728x90 AdSpace

  • أحدث المواضيع

    مقاومة أحمد باي - الجزء الأول

     
    مقاومة أحمد باي - الجزء الأول


    مقاومة الإحتلال الفرنسي في الجزائر وأنواعها :


    يمكن تقسيم المقاومة التي واجهت الفرنسيين بعد احتلال الجزائر إلى ثلاثة أنوع :

    • مقاومة سياسية قامت بها طبقة التجار والعلماء وأعيان المدن، وكانت هذه غالبا تنبع من المدن وتولاها حمدان بن عثمان خوجة وزملاؤه.
    • مقاومة شعبية دينية قام بها مرابطون ورؤساء قبائل تحت راية الجهاد في سبيل الله والأرض والشرف والوطن، وتولاها مرابطون وزعماء أمثال بن زعمون والحاج سيدي السعدي والآغا محيي الدين ثم الأمير عبد القادر.
    • أما النوع الثالث من المقاومة فهو ما قام به ممثلو الإدارة العثمانية، بعد سقوط الحكومة المركزية، دفاعا عن المصالح الشخصية والألقاب العثمانية في سبيل الإسلام وذودا عن التقاليد والأراضي الإسلامية. وقد تولى هذا النوع من المقاومة باي التيطري مصطفى بومزراق وابنه سي أحمد، وإبراهيم باي قسنطينة السابق، والحاج أحمد الذي كان باي قسنطينة عند دخول الفرنسيين مدينة الجزائر.

     ويهمنا الآن الحديث عن الحاج أحمد الذي قاوم الفرنسيين خلال ثماني عشرة سنة وترك لنا سيرة مقاوم عنيد، وجندي كفء، وحاكم قدير.

    مقاومة الحاج أحمد باي قسنطينة

    من هو أحمد باي؟

    ولاه حسين باشا بايا على قسنطينة حوالي سنة 1827. وكان الحاج أحمد مرتبطا بإقليم قسنطينة بالمصاهرة فقد ولد من أب تركي وأم جزائرية، وكان أخواله من عائلة ابن قانة التي كانت لها مكانة وسلطة على عرب الصحراء في نواحي بسكرة والزاب. كان جده هو أحمد القلي الذي كان بايا على قسنطينة أيضا. أما والده فقد كان خليفة لحسين باشا. وقد تصاهر الحاج أحمد مع عدد من الأسر والقبائل العربية في المنطقة هادفا إلى نيل تأييدهم. فتصاهر مع ابن قانة، والمقراني، وقسم من قبيلتي فرجيوة زواوة. ولكن أعداءه كانوا هم أولاد فرحات الذين يتنازعون منصب (شيخ العرب) مع أولاد ابن قانة. وقد واجه الحاج أحمد عدوا لدودا في شخص فرحات ابن سعيد عندما عزله الحاج أحمد من منصب شيخ العرب وأعطاه إلى خاله بو عزيز بن قانة. كما واجه الحاج أحمد خصوما في بقية فرجيوة وزواره وفي الحزب الذي ظهر ضده في عاصمة إقليمه.

    عندما تأكدت الحملة الفرنسية على الجزائر بعث إليه حسين باشا يأمره بالقدوم إلى العاصمة عام 1830 في رحلة (الدنوش). وقد أمره الباشا أيضا يتحصين ميناء عنابة وأخطره بالمشروع الفرنسي. وما دام الباشا لم يطلب منه الإتيان بالجيش معه فإنه لم يصحب معه سوى حوالي 400 فارس وبعض أعيان قسنطينة وقوادها. وبعد وصوله إلى العاصمة عرفه حسين بتفاصيل الحملة الفرنسية وطلب منه أن يستعد لملاقاة الفرنسيين في سيدى فرج.  وقد أخطره الباشا بأن له جواسيس في مالطا وجبل طارق وفرنسا يتتبعون أخبار الفزنسيين ويبعثون إليه الرسائل عن كل التفاصيل.

    حضر الحاج أحمد مجلسا عسكريا قرب اسطاوالي وحضره أيضا الآغا إبراهيم - قائد الجيش وصهر الباشا، وباي التيطري مصطفى بومزراق، وخليفة باي وهران، وخوجة الخيل وناقشوا وسائل الدفاع. وقد شارك الحاج أحمد في المناقشة الطويلة التي جرت والتي تعارض فيها رأيه مع رأي الآغا. وقد حضر المناقشة أيضا حمدان بن عثمان خوجا الذي ترك لنا وصفا حيا، لذلك. وبعد معركة اسطاوالي التي حضرها الحاج أحمد وفقد فيها من رجاله حوالي 200. وبعد استيلاء الفرنسيين على قلعة مولاي حسن انسحب الحاج أحمد إلى وادي القلعة ثم إلى عين الرباط (مصطفى باشا الآن) شرقي العاصمة. ثم تابع طريقه شرقا في اتجاه قسنطينة، بينما انضم إليه أكثر من 10600 شخص من الأهالي الفارين من الجيش الفرنسي رجالا ونساء. وفي أولاد زيتون إستلم رسالة من بورمون قائد الجيش الفرنسي يخطره فيها بتوقيع معاهدة الاستسلام ويعرض عليه اعتراف فرنسا به كما هو إذا قبل دفع (اللازمة) (الجزية) التي تعود دفعها إلى الباشا. فكان رده هو أن ذلك متوقف على رضى أهل الإقليم الذي يحكمه، ثم واصل سيره نحو قسنطينة التي وصل ضاحيتها (الحامة) بعد اثنين وعشرين يوما.

    المسلك نحو المقاومة

    توقف الحاج أحمد في ضاحية المدينة لأنه عرف أن خصومه الأتراك قد قاموا بانقلاب ضده وعينوا بايا جديدا مكانه يدعى حمود بن شاكر. ولكن أنصاره تحركوا عندما علموا بعودته يقودهم خليفته ابن عيسى وبعض العلماء، وعندما تأكد خصومه من عدم تأييد أهل البلاد لهم قتلوا زعيمهم وأعلنوا توبتهم وولاءهم. وقد عفا عنهم الحاج أحمد في الظاهر ولكنه تخلص منهم واحدا واحدا فيما بعد وحمل منذئذ كرها شديدا ضد الأتراك وأصبح لا يثق فيهم واعتمد على تأييد الجيش العربي الذي أخذ في تكوينه.

    كان على الحاج أحمد أن يواجه عدة ضغوط دبلوماسية وأن يسيطر على الإقليم. فبعد استقراره في عاصمة إقليمه تلقى رسالة من قائد الجيش الفرنسي الجديد، الجنرال كلوزيل، يطلب فيها منه تعيينه بايا على قسنطينة باسم ملك الفرنسيين شريطة أن يدفع (اللازمة) لفرنسا. ولكن الحاج أحمد الذي كان يعتقد أن سلطاته مستمدة من الشعب ومن السلطان العثماني جمع ديوانه واستشاره. فكان رد الديوان الرفض القاطع. وبينما كان ينتظر رد السلطان محمود الثاني علم أن كلوزيل قد عزله من منصبه وأنه قد وقع مع تونس معاهدة يصبح بمقتضاها سي مصطفى، أخو باي تونس عندئذ، بايا على قسنطينة خلفا للحاج أحمد. ولكن الحكومة الفرنسية لم توافق على المعاهدة المذكورة، وكان على كلوزيل وخلفائه أن يواجهوا مقاومة شديدة من الحاج أحمد. ويذكر هذا في مذكراته أن خبر توقيع المعاهدة بين كلوزيل وباي تونس لم ينتشر بين سكان الإقليم ولم يعرفه إلا بعض الناس.

    ولكن فرنسا، ولو لم توافق حكومتها على المعاهدة، نجحت في خلق توتر بين قسنطينة وتونس. فبعد توقيع المعاهدة انتشرت الرسائل في إقليم قسنطينة من باي تونس تدعو الناس إلى الثورة ضد الحاج أحمد، وتصف الحاج أحمد بالاستبداد والطغيان والخروج عن طاعة السلطان.  والغريب أن الرسائل كانت لا تذكر شيئا عن الاتفاق مع الفرنسيين وهكذا كان على الحاج أحمد أن يواجه عدة جبهات: جبهة ضد فرنسا، وأخرى ضد تونس، وثالثة ضد إبراهيم الذي أعلن نفسه بايا على عنابة ويطالب بعودته إلى قسنطينة. ورابعة ضد باي التيطري الذي أعلن نفسه (باشا الجزائر)، خلفا لحسين باشا وطالب الحاج أحمد الاعتراف به.  وخامسة ضد فرحات بن سعيد شيخ العرب الذي عزله الحاج أحمد وعين بدلا منه خاله بوعزيز بن قانة. بالإضافة إلى المؤامرات التي ولدت ضده داخل عاصمته.

    جمع الحاج أحمد ديوانه وعرض عليهم دعوى باي تونس فقرر الديوان إرسال رسالة إلى باي تونس محتواها أنه ليس من حقه المطالبة بقسنطينة. وأن السلطان هو المرجع، فكما أن باي تونس يستمد سلطاته منه فكذلك باي قسنطينة، وأن أهل قسنطينة راضون بحكم الحاج أحمد. وتحت صغط الرأي العام، وانتزاعا للمبادرة عن باي التيطري، وقطعا لدعاوى باي تونس، تقلد الحاج أحمد لقب (الباشا) وأمر بضرب السكة باسمه وباسم السلطان. وعين مساعده بن عيسى خزناجيا، وأعلن هذه الإجراءات الإدارية التي تخوله ممارسة السيادة إلى الرأي العام.

    ولكن المعركة بينه وبين باي تونس انتقلت إلى بلاط السلطان. فقد علم الحاج أحمد أن باي تونس قد بعث برسائل إلى السلطان يصف فيها باي قسنطينة بظلم الرعية والخروج عن الطاعة. فلجأ الحاج أحمد إلى إرسال وفد برئاسة سي علي بن عجوز أحد أعيان قسنطينة ومعه أحد ثقاته وهو الحاج مصطفى إلى اسطانبول. وقد حمل الوفد إلى السلطان موقف الإرادة العامة التي احتوت توقيعات رؤساء القبائل بعد السيطرة على الموقف في قسنطينة التفت الحاج أحمد إلى خصومه الذين تخلص من بعضهم بمساعدة الظروف، ولكن بعضهم ظل كالشوكة في حلقه. فقد خرج لمحاربة إبراهمم وفرحات بن سعيد. فر الأول إلى عنابة عن طريق تونس والثاني إلى أولاد جلال في أعماق الصحراء حيث ظل يحارب بدون هوادة وكان إبراهيم في عنابة قد تواطأ مع الفرنسيين أولا ثم أعلن الحرب عليهم وأخرجهم من المدينة ولكن ابن عيسى مساعد الحاج أحمد حاربه واضطره للهروب. ثم تحولت المعركة على عنابة بين ابن عيسى والفرنسيين. وعندما أيقن ابن عيسى من تغلب الفرنسيين عليه خرج منها هو وسكانها ودخلها الفرنسيون من جديد واستقروا بها بعد سنتين من احتلال   جزائر وقد كان احتلالهم لعنابة، أهم مواني إقليم قسنطينة، سببا في توتر مستمر بين فرنسا والحاج أحمد. وقد عين الفرنسيون على عناية يوسف المملوك. أما إبراهيم فقد احتمى بالجبال وواصل مقاومته للحاج أحمد إلى سنة 1834، وكان في نفس الوقت يحارب الفرنسيين. ثم التجأ إلى مدينة المدية حيث مات، ويقال إنه اغتيل من عملاء الحاج أحمد. وإذا كان الفرنسيون قد خلصوا الحاج أحمد من خصمه بومرزاق حين أسروه ونفوه إلى الاسكندزية (خريف 1830). فان ابنه سي أحمد قد انضم إليه (إلى الحاج أحمد) وأصبح خليفة له ورشحه أن يكون صهرا له. وأعيان البلاد، وجميعها تؤيد حكمه وتنقي عنه الاستبداد والظلم


    ويليه الجزء الثاني إن شاء الله
    • Blogger Comments
    • Facebook Comments

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: مقاومة أحمد باي - الجزء الأول Rating: 5 Reviewed By: Algeria Gate
    Scroll to Top