بدأت نواة الحركة الوطنية في التشکل بمنطقة تندوف مباشرة بعد الاحتلال الفرنسي للمنطقة.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ورحیل جیوش الحلفاء من تندوف بدأت نواة الحركة الوطنية في التنامي وأخذت أبعادا معتبرة مباشرة بعد توسع نسیج العمل السياسي والنضالي الوطني المنظم من خلال تأسيس خلایا حزب الشعب ثم خلایا حركة انتصار الحریات الديمقراطية MTLD التي لعبت دورا هاما وبارزا في التأسیس لحركة وطنية منظمة هدفها تعبئة كل الطاقات من أجل بلورة الأفكار التحررية قصد الوصول إلى الغاية الکبری والمتمثلة في تحرير الجزائر کل الجزائر.
وهکذا وفي خضم الأحداث الكبيرة التي عاشتها الجزائر قبل اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954 المظفرة، كانت المنطقة تعيش على وقع النشاطات المكثفة للحركة الوطنية خاصة مابين 1945 و1949 حیث تجذرت الأفكار و أصبح المسار أکثر وضوحا وتکاثفت الجهود وتعمق التواصل بين قيادة الحركة الوطنية بمراکز القرار والمناضلین المنخرطین في صفوف حركة انتصار الحریات الدیمقراطية بتندوف رغم بعد المنطقة وصعوبة المسالك المؤدية إليها، بالإضافة إلى القبضة الحديدية التي أحکمتها السلطة الفرنسية المحتلة علی کل الجهة الجنوبية الغربية من الوطن كما أكد ذلك المجاهد محمد حمادي بن عاشور أحد أبرز مؤسسي خلایا الحركة الوطنية بالمنطقة، فأصبحت تندوف کغیرها من مناطق الوطن تعيش على وقع الکفاح السياسي المتواصل.
لقد كانت نشاطات الحركة الوطنية في البداية سرية حيث خصصت بعض المراکز في أحياء المدينة لاحتضان المناضلین و الناشطین، وکان أهمها المسکن التاريخي المعروف وسط حي موساني العتیق... مسکن طوبي أجريت عليه بعض التعديلات في البناء الداخلي بحیث أصبح یتوفر على صندوق سري بين جدارین من الطوب تحفظ فيه الوثائق و المستندات والمناشیر والإرسالیات والإشتراکات وکل ما یتعلق بنشاطات الحركة الوطنية،....أما غرفة الإجتماعات فقد تزینت بالعلم الوطني المرسوم على أحد الجدران بالطلاء والجیر بالأخضر والأحمر والأبيض.
وعن الشعور المتنامي بالقضية الوطنية خلال المرحلة التي سبقت ثورة أول نوفمبر الخالدة یقول المجاهد الأستاذ أحمد تواقين، عضو جمعية 8 ماي 1945 ، أن كلمة "الوطن" في ذلك الوقت كانت بمثابة الكلمة السحرية المبجلة فالجزاثر وکفاح الجزاثر واستقلال الجزاثر كان الحدیث الیومي والقضية التي تطغى على کل الافکار والأحاسیس..
وفي نفس السیاق یضیف المجاهد لحبیب الطاهر : “لقد كنا ونحن فتية نتسابق على کتابة كلمتي "الوطن والجزائر" على الجدران والأبواب بمجرد خروجنا من المدارس، وفي العديد من المرات كان العسكر الفرنسي يعنفنا ويتوعدنا، ولكننا كنا نعود في اليوم التالي ونكتبها مرة أخرى على الجدران والأبواب".
نشاطات الحركة الوطنية بتندوف :
الكشافة الإسلامية الجزائرية
حینما اکتملت هیاکل وخلایا الحركة الوطنية بتندوف تحت الغطاء السياسي والتنظيمي لحركة انتصار الحریات الدیمقراطية (MTLD) تشکلت أفواج العمل المنظم بمشاركة الكشافة الإسلامية الجزائرية بحیث أخذت التوعية بالقضية الوطنية الحیز الأکبر من العمل السياسي... وهکذا وإضافة إلى الدروس الموجهة بالمساجد والتي كانت ترکز على ضرورة التصدي للظلم و الطغیان من خلال الخطب وندوات تمرر الرسالة الوطنية بأسالیب مننوعة عملت أفواج الكشافة الاسلامية الجزائرية على غرس حب الوطن في نفوس الأطفال والشباب عن طریق برامجها التربوية وذلك بالترکیز على المضامین السامية للمواطنة والوطنية من خلال الأناشيد الحماسية التي ظهرت في فترة نهاية الخمسینیات والستینیات كنشيد "من جبالنا" ونشید "جزائرنا" والنشید الوطني "قسما"...
ويلي نموذج من خطبة جمعة مؤرخة بأفريل 1948 بتندوف تدعو إلى الإلتفاف حول حزب انتصار الحريات وزعيمه مصالي الحاج :
الحمد لله وحده وصلی الله على الحبيب المصطفی.
الحمد لله الذي عدد الوسائل لاختبار عباده العاملين، و جعل أسبابا لامتحانهم وسير مقاصدهم والصلاة والسلام على من كان قدوة للعباد في الجهاد وعلى آله و صحبه إلى يوم الميعاد .
بسم الله الرحمن الرحيم
"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا" . صدق الله العظيم وهو أصدق القائلين..
و قال رسول الله لى الله عليه وسلم:
"مثل المؤمنين في توادهم و تعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى "... وما تمسكتم بالعروة الوثقى ما كان شيء ليضركم كيف ما كانت شدته، ومهما بلغت سطوته، فلا شدة تدوم في هذه الحياة الدنيا ولا بؤوس يخاف لمن اعتصم بالتقوى .
الاتحاد كلمة صغيرة في اللفظ و لكنها عظيمة في المعنى إذا تأملنا جيدا تظهر لنا جلیا منافع الاتحاد و مزایاه، طالما کتب الکتاب في هذا الموضوع. طالما نوهت الصحف بهته الکلمات، طالما صرخ الأحرار والمستقلون ... و ما السبب في هذا يا تری؟
ما هذه الغفلة وما هذا الرداء الأسود المسدول أمامنا وحال بيننا و بين المنهج القويم حتى سرنا في كل واد نهيم؟ نتمشى الهوين و لم ندر إلى أين ...
السبب في هذا كله هو الغفلة التي حيرتنا ...نرى الأمور السطحية بأعيننا ولم نرها بأعين قلوبنا، ونطلب الله أن يعين لمن فيه صلاح المسلمين و هو زعيمنا الأكبر مصالي الحاج ونتمنى النجاح له من الله و لمن ناب عنه و تبعه وتبع الشريعة المحمدية.
خطبة الجمعة المنسوخة بتندوف/ أبريل 1948
(يتبع إن شاء الله)
0 comments:
إرسال تعليق