الدول العربية والثورة الجزائرية : المملكة العربية السعودية

الملك سعود بن عبد العزيز






الدعم السياسي 

أ) عند هيئة الأمم المتحدة

بعد اندلاع ثورة التحرير الجزائرية بشهرين، وبالضبط يوم 5 جانفي 1955م، لفت أحمد الشقيري(*)، ممثل المملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة، أنظار العالم إلى معاناة الشعب الجزائري من اضطهادات المستعمر الفرنسي، كما نجحت السعودية في إقناع 14 دولة إفريقية وآسيوية بضرورة دمج القضية الجزائرية ضمن جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لنفس السنة، لكن معارضة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة للمقترح، حال دون تحقيق ذلك. 

عادت المملكة العربية السعودية إلى طرح القضية الجزائرية أمام الهيئة الأممية سنة 1956م مدعومة بالكتلة الأفرو-آسيوية، وطالبت بإدراج القضية الجزائرية مجددا في جدول أعمال الجمعية العامة وكشفت للحضور بعض أوجه جرائم الإستعمار الفرنسي في الجزائر وأنواع التعذيب والتقتيل الجماعي والفردي الذي يتعرض له الشعب الأعزل. لكن حلفاء فرنسا الأطلسيين عارضوا المقترح مجددا فلم يتم إدراج القضية كذلك. لكن دورة 1956م الأممية سجلت موقفا أخويا إيجابيا للوفد السعودي حيث أدرج الوفدَ الجزائري ضمن قائمته مما أثار غضب الممثل الفرنسي الذي رمى السعودية بالشيوعية! لكن صدر عن الجمعية قرار ألمح إلى ضرورة إجراء مفاوضات جزائرية-فرنسية حسب ميثاق الأمم المتحدة لإيجاد حل توافقي للأزمة. 

أما دورة 1958م فقد انتهت بالإعتراف بحق الشعب الجزائري في الإستقلال بعد أن دافعت السعودية عنه مدعومة بالكتلة العربية. 

ب) على المستوى الثنائي

بعد أن قامت فرنسا باختطاف طائرة زعماء الثورة الجزائرية بالمغرب الأقصى في 22 أكتوبر 1956م، طلب الملك سعود من فرنسا إطلاق سراحهم وأصدرت الحكومة السعودية بيانا هذا نصه : "على إثر اعتقال السلطات الفرنسية لبعض زعماء الجزائر في ظروف لا تقرها القوانين الدولية، أمر صاحب الجلالة الملك، وزارة الخارجية بتوجيه نظر الحكومة الفرنسية إلى النتائج الخطيرة التي يؤدي إليها هذا الإعتقال بالنسبة للسلم، مع المطالبة بالإفراج عنهم فورا حتى لا تتعقد الأمور وتزداد الحالة خطورة في الجزائر، بل في الشرق الأوسط عامة." 

وفي سبتمبر 1958م أعلنت السعودية اعترافها بالحكومة المؤقتة الجزائرية فور تشكيلها، فبعث الأمير فيصل بن عبد العزيز وليُّ العهد ورئيسُ الوزراء يومئذ برقيةً إلى فرحات عباس جاء فيها : "حضرة السيد فرحات عباس رئيس وزراء حكومة الجمهورية الجزائرية المؤقتة. أهنيء سيادتكم بقيام الجمهورية الجزائرية وأنه يسرني أن أخبر سيادتكم باعتراف المملكة العربية السعودية بشقيقتها الجمهورية الجزائرية، راجين لها النصر في كفاحها لنيل الإستقلال والعون في ما هي قادرة عليه." 

وفي تطور لاحق، اشترطت السعودية في جانفي من سنة 1959م حل القضية الجزائرية والسماح للشعب الجزائري بنيل استقلاله لعودة العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا التي قطعتها سنة 1956م إثر العدوان الثلاثي على مصر. وجاء في ما قاله الملك سعود عند مقابلته الأمين العام للهيئة الأممية : "البلاد العربية لن تكتفي بإرسال المساعدات المادية لإخوانهم المجاهدين، بل إني أقترح على الدول العربية اتخاذ خطوة إيجابية جديدة وهي مقاطعة فرنسا إقتصاديا حتى تقر حق إخواننا الجزائريين في حريتهم واستقلالهم في بلدهم." 

الدعم المالي

في أكتوبر 1956م، دعا الملك سعود بن عبد العزيز، الشعب السعودي إلى التبرع بالمال لصالح الثورة الجزائرية، وقام هو شخصيا بالتبرع بمبلغ مليون ريال، ثم تبعه الشيخ محمد بن لادن بمبلغ مائة ألف ريال ووزير الدولة حسن عباس شربتلي بتسعمائة ألف ريال والشيخ سالم بن محفوظ بمائة ألف ريال كما بلغت تبرعات أهالي مكة المكرمة وجَدَّة أكثر من مليون ونصف المليون من الريالات. وزاد على ذلك أن جعل ابتداءً من سنة 1958م، يوم 15 شعبان من كل سنة "يوم الجزائر" وجعله مناسبة لجمع تبرعات الشعب السعودي لدعم الكفاح نحو استقلال الجزائر. 

ومن جهته فقد دعا أمير الرياض الأمير سلمان بن عبد العزيز (الملك الحالي) في أبريل 1960م، إلى جمع التبرعات النقدية والعينية لصالح الجزائر لمدة أسبوع بعد أن وجه نداءً إلى أهالي الرياض ندد فيه بجرائم فرنسا ضد الشعب الجزائري والبؤس والشقاء الذي لا يستثني أحدا لما تفرضه الآلة الإستعمارية عليه. 

كريم بلقاسم في الرياض 

بعد نداء الأمير سلمان وفي منتصف أبريل من نفس السنة، اتجه وفد جزائري برئاسة كريم بلقاسم إلى الرياض بعد أن حط بجدَّة على متن طائرة سعودية، والتقى الملك سعود الذي أكد للوفد واجب دعم المملكة للثورة الجزائرية كونها القضية الأولى بالنسبة للسعودية. 

وفي فبراير 1962م، عقد الأمير فيصل بن تركي الأول، بصفته وزيرا للداخلية آنذاك، مؤتمرا صحفيا إستعرض فيه مسيرة كفاح الشعب الجزائري وانتهاكات الجيش الفرنسي التي لم تستثنِ حتى النساء والشيوخ والأطفال وناشد كل من لديه الإستطاعة أن يتبرع لدعم جهاد الشعب الجزائري. 



---------------------------------------------------- 

(*) كان سوري الجنسية، حجازي الأصل من جهة أبيه، فلسطيني المولد، استعارته السعودية ليمثلها لدى الأمم المتحدة لخبرته القانونية.


الدول العربية والثورة الجزائرية : ليبيا


الدول العربية والثورة الجزائرية : ليبيا




الدول العربية والثورة الجزائرية : ليبيا

في 13 جوان 1956م، استقبل الملك إدريس السنوسي بمقر إقامته بطبرق، وفدا ممثلا عن جبهة التحرير الوطني من أعضاء اللجنة الفرعية للتسليح منهم الأمين دباغين وتوفيق المدني وعمر دردور، واتُفِق خلال المحادثات على أن جهاد الجزائريين ضد فرنسا هو جهاد شرعي وجب على كل المسلمين مؤازرته. وعبر الملك الليبي خلالها عن تأييده المُطْلَق للثورة الجزائرية وقضيتها العادلة وأكد أن ليبيا حكومة وشعبا تشترك جسدا وروحا في كفاح الجزائريين ضد الإستعمار الفرنسي. 

وعند اختطاف زعماء الثورة الجزائرية بالمغرب الأقصى في 22 أكتوبر من نفس السنة، خرج المتظاهرون إلى الشوارع الليبية معبرين عن سخطهم على عملية القرصنة الجوية التي نفذتها فرنسا في حق طائرة الزعماء، كما عبر الليبيون عن احتجاجهم على العملية بغلق محلاّتهم ودكاكينهم كما أوصدت البنوك أبوابها. 

الدعم السياسي 

تواصل الدعم الرسمي الليبي للثورة الجزائرية من خلال تنظيم عدة مؤتمرات واجتماعات مفصلية في تاريخ الثورة الجزائرية أهمها: 

الدورة الثالثة للمجلس الوطني للثورة الجزائرية، طرابلس الغرب 

انعقد هذا المؤتمر بمباركة الملك الليبي في 16 ديسمبر 1959م بعد ميلاد الحكومة المؤقتة الجزائرية في سبتمبر من العام الذي قبله، فوُضعت خلاله الأسس الدستورية للدولة الجزائرية الناشئة كما قام المؤتمر بترسيخ مبدأ تقرير المصير ومنح صلاحيات بدء المفاوضات مع فرنسا للحكومة المؤقتة. 

كما كان من توصيات هذا المؤتمر : 
  • منح صلاحيات واسعة للمجلس الوطني للثورة.
  • تعيين فرحات عباس على رأس الحكومة المؤقتة وإعادة تشكيلها.
  • إنشاء قيادة عسكرية جديدة، اللجنة الوزارية للتسليح، تحت قيادة بوصوف وكريم وبن طوبال ودعوة ضباط الخارج إلى الإلتحاق بوحدات الداخل.
  • تأسيس هيئة الأركان العامة للجيش الجزائري.
  • توسيع العمل المسلح في الجزائر ونقله كذلك إلى التراب الفرنسي.
  • طلب دعم الدول الصديقة مثل الإتحاد السوفييتي والصين.
  • إقناع الأفارقة بضرورة الإنسحاب من جيش الإحتلال.
  • بعث مشروع وحدة المغرب العربي.

وفعلا فقد تم في 18 جانفي 1960م، تعيين فرحات عباس رئيسا للحكومة المؤقتة، والعقيد هواري بومدين رئيسا للأركان في 23 من نفس الشهر، كما تحرك العقداء لطفي والزبيري وبن شريف ولخضر عبيدي ودهيليس للإلتحاق بوحدات الداخل(*). 

الدورة الرابعة للمجلس الوطني للثورة الجزائرية، مؤتمر طرابلس الثاني 

انطلق هذا المؤتمر يوم 9 أوت 1961م وانتهى يوم 27 من نفس الشهر بتعيين بن يوسف بن خدة رئيسا للحكومة المؤقتة خلفا لفرحات عباس، كما تطرقت جداول أعماله إلى المفاوضات مع فرنسا. 

الدورة الخامسة للمجلس الوطني للثورة الجزائرية، مؤتمر طرابلس الثالث 

جرت أشغال هذا المؤتمر بين يومي 27 ماي و7 جوان 1962م، برئاسة محمد الصديق بن يحي، ينوبه عمر بو داوود وعلي كافي. ونوقش خلاله إستفتاء تقرير المصير والبرنامج المستقبلي للجزائر المستقلة. 

فتم إقرار إقامة دولة جزائرية ديمقراطية شعبية مبنية على أسس إشتراكية وتحويل جبهة التحرير الوطني من دورها الثوري إلى دور جماهيري تعبوي بعد الإستقلال. وظلت قرارات مؤتمر طرابلس الأخير تمثل إطار عمل الحكومة الجزائرية المستقلة إلى أن صدر ميثاق الجزائر الوطني في أبريل 1964م. 

الدعم العسكري والمادي 

في عام 1955م، وافق مصطفى بن حليم، رئيس الحكومة الليبية، على تمرير الأسلحة القادمة من مصر عبر التراب الليبي وتخزينها بطرابلس إلى أن يتم ذلك. وبحضور الوفد الجزائري، كانت الأسلحة القادمة من مصر مرورا بمنطقة السلوم تشحن في سيارات ليبية وتخزن في طرابلس ليتم نقلها إلى الحدود الجزائرية لاحقا. كما سمحت السلطات الليبية سنة 1957م لفرقة عسكرية من جيش التحرير الجزائري بالتمركز بمنطقة فزان بعد موافقة عبد الجليل سيف النصر، والي فزان. 

وفيما يخص الجانب المالي فقد قدمت اللجنة الليبية للتبرعات لصالح جيش التحرير الجزائري في جوان 1956م، خمس شيكات بنكية إلى مصر لصالح الثورة الجزائرية وقد لعب السادة الهادي المشيرقي والحاج حسونة فحيمة وعلي حسنين، أعضاء اللجنة، دورا نشطا في جمع التبرعات.

-------------------------------------------------

(*)  تمكن الطاهر الزبيري من الإلتحاق بالولاية الأولى بينما استشهد العقيد لطفي وأُلقِي القبض على أحمد بن شريف خلال العودة، ولم يتمكن لخضر عبيدي (الحاج لخضر) من العودة لمرض أصابه.

مذكرات أحمد باي، الجزء الثاني

مذكرات أحمد باي



مذكرات أحمد باي، الجزء الثاني [الجزء الأول هنا]


وبمجرد ما رجعت إلى الحكم، اتصلت، من مدينة الجزائر، برسالة كتبها الجنرال الذي يسمى كلوزال. (10) فعرض علي هو أيضا، الاعتراف بي كباي على قسنطينة ولكن شريطة أن أدفع اللازمة وقال بأنه سيرسل لي، عندما أستسلم، قفطان الشرف باسم ملك الفرنسيين  .وفي الحين جمعت الديوان وقرأت عليه رسالة الجنرال. فكان رد الأعضاء أن قسنطينة كانت في الحقيقة تابعة لباشا الجزائر وتمتثل لأوامره، ولكن الجزائر، بدورها، كانت تابعة لسلطان اسطمبول: ولقبول الصلح المقترح علي يجب، أولا أن أحصل على موافقته، والإجابة الوحيدة هي أن نخبر الفرنسيين بأننا نستشير السلطان ثم نرفع الإرادة السنية بكل سرعة إلى الجنرال.

كان الديوان يحمل بغضا شديدا للفرنسيين، ولم يكن الغرض من الإجابة التي نصحت بتقديمها لهم سوى تمديد المفاوضات وإطالتها، ومنع البلاد من أن تتعرض لمصائب جديدة نتيجة رفض عنيف.

وأجبت كما أشار علي الديوان بذلك، وبعد وقت قصير علمت أن الجنرال الذي كان يحكم الجزائر أمر بعزلي، وأبرم في هذا الموضوع عهدا مع باي تونس. وينص هذا العهد على أن قسنطينة تكون تابعة لتونس، وأن سي مصطفى أخا العاهل التونسي هو الذي يتقلد مرتبة الباي فيها. (11) ولم يكن لهذا العهد أي مفعول، بل إنه ظل مجهولا من جزء كبير من السكان وبعد مدة قليلة من إبرام هذا العهد، وردت رسائل من تونس إلى مقاطعة قسنطينة، وحمل إلى عدد منها. إنها من الباي، وتقول أن قسنطينة كانت في الأزمنة الغابرة جزءا من مملكة تونس. وتقول أيضا أن الباي يعتزم استرجاع الوضع القديم، واستبدالي بأخيه أو بأي خليفة آخر يختاره وقد لاحظت أن هذه الرسائل لا تتكلم عن الفرنسيين أبدا. وكنت ممثلا فيها كرجل مستبد وكانت نهايتها دعوة إلى الثورة حتى أطرد من بايلك قسنطينة. (12)  وحينما أطلعت على محتوى هذه الرسائل قلت: إذا كان مثل هذا التغيير بإرادة من الله ومن شأنه أن يساهم في إسعاد الجميع، فإنني مستعد لقبوله. ثم أردت أن أعرف رأي الديوان في هذا الموضوع فجمعته وعرضت عليه ادعاءات الباي الواردة في الرسائل التي تكاثر عددها في كل مكان وبعد تفكير وتدبير فيما ينبغي فعله في هذه الظروف، تقرر أن يكتب الديوان رسالة إلى باي تونس، فكانت كما يلي:

إن ما تقترحونه علينا لا يليق بنا مطلقا. إننا فرحون بحكم الباي أحمد ولا نريد استبداله. فكيف يمكن لكم أن ترغمونا على ذلك ألستم مثلنا، تابعين لخليفة اسطمبول وبأي عنوان تطالبوننا بالطاعة إن السلطان محمود وحده هو الذي يستطيع أن يقرر تقسيم أملاكه، ولو أننا دعينا إلى اختيار سيد غير السلطان الشرعي، فاننا، وبكل صراحة، سنفضل احتلال الفرنسيين، لا حبا في الكافرين ولكن لأننا نعلم أن جوارهم سيجر لنا الحرب إن آجلا أو عاجلا ولأننا سنتعرض لهجوماتهم ولن تستطيعوا شيئا ((لحمايتنا)).

وقد وقعت هذه الإجابة عندما تأثر سكان قسنطينة من مزاعم الباي، كما تأثر الديوان من قبلهم وجاؤوني يقولون: انظر هذا ملك تونس، وهو ندلك قد تلقب بالباشا فلا بد أن تفعل مثله في اللقب وأن تضرب النقود على غراره فأرغمت على اتباع نصائحهم وعينت ابن عيسى خزناجيا وأمينا للسكة التي ضربت، كما هي العادة، باسم سلطان القسنطينية ثم قررت أن أحيط علما بكل ما جرى، من كنت أرى فيه سيدا لي وهو السلطان محمود رحمه الله.

واغتاظ باي تونس من الرفض الذي لاقاه في قسنطينة، فكتب إلى اسطمبول يحرض علي ويتهمني بالطغيان. ويقول بأنني أثرت حقد جميع رعيتي. لقد علمت بذلك وعزمت أن أحارب الإدعاءات الكاذبة بلائحة يمضيها أهم القادة في مقاطعة قسنطينة. وضمنت رسالتي كل ما دار في الديوان بهذا الشأن وكذلك الرأي الذي تم التوصل إليه، وختاما قلت: إنك الآن تعرف كل شيء وأنت صاحب الأمر، فإنني أنتظر قرارك. ثم رجوته أن يرشدني إلى الطريق الذي يجب اتباعه. وكان كل من حضر قراءة هذه الرسالة موافقا على مضمونها فوضعت عليها خاتمي ووضع الأعيان خواتمهم ثم ذيلوها بملاحق تعبر عن رأيهم في حكمي وعينوا واحدا منهم ينقلها إلى سيدنا ومولانا ويؤكد له ما احتوت عليه.

وكان سي علي بن العجوز، أحد أعيان قسنطينة، هو الذي كلف بأداء هذه المهمة، فأوفدت معه واحدا من عمالي، يدعى الحاج مصطفى. ومضت أربعة أشهر قبل رجوعهما، وفي هذه الفترة من الزمن وقع ما وقع من الأحداث الهامة التي يضطرني سردها إلى الرجوع إلى ما قبل الأحداث التي ذكرتها الآن.




(10) - هو المارشال الذي يحكم الجزائر سنة 1830، ثم تولى قيادة جيش افريقية من سنة 1835 إلى سنة 1836 (ولد سنة 1772 وتوفي سنة 1842)
(11) - المقصود هي معاهدة 18 ديسمبر 1830 التي لم توقع عليها الحكومة الفرنسية.
(12) - كتب بارتوزين رسالة إلى المارشال سولت يوم 21/ 1831/2 يقول فيها بأن ذلك كان نتيجة مؤامرة دبرها صهر أحمد مع باي تونس.

نظرة في أسباب سقوط الجزائر العاصمة - الجزء الثاني

نظرة في أسباب سقوط الجزائر العاصمة - الجزء الثاني



نظرة في أسباب سقوط الجزائر العاصمة - الجزء الثاني
(تابع من الجزء الأول

بدون جيش منظم، وبدون ذخيرة، وبدون مؤونة، وبدون شعير للخيل، وبدون المقدرة الضرورية على مواجهة الحرب! (حمدان خوجة)

وكان ابراهيم يدعي أن لديه 5،000 من المغامرين سيذهبون ليلا إلى معسكر العدو ويشيعون فيه الفوضى والاضطراب حتى يقتل الفرنسيون بعضهم بعضا. أما أهل جرجرة فقد تخلوا عن ابراهيم وذهبوا في حالهم لأنه لا يعطهم لا ذخيرة ولا مؤونة: (فلو كان الآغا يحيى على رأس الجيش الجزائري (بدل ابراهيم) لكانت الأمور أحسن حالا لأن تجاربه في البحر والبر وشجاعته في كل المناسبات تكون ضمانا للجندي الذي يعمل تحت أوامره.  أما الأغا إبراهيم فقدكان لا يوحي إلا باليأس والفشل.

أرسل حسين باشا المراسيل إلى داخل البلاد يدعون إلى الجهاد ضد الفرنسيين. وقد استجاب لندائه الرسميون والأهالي على السواء. فوعده الحاج أحمد باي قسنطينة ب 30،000 محارب، ووعد حسن باي وهران ب 6،000 محارب بقيادة الخليفة، نظرا لكبر سن الباي، ووعد مصطفى بومزراق باي التيطرى ب 20،000 محارب، وجمع شيوخ جرجرة بين 16 و18 ألف محارب، وجمع أهالي ميزاب حوالي 4،000 محارب.وأرسل حسين أيضا إلى باي وهران يأمره بتحصين الميناء كما أرسل إلى باي قسنطينة يأمره بتحصين ميناء عنابة ويستقدمه إلى العاصمة طبقا للتقاليد التي تقتضي القدوم كل ثلاث سنوات، وأمر الباشا أيضا بإجراء إحصاء لعمال مدينة الجزائر وإرسالهم إلى القلاع للدفاع عنها.  ورغم هذه الاستعدادات الظاهرية فإن الواقع كان يكشف عن بعض الأخطاء. فبدلا عن أن يستعمل حسين هذه القوات في صد الهجوم الفرنسي من سيدي فرج أبقاها بعيدة عن العاصمة بعدة كيلومرات، وحين عبر له بعض الأجانب عن استغرابه من هذا الإجراء أجابه حسين بأنه فعل ذلك ليسهل تحطيم العدو. كان حسين ينظر بثقة إلى جنوده وتحصيناته، وكان يعتقد أن القصبة لا تهزم وأنها تستطيع أن تقاوم عدة سنوات. ولم يدعم معسكراته سوى ببعض مئات من الجنود، ولكنه حصن الميناء وزوده بثلاث سلاسل على الأقل نصبت خلفها المدافع. وفي اليوم الذي نزل فيه الجيش الفرنسي في سيدي فرج لم يكن هناك لا مدافع ولا خنادق. ولم يكن لدى الآغا ابراهيم أكثر من 300 فارس. وكان باي قسنطينة لا يملك إلا عددا قليلا من المحاربين. أما باي التيطري فقد كان ما يزال في عاصمة إقليمه (المدية) ولم يصل إلا بعد عدة أيام من نزول الجيش الفرنسي.

أما جيش إقليم وهران فلم يكن بعيدا عن سيدي فرج وكان تحت قيادة خليفة الباي. وكان باي التيطري قد وعد الباشا 20،000 فارس، منهم 10 آلاف برماحهم، ولكنه حين وصل إلى الميدان لم يأت معه بأكثر من ألف رجل.  هذه القوات كانت مجتمعة في معسكر (سطاوالي). وكان الآغا ابراهيم مع فرقة من سكان متيجة وأخرى من أعالي جرجرة. كانت القوات تذهب كل يوم إلى معسكر الحراش الواقع شرقي العاصمة والذي يبعد مسافة أربع ساعات من سطاوالي وتعود منه كل صباح. وقد رفض ابراهيم استراتيجية باي قسنطينة التي تقوم على توزيع القوات الجزائرية - العثمانية وجعل جزء منها غرب سيدي فرج حتى تمنع العدو من تحقيق هدفه وهو العاصمة. وقد انتقد الباي أحمد الخطة قائلا بأن وضع القوات على ما هي عليه سيكون (مرشدأ) للقوات الفرنسية في زحفها نحو العاصمة ونادى بضرورة العناية بالجيش وأن يأخذ كل قائد مجموعة منه ويعدها إعدادا كافيا كما طالب الباي أحمد بضرورة حفر الخنادق حول المعسكر، ولكن رد الآغا ابراهيم على هذه الاقتراحات كان سلبيا ومثبطا.

فقد أجاب الباي بأنه لا يعرف التكتيك الحربي الأوربي الذي يخالف التكتيك الحربي العربي. فلم يسع الباي سوى الصمت، وفي آخر لحظة اقتنع الآغا بضرورة حفر الخندق الذي كان يرى أنه سيكون معطلا لجيشه لا لجيش العدو. وقد أذاع الجيش بأن كل عربي بدون سلاح يأتي ويأخذه وعندما حضروا عنده ليلا أعطاهم الفؤوس بدلا من الأسلحة وأمرهم بحفر الخندق. فثم ذلك في ليلة واحدة، ولكن الخندق كان غير مفيد في النهاية فلم يحم المدافع ولم يعرقل سير تقدم العدو. ومن جهة أخرى رفض الآغا معاقبة جندي انكشاري قتل جزائريا لكي يبيع رأسه في المدينة على أنه رأس جندي فرنسي. وقد أثار هذا الحادث حفيظة الجنود الجزائريين الذين كانوا في جيشه.

وأثناء هذه الساعات الحرجة جاء جزائري يدعى أحمد بن شنعان إلى المعسكر الفرنسي للتعرف على ما إذا كان الفرنسيون قد جاءوا مستعمرين أو محررين. وبعد قضاء ليلة واحدة تركوه يعود من حيث أتى بعد أن زودوه بنسخ من (البيان) الذي كانوا قد وجهوه إلى الجزائريين أهالي المغرب العرب عامة، والذي يوضح أن الفرنسيين قادمون إلى الجزائر للانتقام لشرفهم من الباشا وأنهم سيعاملون الجزائريين كما عاملوا (إخوانهم) المصريين من قبل. وفي نفس الوقت توجه مترجم سوري في الجيش الفرنسي إلى المعسكر الجزائري محاولا إقناع القيادة بالتفاوض مع الفرنسيين، ولكنه حمل من هناك إلى حسين باشا الذي أمر بقتله بعد أن ظن أنه يحاول التأثير عليه بوصفه للقوات الفرنسية بالكثرة والضخامة. وهناك عدة أمثلة على تهاون الآغا ابراهيم. فقد ذكر حمدان خوجة أنه حضر العشاء ليلة معركة سطاوالي مع القواد: باي قسنطينة، وخليفة باي وهران وباي التيطري، وخوجة الخيل، بالإضافة إلى الآغا ابراهيم.

وقد انفرد بحمدان خوجه وأخبره بأن فلانا وفلانا قد ذهبوا إلى المعسكر الفرنسي وأظهروا أنفسهم أصدقاء لفرنسا وأعطوا العدو تقارير خاطئة عن حالة البلاد وحالة الجيش.

وكان ابراهيم قد استلم نقودا من حسين باشا لتوزيعها على المحاربين لتشجيعهم ولكنه لم يعط أحدا منهم شيئا. ووعد الباشا أيضا الجزائريين بأن كل من يحمل إليه رأس عدو يعطيه 500 فرنك، وكلف الآغا بدفع المبلغ في مكانه مقابل وصل استلام، ولكن الآغا لم يدفع شيئا وكان يقول لمن يأتيه برأس العدو تعال خذ المبلغ بعد المعركة. وفي صباح المعركة بالذات خرج ابراهيم وحاشيته من المعسكر إلى سيدي فرج تاركا المعسكر خاليا إلا من حوالي 40 شخصا كانوا يحرسون الأثاث، ولكنهم كانوا بدون سلاح. ويذكر خوجة أيضا أنه قد خرج ذات ليلة ومشى إلى وسط المعسكر وذهب إلى خيمة الآغا ابراهيم لقضاء بعض حاجته وعاد من حيث أتى دون أن يشعر به أحد ودون أن يرى أي علامة للاستعداد ضد هجمات العدو.

فمن كان المخطىء حقا: إبراهيم نفسه أو حسين باشا الذي عين صهره أغا الجيش؟ إن بعض المعاصرين للحملة يرون أن تعيين ابراهيم كان خطأ فادحا ارتكبه حسين باشا لم يرتكب مثله خلال حكمه الطويل. (إنها غلطة رئيسية لا تغتفر). وهو حكم صادر من صديق لحسين باشا. وسنعرف أن حسين كان يصر على الإبقاء على الآغا حتى بعد هزيمته في سطاوالي. إن حسين هو الذي عزل الآغا يحيى وعين خلفا له قائدا جاء ليحارب فرنسا (بدون جيش منظم، وبدون ذخيرة، وبدون مؤونة، وبدون شعير للخيل، وبدون المقدرة الضرورية على مواجهة الحرب) (1).

عند الهزيمة في سطاوالي (19 يونية عام 1830) هرب ابراهيم من الميدان وترك خلفه الجيش والخيام، والفرقة الموسيقية والأعلام. وقد اختفى في دار ريفيه مع بعض خدمه. وبدل أن يعزله حسين باشا في الحين ويعين خلفا له يعيد الروح المعنوية للجيش ويواجه به العدو الزاحف، أرسل حمدان خوجة إليه الذي كان موضع ثقته ليحاول إقناعه بضرورة استلام القيادة من جديد. وقد وجده خوجة محطم المعنويات منكسر القلب.

وبصعوبة كبيرة أقنعه بضرورة الاستمرار في مهمته. ولكن الأغا الذي كان طفلا في تصرفاته لم يستطع أن يواصل مهمته. فعندما تقدم الجيش الفرنسي من سطاوالي مارا بمعسكر سيدي خلف اختفى ابراهيم من جديد.

وأمام ذلك عزله حسين باشا ودعا المفتي (2) وأعطاه سيفا وأمره بحمع الشعب وإقناع الناس بالجهاد دفاعا عن البلاد. كان المفتي رجلا فاضلا ولكنه كان صالحا للإفتاء لا للقيادة ومن جهة أخرى أحاط به بعض رجال الحضر وحاولوا إقناعه بأن الأمل ضعيف في النجاح، وأن الباشا يخوض معركة خاسرة، وأن (الشعب بدون قائد). وفي نفس الوقت كان الجيش الفرنسي يقترب من قلعة (مولاي حسن) (قلعة الامبراطور)، فزاد ذلك الأفكار بلبلة والأمل بنجاح المقاومة بعدا. أما قيادة الجيش فقد تولاها الباي مصطفى بومزراق. ولكن تبديل القيادة في مثل تلك الظروف لم يكن يدل على الحكمة وبعد النظر. ورغم أن القائد الجديد كان يمتاز بالشجاعة والتجربة فإنه اكتفى بجمع الغنائم واختيار البنادق الطويلة لإطلاق الرصاص بنفسه على الفرنسيين.

في خضم المعركة.. مكائد وصراع على السلطة!

ومما زاد الأمر سوءا أن حسين باشا كان يثق في وزير ماليته (الخزناجي) الذي كان في الواقع يتآمر عليه. وكان الخزناجي طموحا إلى درجة المبالغة وغيورا إلى درجة الحقد. وقد أودت آراؤه بحياة الآغا يحيى من قبل، وهو الآن يعمل للاستيلاء على الحكم من يد حسين وكان يتقرب من الانكشارية الذين لا يصعد أي متآمر إلى السلطة إلا بأيديهم.

كان الخزناجي قد عين للدفاع عن قلعة مولاي حسن. ومن هناك بدأ يعد مشروعا للتفاوض مع الفرنسيين على شروطهم. وكان نشاطه يزداد كلما اقترب الجيش الفرنسي من القلعة. وكان لا يبالي بترك أبواب القلعة مفتوحة، أما الذين كانوا معه فقد كانوا مستعدين للفرار في أية لحظة، ولاضطرابه نسف مخزن البارود الصغير الذي كان في القلعة فأحدث ضجة وزلزالا هائلا اهتزت له المدينة. ولو نسف المخزن الكبير لأحدث أضرارا كبيرة بالمدينة والسكان.

وبعد استيلاء الفرنسيين على قلعة مولاي حسن جمع حسين باشا أمناء الطوائف وأعيان المدينة ورجال القانون والدين وشرح لهم الوضع الذي عليه البلاد وطلب منهم النصيحة فيما يفعل لمواجهة الموقف. وقد وضع أمامهم السؤال التالي: هل يعتقدون أنه من الصواب مواصلة المقاومة ضد الفرنسيين أو يجب تسليم المدينة إليهم (الفرنسيين) والتوقيع معهم على معاهدة استسلام. ولكن الحاضرين وجدوا أنفسهم في حرج، فهل ينصحون بالاستسلام بينما قد يكون رأيه هو المقاومة؟ وبعد تقليب الموضوع من عدة وجوه أجابوه بجواب غامض، وهو أنهم على استعداد لمواصلة الحرب، لكن إذا كان رأيه غير ذلك فهم يطيعون أوامره.

وشيئا فشيئا بدأت روح الهزيمة تدب في أوصال الجهاز الإداري والجهاز الاجتماعي أيضا. وقد كان للبيان الذي وزعه الفرنسيون بمهارة تأثير كبير على بعض الأشخاص الذين يسمون أنفسهم بالمعتدلين. وكان هؤلاء قد اقتنعوا بأن الفرنسيين قد جاءوا حقا (محررين) للجزائريين من سلطة الأتراك، وكانوا يعتقدون أن فرنسا المتحضرة لا يمكن أن تعد بشيء إلا إذا كانت راغبة في التنفيذ. فأصبح هؤلاء من أنصار الحل السلمي. وقد تسبب البيان (الغامض الفارغ)، الذي كان مقصودا به الدعاية فقط، في (شل الطاقة المحاربة) لدى بعض الجزائريين.

ففي ليلة 2 يوليو عام 1830، أي قبل ثلاثة أيام من دخول الجيش الفرنسي للمدينة، اجتمع عدد من أعيان مدينة الجزائر في قلعة باب البحرية.

لقد كان هؤلاء يمثلون التجار وأرباب المال. وقرروا أن ضياع المدينة أصبح أمرا محتما، وأنه إذا ما دخلها الفرنسيون عنوة فإنهم سيبيحونها وينهبون ثرواتها ويعتدون على النساء ويقتلون الأطفال. ورأوا، تفاديا لذلك، قبول اقتراح الباشا الثاني الذي ينص على الاستسلام بعد توقيع معاهدة وكان لسان حالهم أن أمة شريفة مثل فرنسا لا يمكن أن تعد ولا تفي. حقا أن الأتراك أقرب إلى الجزائريين من ناحية الدين ولكن الفرنسيين سيتركون الجزائريين يتمتعون بدينهم وتقاليدهم وسيتركون لهم أملاكهم ومساجدهم وزواياهم. فلماذا إذن يقاومون الجيش الفرنسي ويزهقون الأرواح بدل التوقيع على معاهدة استسلام؟ وفي النهاية قرروا عدم مقاومة الفرنسيين عند دخول المدينة وأرسلوا وفدا عنهم إلى القصبة لمقابلة الباشا وإطلاعه على ما اتفقوا عليه. وقد أجابهم الباشا بأنه سينظر في القضيه خلال اليوم التالي.

وفي اليوم المعين (4 يوليو 1830) أرسل حسين كاتبه مصطفى مصحوبا بالقنصل الانكليزي إلى مقر القيادة الفرنسية للتفاوض مع بورمون. ومع الوفد المذكور ذهب أيضا أحمد بوضربة، وحسن بن حمدان بن عثمان خوجة بعنوان مترجمين. ولم يكن حسين يدري عندئذ أن كاتبه كان عضوا في المؤامرة التي يتزعمها الخزناجي للإطاحة به. وعلى أية حال فقد كان مصطفى يفاوض دو بورمون لا باسم حسين باشا ولكن باسم الخزناجي، واعدا إياه أنه سيحمل إليه رأس حسين وأنه مستعد للتفاهم مع فرنسا على ما تشاء. غير أن  دو بورمون أجابه حسب الرواية الفرنسية بأنه لم يأت لمساعدة المتآمرين ولكنه جاء لكي يحارب. وقال إنه يقبل اقتراح حسين باشا الذي ينص على الاستسلام وبعد التفاوض ومراجعة الباشا وقعت المعاهدة التالية يوم 5 يوليو 1830:

1 - تسلم قلعة القصبة وكل القلاع الأخرى المتصلة بالمدينة وميناء هذه المدينة إلى الجيش الفرنسي هذا الصباح على الساعة العاشرة.
2 - يتعهد القائد العام للجيش الفرنسي أمام سعادة باشا الجزائر أن يترك له الحرية وكل ثرواته الشخصية.
3 - سيكون الباشا حرا في أن يذهب هو وأسرته وثرواته الخاصة إلى المكان الذي يقع عليه اختياره. فاذا فضل البقاء في الجزائر فله ذلك هو وأسرته تحت حماية القائد العام للجيش الفرنسي وسيعين له حرس لضمان أمنه الشخصي وأمن أسرته.
4 - يتعهد القائد العام لكل الجنود الانكشاريين بنفس المعاملة ونفس الحماية.
5 - سيظل العمل بالدين الإسلامي حرا، كما أن حرية السكان مهما كانت طبقتهم، ودينهم، وأملاكهم، وتجارتهم. وصناعتهم لن يلحقها أي ضرر. وستكون نساؤهم محل احترام. وقد التزم القائد العام على ذلك بشرفه.

وسيتم تبادل وثائق هذا الاتفاق قبل الساعة العاشرة هذا الصباح، وسيدخل الجيش الفرنسي حالا بعد ذلك إلى القصبة ثم يدخل كل القلاع التي حول المدينة كما يدخل الميناء.

توقيع: الكونت دو بورمون - ختم : حسين باشا، داي الجزائر

------------------------------------------------------------------
(1) خوجه، المرآة.
(2) هو محمد بن العنابي الذي نفاه كلوزيل فيما بعد.

نظرة في أسباب سقوط الجزائر العاصمة - الجزء الأول

نظرة في أسباب سقوط الجزائر العاصمة



نظرة في أسباب سقوط الجزائر العاصمة - الجزء الأول


الخطأ في تقدير النوايا الفرنسية

بينما كانت فرنسا تستعد للقيام بحملة عسكرية ضد الجزائر كانت هذه تستعد أيضا لمواجهة الحملة.  ونلاحظ مند البداية أن مكان نزول القوات الفرنسية لم يكن محصنا، ويرجع ذلك إلى القيادة العسكرية التي سنعرف موقفها بعد قليل. ونلاحظ أيضا أن فرنسا قد أنزلت قواتها في سيدي فرج (14 جوان عام 1830) بدون مقاومة. كانت هناك بعض المدافع التي نصبت عند بداية التوتر بين الدولتين، ولكنها لم تكن كافية لمواجهة أو لصد الأسطول الفرنسي.  نصب القائد العام الفرنسي (دو بورمون) مقر قيادته في زاوية المرابط سيدي فرج. وكانت الزاوية تشرف على الخليج بكامله. وكانت تضم مسجدا صغيرا يحوطه جدار وبعض الغرف، وحول الزاوية كانت مزارع الشعير والحنطة وأشجار التين والبرتقال والزيتون. تتوسطها نخلة وحيدة عالية. وداخل المسجد صندوق ذخائر سيدي فرج المرصع بالفضة والمرجان. وكانت ترفرف فوق المسجد أعلام وقطع ملونة من القماش الحريرى. وقد استقر كل أحد من الفرنسيين حيث شاء. فقد نصب دو بورمون قيادته في المسجد نفسه الذي أصبح له بمثابة مجلس وزارة وغرفة نوم في نفس الوقت. أما المتصرف العام فقد استقر تحت النخلة الوحيدة.

كان حسين باشا على علم بتفاصيل الحملة قبل وقوعها، ولكن يبدو أنه لم يكن على علم بمكان نزولها. فقد كان يعتقد أنها لن تتعدى الضرب من البحر شأنها شأن الحملات الأوربية السابقة. وما دام قد حصن الواجهة البحرية فانه لا خوف من عواقب الحملة. ومن جهة أخرى كان لا يزال على الاعتقاد بأن الفرنسيين لن يتخلوا عن فكرة التفاوض رغم استعداداتهم للحملة، وكان يساعده على اعتقاده كثرة الرسل والبعثات التي جاءت طالبة التفاوض منذ إعلان الحصار. ولعل الباشا كان يعتمد أيضا على مساعدات بريطانيا التي كان قنصلها، بالإضافة إلى قنصل نابولي; يقوم بنشاط ملحوظ منذ عام 1827. وقد كانت مصالح بريطانيا تقتضي استمرار النظام القائم في الجزائر كما كانت مصالحها تقتضي ذلك في المشرق. وحين كتب محمد علي ناصحا الباشا رد عليه هذا بأن يبيع الفول للمسيحيين بدل إعطائه النصائح بدون جدوى. وقد كان حسين باشا قد بعث برسله للتجسس على أخبار الفرنسيين في إيطاليا وأسبانيا ومرسيليا وطولو ن وباريس وجبل طارق ومالطة (1); وحين جاءته هذه الرسل تنذره بأن فرنسا تستعد للقيام بحملة اعتقد أن ذلك لن يتعدى غارة بحرية ستتفشل لا محالة.

الصراعات الداخلية على السلطة

ولكن حين بلغ حسين باشا أن جيشا فرنسيا قد نزل فعلا في سيدي فرج وإنه في طريقه لضرب العاصمة من البر أخذه الخوف، فجنوده الانكشاريون الذين كانوا يشكلون جيشه النظامي لم يكونوا يتجاوزون 6000 رجل، وهي قوة صغيرة لا تكفي حتى للإبقاء على الأمن والنظام محليا. وأمام هذا الوضع رفع الجزائريون رؤوسهم التي كانت مطأطأة وبدأوا يعتدون على الجنود الأتراك في الليل ويلوذون بالفرار. وحين اشتكى الجنود إلى الباشا نصحهم بغض النظر. وحاول حسين أن يتقرب من الأهالي أيضا بعزل المفتي الحنفي (شيخ الإسلام) وتعيين مفتي عربي مكانه (2)، وباستشارة الزعماء الأهليين أمثال حمدان خوجة وبوضربة. وقد واجه حسين مشاكل محلية أهمها مؤامرة أنصار الآغا يحيى الذي كان حسين قد أمر بقتله سنة 1827.  كان الآغا يحيى محبوبا من الجيش ومن العرب معا. وقد تولى قيادة الجيش حوالي 12 سنة في عهد حسين باشا. وكان قد حضر معارك كثيرة محلية فاكتسب خبرة واسعة بأحوال البلاد ونفسية الأهالي. وكان نشيطا طموحا وموهوبا. وهذه الخصائص هي التي جعلته محل شك، ولا سيما من أعدائه أمثال الخزناجي الذي كان يغار منه ويخشى صعوده إلى منصب الباشا. لذلك وجهت اليه تهمة التآمر فعزله الباشا ونفاه إلى مدينة البليدة.(حوالي 50 كيلومترا من العاصمة). ولكن الآغا السابق استمر في اتصالاته ولا سيما مع العرب الذين قيل إنهم كانوا يزورونه ليلا ويعدون معه خطة للاستيلاء على الحكم. وبعد مواجهته بوثائق (مزورة) تثبت تآمره لقلب النظام حكم عليه الباشا بالموت. ولكن موته لم ينه الخوف منه، فقد ظل (كابوسا) يخيف حسين باشا ذلك أن أنصار القتيل قاموا بتنظيم مؤامرة للثأر له وقد كانوا حوالي 46 شخصا، وكان زعيمهم يدعى مصطفى تيشته. وكان المتآمرون قد اتفقوا أن يغتنموا فرصة العيد ويذهبوا إلى القصبة ويتقدمون، وهم مسلحون، من الباشا لتقبيل يده. وهناك يغتالونه ويقضون على وزرائه ويستولون على السلطة ويفتحون المفاوضات مع فرنسا. فإذا لم تقبل هذه شروطهم يستدعون انكلترا للتدخل. ولكن المؤامرة اكتشفت وأمر حسين باشا بقتل سبعة من أعضائها. ومنذئذ أصبح حسين يحقد على جنوده الأتراك وحاول أن يستعين بالجزائريين بدلا منهم.

تغليب الولاءات على الكفاءات

تولى القيادة بعد يحيى صهر حسين باشا وهو الآغا ابراهيم. وقد كان ابراهيم هذا عاجزا عن أداء مهمته، فهو لم يكتف بعدم القيام بأية استعدادات لصد العدو بل إنه عارض اقتراحات زملائه، أمثال الحاج أحمد باي قسنطينة بعدم تعريض الجيش كله إلى لقاء واحد مع العدو، ووجوب مقاومة العدو في حرب مناوشات وليس في حرب مواجهة. وكان ابراهيم يقول لهم دائما إنه الوحيد الذي كان يعرف مناورات وتكتيك العدو الحربي. وقد تلقى كل جندي من ابراهيم عشر رصاصات فقط كانت في نظره تكفي للإطاحة بنصف الجيش الفرنسي (وبعد ذلك ليس هناك حاجة لتوزيع البارود).

عين ابراهيم قائدا للجيش إثر ضرب السفينة الفرنسية (لابروفانس) (3 أغسطس 1829)، وقد سلمت له عندئذ خطة الفرنسيين في الهجوم ومكان نزول قواتهم وعدد جنودهم ومدافعهم، ومع ذلك لم يستعد لأي شيء وكان يدعي أن الجزائريين (القبائل) سيرغمرن الفرنسيين على الفرار منذ نزولهم على الأرض، ولكنه لم يصدر أوامره لهؤلاء الجزائريين لكي يأتوا من بواديهم لمواجمة العدو في سيدي فرج، فكان كل جيشه مكونا، كما يقول خوجة، من أهالي متيجة الذين لا يعرفون سوى بيع الحليب (3)!


(يليه الجزء الثاني إن شاء الله)

----------------------------------------------------------------------

(1) أرسل أيضا رسولا إلى باشا طرابلس. ويبدو أن هذا كان صديقا لحسين ولذك رفض الاستماع إلى كل من محمد علي ومبعوث فرنسا. إن كثرة الجواسيس تجعلنا لا نؤيد الفكرة القائلة أن حسين باشا لم يكن على علم بمكان نزول الحملة.
(2) هو السيد محمد بن العنابي لكنه كان حنفيا أيضا.
(3) المرآة، 177 (هذا قول حمدان خوجة إن صحّ عنه، لكن مقاومة أهالي متيجة للقوات الغازية الفرنسية بعد سقوط العاصمة تفند هته المزاعم.) والإشارة إلى أن الآغا إبراهيم قد تسلم خطة الفرنسيين منذ 1829 وهذا يؤكد أن الداي كان على علم بالحملة.

الحزب الشيوعي الجزائري وموقفه من الإنفصال عن فرنسا



موقف الحزب الشيوعي الجزائري من الإستقلال عن فرنسا




كان الشيوعيون الفرنسيون والجزائريون، على حد سواء، مجندين، فقط، لخدمة المصلحة الفرنسية غير آبهين بمصير الشعب الجزائري الذي لم يخف عنه ذلك هو أيضاً، فراحت طاقاته الحية تلتف حول حركة "أحباب البيان والحرية" المؤسسة يوم 14 مارس 1944م والتي ترأسها السيد فرحات عباس، في ذلك الوقت، وشاركت فيها، كل تيارات الحركة الوطنية.


ولم يكن الحزب الشيوعي الجزائري مستعداً لتبني فكرة الجمهورية الجزائرية المستقلة، ولا ليقبل بغير التطور في إطار الإمبراطورية الفرنسية حلاً للمشكل الجزائري الذي هو مجرد مطالبة بالخبز وبالحقوق المادية، أما الحديث عن استرجاع الاستقلال فهو عين الديماغوجية لأن الجزائر لا يمكن أن تكون إلا تابعة لقوة خارجية. لأجل ذلك، فإنه رفض عرض السيد فرحات عباس فيما يخص الانضمام إلى "حركة أحباب البيان والحرية" معبراً عن إدانته لها باعتبارها "وكر للمغامرين والوطنيين المزيفين".

ولم يكتف الشيوعيون الجزائريون بعدم الانضمام إلى حركة "أحباب البيان والحرية" بل إنهم سارعوا إلى تأسيس حركة مضادة أسموها: "أحباب الديموقراطية"، ضبطوا لها مجموعة من الأهداف تأتي في مقدمتها محاربة الانفصاليين وتعبئة المسلمين الجزائريين في سبيل تحرير فرنسا" من الإحتلال الألماني.

ففي 23 سبتمبر 1944م، وخلال مناقشات الندوة المركزية التي نظمها الحزب الشيوعي الجزائري، صرّح أمينه العام عمار أوزقان أن "مصلحة الجزائر لا تكمن في الإنفصال عن فرنسا الجديدة، لأن الاستقلال مستحيل"، وأنه يرفض بشدة شعارات "الإنفصال عن فرنسا" و"الجزائر العربية". وكان أوزقان قد أمر بمحاربة التدين و"عصابات الأوباش والأشرار، عملاء الفاشية، الذين يتذرعون بالدين لمكافحة المشروبات الكحولية".

وعندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وحقق الحلفاء تفوقهم على ألمانيا وأعادوا لفرنسا حريتها وسيادتها، استطاع الشيوعيون الفرنسيون أن يشاركوا، فعلياً، في تسيير الحكومة الوطنية التي أقامها الجنرال ديغول. واعتبر الشيوعيون الجزائريون ذلك انتصاراً وراحوا يتعاملون مع الإدارة الاستعمارية التي كانت قد رفعت إلى ممثلي الحلفاء "أن الشعب في الجزائر يرفض الإنفصال عن فرنسا، وأن تشكيلات الحركة الوطنية لا تمثل سوى نفسها وأنها تعمل في ركاب قوات أجنبية همها إضعاف فرنسا وإرباكها داخلياً حتى لا تتمكن من إعادة البناء بجميع أنواعه".

ظل الحزب الشيوعي الجزائري، هكذا، في غيه بعيداً كل البعد عن الحقيقة، ومجانباً للواقع الجزائري يلهث فقط وراء نظريات الحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان بدوره، تابعاً كلية للحزب الشيوعي السوفياتي. وعلى هذا الأساس يقول أمينه العام السيد العربي بوهالي: "كان الشيوعيون، في الجزائر، يعيشون في عزلة عن الحركة النضالية بل وفي تناقض معها". لكن نهاية الحرب الامبريالية وما نتج عنها من تطورات على الساحة الدولية جعلت فرنسا تميل إلى العالم الرأسمالي على حساب المعسكر الاشتراكي وتباعاً خرج الشيوعيون من السلطة خاصة بعد انسحاب الجنرال ديغول. كل ذلك مضافاً إلى نتائج حركة مايو الثورية التي أثبتت تجذر الحركة الوطنية في الجزائر، وإقدام أغلبية الشعب الجزائري على انضوائه تحت لوائها، أدى بقيادة الحزب الشيوعي الجزائري إلى إعادة النظر في سائر المواقف الشيوعية وإلى تقييم المراحل المقطوعة منذ بداية الثلاثينات، وهو العمل الذي جاء مجسداً في نداء يحمل تاريخ 21 جويلية 1947م.

وأهم ما ورد في ذلك النداء "أن الحزب الشيوعي الجزائري هو الحزب الوحيد الممثل للأمة الجزائرية التي هي في طور التكوين". وعلى هذا الأساس فهو يرى أن الحل الأوحد والأكثر ديموقراطية بالنسبة للقضية الجزائرية إنما يتمثل في تحويل الجزائر إلى "شريك لفرنسا في إطار الاتحاد الفرنسي".

وعلى الرغم من الأسلوب الجديد في المعالجة، فإن الحزب الشيوعي لم يغير موقفه من الحركة الوطنية الجزائرية قيد أنملة. فهو لم يتخل عن فكره ولم يكن قد نسي بعد، الدور الإجرامي الذي قام به الشيوعيون في عمليات الإبادة التي مارستها حكومة الجنرال ديغول خلال شهر مايو سنة 1945 وأكثر من ذلك، فإن الوطنيين كانوا يدركون أن الحزب الشيوعي الجزائري مجرد دودة زائدة في جسم الحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان بدوره تابعاً في كل قراراته الأساسية للحزب الشيوعي السوفياتي وحتى لو كان الحزب الشيوعي الجزائري مستقلاً في نشاطه وينطلق في كل ما يقوم به، من مرجعية فكرية خاصة به، فإن مواقفه المعبر عنها في ذلك الوقت وسلوكاته السياسية المختلفة كانت تمنع التشكيلات الوطنية الجزائرية من الاتحاد معه في إطار مشروع بعيد المدى يكون الهدف منه تحرير الجزائر وذلك لعدة أسباب أهمها:

1- إن الحزب الشيوعي الجزائري، عندما أعاد النظر في مواقفه السياسية، صار يرفع شعار الجمهورية الجزائرية ويدعو إلى النضال من أجل تحقيق استقلالها، ويندرج ذلك في إطار أيديولوجيته التي تنطلق من كون الجزائر أمة في طور التكوين. والذي يتكون من جديد إنما يسعى فقط إلى الحصول على الاستقلال. لكن حزب الشعب الجزائري الذي ينطلق في نضاله من الواقع الوطني، يدرك أن الاستعمار الفرنسي هو الذي غيب الدولة الجزائرية التي كانت قائمة بجميع مؤسساتها، وعليه فهو يعمل بكل الوسائل من أجل "استرجاع الاستقلال الوطني وبعث الدولة الجزائرية المعتدى عليها سنة 1830"، مؤكداً في جميع المناسبات أن "إلغاء الدولة الجزائرية بالقوة لم يترتب عنه بالضرورة إلغاء الأمة الجزائرية" وهو الأمر الذي جعل الطلائع الجزائرية تعبئ جميع الإمكانيات وتلجأ إلى جميع الوسائل في سبيل "بعث الحياة الوطنية الحرة الكريمة واسترجاع السيادة المغتصبة". هذه اللغة لا يفهمها الشيوعيون الذين يقولون مع موريس توريز "هناك أمة جزائرية تتشكل باختلاط عشرين جنساً".

2- إن الحزب الشيوعي يرفض اللغة العربية والعروبة والإسلام فبالنسبة إليه لا يمكن للغة الضاد أن تكون هي اللغة الوطنية لأن مليون أوربي يجهلها أو يتجاهلها ولأنها لغة القرآن. أما العروبة والإسلام فإنهما صنوان للتخلف والرجعية. لكن الحركة الوطنية، على لسان السيد الحاج مصالي، تناضل لتحرير الشعب الجزائري المسلم "الذي له لغته ودينه وماضيه المجيد ومفكروه وأبطاله وعاداته وتقاليده.. والإسلام على غرار الحركة الوطنية، ديمقراطي وهما في غنى عن الدروس التي يلقيها السيد بوخرط".

3- إن الحزب الشيوعي الجزائري يدعو، في جميع الحالات إلى إلحاق الجزائر بالاتحاد الفرنسي الذي يشكل "الحل الواقعي الوحيد" لكن الحركة الوطنية وخاصة منها حزب الشعب الجزائري ترى أن الحل الواقعي الوحيد هو الانفصال عن فرنسا وتمكين الجزائر من استرجاع سيادتها واستقلالها كاملين، ومن جهة أخرى، فإن حزب الشعب الجزائري يرى أن "الاتحاد الفرنسي" نوع من الامبريالية الجديدة التي تهدف في النهاية، إلى منع الشعوب المستعمرة من ممارسة حقها في تقرير مصيرها.

4- إن الحزب الشيوعي الجزائري منحاز إلى الاتحاد السوفياتي وملحقاته لأن "الجيش الأحمر أهل لكل ثقة وستالين هو رمز الأمل في العودة إلى أكثر ما يمكن من الحرية والعدالة والمساواة" لكن الحركة الوطنية إذ ترفض الامبريالية الفرنسية وتحاربها، فإنها لا ترى أي أمل في الانضواء تحت لواء الامبريالية السوفياتية التي تستعمر شعوباً إسلامية كثيرة والتي لا يختلف موقفها عن موقف الامبرياليات الغربية فيما يتعلق بالقضايا الأساسية التي تهم الوطن العربي وخاصة منها القضية الفلسطينية.

5- إن الحزب الشيوعي الجزائري، على غرار الاتحاد السوفياتي والأممية الشيوعية، قد اعترف بالكيان الصهيوني على أرض فلسطين المغتصبة من أصحابها بتواطئ جميع الدول العظمى. أما سائر تشكيلات الحركة الوطنية، في الجزائر، فإنها تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها الأساسية، ورغم الواقع الاستعماري فإنها كانت، منذ البداية، تعبئ الجماهير الشعبية للمساهمة، بقدر الإمكان في تحرير البقاع المقدسة.

6- إن الحزب الشيوعي الجزائري يرفض فكرة المغرب العربي الموحد لأنها تتناقض مع قناعاته الخاصة بالجزائر "أمة في طور التكوين"، لكن الحركة الوطنية، بجميع تشكيلاتها، ترى أن الجزائر لا يمكن فصلها عن المغرب العربي "الموحد جغرافياً وتاريخياً ودينياً ولغوياً واقتصادياً وثقافياً" كما جاء ذلك في لائحة السياسة العامة التي صادق عليها مؤتمر الاتحاد الديموقراطي للبيان الجزائري المنعقد في مدينة البليدة ما بين 3 و5 أكتوبر 1947.

الـثـورة فـي مـوريـتـانـيـا


الـثـورة فـي مـوريـتـانـيـا
(مقرّر)
تـمـهـيـد : 
عـمـلـت فـرنـسـا جـاهـدة بـعـد احـتـلالهـا لـلـجـزائـر و تـونـس و الـمـغـرب ضـم مـوريـطـانـيـا إلـى مـسـتـعـمـراتـهـا وذلـك لـربـط شـمـال الـقـارة الإفـريـقـيـة بـبقية مـستعـمـراتهـا في غـرب وسـط وجنـوب الـقـارة الـسـمـراء .
1 - الإحـتـلال الـفـرنـسـي لـمـوريـطـانـيـا :
كان احتلال الفرنـسـيـين لـشـنـقـيـط( مـوريطانيـا حديـثـا ) جـزءًا مـن الـمـخـطّـط الإسـتـعـمـاري الـذي نـفـذتـه فـرنـسـا فـي نـهـاية الـقرن 19 لفرض سيطـرتهـا على غـرب الـقـارة الإفـريـقـيـة.  و قـد ضـمّـت فـرنـسـا مـوريـطـانـيـا بـعـد احـتـلالها إلـى مـسـتـعـمـراتـهـا فـي الـسـنـغـال فـي عـام 1903 بـعـد أن لاقـت مـقـاومـة مـسـلـحـة عـنـيـفـة مـن قـبـل الـقـبائـل الـمـوريـطـانـية الـتـي كـانـت تـتـوزع فـي عـشـرة أقـالـيـم إداريـة قـبـل الاحـتـلال الـفـرنـسـي.
2 - آثـار الاحـتـلال الـفـرنـسـي فـي مـوريـطـانـيـا :
وإتـخـذت السـيـاسـة الاسـتـعـمـاريـة فـي مـوريـطـانـيـا واقـعـا سيـئـا تـمـيـزت بـالـمـظـاهـر الـثـلاثـة الـتالـيـة :

أ - الـتخـلـف الـثـقـافـي :
عـمـق الاسـتـعـمـار الـفـرنـسـي واقـع الـتـخـلـف الـثـقـافـي فـي مـوريـطـانـيـا بـمـحـاربـة الـلـغـة الـعـربـية، وإغلاق الـمـدارس الـحـرّة  ومـنـع الـمـوريـطـانـيـيـن مـن الاتـصـال بـالـعـالـم الـخارجـي، ولـكـن الـعـربـيـة لـغـة وانـتـمـاء بـقـيـت مـتـأصـلـة فـي قـلـوب وألـسـنـة الـشـعـب الـمـوريـطـانـي.

ب - الـتـخـلـف الاقـتـصـادي :
لـيـسـت مـوريـطـانـيـا مـجـمـوعـة مـن الـكـثـبـان الـرمـلـيـة، بـل تـضـم مـسـاحـات مـن الـسـهـول الـخـصـبـة عـلـى ضـفـاف نـهـر الـسـنـغـال بـالإضـافـة إلـى عـدد كـبـيـر مـن الأوديـة و الـمـيـاه الـجـوفـيـة كـمـا تـكـتـنـز أعـمـاقـهـا ثـروة مـعـدنـيـة، أهـمـهـا الـنـحـاس والـحـديـد.  ولـم تـعـر سـلـطـات الاسـتـعـمـار الـفـرنـسـي أثـنـاء وجـودهـا فـي مـوريـطـانـيـا الاهتمام الـكـافـي بـتـلـك الـثـروات بـل عـزلـت الـشـعـب داخـل إطـار الـنـشـاط الرعوي و الـنـشـاط الـزراعـي الـبـدائـي .

جـ -  الـتـخـلـف الاجـتـمـاعـي :
 تـتـضـح صـورة الـتـخـلـف الاجـتـمـاعـي الـتـي عـاشـهـا الـشـعـب الـمـوريـطـانـي فـي ظـل الـنـظـام الاسـتـعـمـاري، بإهمال الـرعـايـة الـصـحـيـة، وتـفـش الأمـراض والأوبـئـة . و قـد أثـر هـذا الإهمال الـصـحـي فـي الـبـنـيـة الاجتماعي لـلـشـعـب الـمـوريـطـانـي الـذي يـعـتـبـر مـن الـمـجـتـمـعـات الـفـتـيـة ( ارتفاع نـسـبـة الـشـبـان ).
3 - المقـاومة السياسية في موريطانيا حـتى الاستـقـلال :
بـدأت حـركـة الانبعاث الـسـيـاسـي فـي مـوريـطـانـيـا بـعـد نهاية الـحـرب الـعالـمـيـة الـثـانـيـة، حـيـث تـشـكـل فـي عـام 1946 ( حـزب الاتـحـاد الـمـوريـطـانـي ) و( حـزب الـوفـاق الـمـوريـطـانـي)، و لـمـا اتضحت لـلـزعـمـاء الـسـيـاسـيـيـن سـلـبـيـات الـصـراع الـحـزبـي وأثـره فـي تـفـتـيـت الـجـهـود الـوطـنـيـة، تـشـكـلـت لـجـنـة إئـتـلافـيـة تـمـثـل سـائـر الاتـجـاهـات الـسـيـاسـيـة، و قـررت فـي عـام 1958 تـوحـيـد الحـزبين فـي حـزب واحـد حـمـل اسم ( حـزب الـتـجـمـع الـمـوريـطـانـي)، اشتهر مـن أعـضـائـه الـمـخـتـار ولـد داده وأحمـد سـالـم بـن الـهـيـب، و الـمـخـتـار نـجاي و غـيرهم و قـد تـحـمـل حـزب الـتـجـمـع مـسـؤولـيـة الـنـضـال الـسـيـاسـي مـن أجـل تـحـقـيـق الاستقلال الـذي نـالـتـه مـوريـطـانـيـا بـعـد اجتيازها  مـراحـل ثـلاث.

أ - قـيـام  الـحـكـومـة الـوطـنـيـة :
شـاركـت مـوريـطـانـيـا فـي اسـتـفـتـاء تـقـريـر الـمـصـيـر الـذي أجـرتـه فـرنـسـا فـي مـسـتـعـمـراتـهـا الأفـريـقـيـة سـنـة 1958.
ونـتـيـجـة هـذا الاستفتاء مـنـحـت مـوريـطـانـيـا الاسـتـقـلال الـذاتـي فـي إطـار الاتـحـاد الفرنسـي، فـتـشـكـلـت فـي 21 جـوان 1958 لأول حـكـومـة وطـنـيـة بـرئـاسـة ( الـمـخـتـار ولـد داده ) اتخذت نـواقـشـط عـاصـمـة لـهـا، وأكـدت فـي بـيـانـهـا الأول عـلـى انتماء مـوريـطـانـيـا الـعربـي الإسلامي، وحـرصـهـا عـلـى تـعـزيـز عـلاقـاتـهـا بـالأقطـار الأفريـقـيـة الـمـجـاورة و بـدول الـعـالـم الأخـرى.

ب - إعـلان الـدسـتـور :
 بدأت الـلـجـنـة الـدسـتـوريـة بـوضـع صـيـغـة الـدسـتـور الـمـوريـطـانـي مـنـذ جـانـفـي 1959، و فـي 22 مـارس مـن ذلـك الـعام عـقـدت الـجـمـعـيـة الـتأسيـسـية جلـسـة تـاريـخـيـة فـي نوا قشط  أقـرت فـيـهـا الـدسـتـور الـجديـد لـلـجـمـهـوريـة الـمـوريـطـانـيـة الإسـلامـيـة.
 
جـ - الاسـتـقـلال الـتـام :
كـانـت الأمـانـي الـوطـنـيـة لـلـشـعـب الـمـوريـطـانـي تـتـمـثـل فـي الاسـتـقـلال الـتـام و الـسـيـادة الـمـطـلـقـة الـخـالـصـة مـن كـل وصـايـة. وإزاء هـذه الإدارة الـشـعـبـيـة اتخـذ الـمـجـلـس الـوطـنـي فـي مـارس 1960 قـرارًا بـإعـلان الاسـتـقـلال الـكـامـل، حـمـلـة الـرئـيـس الـمـوريـطـانـي إلـى الـحـكـومـة الـفـرنـسـيـة، فـأقـرت - بـعـد الـتـفـاوض - اعـتـرافـهـا بـمـوريـطانـيـا كـجـمـهـوريـة مـسـتـقـلـة اسـتـقـلالا تـامـا.

و قـد انـضـمـت مـوريـطـانـيـا بـعـد اسـتـقـلالـهـا الـتـام إلـى كـل مـن الـجـامـعـة الـعـربـيـة، و مـنـظـمـة الـوحـدة الأفريـقـيـة، وهـيـئـة الأمـم الـمـتـحـدة.

الـثـورة فـي الـمـغـرب الأقـصـى

الـثـورة فـي الـمـغـرب الأقـصـى


(مقرّر)

تـمـهـيـد :

إن موقــع المغــرب الأقصــى فـي الجــزء الشمالـي للقـارة الإفريقـــية ، وإشـرافــه علـى مسطحــات مائــية كبـرى مثـل البحـر المتوســط والمحيط الأطلســـي ، وتوفــره علـى إمكانـــيات اقتصادية هــائلــة ، بالإضـافـة إلـى تحكمــه فـي مضــيق جبل طــارق الـذي يعــد مـن أهــم المنافــذ البحريـة التي تتحكـم فـي المـلاحــة والتجــارة الدولـــية ، كــل هــذا أكسبــه أهمــية كبـرى جعلــه عرضــة للأطمــاع الأجنبيــة خاصــة مـن جانــب فرنسـا، بـريطـانـيـا، إيـطـالـيـا، إسـبـانـيـا وألـمـانـيـا.

وبعــد إحتـلال فرنسـا للجزائـر سـنـة 1830م وتونـس 1881م ، صـمـمـت علـى إحتـلال المغـرب الأقصـى بأي ثمـن كـان ومـن ثـم راحـت تهـيء الجـو السـيـاسـي لذلـك فـعـقـدت عــدة اتـفـاقـيـات مـع الـدول الـمـنـافـسـة لـهـا.

عقــدت اتفاقية مـع بريطانــيا سنــة 1902م ، اعترفــت بموجبهــا فرنسـا بالحمايــة البريطانــية علـى مصـر مقابـل إطــلاق يـد فرنـسا فـي المغـرب ، واتفقــت مـع إيطاليا سنــة 1904م علـى إطــلاق يـدهــا فـي ليبــيا مقابــل سكـوتهــا أيضا . واتفقــت مـع إسبانــيا سنــة 1905م علـى إطــلاق يــدهــا فـي الريــف الشمالــي مقابــل سكوتهــا علـى احتــلال المغــرب . واتفقـت مـع ألمانـيـا سنـة 1911م منحـهـا الكـونغـو الفـرنسـي مقابــل سكـوتهــا علـى إحتــلال المغــرب .

وهكـــذا أصبـح الجـو مـواتـيـا لإقــدام فرنسـا علـى عملــية الاحـتـلال.

ففـي 30 مارس 1912م وقـع السلطـان المغـربـي مـولاي عبــد الحفــيظ معاهـدة فـاس الخاصـة بفـرض الحمايــة الفرنســية علـى المغــرب الأقصــى ، وفـي 27 نوفمبــر 1912م عقـدت فرنسـا مـع إسبـانيـا معــاهــدة مـدريــد التـي تضمنــت اعتـراف فرنســا بحــق  إسبانيا فـي إحتــلال الريــف المغربــي فـي الناحــية الشمالــية ومنطقــة " ايـفـنـى" علـى المحــيط الأطلســي ، مـع اعـتـبـار"طنجــة" مــيناءا دولـيـا .

ولــم يرض الشعــب المغربــي بالتـواجـد الاستعماري فـي بـلاده ، وقـاومـه بكــل الوسائــل وكـانـت ثــــورة الــريــف 1921-1925 بـقـيـادة عـبــد الـكـريــم الـخطـابــي مـن أبـرز الثـورات التحريريــة فـي المغـرب الأقصــى ، فقــد استطــاع بقـواتــه الانتصار علـى الاسـبـان فـي معـركــة " أنـوال" وطهــر بــلاد الريــف مـن معظــم المراكــز العسكريــة الإسبانــية، لكــن الإسـبـان اتفقـوا مـع الفرنسييــن علـى ضـرب ثـورة الخطابــي والاشتراك معـا فـي القضــاء عليهــا، واضطــر فــي الأخــير إلـى تسلــيم نفســه سنــة 1925.

مـع مطلـع القـرن العشريـن بـدأت الأحـزاب المغربـية تتكــون ، ولكنهــا عانــت الكثــير مـن الاضطهاد الفرنســي ، واضطــر الكثــير مـن الوطنــيين إلـى الفـرار إلـى القاهــرة لمواصلــة النضـال ، وأهــم الأحزاب التـي ظهـرت فـي هــذه الفتـرة :

- كتلــة العمــل الوطنــي المغربــية سنـــة 1934م.
- حـزب الكتلــة القومــية سنــة 1937م .
- الحــزب الوطنــي لتحـقيق المطالــب 1937م.
- حـزب الاستقلال الـذي تــأسـس سنــة 1944م، علـى يــد "عـلال الـفـاسـي" وأحـمـد بـلـفـريـج وقــدر لــه أن يلعـب الدور الكبـير في الحركة الوطنية المغربـية حتـى الاستقلال.

1- ظــروف وأســباب الثــورة المغربـــية :

أ - السياســـة الاستعمارية التـي لـم تخـرج عـن دائــرة محـاربـة المقومـات الشخصـية المغربـية، وبعــث الانشقاق والتفرقــة بيـن المغاربــة ، واستغلال إمكانـــيات البـلاد المـاديـة والبشـريــة.
ب - تـدهــور الأوضــاع الاقتصادية والاجتماعية وهـي نتيجــة حتمــية للتـواجــد الإستعمــاري.
جـ - تطــور الوعــي الوطنــي خاصــة بعـد الحـرب العالمــية الثانــية وتـيـقـنـت أنـه مـا أخــذ بالقــوة لا يـسـتـرجـع إلا بـالـقــوة العـسكـريـة.
د - ثقــة الشعــب المغربــي فـي تحقــيق النصـر خـاصـة بعـد هـزيمــة فرنســا أمـام الألمــان سنـة 1940م وفقـدهـا لمكانتهــا الـدولــية بعـد الحـرب العالمــية الثانــية .
هـ - تحـول الأوضــاع فـي العالـم بعـد الحــرب العالمــية الثانــية مثـل : ظهــور الكتلـة الاشتراكية ومـيلاد هــيئـة الأمـم المتحــدة والجامعــة العربــية .

2- مـراحـل الـثـورة الـمـغـربـيـة :

- الـمـرحـلـة الأولـى 47 - 1953 :

- تمـيزت هــذه الفتـرة بازدياد نشـاط الحركــة الوطنــية المغربــية وفـي مقـدمتهــا حـزب الاستقلال الـذي حمـل مشعــل النضـال مـن أجـل الاستقلال ووجــدت الحركــة الوطنـية مساندة قوية من جانـب السلطان مـحـمـد الـخـامس والجامعــة العربــية الـذي أيـد فـكـرة الاسـتـقـلال وطـالـب بـإلـغـاء الـحـمـايـة الـفـرنـسـيـة عـلـى بـلاده، وقـد تـجـاوب الـشـعـب الـمـغـربـي مـع هـذا الـوضـع الـجـديـد حـيـث اجـتـاحـت الـمـظـاهـرات الـشـعـبـيـة جـمـيـع الـمـنـاطـق الـمـغـربـيـة وعـمـت الاضـرابـات جـمـيـع الـمـرافـق وبـدأت حـوادث الـعـنـف ضـد الـفـرنـسـيـيـن وأخـذت الأمـور تـتـعـقـد بـيـن الـمـغـرب وفـرنـسـا حـتـى انـتـهـى الأمـر بـفـرنـسـا إلـى الـتـفـكـيـر فـي الـتـخـلـص مـن الـسـلـطـان مـحـمـد الـخـامـس عـن طـريـق عـمـلائـهـا أمـثـال "تـهـامـي الـكـلاوي" وهـو مـن زعـمـاء الـقـبـائـل فـي مـراكـش ولـمـا بـاءت الـمـحـاولـة بـالـفـشـل، أقـدمـت فـرنـسـا عـلـى عـزل الـسـلـطـان  ونـفـيـه إلـى كـورسـيـكـا ثـم إلـى مـدغـشـقـر فـي 20 أوت 1953 ونصـبـت بـدلـه مـحـمـد بـن عـرفـة سـلـطـانا عـلـى المـغـرب.

- الـمـرحـلـة الـثـانـيـة 53 - 1956 :

فـي 20 أوت 1953 قامــت فرنـسا بخلـع السلطـان محمــد الخامــس، وفـي نفـس الوقــت أعلـن الكـلاوي بـان الرأي العـام وشيـوخ البـلاد وحكـامهـا قـد اختـاروا محمـد بـن عرفـة سلطـانا عليهـم، وقــد أدت هـذه التصـرفـات إلـى إثارة سخـط الشعــب والحركــة الوطنــية فبـدأت الاضطرابات واجتاحـت البـلاد المظاهــرات العارمــة وقاطعـت البضائــع الفرنســية كمـا بـدأت المقاومـة المسلحـة علـى شكـل هجـومـات مسلحـة علـى مراكــز العـدو الإستراتيجـــية .

وفـي جـوان 1954م شكـلت بعـض عناصـر المستعمريـن المتطـرفــة منظمـة إرهابـية تـدعـى "النضـال فـي سبـيل الوجـود الإستعمـاري" وقامت بعملـيات إرهابــية ضــد السكــان الأبريــاء الأمـر الــذي دفــع الكـثــير مـن القبائــل إلـى التخلــي عـن الكلاوي والانضمام إلى الحركـة الوطنـية .

وفـي يـوم 20 أوت 1955 وبمناسبــة الـذكــرى الثانــية لنفـي السلطـان محمـد الخامـس اشتـد الكـفــاح الـمسلـح كـمـا اجتـاحـت الإضـرابات والـمظاهــرات مـعـظــم المـدن الـمـغـربـية  بهــدف الضغــط علـى فرنـسا لإرجــاع السلطــان وفـي نفـس اليـوم شــن الثـوار الجزائريون هجومـات الشمال القسنطينـي ضد مراكـز العدو الفرنسـي .

وأمـام هــذا الوضــع لـم تجـد فرنـسا بـدا مـن الإستجـابـة لمطالــب المغاربـة والــدخـول فـي مفاوضـات مـع زعمـاء الحركـة الوطنــية، وتـم الاتفاق علـى إبعـاد محمـد بـن عرفـة وإعـادة محمـد الخامـس وتشكـيل حكـومة جـديـدة .

وفـي 16 نوفمبر 1955 عـاد السلطـان محمـد الخامـس إلـى المغـرب ليبـدأ بعـدهـا المفاوضـات مـع الحكومـة الفرنسـية والتـي انتهت باعتراف هـذه الأخـيرة باستقـلال المغـرب فـي 02 مارس 1956م .

أمـا بخصــوص منطقــة الريـف فقـد تـم التفاوض بشـأنهـا مـع إسبانيا فتي 13 مارس 1956م وصـدر بيـان مشتـرك فـي 7 أفريـل 1956 ولكنــه لـم يتضمـن حلا لمسـألـة المـدينتيــن الساحليتـــن "سبتــة ومليلـة وفـي 8 أكتوبـر 1956م انعقــد مـؤتمــر دولــي فـي المحمـدية تقـرر فيـه إلحــاق مـدينـة طنجــة بالمغــرب الأقصـــى .

3- الـنـتـائـج :

بعــد الحصــول علـى الاستقلال مباشــرة ، وضعــت السلطــات المغربــية أمــام أعينهـا هــدفا رئيـسيا وهــو إخــراج البــلاد مـن الأوضــاع السيئــة التي ورثتهــا عـن الاستعمار وتحقـيق مطالــب الأغـلـبــية الساحقـــة مـن الشعــب ووجــدت فـي الإتجــاه الحــر أسلـوبـا كـافــيا لتحقـــيق هــذه الأهــداف، فقــد قامـت باسترجاع الأراضــي التـي كـانـت بـأيــدي المستوطنــين ووزعتهــا علـى الفـلاحـين فـي شكــل " مزارع تعاونية " مع تقـديـم المساعدات اللازمـة للفـلاحــين ،كمـا عملـت علـى إرســاء قاعــدة صناعــية لضمـان الاستقلال الاقتصادي والتخــفيف مـن البطالــة . ولتحسـين مستـوى السكـان اجتماعيا وثقافـيا، قـامـت المملكـة المغربـية بتوفـير الخـدمات الاجتماعية والثقافــية المختلـفة مـن مـدارس، ومعـاهـد وجامعـات ومراكـز صحـية ...الخ.

أمـا علـى الصعــيد الخارجـي فقـد زادت فـي تدعـيم علاقتهـا مـع الـدول خاصـة مـع الـدول العربـية .

الـثـورة التـونـسية

الـثـورة فـي تـونـس


(مقرّر)

تـمـهـيـد :
         
خضعــت تونــس للسيطـرة العثمانـــية منـذ النصـف الثانـي مـن القـرن السادس عشــر ، ونظـرا لموقعهــا الإستراتيجــي وقربهــا مـن أوربـا بـدأ التنافــس الإستعمــاري يشتـد حـولـهـا خاصــة مـع بـدايـة القـرن العشـريـن وبعـد إحتــلال الجزائـر مـن طـرف فرنســا سنـة 1830م بـدأت هــذه الأخــيرة تفكـر فـي إحتــلال تونــس ، وقــد بــدأ الاحتلال عـن شكـل تـدخـل فرنسـي فـي شــؤون تونــس المالــية خـاصــة بعـد اضطـرار الباي إلـى استـقـراض الأموال مـن فرنــسا، ثـم تـلا هــذا التـدخــل المالـي إشـراف فرنـسا علـى شـؤون الاقتصاد التونســي عامــة، وأخــيرا قــدرت احتلالها عسكـريا عنـدمـا ادعت وجــود اضطرابات علـى الحــدود الجزائريــة التونسيـة، فأرسلــت حملـة عسكريــة إلـى تونــس أجـبـرت الباي علـى توقـيع معاهــدة الحمايــة فـي شهــر مــاي 1881.

ولـم يبـق الشعـب التونســي مكتـوف الأيـدي أمـام الوجـود الاستعماري فـي بـلاده ، بـل عمـل كـل مـا في وسعــه مـن أجــل استرجاع سيـادتــه وكـانـت ثــورات 1911-1915-1922 مثـالا رائـعـا للبطـولــة مـن جانـب الشعــب التونســـي كمـا كـانـت مثـلا للوحشيــة مـن جانـب فرنســا.  ومـع بـدايـة القــرن  20 بـدأت الحركــة الوطنــية التونسيــة تظهــر إلـى الوجــود متمثلــة فـي عــدة أحـزاب أهمـهـا :

- حــزب تونــس الفـتاة الــذي تأسـس سنـة 1906علـى يـد " علـي باشـا" وهـو يمثـل العناصــر الوطنـــية المتأثــرة بالحركــة المشرقــية ، وقـد عملـت السلطــات الفرنســية علـى حلــه .
-  الحــزب الدستـوري التونســي : تأسـس سنة 1920م  علـى يـد عبـد العزيـز الثعالـبي، وكـانت مبادئ الحـزب مبنية على فكـرة الاستقلال.

ومـن مطالبـه : إقـرار الحيـاة الدستـوريـة فـي البـلاد وإنشاء مجلـس تشـريعـي وإعــداد جيـش وطنـي ووزارة مســؤولـة أمـام المجلــس واستعادة الأراضـي المسلوبـة مـن التونسـيين .

وأمـام إصــرار الحــزب علـى تحقـيـق مـطـالـبـه، اضـطـرت فـرنـسـا إلـى القـيـام ببعــض الإصـلاحـات مثـل إنشـاء المجـلـس الكبـيـر لـمنـاقـشــة الميـزانــيـة وإنـشــاء مـجـلـس القـائــد الـذي يـظـم القـيــادات العـسـكـريـة وإنـشاء مجـالـس الأقـالـيـم لبـحـث الأمـور الاقـتـصـاديـة والاجـتـمـاعـيـة.

وقـد أحـدثـت هــذه الإصــلاحــات انقسام فـي صفـوف الحــزب الدستـوري بيـن مؤيـديـن ومعارضــين لهـذه الإصــلاحـات، وينتـج عـن ذلـك انفصال بعـض الشبـان المثقفـين عن الحـزب وأسـسـوا سنـة 1934م. الحـزب الدستـوري الجــديد ومـن بيـن أعضائــه الحبـيب بورقيبـة، وهكــذا أصبـح بتـونــس حـزبـان الحـزب الدستـوري القـديـم والحزب الدستـوري الجـديد وقــد استطاع هــذا الأخــير فـي وقـت قصــير أن يحصــل علـى تأييــد شعبــي كبــير مكنــه مـن أن يلعـب الـدور الكبـير فـي الحركة الوطنــية التونســية حتـى الاستقلال .

1-  ظـروف وأسـباب الثـورة التونسـية :

أ - الوجـود الإستعمـاري وعـدم حـدوث تغييـر فـي الوضـع الإداري الـفرنـســي فـبـالرغــم مـن وجـود حـكومـات تـونـسية بين45 -1947م ، فـإن الحكــم ظــل بيـن السلطـات الاستعمارية التي استمرت فــي استعمال القـوة وكـل وسائـل العنــف ضــد الشعــب التونســي .
ب - الأزمــات الاقتصادية والاجتماعية التـي كـان يعانـي منهـا الشعــب التونســي والناتجــة عـن احتكار فرنسـا و سيطرتهــا علـى معظــم الشـؤون الاقتصادية فـي تونـس وترتب عن ذلـك تدهــور مستـوى المعيشـة وانتشـار الفقـر والبؤس وازدياد البطالـة وغيرها من المشاكــل .
جـ - ظهــور طبقـة مـن المثقفـين والوطنــيين لعبـوا دورا كبـيرا فـي توعـية الشعـب وتعبئتــه استعداد للكفـاح المسلــح .
 د- تغــيير موازيـن القـوى بعــد ح،ع، 2 ، وفقــد فرنسـا لمكانتهــا الـدوليـة التي كـانـت تتمتــع بهــا قبـل هــذه الحـرب، وانتقال الزعـامــة إلـى الولايات المتحــدة والاتحاد السوفيتــي .
هـ - انتشار موجـة التحـرر في العالـم الثالث عامة وفـي الوطـن العربـي خاصـة ، وقد أعطـى هـذا دفعـا قويا للحركة التحررية فـي تونـس .
و - ظهـور هيئـات دولـية وإقليميـة طالبـت بإنهـاء الاستعمار وأكـدت على حـق تقرير المصير مثل هيئـة الأمم المتحـدة والجامعة العربـية .

2-  مـراحـل الـثـورة الـتـونـسـيـة :

أ-  المـرحـلـة الأولــى : 49-1952 :
-  لقــد حـاول السياسيــون التونسيـون فـي هـذه المرحلـة توحـيد صفوفهــم ونضـالهـم للضغـط أكثـر علـى فرنـسـا، وأسـسوا سنــة 1949م "حركــة أنصـار الســلام" لكـن هـذه الحركـة السياســية لم تــدم طويـلا غيـر أن أهـم شـيء ميـز هـذه الفتـرة، هـو ذلـك التحـول الـذي طـرأ علـى سياسـة الحزب الدستـوري الجـديـد خاصـة بعـد عـودة الحبـيب بورقيبـة مـن المهجـر فـي سبتمبـر 1949م ، ومـن مظاهـر هــذا التحــول ، تخلـي الحـزب عن المطالبـة بالاستقلال الفـوري، وبـدأ يطالـب بالاستـقـلال علـى مراحـل  سياسـة خـذ وطالـب.

وتبعــا لذلــك تكونـت حكومـة وطنيــة بقيـادة محمـد شنـيـق فـي شهــر أوت 1950م اشتـرك فيهـا ممثلوا الحـزب الدستـوري الجــديد.
وفـي شهـر نوفمبـر 1951م أرسلـت هـذه الحكومـة مـذكـرة إلـى فرنـسا تضمنـت مطالـب التونسـيين ومـن بينهـا الاستقلال الداخلـي، لكــن الحكومــة الفرنسيــة ردت علـى ذلــك بـرد يعتبـر رفضـا تـامـا وهــذا للمطالــب التونسـية، وكـان لهـذا الرفـض أثـره الكبير علـى الحركــة الوطنـية التونسـية وأحـد العوامـل التـي دفعتهــا إلـى تغـيير نضالهـا اتجـاه فرنـسا.

ب - الـمـرحـلـة الـثـانـيـة 52 - 1954 :
أمـام رفـض الحكومـة الفرنســية للمطالـب التونسـية  خـرج الشعـب التونســي فـي مظاهــرات عارمــة عمـت معظــم المـدن والقـرى التونسيــة .
وكـان ذلـك بتشجـيع الحركـة الوطنـية وعلـى رأسهـا الحزب الدستـوري الجـديد وفـي نفـس الوقـت بـدأت المقاومـة المسلحـة التـي ظهـرت فـي شكــل مجمـوعــات مسلحـة جـيش التحرير التونســي أخـذت فـي مهاجمـة العـدو وأكثـرت مـن العملـيات الفـدائـية.
وأجبـرت فرنسـا على الإعـلان عن مشـروع جـديـد للإصـلاحـات فـي تونـس ولمـا كانـت هـذه الإصـلاحـات شكلـية، فقــد رفضتهـا الحركـة الوطنـية التونسـية وفـي مقدمتهـا الحـزب الدستـوري الجـديد.

ج -  الـمـرحـلـة الـثـالـثـة 54 - 1956 :
فـي شهـر جـوان 1954م تكونـت بفرنسـا حكومـة ( منـديـس فرانس ) التـي وعـدت بحـل مشاكـل المستعمـرات سلمـيا، وقـام منـديـس فرانـس بزيـارة خاطفـة إلـى تونـس فـي جـويـلـيـة 1954م وأعلـن هنـاك أن حكومتـه قـد وافقـت علـى مبـدأ الحكـم الـذاتـي لتونـس وعلـى أسـاس أن يتـم تحـديد العلاقات بيـن البلـديـن بمفاوضـات تقـع بيـن الطرفـين وقـد رحـب الحبـيب بورقيبـة مـن منفـاه بالسياسـة الفرنسـية الجـديدة وأعلـن استعـداده للـدخـول فـي مفاوضـات مـع الحكومـة الفرنسـية وتبعـا لذلـك تشكلـت حكومـة تونسـية جـديدة برئـاسـة طاهـر بن عمـار أحـد أعضـاء الحزب الدستـوري الجـديد ودخلـت فـي مفاوضـات مـع الحكومـة الفرنسـية بخـصوص الاستقلال الداخلـي لتونــس.

وقـد دامـت هــذه المفاوضــات مـن سبتمبــر 1954م إلـى جـوان 1955م وانتهت بالتوقـع علـى اتفاقية الاستقلال الـذاتـي وتضمنـت هــذه الاتفاقية :
- اعتراف فرنسـا بالسياسـة الكاملـة لتـونـس علـى جمـيع شـؤونهـا الداخـلـيـة مـع احتفاظ فرنسـا بمسائـل الدفـاع والشـؤون الخارجـية.
- احتفاظ المعمـريـن بامتيازاتهم وأمـلاكهـم فـي تونـس.
- إقامـة اتحاد جمركـي بيـن فرنـسا وتونـس.
وقـد أصبحـت هـذه الاتفاقية سارية المفعـول ابتداء من 31أوت 1955م وأمام استمرار نشـاط الحركـة الوطنية التونســية وإصرارها علـى تحقـيق الاستقلال التـام ، وضغــط الرأي الــدولـي علـى فـرنسا ، ومسانـدة الـدول العربـية للقضـية الـتونـسية واشتداد الـثورة الجزائريــة بالإضافـة إلـى الأزمات السياسة والاقتصاديـة التي كانت تعيشهـا فرنسـا فـي هـذه الـفترة ، كل هذه الظروف دفعت الحكومــة الفرنســية إلـى الاعتراف بالاستقلال التام لتـونــس في 20 مـارس 1956م .

3- الـنـتـائـج :

فــي الفتـرة الأولــى مـن عمـرهــا قامـت الثـورة بقيـادة السلطــة الجـديدة بـإنجــاز خطـوات هـامــة مـن المهــام الوطنــية التـي كانـت تفرضهــا المرحلــة الجــديدة مـن تاريـخ تونـس المعاصــر، باعتبارها كـانت تمثـل مطالـب الأغلبــية الساحقـة للشعــب التونســي وحركــته الوطنــية .

فبعــد الإعـلان عـن الجمهـوريـة والقضـاء علـى نظام " البـاي" تـم فـي شهـر جـوان 1959م إصـدار دستـور جـديـد للجمهـوريـة يتمـاشـى وأهـداف الثورة في مرحلتهـا الجديدة ، كما بدأت عمليـة تأميم الـشركـات وإلغاء الاتحاد الجمـركـي مع فرنـسـا 1959م اهـتـمـت تونـس بعـد الثـورة مباشــرة بتنميــة الزراعـة حيـث أصـدرت قانـون الإصلاح الزراعي الذي أقـر توزيـع الأراضـي علـى الفلاحـين وفـي نفـس الوقـت طرحـت برنـامـج التنميـة الصناعـية، وعملـت علـى رفـع مستـوى معيشـة السكـان.
وفـي سـنة 1963م تـم جـلاء آخـر القـوات الفرنسيـة مـن تونـس. أمـا عـلـى الـصـعـيـد الـخـارجـي فـقـد قامـت تـونـس بـتـدعـيـم الـعـلاقـات الـدبـلـومـاسـيـة والاقـتـصـاديـة مـع دول الـعـالـم الـثـالـث وخـاصـة مـع الـدول الـعـربـيـة.