن النفس في كل ما سبق ذكره في هذه الفقرة ؟ .

     وكيف لا نسمي ما حدث حرب إبادة جماعية وها هو العقيد مونتانياك يقول بأن بعض الجنود قد أخبروه بأن ضباطهم يلحون عليهم ألا يتركوا أحدا حيا بين العرب ، كل العسكريين الذين تشرفت بقيادتهم يخافون إذا أحضروا عربيا حيا أن يجلدوا ولذلك فكل من يقع بين أيديهم من الجزائريين فقد كان يذبح وعلى الفور وتحمل رأسه على مدك البندقية 23 والسر القائم وراء هذه الهمجية والبربرية معروف ونجده فيما اخبرنا به ألكسيس دو طوكوفيل Alexis de Tocqueville والذي يقول : " إننا نقوم بحرب أكثر بربرية من العرب أنفسهم ... لم يستطع الفرنسيون هزم العرب حربيا فهزموهم بالتدمير والجوع " 24 وهم هنا ليسوا بجيش فاتح وإنما هم عبارة عن مجموعات من اللصوص ومن قطاع الطرق والمجرمين يمتلكون قوة عسكرية مكنتهم من تجسيد أعمالهم الشريرة والشيطانية على أرض الواقع ضد الأبرياء والعزل من السلاح وضد النساء والأطفال والعجزة نقولها ونرددها وهذا ليس تجنى عليهم فهو ما يصادفنا أينما وجهنا أنظارنا في كتاب مطاردة الإنسان للكونت ديريسون d’hérisson . ترى أي مجد عسكري في كل ذلك الإجرام ؟ وأي مجد عسكري لبيجو والذي راح : "  جنوده يذبحون اثنتي عشرة امرأة عجوزا بلا دفاع " كما يخبرنا بذلك  الجنرال شانغا رنييه نفسه . 25 علما بأنه لم يكن هذا شأن العسكريين فقط بل يشاركهم في ارتكاب هذه المجازر الكريهة الرائحة والمرة المذاق المدنيون من الكولون فها هو الجنرال دوفيثي de vithy يخبرنا وهذا في العام 1842 بأنه : " حين تتعالى الأصوات التي تدعو إلى الفتك بالمسلمين وتنذرهم بالويل والثبور وعظائم الأمور فكأننا نسمع زئير الأسد والضباع النهمة الجائعة تطوف حول معسكراتنا " . 26

    ومما سبق نستنتج بأن السيد هولاند يريد وفي محاولة عبثية تغيير مجرى الأحداث والذي يأبي التاريخ إلا أن يكذبه لأن الحقيقة لا نستمدها من لسانه وإنما من وثائق الأرشيف ومن كتب التاريخ والتي تؤكد كلها حدوث الإبادة الجماعية للجزائريين ككتاب رسائل جندي لمنتنياك وكتاب مطاردة الانسان للكونت ديريسون المذكور أعلاه . نعم يا سيد هولاند إن ما حدث ليس حربا بل سمها ما شئت فلا احترام لقوانين الحرب فيها حيث تم قتل الأطفال والنساء والعزل من السلاح ومجزرة البليدة في العام 1837 نموذجا على هذه الجرائم . وبعدها يتشدق البعض بأن الجزائريين لم يكونوا يحترمون القوانين الدولية وصدقت العرب قديما وهذا عندما قالت رمتني بذنبها وانسلت وصحيح أيضا يا سيد هولاند فالعاهرة تستطيع أن تدعي العفة وكما تشاء ولكن عليها أن تبحث على من يصدقها إن استطاعت طبعا تبييض صفحة تاريخها الأسود .

    وفي آخر هذه النقطة يمكن القول بأن فرنسا التي تدعي بأن الجزائريين ما هم إلا لصوص بحر وقراصنة ولا يحترمون القانون الدولي ولذلك فهي آتية لتأديب الداى على تجاوزاته في حق ذلك القانون . وهنا نقول ترى هل احترمت هي القانون الدولي فيما يخص الحرب القذرة التي شنتها على الجزائريين يا سيد هولاند ؟ وأي حرب هذه التي لا تحترم فيها المواثيق والعهود كقتلهم لأناس يحملون تصاريح مختومة بختم قادتكم وقتلهم لأناس أعطوهم عهود الأمان كالشيخ الربيعة شيخ قبيلة العوفية ؟ وأي حرب هذه التي تغتصب فيها حتى العجائز قبل النساء والفتيات ثم يتم قتلهن ؟ وأي حرب هذه والتي يقتل فيها الأطفال وينكل بهم بوحشية تفوق وحشية الضواري ؟ أي حرب هذه التي تباد فيها قبائل بأكملها بمجرد الشبهة ؟ ثم يأتون بعد هذا ويتحدثون عن القانون الدولي .

    نعم يجب تطبيق القانون الدولي وبكل صرامة عندما يتعلق الأمر بالأرمن وبالغجر وهم مسيحيون وعندما يتعلق الأمر أيضا باليهود وكل هؤلاء بشر فوق البشر .  فقتل فرد واحد منهم حرب إبادة لا تغتفر وهي حقيقة فليس من حق أي كان أن يحجب حق الحياة على أي كان ونحن معهم في هذا وندينه وننادى بضرورة معاقبة من يقومون بهذا الفعل الهمجي والدنيء ضد أي كائن إنساني ومهما كان لونه وعرقه ودينه ولسانه . ولكن وفي مقابل هذا وعندما يباد ملايين الجزائريين فالكل يسكت ويتجاهل الأمر فهم لا يرضون أن تكون هناك ضحية أخرى غيرهم والسبب هنا بسيط للغاية لأن وضع الضحية يعطيهم امتياز ابتزاز الطرف المتهم بارتكاب فضائع في حقهم وما ينجر عن هذا من تعويضات مادية ومعنوية لا حصر لها كما هو حال اليهود مع ألمانيا عقب ح ع 2 هذه هي الحقيقة يا سيد هولاند وما دونها فهي أوهام كأوهام ماركس تماما .

    جريمة الإبادة في القانون الدولي

    تنص المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها والتي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق أو للانضمام بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 9 كانون الأول / ديسمبر 1948 على أن الإبادة الجماعية هي أي من الأفعال التالية والمرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه :
    - أ - قتل أعضاء من الجماعة وهذا لا يحتاج منا دليلا على أنه قد وقع في الجزائر فالمستعمر الفرنسي الغاصب ومنذ أن دخل وهو يقتل ويقتل في الجزائريين إلى أن أجبر على الرحيل
    - ب - إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة وجريمة البراميل المملوءة بالآذان والمذكورة في هذا المقال خير دليل على توثيق هذه الجريمة في حق الجزائريين
    - ج - إخضاع الجماعة ، عمدا ، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا ، وما مصادرة الأراضي وسياسة التفقير الممنهجة وطردنا إلى المناطق القاحلة والجبلية إلا دليل على حصول هذا الجانب من جريمة الإبادة الجماعية في الجزائر .
    - د - فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة وهل الثالوث الأسود الذي نشرته فرنسا بين الجزائريين كان عاملا يساعد على الإنجاب أم يحول دونه الشيء الأكيد هو أن كان يحول دون تجدد الأجيال مما يسببه من خسائر بالغة في الأرواح .
    - هـ - نقل أطفال من الجماعة ، عنوة، إلى جماعة أخرى . التعميد القصري للأطفال بهدف نقلهم إلي جماعة أخرى وهذا أيضا قد حدث في الجزائر وتجسد في تلك الحملة التنصيرية الشرسة والتي مورست ضد الجزائر بهدف تغيير هويتها الدينية سواء كان التنصير بصورة فردية كما هو شأن قضية تنصير المرأة المدعوة بعائشة بنت محمد 27 وأمثالها ممن وقعنا فريسة للتنصير بصورة فردية وهم بمئات الآلاف أو ممن نصرهم الكاردينال لافيجري Charles Martial Lavigerie من آلاف الأطفال اليتامى بالغصب والقوة وهذا على إثر مجاعة 1868 - 28 - فكيف يأتي من يدعي بأنه لم تحدث حرب إبادة في الجزائر وحتى وإن لم تبيد فرنسا الاستعمارية كل الجزائريين فيكفي أن نية الإبادة كانت متوفرة لديها عن سبق إصرار وترصد .
    كما تدخل فيها أيضا سياسة الاضطهاد التي تؤدي إلى حدوث إبادة بصورة كلية أو بصورة جزئية وبصورة عمدية ولن نتحدث هنا عن مظاهر الاضطهاد الفرنسي في الجزائر لأنه وأينما حل الاستعمار حل معه الاستعباد والاستغلال للشعوب ووضع قوانين تقنن تلك الممارسات الإجرامية والشاذة وأما يوميات الشعب الجزائري فهي كلها اضطهاد في اضطهاد من 05 جويلية 1830 وإلى غاية 05 جويلية 1962 ولا شيء غير هذا .
    هذه هي الإبادة الجماعية في القانون الدولي يا سيد هولاند ومن لف لفك إنها وبكل بساطة إنكار حق البقاء ولمجموعات بشرية بأكملها وهذا ما حصل بالفعل في الجزائر عربا كانت تلك المجموعات البشرية أو طوارقا أو شاوية أو قبائلا من بلاد زواوة وهذا لأننا كنا في نظرهم مجموعات بشرية غير ذات أهمية وبالتالي يحق لهم إبادتنا لكوننا غير ذوي نفع حسبهم للعائلة البشرية ككل وللحضارة الأوروبية بصورة خاصة تلك الحضارة المؤمنة بالمركزية الأوروبية في القرن التاسع عشر . فلماذا يأتون اليوم ويجحدون هذه الحقيقة المرة والتي عليهم أن يواجهونها طال الزمن أم قصر وهذا لكي تحدث مصالحة حقيقية بين فرنسا الاستعمارية وبين الشعب الجزائري . ولماذا فرضوا هم على ألمانيا أن تعترف بكل جرائمها التي ارتكبتها النازية في حين يحجبون هذا الحق علينا ؟ .

    والحق يقال وحتى لا نكثر الكلام فإننا نرى بأنه اليوم لا يمكن أن يوجد جدل حول ما وقع في الجزائر من أنها إبادة جماعية ولكن ومع هذا فإننا سنتذكر مع بعضنا البعض إضافة إلى ما سبق ذكره مفهوم جريمة الإبادة الجماعية في القانون الدولي وما هي أركان قيامها حتى نرى هل حقا ما حدث في الجزائر يرقى إلى مرتبة الإبادة الجماعية أم لا وهذا لكي لا نظلم حتى أعدائنا الاستعماريين بالأمس القريب منا . نعم إن ما حصل قد حصل وعلى الجميع أن يتحمل التبعات من فرنسا الرسمية والشعبية ومن جزائريين نقولها وبكل أسف كانوا هم عونا للجلاد وللقاتل في إبادة إخوانهم كما هو حال مع عائلة بن قانة ومساهمتها في إبادة واحة الزعاطشة فيما بين عامي 1848 و 1849 . نعود ونقول بأن  الإبادة الجماعية هي كل عمل منظم يرمي إلى القضاء على البنية الاجتماعية وعلى الكيان السياسي والثقافي والاقتصادي والديني لجماعة من الأفراد أو الأمة بكاملها هكذا يعرفها فقهاء القانون الدولي فهي عندهم كل فعل يرتكب بقصد القضاء كلا أو بعضا على جماعة بشرية بالنظر إلى صفتها الوطنية أو العنصرية أو الجنسية أو الدينية 29 . أو هي كل التعدي بالقتل على أمة أو  على جنس أو على جماعة معينة ومحاولة استئصالها بإتباع عملية القتل الجماعي لأعداد كبيرة من افرادها في إطار سياسة القتل العمدي والمنظم  " 30 وكل هذه الأعمال قد مارسها المستعمر في الجزائر وهي أعمال موثقة وسوف نحاول أن نستعرضها في الأجزاء اللاحقة من مقالنا هذا .

    هدف فرنسا الاستعمارية من وراء انتهاجها لسياسة الإبادة الجماعية ضد الجزائريين

    بداية نقول بأن الشيء الملاحظ هو أن فرنسا الاستعمارية قد جاءت إلى الجزائر بنية البقاء فيها وإلى الأبد ولذلك فهي عملت على تدمير كل ما له علاقة بالدولة الجزائرية قبل 1830 لأنه وكتحصيل حاصل لا يمكن لهم بناء الجزائر الفرنسية إلا إذا دمرت الجزائر الجزائرية العربية البربرية المسلمة . ولهذا ومن بعد أن تم تفكيك مؤسسات الدولة الجزائرية الرسمية وإحلال محلها إدارة ومؤسسات فرنسية فقد جاء دور تفكيك البنية الاجتماعية للجزائر وإبادة شعبها ليحل محله شعب كذاك الشعب الذي عبر الأطلسي وعَـمَّـرَ العالم الجديد وازدهر هناك وجعل من جزئه الشمال إنجلو سكسوني مع جيوب لاتينية . ولتحقيق هذا الهدف فقد وجب إبادة الجزائريين وخصوصا أولئك الذين يرفضون الرضوخ للمحتل فهذا العمل كان ضرورة لاستمرار بقاء ذلك المحتل الغاصب في الجزائر وبالتالي فقد وجب تغليب العنصر المستوطن على العنصر الجزائري ليكون الأخير طابورا يساعد الجيش الغازي في احتلاله للجزائر وفي تثبيت جذور فرنسا الاستعمارية في منطقة الشمال الإفريقي وهذا ما عبر عنه الجنرال بيجو وهذا حينما قال للمعمرين بأن القوة التي تحت إمرته ما هي إلا وسيلة ثانوية ذلك أنه لا يمكن أن نغرس العروق هنا إلا بواسطة الهجرة الأوربية وبهذا فقط تضمن فرنسا بقائها في الجزائر وإلى الأبد . نعم إن كل قادة فرنسا الاستعمارية في القرن التاسع عشر كانوا يحلمون بأن تتحول الجزائر إلى أمريكا جديدة ولقد شرعت بالفعل في تجسيد هذا الهدف فها هو كوزيل يقول : " يلزم أن نصنع أمريكا جديدة هنا بالجزائر ، بإبادة سكانها الأصليين ، كالهنود الحمر في العالم الجديد حتى يسود الجنس الأوروبي عدديا ويصبح الاستعمار استيطانا دائما  ".31 ولئن نجحوا في الهدف السابق ذكره فهنا تتحول الجزائر إلى قطعة من أوروبا أو كما قال الجنرال كلوزيل أن يجعل من الجزائر سان دومنيك Saint Dominic جديدة - والتي سنتحدث عليها لاحقا - أي أن يجعلوا من أرض شرقية أرضا غربية 32 . ولئن كان هذا هو هدف الاستعماري المعلن والذي يجاهرون به صراحة وهذا حينما يقولون بأن وجود البربر في الجزائر لن يجعلها عربية ووجود واحد مليون مستوطن مسيحي لن يجعلها تنتمي للعالم الإسلامي وعليه فلماذا ما يشرعونه هم لأنفسهم يشنعون عليه ويجرمونه عندما يسلك دربه الطرف الآخر فبأي حق يحق لهم أن يحولوا الجزائر إلى قطعة من الغرب ولا يحل للجزائريين أن يكونوا جزء من العالم العربي والإسلامي ؟ ونحن هنا لا نقف مع أو ضد أحد المشروعين فهذا الأمر يقرره الشعب الجزائري وحده ولكننا نحاول أن نفهم من أعطى الحق لفرنسا الاستعمارية بأن تقرر مصير الجزائريين ورغما عن إرادتهم وبالقوة ؟ إن مرد هذا يكمن في فكرة ادعاء الاستعمار بأنه هو وحده على حق وهو وحده من يمتلك الحقيقة ويمتلك مفاتيح الخلاص بالمعنى الدنيوي ولكل سكان الكرة الأرضية وأنه يجب على كل الشعوب والأمم أن تتتلمذ على يد فرنسا الاستعمارية شعلة الحضارة وتتبع خطواتها .

    وفي نفس السياق نقول بأن الهدف من إبادتنا يتمثل في إحلال العنصر المستوطن الأوروبي في مكاننا وهذا لضمان بقاء فرنسا في الجزائر وإلى الأبد حيث يقول عالم الاجتماع شارل فوريCharles Forey بأن هجرة الأوروبيين إلى الجزائر يجب أن تكون عارمة جارفة يجب أن نبعث جحافل دهماء من الأوروبيين إن في استطاعة فرنسا أن تبعث دون أن تنهك قواها أو ترهق نفسها أربعة ملايين نسمة ثم تبعث أوروبا ما تبقى 33 وهو نفس مخطط الجنرال بيجو والذي قال في جانفي 1840 : " نحن في حاجة إلى جحافل دهماء من المعمرين الفرنسويين والأوروبيين ولكي تجلبوهم عليكم أن تعطوهم أراضي خصبة لا يطير غرابها ... حتى يصبحوا أصحابها وأربابها ويصير أربابها الأولون نسيا منسيا : " 34 . وبعد هذا يستغبينا السيد فرانسوا هولاند بقوله بأنه لم تكن هناك نية لفرنسا الدولة في إبادة الشعب الجزائري والنصوص التاريخية تكشف زيف ادعائه وتهافت مقالاته  وإننا نجد هنا بأنه من الإهانة لتضحيات أبائنا وأجدادنا الرد عليها ولكنها الضرورة هنا ليعرف كل واحد ما له وما عليه في المستقبل وفي قادم الأيام .

    نعم إنه وحسب منظري الاستعمار ورواده الأوائل فإنه كان يجب إبادة الجزائريين لكون ذلك الاستعمار الفرنسي قد كان يخاف من الجزائريين وهو يعلم بأنهم يتحينون الفرص للثورة عليه ورميه في البحر وهذا ليس استنتاجا من عندنا وإنما هو الواقع الذي عاشته الجزائر في معظم القرن التاسع عشر ولهذا فإن الإدارة الفرنسية في الجزائر قد كانت لا تثق في الجزائريين أصلا والقائمون عليها لا يثقون حتى في الرؤساء الأهليين المعينين من قبل فرنسا ويعتبرونهم متضامنين مع الأهالي 35 فكيف إذن سيثقون في هؤلاء الأخيرين والذين وحسبهم سيغتنمون أول فرصة للثورة عليهم ولذلك فالحل الوحيد عندهم هو تعمير البلاد بجيش من المستوطنين الذين يتعاطون الزراعة وإقطاعهم الأراضي الزراعية والتي يجب انتزاعها من الجزائريين 36 حتى أنهم قد فكروا في جلب معمرين من موارنة لبنان إلى الجزائر لتعمير الجزائر وكأنها كانت خالية ليعمرها شذاذ الآفاق والمجرمين والمنحرفين والقتلة واللصوص ولكن فرنسا تراجعت عن المشروع وهذا لحاجتها لهؤلاء الموارنة في المشرق العربي .

    كما أن تنامي قوة المقاومة الجزائرية جعل فرنسا تعيد حساباتها وتعيد النظر في سياستها في الجزائر فالمراكز الاستعمارية في الشمال كمدن الجزائر وعنابة ووهران مستقبلها غير مضمون طالما بقيت هناك قوة في الداخل تهددها ولذلك فقد وجب اعتماد سياسة الاستعمار الشامل والواسع والتوغل نحو الدواخل وحركة التوسع هذه حتما سوف تتصادم مع المقاومة الجزائرية وما يتبع انهزام الأخيرة من إبادة للجزائريين بهدف السيطرة على أراضيهم ومن ثمة توطين معمرين محلهم .

    ولذلك فقد عملت فرنسا على إضعاف المقاومة الوطنية الجزائرية وذلك بحرمانها من العنصر البشري – وهذا عبر انتهاج سياسة الإبادة الجماعية - والذي هو وقودها وعمودها الفقري وفي مقابل هذا تكون تقوية العنصر الأوروبي المستوطن وهذا عبر إحداث توازن سكاني بين المجموعة الأهلية وبين المجموعة الأوروبية وإن أمكن تغليب الثانية عدديا على الأولى . كما لا يجب أن ننسى بأن العنصر الأوروبي المستوطن في الجزائر كان على علم تام بأن ميزان القوة البشرية في الجزائر هو لصالح الجزائريين وأن حاضرهم محفوف بالمخاطر وهش وأن مستقبلهم غامض ومفتوح على كل الاحتمالات ولذلك وجب عليهم التخفيف من حدة هذه الفجوة السكانية بينهم وبين الجزائريين وأقرب طريق للوصول إلى هذه الغاية هو إبادة الجزائريين والتخلص من هذا الكابوس الذي يؤرقهم والذي يرهن بقائهم في الجزائر . كما أن المعمرين سوف يكونون عونا للجيش الفرنسي العامل في الجزائر وذلك بتخفيف عنه عبء العمليات العسكرية وعبء الدفاع عما اغتصبوه عنوة من الجزائريين من أراضي وعقارات وهذا بتكوين مليشيات مساعدة للجيش . إن لم توكل لها هي مهمة وأمر حماية تلك الأراضي والتي تم توزيعها على أفرادها وبالفعل فقد تم إنشاء ما يسمى بالحرس الوطني فتألفت منهم أربع فرق من المشاة وفرقة من الفرسان لإرهاب الجزائريين 37 .

    وما يؤكد كلامنا السابق هو ما صرح به وزير الحرب جيرار Étienne Maurice Gérard والذي قال : " لا بد من إبادة جميع السكان العرب إن المجازر والحرائق وتخريب الفلاحة هي في تقديري الوسائل الوحيدة لتركيز هيمنتنا " 38 نعم إن الهدف هنا ليس وكما جاء في الدعاية الفرنسية المزيفة عشية الاحتلال من أن الفرنسيين قادمون لتحرير الجزائر من حكم الأتراك الظالمين وإنما الهدف هنا هو الهيمنة ولا شيء غير الهيمنة وأن يحلوا هم محل الأتراك في استغلال الخيرات الجزائرية وفي استغلال شعبها .

    إن السيد فرانسوا هولاند وعندما قال في المقابلة التليفزيونية والتي جمعته بطلبة مدرسة ثانوية في العاصمة باريس وهذا على شاشة قناة كنال+ Canal الفرنسية في نهاية الأسبوع الثالث من شهر أفريل 2015 والتي أنكر فيها أي في تلك المقابلة التلفزية نية رواد الاستعمار الأوائل في إبادة الجزائريين وقوله فيها بأننا أي الفرنسيين لم نرتكب جرائم حرب في الجزائر وعليه فلن نعتذر للجزائريين . وللمزيد عن تلك المقابلة أنظر مقال إيمان علي إسماعيل والذي يحمل عنوان " لم نرتكب جرائم في الجزائر ولن نعتذر للجزائريين " والمنشور بجريدة النهار الجديد الجزائرية ليوم الإربعاء 22 أفريل 2015  39 وهو هنا إما جاهل بالتاريخ وبنية بيجو وكلوزيل في تحويل الجزائر إلى غوادالوب Guadalupe ومارتينغ Martinique جددتين . كما أنه يجهل بنية كلوزيل في إبادة الشعب الجزائري عن بكرة أبيه كما هو موثق في مقالاته السابقة الذكر وإن كانوا لم يبيدونا وكما سنتطرق لهذا لاحقا وهذا لصعوبة إبادتنا عمليا أو لكونهم تركونا للأعمال الشاقة والتي من المستحيل أن يشتغلوا فيها هم مثل شق الطرق ومختلف الأنشطة الزراعية والفلاحية وللعمل في المحاجر وعليه فقد تركونا لكوننا وبكل بساطة يد عاملة مسخرة مجانا لصالحهم . نعم لقد كانت نية الاستعمار الفرنسي مسح كل الجزائريين من الوجود لولا أن إمكانياتهم خانتهم لانجاز هذه المهمة القذرة ولقوة مقاومتنا الباسلة .

    كما كان الهدف القائم من وراء إبادتنا هو السيطرة على أراضينا وسلبها فها هو الجنرال بيجو يصرح في ماي 1840 وذلك في مجلس النواب الفرنسي بأنه يجب أن يقيم المستوطنون في كل مكان توجد فيه المياه الصالحة والأراضي الخصبة دون الاستفسار عن أصحابها وهذا ما يشهد له ما كتبه فريدريك انجلز Friedrich Engels والذي كتب في العام 1857 وعند زيارته للجزائر : " ومنذ احتل الفرنسيون الجزائر لأول مرة حتى الآن كانت هذه البلاد البائسة ميدانا لأعمال متواصلة من إراقة الدماء والسلب والعنف . بينما أولئك البائسون من أفرادها الذين بقوا على قيد الحياة قد سقطوا ضحية القتل الجماعي أو فريسة أهوال العهر الوحشية " 40 وهو هنا لا يستشهد بالنص الكامل والذي جاء فيه من أن الجزائر قد أصبحت : " ميدانا لأعمال متواصلة من إراقة الدماء والسلب والعنف .  لقد احتلت كل مدينة ، كبيرة أو صغيرة، الواحدة تلو الأخرى، لقاء تضحيات هائلة . إن القبائل العربية والأمازيغية التي تقدر الاستقلال بأغلى الأثمان والتي تشكل كراهية السيطرة الأجنبية مبدأ أعز من الحياة نفسها بالنسبة إليها ، قد سحقت من جراء غزوات رهيبة أحرقت ودمرت خلالها مساكنها وممتلكاتها ، وأتلفت مزروعاتها.  بينما أولئك البائسون من أفرادها الذين بقوا على قيد الحياة قد سقطوا ضحية القتل الجماعي أو فريسة أهوال العهر الوحشية " .

    كما أنهم كانوا وحسب اعتقادهم الخاطئ بأن ما يقومون به هو مجد أي أنهم كانوا يسعون إلى تحقيق أمجاد عسكرية يرتقون بها درجات السلم الاجتماعي فهم هنا لا يفرقون بينه أي بين المجد وبين الهمجية والبربرية والوحشية وهذا الكلام هو ما يخبرنا به شال أندري جوليان Charles-André Julien والذي يقول بأن : " جنرالات جيش إفريقيا لا يحرقون البلاد خفية ، إنهم يستعملون ذلك ويعتبرونه مجدا لهم سواء أكانوا ملكيين أم جمهوريين أو بونابارتيين " 41 تماما كما اعتبروا وبتعبير أبو القاسم سعد الله أن ما عادوا به بعد سقوط مدينة الجزائر من مسروقات تحفا 42 ولذلك فقد كانوا يعتنقون المفاهيم وبصورة مقلوبة فالقتل والتدمير مدنية وحضارة وتعمير والسرقة واللصوصية هي عملية تجميع للتحف وبين هذه وتلك كنا نحن ضحايا لليل استعماري طويل مدته 132 سنة .

    والكارثة الكبرى هي أن سياسة الإبادة الجماعية لم تكن مبررة من قبل الجهلة والمتعصبين الذين حلوا في بلادنا وإنما كانت مبررة من قبل الطبقات المثقفة في فرنسا والمتشبعة بأفكار عصر التنوير وبمبادئ وفلسفة الثورة الفرنسية الكبرى وكان على رأس هؤلاء ألكسي دو توكفيل والذي برر جرائم الإبادة الجماعية والتي قد كان يقوم بها الجيش الفرنسي الغازي للجزائر وهو حتما هنا يتماثل مع من أبادوا الهنود الحمر في أمريكا من البيض وهو الذي عاش بينهم ردحا من الزمن فهو يعتقد أي ألكسي دو توكقيل بأن واجب الحرب يملي عليهم أن يخربوا البلد بتدمير المحاصيل الزراعية وبالقيام بهجمات يلقى من خلالها القبض على الرجال والاستيلاء على الماشية وتدمير البنى الاجتماعية والاقتصادية وأنه يجب أن يدمروا كل شيء . كما أنه كان ينظـّر للسياسة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر ويبررها ويدعو صراحة فرنسا إلى تهجير الجزائريين بهدف السيطرة على أراضيهم 43 كما أنه يفتخر بالحرب التي قادتها فرنسا الاستعمارية في الجزائر والتي أصبحت حسبه علما يدرس 44 ويسقط معه وفي نفس الخطيئة الأديب فيكتور هيجو Victor Hugo والذي هو الآخر يفتخر بجرائم فرنسا في الجزائر ويراها أنوار التحضر والتي تكتسح حسبه البربرية فها هو يقول : " إن الغزو الجديد الذي قمنا به في الجزائر ذو شأن كبير ومفرح إنها الحضارة التي تكتسح البربرية إنه الشعب المستنير الذي يذهب باتجاه شعب غرق في الظلام نحن إغريق العالم وعلينا أن نضيئه " 45 ولذلك فكلهم شركاء في الجريمة ملكيين كانوا أو جمهوريين رأسماليين أو اشتراكيين نبلاء أو من عامة الناس عسكريين أو مدنيين رجالا أو نساء رجال دين أو علمانيين ملحدين أو كاثوليكا أو بروتستانت فكلهم في جريمة إبادة الجزائريين شركاء .

    إضافة إلى ما سبق فهم كانوا يهدفون أيضا إلى السلب والنهب وتكديس الغنائم كغزوة أولاد نايل والتي يعتبرونها من أنجح الغزوات حيث أنهم استولوا فيها على 25 ألف رأس من الأغنام وعلى 600 رأس من الإبل محملة بالغنائم حتي أن نصيب الجندي الواحد قد كان نصيبه منها ما بين 25 و 30 فرنك وهي قيمة محترمة في ذلك الوقت والنصيب الأكبر ذهب لجيب قائد عصابة اللصوص هذه والباقي تم توزيعه على القبائل الموالية لهم وعلى شكل هدايا فاخرة لحفل زفاه زوجة اللقيط يوسف 46. كما أن هناك هدف آخر ويتمثل في إشباع غرائز القتل والتدمير بغية إعطاء دروس وعبر لباقي سكان الجزائر بأن هذا هو مصير كل من يتجرأ ويقاوم الإرادة الفرنسية في الجزائر كما هو الحال في واحة الزعاطشة والأغواط فهي كلها دروس قاسية نتج عنها الهدوء كما يقولون وهذه السياسة الإجرامية قد طبقت في عام 1844 من قبل بيير دو كاستيلان Pierre de Castellane والذي يقول : " مكثنا عدة أيام في مخيمنا العسكري ونحن خلال تلك المدة نتلف أشجار التين والمحاصيل الزراعية ولم نغادر المنطقة إلا بعد أن خربناها تماما ... وبذلك أعطينا درسا قاسيا لهؤلاء السكان " 47 وأيضا بهدف قهر الجزائريين وقتل روح المقاومة فيهم وهذا عبر بث عقدة الخوف بينهم وهذا ما يتضح من مقولة من لاموريسيير : " لا يمكن تصور الرعب الذي يستولي على العرب حيث يرون قطع رأس بيد مسيحية ، فاني أدركت ذلك منذ زمن بعيد واقسم لك بأنه لا يفلت احد من أظفاري حتى ينال من بز رأسه ما يناله... وقد أنذرت بنفسي جميع الجنود الذين أتشرف بقيادتهم أنهم لو أتوا بعربي حي لأنهلت عليهم ضربا بعرض نصل سيفي . وأما قطع الرؤوس فهي تكون على مرأى ومسمع جميع الناس " 48 .

    مبرر فرنسا الاستعمارية في إبادة الجزائريين

    وقد يتساءل البعض ويقول ترى كيف مات ضمير هؤلاء المستعمرين ومعه أقبروا إنسانيتهم ولم تعد تحركهم تلك الفظائع التي يرتكبونها ؟ إن الجواب هنا لجد بسيط فهم لم يكونوا يروننا ننتمي إلى الجنس البشري بل كانوا يروننا جنس منحط وجب إبادته حتى يتمكن الجنس الأرقي من الحلول مكانه فهذا قانون طبيعي فالعرق الأرقى يبيد الأعراق الأدنى منه وكلامنا هذا نجده فيما قاله وزير التعليم الفرنسي  جول فيرى Jules Ferry والذي يخبرنا بأن المعمرين يعتبرون الأهالي من جنس بشري منحط لا يصلح إلا للاعتقال والأعمال الشاقة بدون مقابل ولا يستحقون إلا القهر والإذلال والهدف هنا واضح إنه يتمثل في إنهاء الوجود الجزائري وبكل الطرق وفي أسرع وقت ممكن ولهذا فهم عندما ينفذون ما يسمونه بالرزايا فالنتيجة حقا مرعبة فها هو مونتانياك السابق الذكر يقول لنا بأن الجنرال لاموريسيير قد محا من الوجود خمسة وعشرين قرية في خرجة واحدة أما سانت أرنو فهو يخبرنا بأنه في العام 1842 قليلا ما كان الجنود الفرنسيين يطلقون النار لأنهم يحرقون القرى والدواوير حتى أنه خلف وراءه 200 قرية تأكلها النيران 49 وبعدها يتحدث فرانسوا هولاند عن أعمال حربية أي استخفاف بتضحيات الجزائريين أكثر من هذا فقط لأننا لسنا كلنا بشر بنفس المرتبة فهم بشر من الدرجة الأولى ونحن حثالة لا تستحق الحياة .

    نعم إن سياسة الإبادة الجماعية والتي مارستها ضد الشعب الجزائري فرنسا الاستعمارية كانت تتغذى وتجد مبرراتها في فلسفة ومنظومة قيم الاستعلاء العنصري المقيت وفي شعور الحقد والكره والبغض التي يكنها العنصر الأوروبي لنا في الجزائر وفي سياسة العدوان والاعتداء والتي أصبحت سياسة دولة وضعت لها الأطر الكفيلة بإنجاحها وتنفيذها 50 وتلك الأحاسيس جاءت نتيجة أفكار خاطئة كان الكولون يعتنقونها والتي تبرر التفوق العنصري كما هو الحال عند فيلسوف القوة نيتشه Friedrich Nietzsche والذي أخذوا منه تبريرا مفاده أن الإنسان الأعلى لا بد أن يرث الإنسان الأدنى ولذلك فهم لم يكونوا يؤمنون بوحدة الجنس البشري طالما أن نسب التطور ليست واحدة وعليه يمكن للأكثر تطورا إبادة الأقل تطورا هذا ما تراه المدرسة التطورية في القرن التاسع عشر والتي حلت نظرتها للإنسان محل النظرة المسيحية فتشالز دارون Charles Robert Darwin يقول بأنه سيأتي زمن على الأعراق المتحضرة تبيد فيه الأعراق الهمجية وترث منها الأرض حتما . كما أن دراوين أخبرهم بأن الأقوى في الطبيعة يقتل الأضعف ولذلك فهم كانوا لا يرون في إجرامهم عمل غير أخلاقي بل يرونه جزء من القانون الطبيعي وهذا نتيجة الاستنتاجات الخاطئة والمبنية على ملاحظات هي الأخرى خاطئة . مما أعطى لهم شرعية الاعتداء على حق غيرهم في الحياة . هذا الحق المقدس والذي انتهكوه وضربوا به عرض الحائط وينتهكونه وبصورة بشعة تشمئز لها النفس لبشرية السوية وهذا طالما أن الفلسفة التي يعتنقونها هي البقاء للأقوى لأن عظمة فرنسا كما يقولون تقتضي ذلك .

    وعليه ومما سرع من وتيرة سياسة حرب الإبادة الجماعية ضد الجزائريين هي تلك الدراسات الاستعمارية الأنتروبولوجية الخاطئة والتي ترتكز على نظرية داروين والمنادية بفكرة الانتقاء الطبيعي وأنه لقدر محتوم أن تبيد الأجناس التي تجلس في أعلى سلم التطور الأجناس الدنيا وأن تخلفها في أوطانها وبما أن الفرنسيين هم من جملة الأعراق المتطورة والجزائريين فهم في أدني درجات سلم التطور فإن قدرهم الإبادة الجماعية كقانون طبيعي لا مفر منه .

    ومما سبق ذكره نستنتج بأنهم كانوا لا يتعرفون بأننا بشر مثلهم ولا يعترفون بإنسانيتنا كأفراد شركاء لهم في العائلة الإنسانية الكبيرة وإنما هم فقط من يحتكر لنفسه صفة الآدمية والبشرية أما نحن فبشر دون البشر في مرتبة بين الحيوان والإنسان وهذا حسب نظرية داروين للتطور طبعا . وعليه فمن حق الكائنات العليا إبادة الكائنات الدنيا وتصفيتها لأنها ليست بشرا أصلا . ولهذا فقد استهانوا بأرواحنا فقتلونا لأجل التسلية ولا شيء غير التسلية تماما كما هو الحال في أمريكا حيث صار صيد الهندي من أمتع رياضات التسلية في نيوانجلاند New England فما أن يتم القبض على هذا الوحش حتى يتم تمزيق جسده أو إطعامه للكلاب . هكذا كان يتم صيد آلاف الهنود سنويا في العاب تسلية كانت تعتبر من الرياضات الشعبية في نيوانغلاند 51 وهو نفس ما كان يحدث في رحلات صيد الرؤوس في الجزائر والتي كثيرا ما اتخذها الكثير من جنود وضباط الجيش الفرنسي الغازي للجزائر أفضل هواية للتسلية ولتمضية الوقت .

    إلى جانب ما سبق فهم كانوا يضنون بأنهم يقدمون خدمة للبشرية كلها وذلك بتخليصها من الأعراق المنحطة وهو نفس منطق الأمريكيين والذين كانوا هم بدورهم يقومون بإبادة للهنود الحمر شعوبا وقبائلا ومنهم قبيلة هنود الشايين Cheyenne Indians والتي تمت إبادتها عن آخرها ويفتخر الأمريكيون بتلك الأعمال الإجرامية وقال في شأنها الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت Theodore Roosevelt : " إن مذبحة سانت كريك كانت عملا أخلاقيا ومفيدا ذلك لأن إبادة الأعراق المنحطة حتمية ضرورية لا مفر منها "  52 وهو نفس منطق الغزاة الفرنسيين في الجزائر معنا لأننا نصنف عندهم كجزء من الشعوب المنحطة والتي وجب إبادتها خدمة للبشرية . وهنا يمكن القول بأنه ومن بعد انتهاء عهد الإبادات الكبرى للجزائريين جاءت مرحلة ثانية أصبح القتل فيها بصورة فردية وهذا حينما أطلقوا على الشعب الجزائري تسمية الراكون وهو حيوان يتسلل إلى خم الدجاج ويقوم بافتراسها في لحظات الغفلة ولذلك وكما هو أخلاقيا واقتصاديا وجب إبادة حيوان الراكون المزعج والمفسد فكذلك الحال مع الجزائري الذي وجب إبادته أينما وجد لأن الجزائري الجيد حسب الكولون هو الجزائري الميت تماما كما هو الحال مع الهنود الحمر في أمريكا .

    كما أن سياسة الإبادة الجماعية في الجزائر قد كانت تستند إلى فكرة مفادها أن الاستعمار هو ظاهرة إيجابية تسمح بتمدد الحضارة والمجال الحيوي لفرنسا تماما مثلما هو الحال في أمريكا بالنسبة للو م أ وهذا هو رأى منظري الظاهرة الاستعمارية بالجزائر وعلى رأسهم ألكسي دو طوكفيل والذي يرى بأن الاستيطان والإبادة الجماعية والعنف والأرض المحروقة وطمس هوية الجزائر هم أقرب الطرق لتحقيق هذه الغاية وهو هنا مدفوع بمنظومة الفكر الليبرالي الذي يعتنقه والتي تريد أن تثبت جذورها في الجزائر لتحقيق مصالحها الاقتصادية فها هو يقول : " لا نستطيع أن نحكم أمة لمجرد أننا هزمناها " ولذلك وجب إبادة المنهزم حتى لا يستعيد قواه ويحقق النصر في الجولة المقبلة على أعدائه الفرنسيين . ويجمع دارسوه على أنه قد كان العقل المدبر والمخطط لسياسة التقتيل والإبادة الجماعية في الجزائر وبكل بساطة هو يريد نقل التجربة الأمريكية إلى الجزائر فها هو يقول : " لم تكن لدينا أي فكرة واضحة عن مختلف الأعراق التي تقطن بها ولا أخلاقهم ، لم نكن نعرف كلمة عن اللغات التي كانت تتكلمها شعوبها " وكأننا هنا أمام لوحة لشعوب الهنود الحمر وليس للشعب الجزائري .

    صراحة لا يمكن أن ننتظر من ألكسي دو توكفيل غير ما بدر منه من مواقف تجاه احتلال بلاده للجزائر فهو يضع نفسه في الضفة المقابلة للجزائريين فهو في ضفة الأمريكيين البيض ونحن يضعنا في ضفة الهنود الحمر وكلنا نعلم كيف عامل الرجل الأبيض في أمريكا الرجل الهندي الأحمر . ولذلك فهو يقول  : " لا بد أن يقع تدمير كل تجمّع سكاني سواء كان قرية أو مدينة أو ما يشبه ذلك ، واعتقد أنه يتحتم علينا عدم ترك أي شيء يمكن أن يعتمد عليه عبد القادر في حربه ضدنا " والبشر مما يعتمد عليه الأمير عبد القادر في حربه ضد الفرنسيين ولذا وجب تدمير البشر وإبادتهم لمنع الأمير عبد القادر من القوة المادية اللازمة لهزم فرنسا الاستعمارية وتحقيق الهيمنة الشاملة بتعبيره هو لفرنسا على الجزائر وهذا لا يتم إلا بتدمير مل كان قائما سابقا وإبادته . كل هذا لأن فرنسا ومعها أوروبا في القرن التاسع عشر كانت تعتنق فكرا استعلائيا وتنظر بدونية إلى الشعوب غير الأوروبية باعتبارها شعوبا همجية لا تستحق الحياة إلا إذا ذابت في الجسم الأوروبي .

    وإضافة إلى ما سبق فهو يدعي بأن : " دين محمد هو السبب الأساسي في تدهور العالم الإسلامي " وهو كان مؤمنا بالمهمة الحضارية الاستعمارية في الجزائر ولذلك وجب تدمير كل ما يعوقها والدين الإسلامي طبعا على رأس القائمة وتتبعه اللغة العربية لغة كتابه المقدس بصورة تلقائية ومعهما كل الدور التي تمارس فيها العبادات الإسلامية من مساجد وزوايا ومدارس قرآنية وبجملة واحدة الحرب على مقومات الهوية الوطنية الجزائرية والعمل على إبادتها .

    ولكل ما سبق فإن إبادة الجزائريين لم تكن عند الفرنسيين جريمة يعاقب عليها القانون سواء كان القتل بصورة فردية أو بصورة جماعية بل أصبح علما يدرس في مختلف المدارس العسكرية الفرنسية ومنها نقلوه إلى مختلف الدول الاستعمارية الأخرى ولا هو خطيئة من الناحية الدينية لكونهم ينطلقون هنا مما جاء في كتبهم المقدسة وعلى رأسها سفر التكوين الآية 1 : 28 والتي جاء فيها :  " وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ : «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ ، وَأَخْضِعُوهَا ، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ " 53 . وبما أن الجزائريين لا يحسنون فن الزراعة واستغلال الأراضي الزراعية فعليه وحسبهم وجب افتكاك الأراضي من الجزائريين ومنحها للأوروبيين الذين سيستغلونها أحسن استغلال هذا من جهة ومن جهة أخرى فمن حق الفرنسيين الاستيلاء على أراضيهم تنفيذا لوصية الرب السابقة الذكر أعلاه ونفس الأمر مع كل خيرات الجزائر الأخرى السطحية منها والباطنية . وهنا انكسرت كل الحواجز التي تحول دون إبادتنا وإفنائنا . فالمعمر أصبح في مقابل العربي الجزائري والفرنسية في مقابل العربية والمسيحية في مقابل الإسلام وكل لا بد من أن يبيد نظيره وأن يبسط هو لوحده هيمنته على الجزائر . وهذا هو الدين الذي اعتنقته فرنسا الاستعمارية في الجزائر وعملت وبكل قواها على تجسيده على أرض الواقع .

    ومن ناحية أخرى فلئن كان البربر من سكان جرجرة وفقط قد تم تصنيفهم مع البولنديين حسب المستعمر الفرنسي أي أنه وبقليل من التعليم يصبحون ذوي نفع للاستعمار وبالتالي يمكن الإبقاء عليهم فإن إخوانهم في الوطن والدين والجنس من باقي الجزائريين والذين صنفوا على أنهم قوم همج ومتوحشين وجنس غير قابل للتعلم 54 . نعم إننا في نظرهم متوحشون ومتعصبون وبدائيون وبدو ونحن أعداء للحضارة وعليه يجب عليهم إبادتنا كالوحوش 55 وهذا حتى نفسح المجال لانتشار الحضارة . وبالتالي فليس من المنطق الإبقاء علينا بل يجب إبادتنا وهذا لكي يحل محلنا جنس جدير بالحياة مفيد لغيره من الأعراق البشرية الأكثر تطورا وهذا الجنس هو الجنس الأوروبي المستوطن في الجزائر .

    كما أنهم كانوا يروننا شعبا كسولا منحته الطبيعة أرضا هو ليس أهلا لامتلاكها ويروننا مجتمعا غير قادر على أن ينتقل إلى المرحلة الصناعية ولذلك وجب الحلول محله 56 وهذا حتى تندمج الجزائر في بوتقة العالم الصناعي . مستغلين في هذا تبريرات وهمية مثل التخلف والكسل وإلصاق صفة البدائية بنا مما يؤدي وبصورة آلية إلى تجريدنا من حقوقنا الإنسانية مما يسهل عملية إبادتنا . 57 ولكل هذا فالأوروبيين في الجزائر لا يعترفون بأي حق للجزائريين وهذا بشهادة جول فيري والذي يقول نقلا عن عباس فرحات : " من الصعب علينا أن نقنع المعمر الأوروبي بأن هناك حقوقا أخرى غير حقوقه في بلاد عربية " ليل 58 ومن بين تلك الحقوق طبعا الحق في الحياة والذي اعتقد ذلك المعمر بأنه لن يضمن حقه هو في الحياة إلا إذا أباد الجزائريين عن بكرة أبيهم وهنا فقط يضمن هو حقه في الحياة . ولماذا يا ترى من الصعب أن يعترف الكولون بحقوق غير حقوقه في البلاد العربية ؟ . ذلك أن المستوطن لا يعتقد أصلا بأن للجزائريين حقوق لأنهم بشر دون البشر وأي حقوق يطالب بها الشعب الجزائري فهي في نظر المستوطنين تعديا على حقوقهم المشروعة ووجب عندها سحق كل من يطالب بها وبكل قسوة وإبادته وهذا ما تجسد في مجازر الثامن من ماي 1945 الرهيبة عندما طالب الجزائريون بحقوقهم الوطنية المشروعة .

    وهنا من حقنا أن نتساءل هل حقا نحن قد كنا متوحشين ؟ الجواب الأكيد هو لا إننا لم نكن مطلقا متوحشين بل هم البرابرة المتوحشون وهذا بشهادتهم هم على أنفسهم وهذا وفق ما جاء في تقرير  اللجنة الإفريقية للعام 1833 والتي جاء فيه : " لقد أصبحنا أكثر وحشية من السكان الذين جئنا لتمدينهم " 59 . وهم فقط يرموننا بالتوحش ليجدوا مبررا لغزونا وإبادتنا كما قالوا عن المجاهدين الجزائريين أثناء الثورة التحريرية المباركة 1954 / 1962 بأنهم قتلة وفلاڨة وإرهابيين وهذا لإيجاد مبرر لسحقهم والقضاء عليهم ومن دون أية رحمة وتبين في الأخير بأن الفرنسيين في الجزائر ما هم إلا مجرد عصابة من المرتزقة والقتلة والمجرمين والسفاحين وهذا بشهادتهم هم تماما كما كان من قبلهم البرتغاليين والأسبان والإنجليز هم البرابرة الحقيقيون في العالم الجديد . وهي تهمة قديمة فغير اليونان والرومان برابرة يجب إبادتهم وسحقهم والهنود الحمر في أمريكا وثنيون ومقدمي القرابين البشرية والأفارقة كل الأفارقة هم من آكلي اللحوم البشر والجزائريين قراصنة ولصوص بحر ومتوحشين يجب إبادتهم أيضا وكل هذه جملة أكاذيب لتبرير ما لا يبرر من جرائم الاستعمار وصدق مونتان  Montaigne عندما قال من أن كل واحد يصف ما لم يألفه بالبربرية . نعم إن وعود ديبرمون كانت مجرد حيلة حرب هذا ما قرره خلفاؤه والذين وتحت زهو القوة العسكرية قرروا أن يبيدوا الشعب الجزائري والذي لم يروا فيه سوى إنسان متوحش يعيق انتشار الحضارة والمدنية والمسيحية في الشمال الإفريقي تماما كما هو الحال مع الهنود الحمر في العالم الجديد . ويا له من مبرر وهذا حينما يبررون حرب الإبادة ضدنا بالقول بأننا متوحشون نعرقل عملية انتشار الحضارة في المنطقة وبالتالي يحب إبادتنا لتسريع وتيرة نشر الحضارة المزعومة .

    ومن جهة أخرى فهم قد كانوا يرون في أنفسهم الورثة الحقيقيين لإسلافهم الرومان في الجزائر والذين طردهم كما يقولون الغزاة العرب وهذا حسب اعتقادهم الخاطئ طبعا وهم جاؤوا لإرجاع الوضع إلى طبيعته . ولذلك فقد كانوا ينقبون عن الآثار الرومانية بالجزائر علهم يستمدون منها شرعية مزيفة كالحمل الكاذب تماما وهنا نقول لهم وهل قطعة النقود المغولية الموجودة في روسيا تعطي للمغول الحاليين حق استعمار روسيا وإبادة أهلها ؟ أي حمق وسفاهة هذه ؟ وكذلك الأمر مع قطعة النقود والمباني الرومانية في الجزائر وإلا فمن حقنا نحن كذلك احتلال كل شبه جزيرة أيبيريا وجنوب فرنسا وايطاليا وكل جزر البحر المتوسط لأنها كانت في يوم ما تحت سيادة العرب والمسلمين ونحن المغاربة تحديدا .

    وبما أننا غزاة حسبهم فهذا يبرر جريمة طردنا من أرضنا ولأنه ليس لنا أي حق في هذه الأرض مهما تقادم مقاومنا بها . وهو كلام كله تغليط في تغليط ولهذا فهم لم يروا في أنفسهم سوى متغلبين خلفوا المتغلبين السابقين لهم وكل متغلب لا يستقر له الأمر إلا إذا أباد ومحا المتغلب السابق من الوجود كما هو حال روما وقرطاح بعد الحرب البونقية الثالثة .

    وإنما الحقيقة هي أنهم يرون وكما اعتقدوا وعبروا عن ذلك من أن الأراضي غير الأوروبية تعد مناطق خالية من الحضارة ، فهي ملائمة للاستعمار وهذه هي فلسفتهم التي بنوا عليها منظومة القيم الاستعمارية ثم اختلقوا لأنفسهم جملة من الحجج لتبرير غزوهم لأراضي غيرهم فلم يكفهم كل ما سبق من مبررات فابتدعوا فكرة المجال الحيوي والتي مفادها بأن الدولة مثل الكائن الحي تنموا باستمرار وعليه فحدودهم الجغرافية تتمدد في الزمان وفي المكان ولذلك فهي تتمدد إلى ما لا نهاية على حساب المجال الجغرافي التابع لغيرها من الدول والشعوب والأمم وكانت الجزائر ضحية لهذه الفكرة الاستعمارية .

     وفي الأخير من حقنا أن نتساءل هل هناك من مبرر ديني استعملوه وبصورة مقلوبة وعبره برروا به سياسة القتل الممنهجة تلك تجاه الجزائريين من دون أن يهتز ضميرهم ؟ نعم إنهم هنا يقلدون المستعر الأمريكي في العالم الجديد وما فعله بالهنود الحمر في أمريكا والتي اعتبروها أورشليم وإسرائيل الجديدة والتي استندوا على نصوص التوراة في تبرير إبادتهم للهنود الحمر كما هو الحال في سفر أشعيا الإصحاح 13 والذي منحهم رخصة قتل حتى الأطفال وللمزيد انظر كتاب منير العكش أمريكا والإبادات الجماعية وهو نفس المنطق والذي تبناه رواد الاستعمار في الجزائر وهذا حينما قلدوا سياسة إبادة الهنود الحمر ونقلوها إلى الجزائر وخاصة هؤلاء الذين عاشوا ولفترة من الزمن في أمريكا ككلوزيل وألكسي دو توكفيل وهذا ليطبقوها على الجزائريين . خاصة وأن كلمة إبادة ليست غريبة عن هؤلاء فها هو سفر الخروج يستخدم عبارة الإبادة ضد أعداء الشعب اليهودي وهذا ما يصادفنا في سفر الخروج والذي جاء فيه : " فَإِنَّ مَلاَكِي يَسِيرُ أَمَامَكَ وَيَجِيءُ بِكَ إِلَى الأَمُورِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، فَأُبِيدُهُمْ " 60 . نعم إنه وكما بررت العبودية في العالم الجديد سابقا وهذا انطلاقا من التوراة أي أن قدر أبناء حام الأسود هو الاستعباد لخطيئة أبيهم فكذلك تم تبرير عملية إبادة غير المستعمرين وهذا انطلاقا من الكتاب المقدس أيضا فقط تم استبدال الكنعانيين واليبوسيين بالهنود الحمر وبالجزائريين . أما الإنجيل فلا يخلو هو الآخر من الدعوة إلى قتل أعداء المسيح وأي عدو له في نظرهم أكبر من المسلم والذي ما هو إلا الدجال عينه والذي يجب أن يسلط عليه هو الآخر سيف المسيح المسلط أصلا على الأرض وهذا كما جلء في إنجيل متى : " لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ مَاجِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ ، وَالابْنَةَ ضِدَّأُمِّهَا ، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا  " 61 . أما إنجيل لوقا فقد جاء فيه : " أَمَّا أَعْدَائِي، أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي " 62 كما أن المسيح يعلنها صراحة من أنه لم يأت ليلقي على الأرض سلاما بل سيفا وهذا ما طبقه علينا الاستعمار الفرنسي في الجزائر وبصورة حرفية ومن العام 1830 وإلى غاية العام 1962 . ومن هنا تصبح روح غير المسيحي بروتستانتيا كان أو كاثوليكيا أقل قيمة من روح المسيحي مما يعطي القدرة على التجرؤ عليها وزهقها من دون وجه حق .

    وهل الكنيسة الكاثوليكية في الجزائر أكثر رحمة من مثيلتها في القارة الأمريكية والتي أبادت عشرات الملايين من الهنود الحمر حتى أنها أفرغت دولا وجزرا بكاملها منهم كجزيرة كوبا مثلا وللتوسع أكثر علينا العودة إلى كتاب المسيحية والسيف للمطران برتولومو دي لاس كازاس Bartolomé de las Casas وقبلها أبادت الشعب المسلم في إسبانيا عن بكرة أبيه وهي أي الكنيسة من كانت تبارك أعمال محاكم التفتيش المتوحشة وأين يكون حفنة من الجزائريين أمام كل هؤلاء البشر والذين أبيدوا ظلما وعدوانا باسم المسيح عليه السلام ؟ نحن لا نتجنى على الكنيسة الكاثولكية في الجزائر فهي شريكة في كل ما أتاه الاستعمار من جرائم الإبادة الجماعية في الجزائر فالجانب المادي للجندي كان بيد بيجو والجانب الروحي كان بيد لافيجري وهما وجهان لعملة واحدة شركاء في الجريمة بالتساوي خاصة وأنها أول من بارك الحملة على الجزائر وحرض الملك شارل العاشر على غزو الجزائر تحت غطاء الحروب الصليبية بهدف استعادة مجد الكنيسة الكاثوليكية على الشواطئ البربرية وهذا الكلام من قبيل الشواطئ البربرية والهمجية والتوحش وغيرها من الألفاظ التي ينعت بها غالبا سكان الجزائر من قبل المحتلين لهي شهادات فارغة من قبلهم لتبرير ما لا يبرر أي احتلالهم لأرضنا وعملهم على الدءوب على إبادتنا . والكنيسة تورطت في وحل الاستعمار لكونها قد كانت مقتنعة وكما قال أحد رجال الدين الكاثوليك ونحن هنا نقصد تورنيي Tournier  والذي يخبرنا بأن الإنجيل و القرآن لا يمثلان مجرد ديانتين متناقضتين و لكن يمثلان - و هذا هو الأهم في رأيه- حضارتين متعارضتين.  ولذا وجب أن تبيد الأقوى منهما الأضعف ذلك أنه لا مجال للتعايش بينهما في نفس المجال المكاني بل يجب لأحدهما أن يخليه للآخر .

    كما يخبرنا مصطفى الأشرف في كتابه الجزائر الأمة والمجتمع بأن الجنرال شانغارنييه عمل على تبرير عمليات الإبادة الجماعية للجزائريين بالكتاب المقدس وبالضبط بأعمال النبي التوراتي يشوعjosué  63 أما الغلاة سواء كانوا مدنيين أو عسكريين فهم قد أرادوا تطبيق ما جاء في الكتاب المقدس وبصورة حرفية على الجزائريين تلك القوانين الآمرة بقتل الأطفال والنساء والشيوخ والحيوانات تماما كما فعل بيلسييه bilisier وهذا حينما ارتكب جريمة محرقة غار الفراشيش في العام 1854 بجبال منطقة الظهرة . وهذا لا لشيء سوى لكون الكولون كانوا يعتقدون بأن العناية الإلهية هي من منحتهم الجزائر فها هو الماريشال فالي يقول : " إن احتلال الجزائر لم يتم كنتيجة لرأي إرتأيته أنا أو لقرار حكومي ... بل هو أمر حتمته الأقدار على فرنسا " 64 ونبقي دوما مع مصطفي الأشرف والذي يخبرنا بأن كلام الماريشال ذاك يشبه كلام لويس فييو fiaut Louis وبوجولاpojolat  وريشار Richard فالأول والثاني مدفوعان بالعاطفة الدينية والثالث مدفوع بروحانية القوة أي قوة الأقدار التي سلمتهم إدارة شؤون الجزائر وفي خطاب وجهه إلى الأمير عبد القادر يخبره فيه بأن الله معه ينصرني ويرعاني ولهذا فهو يتذرع بالحقوق المقدسة التي يجب إحقاقها ولو على حساب الغير 65 وهو أمر لا يفاجئنا إذا علمنا أن الحملة الفرنسية على الجزائر قد ارتدت ومنذ بدايتها لباس الحملة الصليبية عليها ورفعت شعار إعادة بناء الكنيسة الرومانية المسيحية في كل شمال إفريقيا والبوابة طبعا هي الجزائر .

    والحقيقة المرة هي أنهم حاولوا إبادتنا ليسرقوا وطننا ويرتقون وعلى حسابنا ليصبحوا من علية القوم وصفوة المجتمع وكان يحركهم الجشع والطمع ولا شيء غير هذا في أرضنا ولأجل أن يجدوا لأنفسهم من مبرر فقد استغلوا التاريخ والحق السماوي المسيحي المقدس ومعه الحق الحضاري بهدف تبرير جريمة إبادتنا واقتلاعنا من أرضنا ماديا ومعنويا ثم حاولوا الاستنجاد بالعلوم المزورة كأنتربلوجيا الاستعمار على أساس أن ما حدث لنا هو حتمية وقدر الإنسان الأدنى وكل هذا لأنهم أعطوا لأنفسهم حق تقرير مصيرنا وفي غيابنا ولو إلى حين .

    خلق الظروف الملائمة من قبل الإدارة الفرنسية لإبادتنا

    بداية نقول بأنه في عهد الجنرال كلوزيل 1835 و 1836 تحول سهل متيجة وبالقوة إلى وطن حقيقي للمعمرين وهذا من بعد أن طردوا سكانه منه نحو المجهول ليلقوا حتفهم المحتوم فيه وهذا العمل يدخل في باب تهيئة الظروف الملائمة لتكون إبادة حقيقية لا مفر منها واستمرت هذه السياسة في كل شبر يستولون عليه من الأراضي الجزائرية وهذا طوال القرن التاسع عشر . وفي مقابل هذا فقد تم تقديم كافة التسهيلات للأوروبيين كتلك المقدمة في العام 1868 للمستوطنين بدفع فرنك واحد مقابل كل هكتار ولمدة 50 سنة .
    وهذه السياسة أي تهيئة الظروف المؤدية لإبادة الجزائريين هي في حقيقتها سياسة دولة وهذا ما نستنتجه من أقوال ألكسي دو طوكفيل والذي يقول في العام 1841 : " لقد سمعت أحياناً في فرنسا أناساً أحترمهم يقولون بأنه من السيئ أن يتم حرق المحاصيل ، وأن يقع تفريغ مطامير القمح وأن يلقى القبض على الرجال غير المسلحين ، وأيضاً على النساء والأطفال . وأنا لا أوافق هؤلاء السادة على مثل هذا الكلام ، وأرى أن مثل هذه الأعمال المؤسفة ضرورية لشعب يرغب في شنّ حرب ضد العرب بهدف جبرهم على الرضوخ له " 66 وهو نفسه من يعتقد بأن واجب الحرب يسمح للفرنسيين بتخريب الجزائر وبتدمير المحاصيل الزراعية وقت الحصاد أو الجني وهذا في كل الأوقات وبواسطة الهجمات التي تهدف إلى إلقاء القبض على الرجال والاستيلاء على قطعان الحيوانات . نعم إن قوانين الحرب تسمح لهم بذلك تلك القوانين التي فصلوها هم على مقاسهم ولخدمة مصالحهم الخاصة .

    نعم لقد عمل المستعمر الغازي على تجريد كل القبائل من محاصيلها الزراعية ومن ماشيتها وما ملكت أيديها وجعلها متوقفة في معاشها على ما تجود به إدارة بيجو وأصدر أوامره بإباحة الحرائق وإتلاف الأرزاق 67 وهنا تهيأت الظروف لظهور شبح المجاعات والتي بدورها ستبيد الجزائريين إبادة جماعية . فمجاعة 1867 نجد بأن المسؤول الأول والأخير عنها هو الاستعمار الفرنسي وذلك من خلال سياسته الإجرامية والممثلة في حرقه للحرث والنسل وإتيانه على الحبوب المخزنة في المطامير وتدميره للأجنة والبساتين مما جعل الفلاحين عرضة للقحط وفريسة الجفاف لمدة عشرات السنين 68 وبعد هذا هناك من يتحدث وبكل وقاحة على أنه لم تكن هناك نية لإبادة الجزائريين والحقيقة هي أن كل فرنسا الاستعمارية ومهما اختلفت توجهاتها السياسية قد كانت سياسة الإبادة الجماعية هي سياستها الرسمية وهذا طوال وجودها بالجزائر .

    سياسة الأرض المحروقة ومسؤوليتها عن الإبادة الجماعية للجزائريين

    لقد جاء في تقرير أحد القادة العسكريين الفرنسيين ما يلي :  "أننا دمرنا تدميرا كاملا جميع القرى و الأشجار و الحقول و الخسائر التي ألحقها فرقتنا بأولئك السكان لا تقدر ، إذا تساءل البعض ، هل كان عملنا خيرا أو شرا ؟ فإني أجيبهم بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لإخضاع السكان و حملهم على الرحيل... " أما المؤرخ فونتي فيقول : " حول المدن الساحلية التي احتللناها فر الأهالي منها في الفترة الأولى من الاحتلال فترة فتاكة ودامية أرغمنا العرب على الجلاء من أراضيهم " 69 أي أنهم استخدموا سياسة الإبادة لكل ما هو جزائري بشريا كان أم ماديا أو معنويا لا لشيء سوى لحمل السكان على الرحيل وترك ديارهم ووطنهم أي أن ما حدث ولا زال يحدث للهنود الحمر في أمريكا أعيد القيام به مرة أخرى في الجزائر لماذا لأن أي إجراء آخر كاحترام قوانين الحرب وكما قال الجنرال بيجو سوف يؤخر عملية احتلال الجزائر 70 . ولذا فأقصر الطرق هي إبادة الجزائريين وانتهي الأمر وهي نفس الحجج التي استند لها سانت أرنو في إبادته للجزائريين فهو يرى بأن : " مراعاة القواعد الإنسانية تجعل الحرب في إفريقيا تمتد إلى ما لا نهاية " . . 71

    ومن مظاهر سياسة الأرض المحروقة ما يخبرنا به  مونتانياك من أن الجنرال لاموريسيير يهاجم العرب ويأخذ منهم كل شيء ، نساء وأطفالا ومواش. يخطف النساء ، يحتفظ يبعضهن رهائن والبعض الآخر يستبدلهن بالخيول ، والباقي تباع في المزاد كالحيوانات ، أما الجميلات منهن فنصيب للضباط  " 72 وفي ذات السياق قال الجنرال كانروبير ِ Canrobertبأن جنودهم ينفذون هذا التدمير بحماس ، إن التأثير الكارثي لهذا العمل البربري والتخريب العميق للأخلاق الذي يبث في قلوب جنودنا وهم يذبحون ويغتصبون وينهب كل واحد منهم لصالحه الشخصي . وهذا ما يؤكده الكونت دو هيريسون في كتابه مطاردة الإنسان حيث يخبرنا بأن الأراضي الإفريقية ويقصد هنا الجزائر ما هي إلا مزرعة يستغلها كل واحد لمصلحته الخاصة 73 . أما  النقيب لافاي Lafaye  فيقول : " لقد أحرقنا قرى لقبيلة بني سنوس ، لم يتراجع جنودنا أمام قتل العجائز والنساء والأطفال . إن أكثر الأعمال وحشية هو أن النساء يقتلن بعد أن يغتصبن ، وكان هؤلاء العرب لا يملكون شيئا يدافعون به عن أنفسهم " ونفس الأمر يتكرر أينما حل الجيش الفرنسي الغازي فالسكان العزل يتركون قراهم تحت رحمة الغازي لأنهم لا يملكون شيئا يدافعون به عن أنفسهم ولمعرفة المزيد عن هذه الأعمال الهمجية أنظر كتاب بالفرنسية LA CHASSE A L’HOMME GUERRES D’ALGÉRIE PAR LE COMTE D’HÉRISSON  74 .

    كما يخبرنا فرحات عباس في كتابه ليل الاستعمار بأن الفرنسيين : " في أكثر من أربعين سنة أي من 1830 إلى 1871 قتلوا وأحرقوا الزرع والضرع ... حتى كادت تصبح قاعا صفصفا " 75 ولأجل هذا فالجيش الفرنسي في الجزائر قد تحول إلى قطاع طرق لا أكثر ولا أقل من هذا .  وهذا ما جاء على لسان  دو كرو DUCROT والذي يقول بأن : " ما نهب في  رزايا واحدة حمولة 2000 بغل " وفي نفس السياق يخبرنا صاحب كتاب مطاردة الإنسان بأن أفضل رزية هي رزية أولاد نايل حيث نهبوا فيها 25 ألف رأس من الأغنام و600 جمل محمل بالغنائم وكما مَـرَّ معنا هذا الأمر  أعلاه 76 أما  النقيب لافاي lafay فيقول : " كان الضباط يخيرون الفلاحين بين أن يقدموا لهم الأكل أو الإبادة، كنا نخيم قرب القرية ، يعطيهم الجنرال مهلة لإعداد الطعام أو الموت ، كنا نوجه سلاحنا نحو القرية وننتظر، ثم نراهم يتوجهون لنا ببيضهم الطازج ، وخرافهم السمينة ، ودجاجاتهم الجميلة، وبعسلهم الحلو جدا للمذاق.  " . وللتعرف أكثر عن الأسلوب الذي كان الجيش الفرنسي يمون به كتائبه في الجزائر راجع كتاب مطاردة الإنسان السابق الذكر ص 77 .

    ونحن هنا نقدم فقط أمثلة عن تلك الممارسات الشنيعة والتي تمت في إطار سياسة الأرض المحروقة والرامية إلى إبادة الجزائريين فمثلا ففي يوم 26 نوفمبر 1830 أصدر الضابط ترولير l'officier Trulir أمرا إلى وحداته العسكرية بتقتيل كل سكان البليدة الآمنة والبالغ عددهم الألفين مواطن من دون تميز بين الطفل والشيخ ولا المرأة ولا الرجل والهدف من هذه الجرائم واضح وهو هدف واحد ووحيد ويتمثل في تفريغ الأرض من السكان بهدف الاستيلاء عليها وتوطين المعمرين وهكذا تنتقل ملكيتها من الجزائريين إلى الغزاة المستوطنين .78

    ولذلك فإن سياسة الأرض المحروقة والتي اتبعها كل القادة الفرنسيين أيام الحكم العسكري للجزائر 1830 – 1870 والتي كانت نتيجتها واحدة ووحيدة ألا وهي الإبادة الجماعية للجزائريين خاصة إذا ما تزاوجت مع سياسة مصادرة الأراضي والتي هي المصدر الوحيد لإنتاج الغذاء في الجزائر ويبرز هذا في مجاعات 1866 و 1868 والتي راح ضحيتها وحسب التقديرات حوالي نصف مليون جزائري وهذا أمام مسمع ومرأى سلطات الاحتلال والتي لم تعمل أبدا على نجدة الأهالي لأن هذا ما كانت تهدف إليه بغية تفريغ الجزائر من سكانها وهذا لكي يحل محلهم المستوطنون الأوروبيون علما بان خسارة نصف مليون من السكان الجزائريين هو رقم كبير جدا إذا ما علمنا بأن عدد سكان الجزائر في تلك السنوات لم يكن يتجاوز الثلاثة ملايين نسمة  .

    ولقد وحاولت فرنسا إبادة اقتصاد الجزائر الخاص بحيث يساعد ذلك في تدمير الجزائر حضاريا وسكانيا وٕإنسانيا ، وذلك بتطبيق مخطط إجرامي لإحراق الغابات والمزارع والحقول وتخريب القرى والمدن وردم العيون والآبار بحيث أنه لم يمر أقل من أربعين عاما على الاحتلال حتى وقعت مجاعة وقحط ويبس في الزرع وغلاء في الأسعار وانتشار لوباء الكوليرا الذي أدى إلى إبادة قبائل بتمامها فمثلا قبيلة أولاد يحي بن طالب فقدت364  أسرة من مجموع سكانها 10.211 نسمة ليصبح عددها 4.325  نسمة 79 وبعد هذا يتحدثون عن الدور الإيجابي للغزو الفرنسي للجزائر ! ؟ .

    ولم تكن هذه العمليات الإجرامية قاصرة فقط على منطقة الشمال الجزائري فأينما حل الاستعمار حلت معه سياسة الإبادة الجماعية الإجرامية كما هو الحال في واحة الزعاطشة 1849 والتي أبيدت عن آخرها . وإذا ما نحن اتجهنا صوب منطقة الواحات الشمالية فنفس الجريمة والمشهد يتكرران فها هو العقيد  بان  pein يقول عما حدث في مدينة الأغواط في العام 1852 : " الشوارع والأزقة ، والميادين ، كانت كلها تغص بالجثث . إن الإحصائيات التي أقيمت بعد الاستيلاء على المدينة وحسب معلومات استقيناها من مصادر موثوقة ، أكدت أن عدد القتلى من النساء والأطفال 2300 قتيل ، أما عدد الجرحى فلا يكاد يذكر لسبب بسيط هو أن جنودنا كانوا يهجمون على المنازل ويقتلون كل من وجدوه بلا شفقة ولا رحمة."  أنظر كتاب 80 .

    أما العقيد فوري  foreyفيقول : " انطلقت من مليانة سبعة طوابير بهدف التخريب ، واختطاف أكبر عدد ممكن من قطعان الغنم ، وعلى الأخص النساء والأطفال ، لأن الوالي العام الجنرال بيجو كان يريد بإرسالهم إلى فرنسا أن يلقي الفزع في قلوب السكان ، واختطفنا في هذه الحملة ما يزيد على ثلاثة ألاف من رؤوس الغنم ، وأشعلنا النار في ما يزيد على عشرة من القرى الكبرى، وقطنا واحرقنا أكثر من عشرة ألاف من أشجار الزيتون التين وغيرها...  " 81 والنتيجة الحتمية لهذه الأعمال الوحشية هي إبادة الجزائريين فمن لم يقتل برصاص هؤلاء الغزاة وبسيوفهم وبخناجرهم فحتما سيقتله الجوع والربد والثلج خاصة وأنهم يختارون موعد تلك الرزايا عندما يقترب موعد فصل الشتاء وهكذا يباد الأهالي من دون طلقة رصاص وحدة منهم . أما سانت أرنو فيقول : " إنك تركتني في قبيلة البراز حرقتهم كلهم واتيت على الاخضر واليابس واليوم فانني في قبيلة بني شويد فأتيت فيها على الزرع والضرع " 82 إلى أن يقول : " إننا نحطم ونحرق ، ونخرب الديار والأشجار أما المعارك فإنها لا توجد أو قلما توجد"  83 .

    نعود ونقول بأنهم قد عملوا على خلق كافة الظروف المؤدية إلى إبادتنا وبصورة جماعية ونحن هنا نستشهد بما جاء في كتاب أمريكا والإبادات الجماعية من أن العمل بالسخرة والتجويع الإجباري والترحيل الجماعي وتقويض معنويات الضحايا تشحذ أنياب الأوبئة وتزيدها فتكا 84 وكلها أدوات استخدمتها فرنسا في حربها ضد الجزائر . كما أن فرحات عباس يخبرنا في كتابه ليل الاستعمار بأن فاران  Varanصاحب كتاب هل تصبح الجزائر فرنسية يقول : " يجب علينا أن نستولي شيئا فشيئا بدون هوادة ولا شفقة على جميع مراتعهم ومراعيهم ونثقل كواهلهم بضرائب مرهقة حتى تتعذر عليهم الحياة فلا يجدون ما يسدون به رمقهم " 85 وهذا النص لا يترك مجالا للشك من أنهم فعلا قد أنزلوا مخطط إبادتنا إلى أرض الواقع فالعسكر وسيلتهم السيف والرصاص الحي والساسة ورجال الاقتصاد وسيلتهم التجويع وحرماننا من مصادر رزقنا التي تضمن استمرار بقائنا في الزمن . وهكذا يلتقي الكل في هدف واحد ألا وهو إبادة الجزائريين . ومن بعد مصادرة واغتصاب أراضينا جاء الدور على الغابات والتي كانت هي الأخرى مراعي لثرواتنا الحيوانية فقد تم منعنا من الدخول إليها من بعد أن حجزتها الدولة الفرنسية فتفاقمت حالة السكان المجاورين لتلك الغابات وهذا من جراء هذه القوانين الجائرة والمجحفة ولم يبق للعرب إلا الأراضي الجبلية القحطاء ورمال الصحراء الجدباء86

    علما بأن الجزائريون قد كانوا يضنون بأنهم سوف يتخلصون من الجزائريين وبصورة نهائية لما يطردونهم إلى المناطق الجبلية القاحلة وإلى هوامش الصحراء ولكن من سوء حظ الجزائريين أيضا أن تلك المناطق قد أصبحت خزانا لا ينضب من الثروات سواء تمثلت الحلفاء أو منتجات الثروة الغابية المختلفة أو في مناجم الرخام كما هو الحال في بلاد زواوة أي بلاد القبائل وسكيكدة والذي كثيرا ما زيّــن البيوت الرومانية قديما وجاء الدور ليجد مكانه في بيوت الفرنسيين مرة أخرى . مما سيجعل اللعنة تلاحق الجزائريين أينما حلوا وذلك في صورة تلك القوانين الجائرة والمجحفة والصادرة بحقهم .

    نعم إن غاباتنا قد أصبحت هي الأخرى ملكا للدولة الفرنسية وعند الدخول إليها نصبح معتدين على أملاك الدولة كما نصبح لصوصا يجب معاقبتنا لأننا انتهكنا حرمة القانون . وسهولنا هي الأخرى اغتصبت منا لتمنح لشذاذ الآفاق ومددنا طرنا منها ليسكنها الغرباء فإلي أين نتجه يا ترى ؟ لم يبق أمام الجزائريين سوى الموت جوعا ورصاصة الرحمة التي ينتظرونها لتطلق عليهم . نعم إن فرنسا قد شنت علينا حربا عوانا لغصب ببلادنا ونهب ممتلكاتنا وسلب خيراتنا وتحدوها هنا فكرة إجرامية ألا وهي إبادة شعبنا ألم يقل الملك لويس فيليب Louis-Philippe سنة 1835 لا يهمنا أن نطلق مائة رصاصة في إفريقيا إذ لا تسمع أوروبا صدى تلك الرصاصات . 87 ونحن هنا لسنا مع ما يقوله فرحات عباس أو ضد تصريحات فراسوا هولاند وإنما نحن نحتكم إلى الوثائق وإلى الأحداث التاريخية ولا يهنا تصريح هذا أو ذاك من ساسة فرنسا في إطار حملاتهم الانتخابية وتصارعهم على السلطة سواء كانوا في جهة  اليمن أو اليسار فهمهم فقط هو تقديم الحقيقة قربانا على هيكل تلك المصالح وتقبر خلف ضباب كثيف من الأكاذيب والادعاءات المزيفة والمضللة ولذلك فالفيصل بيننا وبينهم ما حدث وأرشيفهم وليس تصاريحهم نعم إن التاريخ يصنعه الساسة والعسكر ولكن الذي يكتبه هم المؤرخون .

    نماذج من عمليات الإبادة الجماعية الفرنسية في الجزائر

    يخبرنا شيخ المؤرخين الجزائريين السيد أبو القاسم سعد الله بأن عملية إبادة سكان الجزائر وتفريغها من أهلها قد بدأت منذ اللحظة الأولى لسقوط مدينة الجزائر بيدهم حيث قاموا بترحيل كل من له علاقة بالأتراك نحو آسيا الصغرى وحلوا هم محلهم في الثكنات العسكرية ونفس الأمر حدث مع الأبراج وفيلات الأتراك التي طردوهم منها وسكنوها هم 88 وكلامه هذا لا يجانب الصواب أبدا فهم بالفعل قد بدؤوا في عملية إبادة الجزائريين وقضيتهم قد أصبحت مسألة وقت وفقط وهذا ما نستنتجه من قول أحدهم من أن مسالة العرب قبرت نهائيا ، ولم يبقى لهم سوى الموت أو الهجرة أو قبول الخدمة عند أسيادهم ، هل يستيقظون قبل أن تطلق عليهم رصاصة الرحمة ؟ 89 .

    نعم لقد بدؤوا في إطلاق رصاص الرحمة علينا فلقد جاء في كتاب جرائم فرنسا في الجزائر ما يلي : " اكتسبت الحرب التي شنها الجنرال بيجو ضد الشعب الجزائري بالطابع الإجرامي والعنف إلى حد أن سكان الجزائر تناقص حسب تقرير احد الضباط الفرنسيين من 4 ملايين إلى ثلاثة ملايين نسمة في مدى سبع سنوات بل إن حمدان بن عثمان خوجة صاحب كتاب المرآة يقول في تقريره هذا وكما هو معلوم للعام وللخاص من أن سكان الجزائر قد تناقصوا من عشرة ملايين إلى ثلاثة ملايين نسمة .

    ولقد حرصت الدولة الفرنسية وكما يقال وهذا منذ سنة 1830 على تطبيق وصايا جنرالاتها الفاتحين الذين أجمعوا على أنه من أجل السيطرة على هذه البلاد لابد من إبادة أهلها الأصليين . ولذلك فقد كانوا يتخذون كل الإجراءات الصارمة للإطاحة بالقبيلة المنوي تدميرها بقوات كبيرة ، بحيث يكون الهرب مستحيلا لأي مخلوق، والسكان الآمنون لا يدركون الخطر المحدق بهم ، إلا عندما يسمعون قرع الطبول التي تضرب نغمة مؤذية للسمع وبعد ذلك تحدث المفاجأة التي لا يوجد لها مثيلا إلا فيما نعرفه من قصص إبادة الهنود الحمر" 90 . نعم لقد كانوا يقتلوننا بكل قسوة ووحشية لأنهم كانوا مقتنعين بذلك فها هو الرائد الرائد مونتانياك يعترف بجرائمه لكونه كان مقتنعا بأن العرب ما فوق الخمس عشرة سنة يجب أن يعدموا أفضل من إيداعهم السجن بغض النظر عن عرقهم وجنسهم لأن هذه هي الطريقة المثلي لمحاربة العرب وإخضاعهم لأن العرب لا يخضعون إلا للقوة 91 . ولهذا فقد اقترفوا وكما يقول ديريسون  Derezon: " جرائم يذوب لوحشيتها الصخر ، وكثيرا ما حكمنا بالإعدام … ونفذنا ذلك رميا بالرصاص " نعم وهل ننتظر منه أن يكون أكثر نبلا من نابليون الثالث والذي قال 100 رصاصة أوروبا لا تسمع صداها أو من ترومان الرئيس الأمريكي والذي محا هورشيما من الوجود معها ناكازاكي Nagasaki اليابانيتين ؟ .  
         
    ونبقى دوما مع هذه الاعترافات الشيطانية والخاصة بسياسة الإبادة الجماعية للجزائريين فها هو الضابط ليو Léo كتب في العام 1843 عن الأعمال الوحشية بمنطقة شرشال بقوله : " لقد هدمت كثيرا من الدواوير وأزيلت من الوجود قرى بكاملها بعد إشعال النيران فيها وقطعت عدة آلاف من أشجار التين والزيتون وغيرها " 92 أما الرائد ويستي westée فيقول : " إن الدواوير التي أحرقت والمحاصيل الزراعية التي أتلفت ، لا تكاد تصدق ، فلم يكن يرى من الجانبين من الطابور سوى النيران " 93 .

    وتلك الإبادة قد شملت الرجال كما شملت النساء أيضا فقبيلة العوفية قد أبادها الجنرال ورفيقو بكاملها وكان عدد أفرادها 12000 جزائري نعم أبادها عن بكرة أبيها وأقام معرضا بباب عزون وكان الناس يتفرجون على حلى النساء ثابتة في سواعدهن المقطوعة وآذانهم المبتورة 94 وهذه هي الحرب المشروعة والتي يتحدث عنها السيد فرانسو هولاند نعم إنه : " هكذا تتم عملية الحرب مع العرب فيجب أولا وقبل كل شيء قتل كل رجالهم من سن 15 سنة فما فوق والاستيلاء على النساء والأطفال ثم إرسالهم إلى جزر الماركيز أو إلى أية جهة أخرى وبكلمة مختصرة إفناء كل ما من شأنه أن يزحف تحت أقدامنا كالكلاب " 95 .

     نعم إنه وأينما حل الفرنسيون تحل معهم لعنة حرب الإبادة في حق الجزائريين فها هي مدينة البليدة ستكون هي الأخرى مسرحا لجريمة حرب إبادة جديدة هذه الجريمة والتي وصفها حمدان بن عثمان خوجة بالقول قام : " الجنود الفرنسيون بأعمال وحشية في المدينة وأحدثوا مجزرة رهيبة ، لم ينج فيها رجال ولا نساء ولا أطفال هناك من يذكر أنه تم تقطيع بعض الرضع من صدور أمهاتهم.  ووقع نهب في كل مكان ولم يستثنى حتى الجزائريين الذين فروا إلى هذه المدينة لينجوا من ظلم الحكومة الفرنسية وليجدوا وسائل تمكنهم من العيش ، إنني هنا بكل نزاهة ولا أروي وقائع الأحداث إلا كما جرت.  وهكذا فإن عددا كبير ممن لم يكونوا يفكرون في خيانة الفرنسيين ، ولا حتى في معاداتهم ، قد وقع تقتيلهم في هذه الظروف " 96 وجريمة البليدة هذه قد وقعت ضد السكان العزل وهذا على إثر مهاجمة المقاومة الوطنية للحامية الفرنسية بها . نعم إنه في يوم 26 نوفمبر 1830 قد أقدم الضابط ترو لير  troulaireعلى إصدار أمر إلى وحداته العسكرية بمحاصرة بلدة البليدة الآمنة وأقدمت على تقتيل جميع سكانها البالغ عددهم قرابة الألفين مواطن97 .

    وإذا ما نحن اتجهنا صوب منطقة جبال الظهرة فإننا نجد جريمة أخرى لا يمكن لنا توصيفها هل هي أكثر جرما من الجرائم السابقة أو أقل منهم جرما لأن كل جريمة يمكن أن تعتبر هي الأكثر وحشية ولا يمكن أبدا المفاضلة بين تلك الجرائم نعم ها نحن نلتقي مرة أخرى مع عمليات القتل الوحشي لقبيلة أولاد رياح في الكهف المسمى ب : " غار الفراشيش وعددها أكثر من 1000 شخص رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا مع حيواناتهم، فحاصرهم بيليسيه وجنوده بالغار من جميع الجهات وطالب القبيلة بالاستسلام فردت عليه بإطلاق النار، فأعطى الأوامر لجنوده بتكديس الحطب أمام مدخل المغارة، وإشعاله فهلك كل أفراد القبيلة المقدرين كما ذكرنا بحوالي 1000 شخص " 98 . ولقد وتوالت هذه العملية يومين كاملين 17 و 18 جوان ، وقبل طلوع نهار اليوم الثاني بنحو ساعة وقع انفجار كبير داخل المغارة فقضى على من تبقى على قيد الحياة . 99

    ثم ها هو العقيد بان pein يكرر نفس المشهد في مدينة الاغواط سنة 1852  يحدثنا بان بنفسه فيقول : " لقد كانت مذبحة شنيعة حقا ، كانت المساكن والخيام التي في ساحة المدينة والشوارع والأزقة ، والميادين ، كانت كلها تغص بالجثث . إن الإحصائيات التي أقيمت بعد الاستيلاء على المدينة وحسب معلومات استقيناها من مصادر موثوقة ، أكدت أن عدد القتلى من النساء والأطفال 2300 قتيل ، أما عدد الجرحى فلا يكاد يذكر لسبب بسيط هو أن جنودنا كانوا يهجمون على المنازل ويقتلون كل من وجدوه بلا شفقة ولا رحمة : " 100 .

    نعم لقد أبيد ثلثي سكان الأغواط في ما اصطلح عليه بعام " الخلية " في ديسمبر 1852 حيث أنه وعندما سقطت المدينة في 04 ديسمبر من نفس العام فقد أباد الفرنسيون 2500 شهيد من مجموع 3500 كانوا يسكنون المدينة مع استخدام مادة الكلوروفورم كسلاح كيميائي ضد المدينة 101 . وإن لم تكن هذه إبادة جماعية فماذا تكون يا ترى ؟ ؟ ؟ . وماذا عن عام الشكاير أي الأكياس بتعبير الجزائريين والتي ألبسها الجيش الفرنسي لمن بقي حيا من سكان الأغواط من بعد تلك المجزرة الرهيبة ثم حقنوهم بالغاز وأشعلوا فيهم النار أحياء أليست هذه جرائم تفوق في بشاعتها تلك التي اقترفها النازيون في أعدائهم ؟ .

    ونحن هنا لا نتقول على هؤلاء الغزاة فهم من قالوا لقد قتلنا رجالا يحملون رخص المرور التي أعطيناها لهم ، كما أننا ذبحنا كثيرا من الجزائريين تشبه عارضة ، لقد أبدنا قبائل بأكملها تبين بعد أنها بريئة ، لقد حاكمنا رجالا يقدسهم السكان الجزائريون لا لشيء إلا لأنهم تجرءوا على التعرض لبغضنا ،  وقد وجدنا القضاة الذين حكموا عليهم ، والرجال المتدينين الذين نفذوا عليهم أحكام الإعدام ، لقد كنا أكثر وحشية من السكان الذين جئنا لتمدينهم 102 .

     ولقد حدثت تلك الفظائع لأن فرنسا كانت تريد أن تجعل من الجزائر قطعة غربية وهذا لا يتأتى إلا بإحلال شعب مكان الشعب الجزائري فيها . خاصة وأن كل الفرنسيين في بداية الاحتلال كانوا شبه متفقين حول هذه النقطة فها هو منظر الاستعمار الفرنسي في الجزائر أرموند فيكتورهان A.V.Hain  قد وجه في العام 1832 نداءا إلى الفرنسيين بالجزائر يخبرهم فيه باستحالة إدماج السكان الأصليين ولذلك فهو يرى بأنه عمل مشروع طردهم إلى الصحراء ، أو إبادتهم ، في حالة المقاومة 103 . وما دام الجزائريون سيقاومون الاحتلال وكتحصيل حاصل فالفرنسيون سوف يبيدونهم أو على الأقل سيحاولون إبادتهم وهذا ما حدث فعلا . وعندما لم يستطيعوا إبادتهم فقد طردوهم وكما خططوا لذلك إلى المناطق الجبلية الجرداء وإلى المناطق الصحراوية آملين في أن تكمل الظروف الطبيعية القاسية ما عجزوا هم عن فعله وتنجزه بالنيابة عنهم أو على الأقل تحد من زيادتهم السكانية مما يضمن عدم الاختلال السكاني لصالح الجزائريين . وإن لم تُـجْـد هذه الحلول فيجب نفي الشعب الجزائري إلى الجزر البعيدة والنائية مثل جزر الماركيزÎles Marquises في المحيط الهادى ولكن هذا الحل لم يكن ممكن عمليا لما يحتاجه من إمكانات مادية وبشرية ضخمة . ولذلك فإن الحل الممكن بيدهم هو إبادة الشعب الجزائري هنا بالجزائر وذلك عن طريق ابتلائه بكل ما يؤدي إلى إبادته . والأسلحة هنا هي الفقر والجوع والمرض وهؤلاء هم الحلفاء الأقوياء للنظام الاستعماري في الجزائر والذين قد تم تسليطهم على الشعب الجزائري والنتيجة كما رأيناها سابقا في عدد ضحايا تلك المجاعات الغير مسبوق في الجزائر .

    ونتيجة لكل ما سبق فق تناقص عدد الجزائريين فقد كانوا في العام 1830 والإحصاءات هنا مختلفة فمنها من يعطينا رقم 4 ملايين نسمة ومنهم من يعطينا رقم 10 ملايين نسمة ليصبح العدد 2.5 مليون فقط في العام 1885 ترى أين ذهب الفارق بين هذه الأرقام ولئن كان حمدان بن عثمان خوجة صادقا في تقديراته فتكون فرنسا وخلال 50 عاما قد أبادت 7.5 مليون نسمة من سكان الجزائر ووسائلها هنا هي الرزايا ومطاردة الإنسان كما يخبرنا بذلك الكونت ديريسون والذي يذكر في كتابه مطاردة الإنسان المذكور أعلاه فيخبرنا بأنهم قد أتوا :" ببرميل مملوء ة أذانا غنمناها أزواجا من الأسرى " 104 .  في كل غزوة يأتون بهذا الكم الهائل من أزواج الآذان في البراميل وكل برميل كم فيه من أذن وكم رزية قاموا بها وعليها فكم هو مجموع ضحاياهم من الجزائريين في حرب إبادتهم هذه ؟ .

    ليس فقط القرن التاسع عشر والذي يسميه عباس فرحات بقرن الأحزان من مارست فيه فرنسا الاستعمارية سياسة الإبادة الجماعية ضد الجزائريين بل هناك عدة مناسبات كانت تتجدد فيها هذه السياسة ولعل أبرزها إقحام الجزائريين في حروب فرنسا التي لا تعنيهم ووضعهم في الصفوف الأولى لينالوا مصيرهم المحتوم كما هو الحال في الحربين العالميتين الأولى والثانية . وخلال فترة ح ع 2 ونتيجة لظروف الحرب فقد أبيد الجزائريون حتى أن هناك منازل قد أفرغت من سكانها نتيجة للثالوث الأسود وعلى رأسه الجوع والمرض فها هو طبيب فرنسي زار الجزائر في 1945 ويدعى جورج توماس George Thomas كتب يقول كنت في الجزائر سنة 1945 وقت المجاعة ... عندما كان الآلاف يموتون جوعا ... كما شاهدت القمع ورأيت 200 شخص يموتون من داء الملا ريا في غرداية . وكم مثلهم أو قل أضعافهم يا دكتور قد سقطوا في المناطق المختلفة في الجزائر العميقة ولم يكن هناك شهود عليهم فلفهم رداء النسيان الرهيب وسقطوا من ذاكرتنا الفردية والجماعية لتعيش فرنسا الحرية وعصر الأنوار ؟ .

    ولما انتهت الحرب الكونية الثانية حصد الرصاص الفرنسي أكثر من 45 ألف شهيد في ظرف أسبوعين وهذا في مجازر 8 ماي 1945 وهذه قد كانت محاولة لإبادة الجزائريين لأن كفة الميزان الديمغرافي قد مالت وبصورة نهائية لصالح الجزائريين وهذا ما أرعب ويرعب المستوطنين فأوعز لهم عقلهم المريض اللجوء إلى الحل الأخير على طريقة النازيين . نعم لقد قتلوا وفي ظرف أسبوعين وأثناء مجازر 08 ماي 1945 أكثر من 45 ألف شهيد كأقل تقدير هذا في ظرف أسبوعين . ولكن العمليات العسكرية في الجزائر قد استمرت ولمدة تتجاوز الأربعين عاما أي من العام 1830 وإلى العام 1871 تاريخ نهاية مقاومة الشيخ المقراني وعليه فمن حقنا أن نتساءل كم من الجزائريين أبادت فرنسا طوال تلك الفترة الزمنية والتي حدث ما حدث فيها في لحظة غفلة من الزمن .

    وبالموازاة مع حرب الإبادة هذه والجارية على قدم وساق ضد الجزائريين فإن تيارا آخر مضادا من الهجرة الأوروبية يسيل باتجاهها كالسيل الجارف على اعتبار أن احتلال الجزائر فرنسيا ولكن استيطانها أوروبيا وهذا وكما هو معلوم للجميع ولذلك فقد تدفق الأوروبيون على الجزائر ومنذ اللحظة الأولى لعملية الغزو والهدف كان واضحا هو أن تصبح الجزائر وكما قال الجنرال بيجو سان دومنع جديدة وللعلم فإن سان دومنغ هي مستعمرة إسبانية ثم فرنسية تقع في البحر الكاريبي كما أننا كلنا نعلم كيف كاد سكانها من الهنود الحمر أن ينقرضوا لصالح الرجل الأبيض المستوطن وهذا بفعل الحروب التي شنها الأوروبيون عليهم وبفعل العمل القسري وسياسة التجويع والتعذيب وكلها أساليب استخدمها الاستعمار الفرنسي في الجزائر وكما أدت إلى إبادة سكان سان دومنع فسوف يكون لها نفس الأثر في الجزائر أيضا . كما صرح  الجنرال كلوزيل للمعمرين في 10 أوت 1835 قائلا  : " لكم أن تؤسسوا من المزارع ما تشاءون، ولكم أن تستولوا عليها في المناطق التي نحتلها وكونوا على يقين بأننا سنحميكم بكل ما نملك من قوة وبالصبر والمثابرة سوف يعيش هنا شعب جديد، وسوف يكبر ويزيد بأسرع مما كبر وزاد الشعب الذي عبر المحيط الأطلسي واستقر في أمريكا من بضعة قرون " 105 .

    ولأجل تحقيق تلك الغايات السابقة وعلى رأسها جعل الجزائر فرنسية فقد بدأ الاحتلال في توطين شذاذ الآفاق ممن أكبتهم السفن القادمة من مارسيليا واسبانيا والذين هم لا ذمة ولا ضمير لهم وإنما هم بلاء مستطير متكالبين على بيع العقارات تكالب الجياع على القصاع 106 نعم لقد تطور الاستيطان الأوروبي فمثلا في العام 1843 وصل إلى الجزائر 14 ألف و137 مهاجرا وكانوا خليط من الفرنسيين والألمان ولإرلنديين والسويسريين 107 . ليتضاعف عدد المعمرين وبسرعة ليصل فيما بين العامين 1839 / 1850 تعداد 497 63 معمر ثم إلى عدد 641 675 بين سنتي 1921 و 1929 108 . وليصبح عددهم عشر سكان الجزائر في العام 1962 حوالي المليون معمر . علما بأن عدد المستوطنات الفرنسية في الجزائر قد بلغت هي الأخرى عدد 150 مستوطنة في العام عام 1850 وليرتفع العدد إلى 207 مستوطنة في العام 1880 وفي عام 1920 وصل العدد إلى 217 مستوطنة . 109 .

    ولقد كان : " إعمار الجزائر ديموغرافيا بفرنسيين أصليين ، كان هذا غير ممكن بالعدد المطلوب بسبب العجز الديموغرافي الفرنسي المزمن . مما دفع فرنسا الاستعمارية تبني سياسة الاستيطان الأوروبي الواسع للجزائر والذي يتمثل في الإسبان والبرتغاليين و المالطيين " 110 . وهذا لكون سياسة التقتيل والنفي الجماعي والتي مارستهما فرنسا وعلى نطاق واسع قد تركا مناطق شاسعة من الجزائر خالية من السكان ولذلك عجزت فرنسا عن تعميرها بالفرنسيين الأقحاح فاستعانت في هذا بباقي الجنسيات الأوروبية الأخرى لتغطية العجز السكاني الخاص بالاستيطان في الجزائر وهذا لكون فرنسا في بداية احتلالها للجزائر كانت تعرف عجزا في حيويتها السكانية وحتى ألمانيا وبريطانيا لم تحافظا على وفرة الزيادات السكانية ولو كان الأمر عكس هذا لغمرتا الجزائر بسيل من الأوروبيين ويقول هنرى فابرود Henri Faberod صاحب كتاب الجزائر الفرنسية بأنه لم حدث ذلك لكان في الجزائر اليوم 7 أو 8 ملايين على أقل تقدير في الجزائر مقابلين 3 ملايين أو أربعة ملايين من المسلمين ويعقب فرحات عباس عن هذا الكلام بقوله نعم لو كانت لفرنسا حيوية تناسلية قوية لتحقق حلم بيجو ولأصبحت جريمة الاستعمار جريمة تامة كاملة 111 .

    وبعد هذا نقول بأن معالم سياسة الإبادة الجماعية لا تظهر فقط في قتل الرجال وإنما هي قبائل بكاملها أبيدت وأعراش كاملة محيت من الوجود ناهيك عن بقر نساء الحوامل وجرائم النفي والتشريد وهذا يذكرنا بطرد قبائل هنود الشيروكي Cherokees إلى غرب نهر المسيسبي وهناك هلكوا جميعا وإبادة سكان سهول متيجة توازي إبادة هنود الشمال الشرقي الأمريكي والذي أصبح خالصا للمستوطنين ونفس المصير لاقاه سكان المناطق السهلية الأخرى . وسياسة صيد الرؤوس والتي طبقت في الجزائر لهي مستوحاة من سياسة صيد رؤوس الهنود الحمر في الو م أ كشعب وخاصة تلك التي تمت ممارستها ضد شعب السانتي والقاطن في منطقة البراري العظمى .

    وما زاد من فظاعة حرب الإبادة تلك والتي نشتها علينا الاستعمار الفرنسي وجعل من القرن التاسع عشر قرنا عصيبا جدا على الجزائريين هو تلك النوعية الرديئة للجنود الفرنسيين العاملين في الجزائر والذين لا علاقة لهم بالحرب ولا بقوانينها لأنهم من حثالة المجتمع ومن وصعاليكه فها هو القبطان كلير clair يخبرنا بأنه : " لا بد من الاعتراف بأنني كثيرا ما واجهت صعوبات مع الجنود الذين تتألبف منهم سريتي فأصل هؤلاء الجنود كما لا يخفى عليكم من السجون ومن حثالات الجيش " 112 وما يصدق على الجيش وجنوده يصدق أيضا على المعمرين المدنيين وعلى رأسهم المالطيين والذين يصفهم كافينياك بأنهم كانوا : " خنازير تمشي على قدمين قد انغمسوا في النخاسة والوحل " 113 ولذلك فليس مستغربا أبدا ما قاموا به في الجزائر من أعمال نافسوا بها قطعان الضباع في البراري .

    وما زاد كذلك من بشاعة حرب الإبادة ضد الجزائريين هو طبيعة الجنود الفرنسيين العاملين في الجزائر فهم من حثالة وسفلة المجتمع والذين كون منهم الفرنسيون فرقة عسكرية تسمى فرقة باريسlégion de paris والتي لم يكن فيلق من اللصوص . وتكفي هذه الفقرة والتي تقتبسها من كتاب ليل الاستعمار لعباس فرحات لنتعرف عن قرب عن طبيعة هؤلاء المعمرين والذين هم أكثر وحشية وهمجية من جيشهم الحامي لهم فهم وحين تتعالى أصواتهم الداعية إلى الفتك بالمسلمين وتنذرهم بالويل والثبور وعائم الأمور فكأننا نسمع زئير الأسود والضباع النهمة الجائعة تطوف حول معسكراتنا " . 114

    كما يجب علينا أن نعرف وضعهم الاجتماعي فالمؤكد أنهم لم يكونوا من علية القوم ومن طبقاته المحترمة وإنما الأمر المؤكد هو أن ما يجمع بينهم جميعا هو الفقر والحاجة وفي مقابل هذه الرغبة في تكوين الثروات على حساب الجزائريين وهذا ما يخبرنا به عباس فرحات وهذا حينما يتحدث عن تلك الجماهير الغفيرة والتي أكبتها السفن القادمة من مارسيليا واسبانيا وإيطاليا والذين هم لا ذمة ولا ضمير فانتشروا كالبلاء المستطير 115 وماذا كنا ننتظر من همج تلك هي طبائعهم ومن بدو باريس كما يصفون غير الذي فعلوه في الجزائر من أعمال يستحى حتى البرابرة من فعلها لأن معمري الجزائر كانوا في غالبيتهم من اللصوص والمنحرفين 116 والذي يتصفح الانترنيت يجد بأنه وفي العام 2001 قد صدر كتاب بعنوان " الجزائر 1955 - 1957 " من قبل أحد الجنرالات الفرنسيين العاملين في الجزائر تحدث فيه عن جرائم الإبادة التي ارتكبها الجيش الفرنسي العامل في الجزائر إلى حد وصف نفسه بالقاتل ووصف زملائه في الخدمة بعصابة القتلة ولكننا نتحفظ على الحديث عن هذا الكتاب لأننا لم نستطع الحصول عليه بعد في السوق الجزائرية .

    نعم يا سادتي الكرام فمثل هذه الاعترافات ليست بالجديدة علينا . كما أن أعمال اللصوصية  هي الأخرى التي مارسها الفرنسيون في الجزائر ليست هي الأخرى جديدة فهي عرف وتقليد تعارف عليهما المستعمر الغازي ومنذ اللحظة الأولي والتي دخل فيها مدينة الجزائر العاصمة ونهبتها وعاد يحمل المسروقات بتعبير أو القاسم سعد الله والتي يسميه هؤلاء اللصوص تحفا فها هو الكولونيل دي مونتي  Colonel de Monteيذهب إلى أبعد من هذا فيقول : " ما أشد سذاجة من يصدق ما يدعيه المختلقون للبلاغات الكاذبة فيزعمون أنهم عظماء لأنهم احرقوا الغلة وسرقوا الغنم وطاردوا واختطفوا السكان العزل " 117 وهذه كلها أعمال لصوص جبناء لا جيش يحمل لواء المدنية والحضارة في الشواطئ الإفريقية .

    ولكنه والحق يقال بأن هناك بعض الفرنسيين ممن كانوا يرفضون أن ترتكب تلك الفظائع باسم فرنسا ولكن أصواتهم كانت غير مسموعة لأن العصر كان عصر انتصار فرنسا الاستعمارية على حساب فرنسا عصر الأنوار وعلينا أن ننتظر أكثر من قرن من الزمن حتى يفلس الفكر الاستعماري وتميل كفة الميزان لصالح فرنسا الجمهورية كما يسميها عباس فرحات فمثلا اللجنة الإفريقية في العام 1834

    قد كتبت تقريرا يدين الساسة الفرنسية في الجزائر ووثقت لحالة الظلم الواقع على الجزائريين ولتلك الجرائم الممارسة في حقهم ولكن موجة أنصار الاستعمار الشامل للجزائر كانت أعلى وأقوى منهم في تلك المرحلة التاريخية .

    وماذا عن الإبادة الحضارية لشعبنا ؟

    والغزاة لم يكفهم ما سبق ذكره فها هم قد رؤوا في هوية الشعب الجزائري خطرا يهدد وجودهم في المستقبل ولذلك فقد شنوا حربا شعواء على كل ما هو جزائري بهدف إطفائه والقضاء عليه وإبادته فالروح الوطنية التي كانت تغذي مقاومة الشعب الجزائري اعتبروها مجرد تعصبا يجب القضاء عليه والأمير عبد القادر عندهم ليس أكثر من مرابط Marabout أي رجل دين متعصب أراد فقط أن يخلف الأتراك في حكم الجزائر . ولهذا فقد عمدوا إلى محاربة هوية الشعب الجزائري تحت راية محاربة التعصب ونسوا بأن الجزائريين يدافعون عن أرضهم وعرضهم ضد التعصب الاستعماري البغيض والذي يرى أن كل شيء عداه هو خطيئة يجب القضاء عليها وهذا هو عين التعصب . ولو نجح الفرنسيون في عملية إبادة الهوية الحضارية للشعب الجزائري لتحولت الجزائر إلى استراليا جديدة وإلى مكسيك جديدة ولبقي المستعمر فيها وإلى الأبد كما هو حال مقاطعات فيما وراء البحار مثل مايوت Mayotte وغويانا الفرنسية Guyane française لأن الإبادة الحضارية أخطر بكثير من الإبادة المادية للأشخاص وما دام قد بقي فردا واحدا من الشعب حي فهذا يعني أن أمته ككل لن تباد أما أن يبقي الشعب وتباد الهوية فهذا يعني فناء الأمة ككل وإلى الأبد ولكانت الجزائر قد تحولت إلى أندلس جديدة لكون النظام الاستعماري كان يرى في نفسه الوريث الشرعي لروما القديمة ولهذا وكما أبادت روما القرطاجيين ففرنسا يجب أن تبيد الجزائريين وهذا حتى يتحقق السلم الفرنسي كما تحقق السلم الروماني قديما على أطلال قرطاج . كما أن فرنسا هي البنت الكبرى للكنيسة الكاثوليكية وهذه الأخيرة قد أبادت هويات العديد من الشعوب المختلفة عنها مثل أتباع دوناتوس Donatus Magnus في شمال إفريقيا ومعهم أتباع آريوس Arius والهوية الأندلسية ومجموعة الكاثار Cathars ومحاولة إبادتها للبروتستانت ولكنها فشلت وإبادة هويات بأكملها في العالم الجديد . ففرنسا ابنتها الكبرى هي الأخرى قد سارت على نفس خطاها في الجزائر المستعمرة وإنه لأمر عجيب أن تتحالف العلمانية مع الكنسية في الجزائر لأجل تحقيق الأهداف الاستعمارية القذرة بها والمتمثلة في محو الجزائر من الوجود وإلى الأبد وهكذا تصبح الجزائر أرضا خالية بالمفهوم الاستعماري ويكمل هو جريمته فيها ومن دون شهود عليها وهنا نصبح بتعبير فرحات عباس جريمة كاملة .

    وتجسدت معالم الإبادة الحضارية للجزائر في تغيير هوية الجزائر من دولة عربية بربرية مسلمة إلى محاولة جعلها فرنسية غربية المعالم لا عن طريق الاتفاق والرضا من قبل أهلها وإنما بواسطة الاضطهاد والإكراه وأعمال التخريب والتدمير كما هو الحال في عملية تهديم المنازل والمساجد والمدارس والزوايا وحتى المقابر طالتها عمليات التخريب والهدم ولتظهر على أنقاضها الكنائس والفنادق والساحات العامة والثكنات خدمة لمصالحهم الاقتصادية والعسكرية . ويخبرنا أبو القاسم سعد الله في ج 1 من أن الفرنسيين قد عمدوا إلى تغيير أسماء الأبواب والشوارع والمؤسسات وهذا بإعطائها أسماء رومانية وأوروبية ودينية مسيحية وتاريخية ومنها شارع شارل الخامس Charles Quint شارع دوكينdoquin   rueشارع كليبر  Kleber  rue كما طال التغيير أسماء الأبواب أيضا فباب المرسي أصبح باب فرنسا وهكذا بدأ وجه مدينة الجزائر يتحول من الطابع الشرقي إلي الطابع الغربي . كما عمد الفرنسيون إلى إدخال عاداتهم وتقاليدهم فأصبحت الجزائر تحتوى على الكباريهات والمقاهي ومحافل الماسونية والمراقص والكحوليات 118 وللتوسع أكثر راجع ابو القاسم سعد الله  ج 1  الفصل الخاص بطمس معالم المدن والتدخل في القيم الوطنية الصفحة 60 وما بعدها .

    إضافة إلى ما سبق نجد عمليات الفرنسة ومسخ الهوية الوطنية والتي استمرت لمدة أكثر من قرن من الزمن ضمن عمل دءوب يسعى لأجل تدمير الهوية الوطنية الجزائرية وكلها تدخل ضمن جريمة الإبادة الجماعية حسب القانون الدولي . ومنها أيضا نقل أعضاء من جماعة عرقية وثقافية إلى جماعة أخرى رغما عن إرادتهم كما حصل في عمليات التنصير المختلفة للشعب الجزائر 1500 طفل مع لافيجري وهذا يدخل في خانة الإبادة اللامادية والمجرمة في القانون الدولي . ولقد مارستها فرنسا على نطاق واسع وبكل ما أوتيت من قوة بغية إبادة الشعب الجزائري معنويا . ومعها أيضا جريمة منع الأطفال الجزائريين من التحدث بلغتهم في المدارس الفرنسية وهي تدخل في باب الإبادة الثقافية للشعب الجزائري والرامية إلى تغيير معالم المجموعة البشرية دينيا ولغويا وهذا ما أقدمت عليه فرنسا من خلال سياسة التنصير والفرنسة لأنهم وحسبها لن يصبحوا وكما هو معلوم للعام والخاص فرنسيين أي إبادة جنسهم وهويتهم وثقافتهم ويصبحوا فرنسيين عرقيا وإثنيا إلا إذا أصبحوا مسيحيين . أما موقفهم من اللغة العربية فهو يحتاج إلى دراسة قائمة بذاتها ويكفي القول بأن الاستعمار اعتبرها لغة أجنبية في الجزائر ولذلك فقد عمل بكل ما يملك لأجل طمسها ومحوها من الجزائر وإحلال الفرنسية كلغة للجزائريين محلها .

    كما أن فرنسا قد مارست نوعا آخرا من الإبادة الناعمة وهذا عبر انتهاجها لسياسة النفي الفردي والجماعي إلى الجزر البعيدة والنائية مثل غوادالوب وسانت مارغريت Saint Margaret وغيرهما من جرر المحيط الهادي وكل هذا يؤدي إلى تفريغ وبصورة تدريجية للجزائر من سكانها ويخبرنا أبو القاسم سعد الله  في كتابة تاريخ الحركة الوطنية الجزء الأول بأن جزيرة سانت مارغريت لوحدها في العامين ما بين 1841 و 1843 قد استقبلت حوالي 80 شخصية من الزعامات المحلية ومع بعضهم طبعا أهاليهم ومواليهم أما الذين أرسلوا إلى الجزر النائية في المحيط الهادي وأمريكا اللاتينية أو سجون فرنسا الأخرى فلعله أكبر من أن يحصيه كومبيوتر في الوقت الحالي 119

    ولهذا فإن الهجرة قد أفرغت المدن الجزائرية خاصة من كثير من سكانها فمدينة قسنطينة مثلا قد خسرت عشر سكانها في الفترة ما بين 1837 و 1845 120 أما مدينة بجاية فلم يبق بها ثلاث عائلات عربية وهذا بعد 13 سنة من احتلالها أي في العام 1846 121 أما الباقي فأبيد أو أرغم على الرحيل منها وإلى الأبد والمتبقي طريدا وشريدا ونفس المأساة تتكرر مع سكان باقي الأنحاء الجزائرية الأخرى فسكان الغرب أي وهران وتلمسان ومعسكر قد هاجروا صوب المغرب الأقصى أما سكان العاصمة والمدية وقسنطينة وعنابة وبجاية فقد هاجروا نحو تونس والمشرق العربي حتى أنه قد ظهرت دعوات لهجرة الجزائر وبصورة جماعية ما دام الكافر قد تغلب عليها ومع سياسة النفي والقتل الجماعي والذي رافق عمليات احتلال مدينة قسنطينة مثلا والاستيلاء على عاصمة الأمير عبد القادر الزمالة فإن عدد سكان الجزائر قد انخفض في الفترة ما بين سنتي 1840 و 1848 ب 10 ٪ من مجموع سكانها 122 وبعد هذا يأتي السيد فرانسوا هولاند ويقول لنا بأنه لم تكن هناك عمليات إبادة في الجزائر أية إهانة واحتقار لذاكرة أمتنا ولأرواح شهدائنا وعلى رأسهم ألأمير عبد القادر والشيخ المقراني ولالا فاطمة نسومر والعربي بن بن امهيدي ومصطفي بن بولعيد أكبر من هذه .
    أخيرا لما لم يبدونا ؟

    ولمن يتساءل بالقول ولما لم يبدونا عن بكرة أبينا ؟ الجواب هنا لا يستحق الكثير من التفكير ونقطة انطلاق إجابتنا عن هذا السؤال ستكون مع عباس فرحات وكتابه ليل الاستعمار والذي جاء فيه بأن : " الاستعمار الفرنسي جعل نصب أعينه هدفا واحدا وهو تأهيل الجزائر وتعميرها بسكان أوروبيين يحلون محل الجزائريين ولكن مساعيه في هذا الميدان أخفقت كل الإخفاق نعم فإن إصرار الشعب الجزائري العنيد على البقاء فوق أرض الإباء والأجداد أحبط كل مساعي الاستعمار الرامية إلى تعمير بلادنا بجيش عرمرم من الأوروبيين " 123 وهذا الرأي يشاطره فيه السفاح كافينياك والذي أقر هو الآخر باستحالة إبادة الجزائريين أو تشريدهم في الفيافي والقفار . 124 نعم إن الجزائر ليست مزرعة في أمريكا كما توهم الفرنسيون ولا أهلها مجموعة من الهنود الحمر تكفي فقط فرقة عسكرية وحيدة لتبديد شملهم بتعبير المؤرخ الكبير أبو القاسم سعد الله . نعم إن الجزائر كان يسكنها شعب يختلف عن الهنود الحمر من حيث كونه لم يكن شعبا متخلفا بل كان شعبا يطاول الشعب الفرنسي في عدة جوانب وهو لا يقل عنه شجاعة إن لم يكن يتفوق عليه في هذا الجانب وكنا شعبا وبشهادتهم قويا ومحاربا فها هو الماريشال بيجو يقول بأن : " العرب وهو هنا يقصد الجزائريين كلهم أهل حرب وبأس وكلهم فرسان مغاور يتقنون أينما إتقان امتطاء صهوات الخيل ولكل واحد منهم فرس وبندقية وكلهم يخوضون غمار الحرب من الشيخ الهرم البالغ من العمر ثمانين سنة إلى الطفل البالغ 15 سنة " 125 . كما أننا لم نكن أبد بالمتخلفين وإنما خاننا فقط ميزان القوة والذي رجح لصالح الفرنسيين بفضل الثورة الصناعية ولا شيء أكثر من هذا مطلقا . ثم إن دين الشعب الجزائري دين لا يقهر أبدا وأعطى للشعب الجزائري قوة معنوية دافعة حالت دون ذوبانهم في الغازي أو القبول بالأمر الواقع والذي فرضه بقوة الحديد والنار نعم لقد تم هزمنا عسكريا ولكن نفسيا فتلك مسألة أخرى فالمستعمر لم يحقق نصرا نفسيا على الشعب الجزائر مطلقا وعندما يكتسب هذا الأخير القوة المادية فسوف يغير مجرى التاريخ وإلى الأبد .  كما أن هناك سبب آخر لعدم إبادتنا يتمثل في كون المحتل في كثير من الأحيان كان مهتما بأعمال السلب وبجمع الغنائم وعدم امتلاكه القوة الكافية لانجاز هذه المهمة الذرة كما هو الحال مع سانت أرنوا والذي يخبرنا بأن أولا سعيد قد تركوا نسائهم وأولادهم في الأدغال وكان بإمكانه أن يبدهم ولكن لم يكن معي العدد الكافي من الجنود 126 وبعدها يتحدث السيد هولاند عن عدم وجود نية لإبادتنا وهم لو كانت لهم القوة الازمة لتنفيذ هذه الجريمة لما توانوا لحظة واحدة في تنفيذها .

    كما أنهم قد أبقوا على من بقي منا وهذا لنكون خدما لهم في بيوتهم وحراسا لمزارعهم ولوحداتهم الإنتاجية ولأعمال السخرة لكي يبنوا منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم وليعبدوا الطرقات الضامنة لسهولة تنقلهم ولرفاهيتهم وأخيرا لنكون جنودا ندافع عن مصالحهم الأنانية إذا ما تهددها خطر وهذا الكلام ليس من عندنا وإنما هو ما كان من ممارساتهم اليومية والموثقة في مراسيمهم وقراراتهم الصادرة في حق الجزائريين 127 . كما أنهم لم يبدونا ليس حبا فينا ولا لأن ضميرهم قد أنبهم فالذي أباد قبيلة بأكملها يمكنه أن يبد شعبا وأمة بكاملهما ولا لرهافة إحساسهم فهم لا ذمة ولا ضمير لهم . ولا لمبادئ الثورة الفرنسية الكبرى والتي خانوها وإنما صعوبة إبادتنا كانت تكمن في وضعهم لخطة منافية للرشد السياسي والمتمثلة في إبادة العرب وإقصائهم من بلادهم وهذا ليس كلامنا نحن وإنما هو كلام المنظر الاستعماري بريفوس بارادول Brhiphus Baradol في كتابه فرنسا الجديدة ننقله عن عباس 128 .

    وما حال دون إبادتنا أيضا هو أن القتل لم يكن كاملا وأن النهب والتخريب قد مورس بقدر غير كاف وكانت النية مبيتة لإبادتنا جميعا فها هم هؤلاء المستعمرين يعلنونها وبصراحة من أنهم لم ينتهوا منا بعد وأنه كان من الواجب عليهم إفنائنا جميعا مثل الهنود الحمر 129 خاصة وأن  وجودنا في الجزائر قد أصبح يتعارض مع عظمة ومصلحة فرنسا كما يقولون ولذلك وجب إبادتنا لتفسح الطريق أمام تلك العظمة أو نصبح أعضاء في الآلة العسكرية المجسدة لتلك العظمة أو نركع تحت أقدامهم كالكلاب بحسب تعبيرهم ولهذا فقد اختاروا حلا وسط فكل من يعترض طريقهم مصيره الإبادة وأما من يرضخ ويركع كالكلب من قياد وبشاغوات وبني وي وي فلا بأس من الإبقاء على حياته ليس حبا فيه وإنما لأن مصالحهم تقتضي أنصاف عبيد أو قل عبيد في وضع غير قانوني يسهرون على خدمة تلك المصالح ولقيادة ما تبقي من القطيع خدمة لأسيادهم . وكلما توسع الفرنسيون في الجزائر جنوبا إلا واكتشفوا أهمية المناطق الجديدة اقتصاديا فاحتلال واحة الزعاطشة وبسكرة سوف يفتح طريق التجارة نوح الجنوب وسوف يغيرها أيضا نحو الجزائر العاصمة أي التجارة الصحراوية بدلا من تونس ونفس الأمر مع تجارة الشطر الغربي من الجزائر بدلا من المغرب الأقصى ستكون وجهتها هي الأخرى الجزائر العاصمة المحتلة ولذلك شاهدنا إبادة سكان الأغواط فيما يعرف بعام الخلية 1852 وهكذا هي إرادة الأقوى إبادة كل من يقف حسبهم في وجه أطماعهم التوسعية .

    نعم لقد فشلت سياسة الإبادة الجماعية الفرنسية في الجزائر ولو جزئيا لكون المهاجرين الأوائل كانوا : " شديدي الجشع حريصين على الإثراء السريع والعودة إلى فرنسا وأوروبا بعد ذلك " 130 ولذا فهم لم يحفلوا بإبادة كل السكان ونجا من نجا وخاصة أولئك الذين فروا إلى الجبال وإلى المناطق النائية . والتي منها سيعوض الجزائريون خسائرهم البشرية والتي مستهم خلال تلك العمليات العسكرية الوحشية وهذه القوة البشرية هي من سوف يهد معبد اللصوص الذي أقامته فرنسا الاستعمارية في بلادنا وظل قائما ولو إلى عام 1962 .

    وفي الأخير نقول بأنه يجب على فرنسا أن تعترف بجرائم حرب إبادتها للجزائريين حتى تـُـطوي صفحة ذلك الماضي الأليم وإلى الأبد وتقام علاقات على قواعد وأسس متينة بعيدا عن منطق المجاملات والكذب والنفاق السياسي . فالذين أبادتهم فرنسا هم آباؤنا وأجدادنا وإخوتنا وأعمامنا وأخوالنا وجداتنا وأمهاتنا وعماتنا وخالاتنا وزوجاتنا وبناتنا جميعا ومحال أن تجد بيتا في الجزائر لم ترق فرنسا منه دما فكيف يريدون منا أن نبني علاقة أخوة إنسانية وعلاقة حسن جوار وهم لا يعترفون بأنهم هم من قتلوا وأبادوا أهالينا .


    بن امهيدي / الطارف / الجزائر

    الهوامش

    - 01 منير العكش أمريكا والإبادات الجماعية الطبعة الأولى رياض الريس للكتب والنشر بيروت لبنان 2002 ص 15
    - 02 سعدي بريان جرائم فرنسا في الجزائر من الجنرال بوجو إلى الجنرال أوساريس دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع 2005 ص 23
    - 03 يحي بوعزيز سياسة التسلط الاستعماري والحركة الوطنية الجزائرية 1830 – 1954 ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 2007 ص 7
     - 04 نفس المرجع ص 21
    - 05 عبد الحميد زوزو ثورة الاوراس 1879 المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1986 ص 50 /  51
    06 - مصطفي الشرف الجزائر الأمة والمجتمع تعريب حنفي بن عيسى دار القصبة للنشر الجزائر 2007 ص 285     -  07 نفس المرجع ص 312     - 08 نفس المرجع ص 302
    - 09 فرحات عباس ليل الاستعمار ترجمة أبو بكر رحال وزارة الثقافة الجزائر 2009 ص 78
    - 10 نفس المرجع ص 79
    - 11 مصطفى الأشرف المرجع السابق ص 114 
    -  12 نفس المرجع ص 107
    -  13 نفس المرجع ص ، ص 107 و 108  
    - 14 نفس المرجع ص 343
    - 15 أبو القاسم سعد الله الحركة الوطنية الجزائرية الجزء الأول الطبعة الرابعة دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان 1992 ص 66  - 16 نفس المرجع ص 108   
    -  17 نفس المرجع ص 228
    - 18 السعيد بورنان شخصيات بارزة في كفاح الجزائر1830-1962 رواد المقاومة الوطنية في القرن 19 ط2 دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع الجزائر 2004 ص 24
    - 19 مصطفى الأشرف المرجع السابق ص 107  
    -  20 نفس المرجع ص 294
    - 21 السعيد بورنان المرجع السابق ص 24
    - 22 عاشور مرزاقة جرائم فرنسا في الجزائر -الإبادة الجماعية- أنموذجا (1849-1830) مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر تخصص تاريخ معاصر السنة الجامعية 2013 – 2014  ص 36
    - 23   - LE COMTE D’HÉRISSON LA CHASSE A L’HOMME GUERRES D’ALGÉRIE النسخة الإلكترونية من موقع  http://www.algerie-ancienne.com   ص 17
    - 24 Marc FERRO Le Livre noir de la colonisation XVIe-XXIe siècle de l'extermination à la repentance Robert Laffont Paris 2003 ص 491
    - 25 موسوعة ويكبيديا
    -  26 فرحات عباس ليل الاستعمار المرجع السابق ص 100
    - 27 أبو القاسم سعد الله المرجع السابق ص 73
    - 28 مصطفى الاشرف المرجع السابق ص 415
    -  29 قيس محمد الرعود جريمة الإبادة الجماعية في القانون الدولي دار وائل للنشر ط 1 عمان   2010 ص  27
    - 30 يوسف حسن يوسف الجريمة الدولية المنظمة في القانون الدولي مكتبة الوفاء القانونية ط 1 الإسكندرية 2011 ص 114
    - 31 عباس محمد الصغیر فرحات عباس من الجزائر الفرنسية إلى الجزائر الجزائرية ( 1927 (1963- مذكرة مقدمة لنیل شھادة الماجستیر في تاریخ الحركة الوطنیة جامعة منتوري قسنطینة كلیة العلوم الإنسانیة والعلوم الإجتماعیة السنة الجامعیة 2007/2006  ص 71
    - 32 عباس فرحات ليل الاستعمار المرجع السابق ص 20  
    -  33 نفس المرجع ص 73
    - 34 نفس المرجع ص 75
    - 35 مصطفى الأشرف المرجع السابق ص 307   
    -  36 نفس المرجع ص 304
    - 37 أبو القاسم سعد الله المرجع السابق ص 47
    - 38 سعدي بريان جرائم فرنسا في الجزائر من الجنرال بوجو إلى الجنرال أوساريس دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع 2005 ص 22
    - 39 إيمان علي إسماعيل مقال بعنوان " لم نرتكب جرائم في الجزائر ولن نعتذر للجزائريين " جريدة النهار الجديد الجزائرية ليوم الإربعاء 22 أفريل 2015
    - 40 بوحسون العربي  التاريخ والأنثروبولوجيا أي علاقة ؟ دراسة في الأنثروبولوجيا الاستعمارية دورية كان التاريخية العدد الثاني والعشرون  ديسمبر 2013 ص ، ص 152 / 156
    - 41 موسوعة ويكبيديا
    - 42 أبو القاسم سعد الله المرجع السابق ص 36
    - 43  سعدي بزيان جرائم فرنسا في الجزائر المرجع السابق ص 19  - 44 نفس المرجع ص 20
    - 45 نفس المرجع ص 21
    - 46  LE COMTE D’HÉRISSON المرجع السابق ص 134
    -  47 مصطفى الأشرف المرجع السابق ص 109
    -  48 عباس فرحات  ليل الاستعمار المرجع السابق ص 78
    - 49 سعدي بزيان جرائم فرنسا في الجزائر المرجع السابق ص 23
    - 50 عباس فرحات  ليل الاستعمار المرجع السابق ص 105 و 117
    - 51 منير العكش المرجع السابق ص 90
    - 52 منير العكش المرجع السابق ص 79
    - 53 سفر التكوين 1 : 26 53
    -  54 عباس فرحات  ليل الاستعمار المرجع السابق ص 30 و 31
    - 55 LE COMTE D’HÉRISSON المرجع السابق ص 25
    - 56 جيرار لكلرك الأنثروبولوجيا والاستعمار ترجمة جور كتورة الطبعة الثالثة المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع لبنان 1990 ص 20   
    - 57 نفس المرجع ص 157
    - 58 عباس فرحات  ليل الاستعمار المرجع السابق ص 105
    - 59 سعيد بورنان المرجع السابق ص 32
    - 60 التوراة سفر الخروج 23 : 23   
    -  61 إنجيل متى 10 : 34 و 35
    -  62 إنجيل لوقا 18 : 27
    - 63 مصطفى الأشرف المرجع السابق ص 342    
    - 64 نفس المرجع ص 353
    - 65 نفس المرج ص ، ص 353 و 354
    - 66 سعدي بزيان جرائم فرنسا المرجع السابق ص 19
    - 67 أبو القاسم سعد الله المرجع السابق ص 228
    - 68 عباس فرحات  ليل الاستعمار المرجع السابق  ص 101    - 69 نفس المرجع ص 87
    - 70 مصطفى الأشرف المرجع السابق ص 110   
    - 71 نفس المرجع ص 113
    - 72 نفس المرجع ص 334
    - 73 LE COMTE D’HÉRISSON المرجع السابق ص 18 
    - 74 نفس المرجع  ص 135
    - 75 عباس فرحات  ليل الاستعمار المرجع السابق ص 86

    • Blogger Comments
    • Facebook Comments

    3 comments:

    Item Reviewed: حرب الإبادة الجماعية الفرنسية ضد الشعب الجزائري إبان الليل الاستعماري الطويل Rating: 5 Reviewed By: Algeria Gate
    Scroll to Top