وصف مدينة الجزائر وعلمائها كما جاء في كتاب "نشر أزاهر البستان" لابن زاكور الفاسي المتوفى سنة 1120ه 1708م (1)
هو محمد بن قاسم بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد أبو عبد الله بن زاكور الفاسي. وُلد بمدينة فاس بداية الرُّبع الأخير من القرن الحادي عشر الهجري، وسَنَة مولده غير معلومة.
سافر إلى الجزائر وتتلمذ على أيدي علمائها، حيث ختم "جمع الجوامع" وأخذ إجازة في ذلك من شيخه أبي حفص عمر بن محمد بن عبد الرحمن المانجلاتي، وختم "نظم أبي إسحاق التلمساني" وبعضا من "تلخيص المفتاح" على شيخه أبي عبد الله محمد بن عبد المؤمن الحسني الجزائري وأجازه في ذلك. كما سمع من الحديث جملة وافية من "الجامع الصغير" وأبوابا من "صحيح البخاري" عن شيخه أبي عبد الله محمد بن سعيد بن إبراهيم بن قدورة، والذي أجازه في ذلك.
وصف مدينة الجزائر وعلمائها
وإنه لمّا مَنَّ علي المولى الكريم، ذو الفضل السّابغ العظيم، بدخول مدينة الجزائر، ذات الجمال الباهر، وحلول مغانيها النواضر، التي غصَّ ببهجتها كل عدوّ كافر، فلذلك يتربصون بها الدوائر، في الموارد والمصادر، ويرسلون عليها صواعق لم تُعهد في الزمن الغابر، أبرأني من غليلي ووجدي ما عاينته من روائها العسجدي (الذهب والجواهر)، وبحرها اللاّزوردي (معدن يُتخذ للحُليّ)، إذ هي كما قيل :
بلدٌ أعارته الحمامةُ طوقَها ** وكساه حُلَّة ريشه الطاووسُ
ما شِئتَ من حدائق كالنمارق، وقصور نوع المحاسن عليها مقصور، والذي أعارها ذاك المرأى الجميل، وأصارها فضيّة الصباح عسجدية الأصيل، وألفها بهجة وإشراقا، وألبسها نضرة ويراقا، وأبداها للعيون آنق من جيرون (بنيان عظيم بدمشق)، غُرَرُ أعلام ينجلي بهم الإظلام، وشموس أئمة، تنفرج بهم كل غُمّة، وتفتخر بهم أحبار هذه الأمة، من رجال كالجبال، وأحبار كالأقمار، طلعوا في بروج سعودها بُدورا، ألبسوها رواءً ونورا، فاهْتَديتُ بأنوارهم السنية، إلى قطف ما راق من أنوارهم الجَنِيّة، ورَتعتُ في رياض آدابهم فتمتعْتُ، ونهلْتُ من حياض علومهم حتى تضلّعت، وكرعت في الأنهار بلاغتهم حتى رويت، وهصرْتُ (إنجذبْتُ) من أفنان براعتهم ما هويت، ونسيت ببشرتهم وتأنيسهم، وما اقتبسته من المعارف في تدريسهم، ما عانيته من رهج (غبار) القفار، وقاسيته في لجج البحار.
ولو لم يزد إحسانهم وجميلهم على ** البِرّ من أهلي حسبتهم أهلي
فلم أزل بين اقتباس أنوار، واقتطاف أنوار، إلى أن شعر كبدي بالإنصداع، داعي الوداع، وأصابني من الوجد شبه الجِنَّة (الجنون)، عندما عزمتُ على الخروج من تلك الجَنَّة، ولمّا أزِف الرّحيل، واستعمل عزمي في أسبابه العَنَق والذَّميل، إلتمسْتُ ممن اصطفيْتُه من أولئك الأخيار، أن يكتب لي من إجازته ما أُطاول به الأحبار، فسَوّغ لي من اعتمرْتُ بمطافه، ما ترشّفتُه من نُطَّافه (الماء الصّافي)، وأجازلي من اهتديتُ بمناره، ما أقبسني من أنواره، وقد أردتُ أن أذكر حلاهم في هذه الأوراق، ما تحسده الجواهر في الأطواق، وأنقل إِثر ذلك إجازة من أجاز، وأباح لي الرِّواية عنه في الحقيقة والمجاز، والله أرجو في إتمام ما قصدتُه، ومنه أستمِدُّ الإعانة على الذي سردته، لا إله سِواه، ولا مانع لما أعطاه.
خروجه من الجزائر وتأسفه على فراقها
ثم امتطيت للنوى، عن ذلك المأوى، ثبج ذلك البحر البعيد المهوى، وحصل لي من الوجد عند فراق تلك الجزيرة، ما لم يحصل لمغيث إذ فارقته بريرة (ورد حديث مغيث وبريرة في صحيح البخاري).
(1) هو كتاب "نشر أزاهر البستان فيمن أجازني بالجزائر وتطوان من فضلاء أكابر الأعيان" المعروف ب"رحلة ابن زاكور الفاسي" المُتوفى سنة 1120ه الموافق ل1708م.
0 comments:
إرسال تعليق