الجزائر في كتاب الإسبان وشمال إفريقيا بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر

 

الجزائر في كتاب الإسبان وشمال إفريقيا بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر


بقلم سمير خلف الله


لنا اليوم وقفة مع الجزء الأول، من كتاب الإسبان وشمال إفريقيا بين القرنين 15 و 18 الميلاديين. من تأليف كل من المؤرخة للأديان، والباحثة والمستعربة الاسبانية. مرثيديس غارثيا أرينال، وميغال أنخيل دي بونيس. والكتاب يتكون من 316 صفحة ،بما في ذلك الفهارس المختلفة.  وعنوانه الأصلي هو : 

LOS ESPAÑOLES Y EL NORTE DE ÁFRICA. SIGLOS XV-XVIII.  Mercedes Garcia Arenal y Miguel Ángel de Bunes.

وهو موجود على الشبكة العنكبوتية، لمن يريد الاطلاع عليه. ولكننا لم نعثر على، ترجمة له باللغة العربية. مع إن العديد من كتب هذه الباحثة، وخاصة تلك التي تتحدث، عن تاريخ الأندلس والموريسكيين مترجمة. ومن بينها كتاب شتات أهل الأندلس(المهاجرون الأندلسيون)، وكتاب محاكم التفتيش والموريسكيون وغيرهما.

ومؤلفة الكتاب متحصلة على شهادة، الدكتوراه من جامعة مدريد. ويدور موضوعها حول الموريسكيين، في منطقة كوينكا الواقعة وسط إسبانيا. ولا تزال مسيرتها الأكاديمية، مستمرة إلى اليوم. أما ميغال أنخيل دي بونيس، فهو الآخر بروفسور وباحث، مهتم بالدراسات المتوسطية. في القرنين 16 و 17 الميلاديين، ومصادرها بصورة خاصة. وهو أستاذ باحث في معهد التاريخ، التابع للمجلس الأعلى للبحوث العلمية الإسباني .(CSIC) وعضو في الأكاديمية الملكية، الإسبانية للتاريخ منذ عام 2013. وكذلك في الأكاديمية التركية، للتاريخ منذ عام 2010. ومن أهم أعماله معركة ليبانو، من وجهة نظر العثمانيين La batalla de Lepanto vista por los otomanos . وكتاب سياسات الملك فيليب الثالث، في البحر المتوسطPoliticas De Felipe III En El Mediterraneo وكتاب الإمبراطورية العثمانية، 1451 – 1807 El Imperio Otomano (1451-1807) ،وكتاب وهران تاريخ البلاط الصغيرOran: Historia De La Corte Chica وكتاب الإخوة برباروسا Los Barbarroja.

والأمر الملاحظ أنها كلها مراجع، تحتل فيها الجزائر مكانة مركزية وجد مهمة. ولذلك فلا غنى عنها للباحث، في تاريخ الجزائر الحديث ولدارسيه. كما لا يمكن الاستغناء عنها، لمعرفة الماضي ولفهم الحاضر، والمستقبل للجزائر ومنطقة البحر المتوسط. ونكتفي بهذا القدر ذلك أنه، لا يمكن استعراض كل، ورقاته البحثية ومقالاته. ولعل أهمها المساعدة الخارجية للموريسكيين، المغرب العربي والإمبراطورية العثمانية. La ayuda exterior a los moriscos. El Magreb y el Imperio Otomano. وهذا ما يحيل إلى الدور البطولي، الذي لعبته البحرية الجزائرية. في مد يد العون والمساعدة. للموريسكيين المضطهدين من قبل الكنيسة، ومحاكم التفتيش والتاج الملكي. لكونهم في نظر هؤلاء جميعا، هراطقة خونة للمسيحية وللعرش الإسباني.

ولا يُعْـرَفُ سبب عدم، ترجمة هذا الكتاب في الجزائر. خاصة وأنه كتاب جد مهم، لدارسي التاريخ الحديث للجزائر. خلال المرحلة العثمانية، سواء كانوا طلبة جامعيين، أو دكاترة وباحثين. حتى لو كان الكتاب يبدو للمتضلعين في التاريخ عاديا، ولكن لا يمكن أبدا انكار قيمته العلمية. خاصة وأنه يقدم صوت الآخر، ورؤية الآخر لتاريخ المغرب العربي عامة. وصورة الجزائر على وجه الخصوص، في مرآة ذلك الآخر، وهو ما يهمنا كجزائريين. حتي نفهمه ونتعرف على، صورة الجزائري عنده. وهذا ما يساعد في عملية التواصل معه، وفهم الماضي والحاضر والمستقبل. علما أنه لا يمكن استعراض كل ما جاء فيه، وهذا الأمر لا يتم إلا في حالة ترجمته. ولذلك اكتفينا بالجزء الأول منه، نظرا لغزارة مادته، وما يمكن أن يقال فيها. ولهذا فإن الجزء الثاني منه، يحتاج هو لوحده دراسة قائمة بذاتها.

والبداية ستكون مع ما جاء في فهرسه، وسوف نقتصر فقط. على ما جاء فيه بخصوص، الجزائر أو ما يلامس تاريخها. مما هو مشترك مع دول، المغرب العربي الأخرى. ودول البحر المتوسط، التي يتناولها الكتاب. ففي المقدمة تناولا فيها الباحثان، مسألة الوجود الاسباني في شمال افريقيا. هذا الذي كان في إطار التوسعات، التي قامت بها دول شبه الجزيرة الإيبيرية. مع بدايات القرن 16 (إسبانيا والبرتغال)، في مختلف أرجاء العالم. ولكنها في شمال إفريقيا، باءت بالفشل حيث لم تحقق سيطرة شاملة، على المجال الجغرافي للمنطقة. بل على العكس فهي، لم تحقق سوى الاخفاق الذريع، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، و دينيا ولغويا. حيث بقيت المنطقة، عصية على الاختراق.

وهذا الفشل يرجعه المؤلفان لعدة أسباب، منها انعدام سياسة محددة، ومتماسكة تجاه المنطقة. هذا إضافة إلى الظروف المناخية المعادية، والتي لم يكن التنبؤ بها سهلا. وتعدد جبهات الحرب، مثلما هو الحال في إيطاليا والفلاندز في بلجيكا. إضافة إلى التسرع في البحث عن نصر براق، يماثل ذلك الذي حدث في كل من مالطا وليبانتو. كما أن المسألة الإفريقية، كانت على الدوام ثانوية، بالنسبة لإسبانيا وشعبها في تلك الأيام. ثم يخبرنا بأن أحداث تلك القرون، كان لها صدا في الأعمال الأدبية، الخاصة بالقرن الذهبي الإسباني (Siglo de Oro). كما هو الحال في، أعمال لوبودي فيغا وسرفنتس. وكما هو الحال دائما، فإن الحديث لا يكتمل، دون الإشارة إلى الأسرى المسيحيين. في الجزائر وإلى معاناتهم، وإلى دموية القراصنة. وجشعهم اللامحدود فيما يخص جمع الثروات، على حساب مآسي هؤلاء الأسرى. وخاصة على أيادي من هم، من بني جلدتهم من المهتدين إلى الإسلام (renegados). والسردية الأخيرة لا بد من الرد عليها بحسم، عبر الارتكاز على المصادر التاريخية الموثوقة. بعيدا عن الدعاية الكنسية المجانبة للحقيقة، والشعبوية المضللة والحملات السياسية المغرضة. إن هذه السردية الطاعنة، في كل ما هو جزائري، خلال تلك القرون. الواجب الأخلاقي اليوم، يحتم دحضها وكشف زيفها. ولعل المقارنة البسيطة بين حال، المسلمين تحت حكمهم. وحال الأسرى المسيحيين، في الجزائر العاصمة يهد تلك السردية من أساسها.

وإن كانت النقطة السابقة، تبدو متحيزة وغير موضوعية، وفيها ما يُقال فإن ما قررته مقدمة الكتاب. من أن الاحتلال الاسباني البرتغالي، لمنطقة المغرب العربي، كان العامل الأساسي. لظهور جملة التغييرات الجوهرية، التي عرفتها المنطقة، كالنجدة العثمانية التي يسميها استقرار الأتراك في الجزائر وتونس. وهنا لا بد من الإشارة، إلى المصطلحات المستخدمة، قد يكون استخدامها وتوظيفها لتغييب الحقيقة ونحرها، وخاصة عندما يكون غير بريء.

كما تخبرنا المقدمة بأن البداية، ستكون من العصور الوسطى المتأخرة. مرورا بنهاية ما يسمونها بحروب الاسترداد، ومحاولة الدفاع عن السواحل الإيبيرية. وكل هذا يعانق المثل الصليبية، التي يمثلها الكاردينال خمينيث، الذي يطلق عليه آخر الصليبيين الكبار. وإن هو في الأصل مجرد سفاح متعطش لسفك الدماء، وهذا الحكم تشهد له المآسي، التي عرفتها مدينة وهران بعد دخوله إليها. ويمتزج كل هذا مع الرغبة، في السيطرة على الطرق التجارية. والجشع المفرط لجمع الثروة، فكان الصدام الحتمي مع العثمانيين، لحماية الطرق نحو العالم الجديد. أو ما يسمى في تلك الفترة، جزر الهند الغربية (Indias). علما بأنه بعد سقوط غرناطة، أصبح المتوسط خط الحدود الفاصل، بين العالمين المسيحي والإسلامي. ولكن مع التوسعات العثمانية في شرقه، ثم في غربه فقد تم وضع حدود برية جديدة بينهما. مما ولد صراعا دمويا، بغية السيطرة على ممرات البحر المتوسط بصورة خاصة. واسبانيا كانت تدرك جيدا أهمية هذا الأمر، فقد أعلنتها وبصوت عال. في وجه الدولة العثمانية، من أنها تستطيع أن تتسبب لها في الكثير من المآسي، بما حازته من ثروات (وخاصة الذهب) من العالم الجديد.

وما جعل الصدام قويا، لهو وجود سلطات مركزية، قوية في كل من اسبانيا والدولة العثمانية. ووجود نظام إداري قوى، ساعد على تقوية مالية الدولتين (الضرائب). مما مكنهما من امتلاك، ترسانة عسكرية قوية، معتمدة على تكنولوجيا تلك القرون، المتطورة بمقياس تلك الأيام. وفي مقابل هذا تخبرنا مقدمة الكتاب، بأن منطقة شمال افريقيا. كانت تعاني من التفكك، وعدم الاستقرار السياسي. مع وجود نزعة اجتماعية، محافظة بصورة شديدة، حالت دون اقتباس التقنيات الحديثة. وهنا يمكن القول من أنه، يا حبذا لو أن الباحثين. حفرا في جذور هذه الظاهرة، والتي ترتكز على تأويلات، وتفسيرات دينية خاطئة. استمرت في التواجد في، الجزائر إلى ما بعد 1830. وهي من كانت سببا في فشل، بعض المقاومات الشعبة. ولولا النجدة العثمانية في القرن 16م، لكانت الجزائر والمنطقة ككل قد تغير وجهها ومصيرها إلى الأبد.

وما زاد الأمر سوء إلى جانب ما سبق، وقد أصاب الباحثان فيه كبد الحقيقة. لهو وجود دويلات يمكن، أن يقال عنها بأنها دول مدينة. لم تكن تستطيع الوقوف، في وجه القبائل المجاورة لها، والتي كان بعضها أقوى منها. مما أضعفها ماليا حيث أنها، لم تكن قادرة على جمع الضرائب، من الفلاحين في تلك الفترة. وبالتالي لم تكن قادرة، على اقتناء الأسلحة الحديثة، فكانت لقمة سائغة لأعدائها. وخاصة الإسبان الذين كثيرا، ما حققوا انتصارات سهلة في المنطقة. كما هو الحال في العديد، من المدن الساحلية الجزائرية. التي عقدت معهم معاهدات مذلة، مقابل عدم احتلالها عسكريا.

والتواجد الإسباني في المنطقة، مر بثلاث مراحل. الأولى 1497- 1516، وكان بمثابة استمرار لحرب غرناطة. حيث احتلت اسبانيا، العديد من المدن الساحلية، من وهران إلى طرابلس الغرب. والثانية من 1516 حتى 1559، وكانت مرحلة صراع مع، من يسمونهم القراصنة وخاصة قراصنة الجزائر. وبين 1559 و 1580، أصبح الصراع بين الاسبان والعثمانيين. الذين ثبتوا وجودهم في البحر المتوسط، فكان الصراع معهم عنيفا وقمعيا للغاية. وإلى غاية 1791 تاريخ استعادة وهران، أو ما يسميه الباحثان سقوط وهران. فإن الصراع العسكري قد قلت حدته بعض الشيء، لتركيز اسبانيا على أمور أخرى. مثل افتداء الأسرى وطرد الموريسكينن، بصورة نهائية من اسبانيا. خاصة وأن الأخيرة كانت مرعوبة، ومنذ سقوط غرناطة مما تسميه غزوا جديدا، للمسلمين لشبه جزيرة إيبيريا. ولذلك فقد كانت تنظر إلى الموريسكيين، على أنهم يشكلون ليس فقط، خطرا داخليا عليها، وإنما تهديدا وجوديا لها، ولهذا وجب التخلص منهم بصورة نهائية. فكان قرار الطرد الشهير، بداية من العام 1609م. خاصة وأنهم وطوال هذه الفترة، كانوا في تواصل مستمر، مع أعدائها العثمانيين في شمال افريقيا. نعم إن الموريسكيين نظرت، إليهم اسبانيا حسب ما، جاء في مقدمة هذا الكتاب. على أنهم خونة متعاونين مع أعدائهم، ومجرد طابور خامس وجب التخلص منه. أما الجزء الثاني وكما تخبرنا المقدمة، فهو مخصص لما يسمى القرصنة والقراصنة. والأسرى والمرتدون (renegados)، وللجنود والتجار ومنقذي الأسرى.

وهنا نصل إلى فهرس موضوعات الكتاب، والبداية ستكون مع الجزء الأول. والذي يحمل عنوان، التطور التاريخي والعسكري، للتدخل الاسباني في المنطقة. ويشمل الصفحات من 21، إلى غاية الصفحة 154. وتناول فيه الباحثان موضوعات مختلفة، تتمثل في القرصنة والتجارة. وأحداث جزر الكناري، ودولة البرتغال وقشتالة وحرب غرناطة. والدفاع عن السواحل والتجارة، وهجرة موريسكيي غرناطة. وبعد ما سبق يأتي الحديث عن احتلال، المجال الجغرافي لمنطقة المغرب العربي، والبداية مع كل من سبتة والقصر الكبير.

بعد هذا يتناول الكتاب، المرحلة الأولى، من التدخل في إفريقيا 1497 – 1516. والبداية تكون مع دراسة، الأوضاع الداخلية لبلاد المغرب العربي. ثم التطرق إلى المرحلة الثانية، من هذا التدخل 1516 – 1559. ثم يأتي الحديث عن ظهور العثمانيين، وإيالة الجزائر وعن تونس. ومسألة الحدود في الحوض، الشرقي للبحر المتوسط. ثم الحديث عن حملة، شارلكان على الجزائر 1541، ثم التطرق إلى مسألة الفرنسيين والعثمانيين. ثم يأتي الحديث عن احتلال بجاية ووهران، ومنهما إلى ما أطلقا عليه المرحلة الثالثة. من التدخل في إفريقيا 1559 1580، ثم تأتي مرحلة الحديث عن، حصار مالطا ومعركة ليبانتو. ثم تم التطرق إلى انعكاس ما حدث، في المصادر الأدبية لتلك المرحلة.

بعد هذا تطرق الباحثان، إلى ما أطلقا عليه مرحلة الركود والانسحاب. أو ما عبرا عنه بمصطلح التخلي، وهذا حتى الجلاء النهائي عن مدينة وهران. ثم جاء الحديث عن سياسة، الدفاع والاحتواء للملكية الاسبانية في المتوسط. وينهي الباحثان الجزء الأول من هذا الكتاب، بالحديث عن سياسة آل البربون في الجزائر، ومكافحة القرصنة في البحر المتوسط. 

أما الجزء الثاني الذي شملته، الصفحات 163 و 288. فأهم ما جاء فيه بخصوص الجزائر. نجد الحديث عن، الحدود مع الإسلام، والحياة في غرب البحر المتوسط. والبداية كانت التطرق لما يسمى القراصنة والقرصنة، وعن الأشكال الجديدة للحرب بين المسيحية والإسلام. ثم تطرقا للحديث عن الفرق، بين الحروب البحرية (el corso) والقرصنة (el pirata) في البحر المتوسط، في العصر الحديث. وعن تحول أسلوب الحياة، في المنطقة المتوسطية، نتيجة ازدهار نشاط القرصنة.

ثم جاء الحديث عما أطلقا عليه، احتلال مدينة الجزائر Argel. من قبل الإخوة بربروسا، وميلاد القرصنة المنظمة في البحر المتوسط. وبعد هذا يأتي الحديث، عن تطور الأشكال السياسية، لما أطلقا عليه مدن القرصنة. ثم يعود الحديث من جديد، عن القرصنة البربرية في المتوسط، خلال القرن السادس عشر. وبعد هذا يكون الحديث عن، تدهورها وتراجعها (القرصنة)، ونهايتها في البحر المتوسط. ثم يعود الباحثان لمعالجة، مسألة الأسرى والمرتدين أو المهتدين (renegados)، حسب توصيف كل ضفة. ومعالجة مسألة ازدهار القرصنة المتوسطية، من جديد وارتفاع عدد الأسرى. ليصلا إلى الحديث عن مهام الأسرى، وخاصة في الغاليوطات Galeras) ،galleys). كما ناقشا دور المرتدين، كوسطاء بين المسيحية والإسلام. ثم جاء الحديث عن إعادة دمج، الأسرى والمرتدين داخل بلدانهم الأصلية. ليأتي دور الحديث عن الجنود والتجار، ومنقذي وفكاكي الأسرى. ومن ثمة الحديث عن دور الجنود الاسبان، في احتلال المجال (الفضاء) الجغرافي لمنطقة شمال إفريقيا. كما تتطرق الباحثان لحياة الجنود، داخل التحصينات وأساليب قتالهم. كما درسا أساليب التجار، في كيفية افتداء الأسرى. وينهيا بحثهما بالحديث عن، نظام الرهبان الإسبان، ممن يقومون بافتداء الأسرى.Las órdenes redentoras españolas في شمال إفريقيا. والنهاية وكما هو الحال في كل بحث، كانت مع الملاحق والبيبليوغرافيا. وكذلك فهارس خاصة، بالتسلسل الزمني للأحداث والمراجع، وأخرى خاصة بالأسماء والأماكن.

ثمة أمر شبه مغيب في هذا الكتاب، والمقصود به الخرائط. التي من المفروض أن تكون، حاضرة في مثل هذه المؤلفات، لأنها أكثر من ضرورية. هذا باستثناء وجود خريطتين، في آخر الكتاب ص ص 287 و 288. وقد جاءتا بدون مفتاح أو عنوان، ولكن من خلال المحتوى. يتبين بأن المضمون يتحدث، عن التوسعات البرتغالية والاسبانية. في منطقة شمال افريقيا، أي على طول السواحل الأطلسية والمتوسطية.

أما فيما يخص المصادر والمراجع ، فما يمكن قوله هو أنها، مصادر ومراجع غربية وتركية، ولا يوجد بينها ما هو عربي. علما بأن المصادر العربية، المتحدثة عن أحداث تلك الفترة متوفرة. صحيح أن فيها ما يقال، ولكنها موجودة. ولا يمكن تخمين أسباب استبعادها وعدم توظيفها، ولكن ربما يعود السبب، إلى عدم اتقان اللغة العربية. وحتى لو جدلا كان هذا الأمر صحيحا، فقد كان بإمكانهما، الاعتماد على من يتقنها وتحل المشكلة. وهذا الأمر لن يطعن أبدا، في المصداقية العلمية للكتاب. ومع كل هذا فقد كان من المفيد أكثر، لقارئ الكتاب العادي أو للباحثين المتخصصين. وضع فهرسة للمصادر والمراجع. على منوال ما هو موجود، في الدراسات الأكاديمية المتخصصة.

بغية تسهيل عملية الرجوع إليها، والاستفادة منها عند الحاجة. وخاصة من قبل الباحثين المبتدئين، والمهتمين بتاريخ الجزائر الحديث، وتاريخ بلاد المغرب العربي بصورة عامة. ومع هذا فالباحثان قد اعتمدا على مصادر، أولية اسبانية وبرتغالية وعثمانية. هذا إضافة إلى جملة من المراجع، التي كتبت في فترات متأخرة أو معاصرة عن تاريخ المنطقة. ومنها منها على سبيل المثال لا الحصر، والذي له علاقة مباشرة بتاريخ الجزائر. نجد ما هو مكتوب باللغة الاسبانية، وهو الغالب فيما أعتمد عليه من مصادر ومراجع. مثل كتاب ومنيغيث أورتيث، تاريخ الموريسكيين حياة وتراجيديا أقلية، وهو مترجم إلى الغة العربية. وكتاب غارسيا فيغوراس، الوجود الاسباني في الساحل البربري الأوسط والشرقي. وكتاب روبرت بروتفيك، بلاد البربر الشرقية تحت الحكم الحفصي، من البدايات إلى نهاية القرن الخامس عشر. وكتاب كاردياك الموريسكيون والمسيحون، المجابهة الجدلية، وهذا الكتاب هو الآخر مترجم إلى اللغة العربية. من قبل الباحث التونسي عبد الجليل التميمي، المختص في الدراسات الأندلسية. واعتمدا كذلك على كتاب البحر المتوسطي، بحر القراصنة والمرتدون والأسرى. وكتاب هايدو طوبوغرافيا وتاريخ الجزائر العام، وهذا الكتاب مترجم هو الآخر للغة العربية. وكتاب العلاقات الدبلوماسية والتجارية ،الإسبانية الجزائرية في أواخر الجزائر العثمانية. وكذلك كتاب فرسان مالطا والعمليات البحرية، الإسبانية ضد الأتراك والبربر، خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. وكتاب تقنيات وتكتيكات القرصنة البربرية.

كما اعتمدا على جملة من المراجع، باللغة الإنجليزية، نذكر منها على سبيل المثال. كتاب دوفورك علاقات شبه الجزيرة الإيبيرية، وشمال إفريقيا في القرن الرابع عشر. وكتاب إيلين فرايدمان الأسرى الإسبان، في شمال إفريقيا في بدايات العصر الحديث. وكتاب أسطورة البربر الحرب، والتجارة والقرصنة في شمال أفريقيا

أما المراجع المكتوبة باللغة الفرنسية، فنذكر منها كتاب شارل أندريه جوليان تاريخ افريقيا الشمالية. وكتاب روبرت بروتفيك بلاد البربر الشرقية تحت الحكم الحفصي، من البدايات إلى نهاية القرن الخامس عشر. وكتاب البحر المتوسط والعالم، المتوسطي خلال فترة فيليب الثاني. كما اعتمد الباحثان على كتاب الباحث الجزائري مولاي بلحميسي، تاريخ البحرية الجزائرية 1516 – 1830. هذا إضافة إلى جملة من المقالات، كمقال المرتدون وبحرية إيالة الجزائر، في مجلة الغرب الإسلامي والبحر المتوسط 1985. ومقال وصول العثمانيون إلى الجزائر، وميلاد السلالة السعدية المجلة الافريقية للعام 1928.

إن الباحثين يُرجعان التواجد الاسباني، في منطقة شمال افريقيا. إلى تواريخ مبكرة، تعود إلى فترة السيد المحارب، وإلى معركة حصن العقاب المدمرة، للوجود الإسلامي في الأندلس. فمنذ تلك الأثناء كان لإسبانيا، قشتالة على وجه الخصوص أطماع بالمنطقة. حيث لم تكن تنظر إلى البحر المتوسط، كحاجز أو عائق طبيعي. واستمر هذا التواجد، في القرن 13 م ( أنظر الصفحة 22 من الكتاب)، وإلى غاية القرن 15 م. ولتكون ذروة الهجمة الإسبانية، على المنطقة في بدايات القرن 16 م.  

إن الباحثين قد فرقا في الصفحة 24، بين الحروب البحرية وبين القرصنة. -وهذا ما سوف يتناولانه، بالتفصيل في الجزء الثاني من الكتاب-. وهذا ما تخبرنا به هذه العبارة،.(una diferencia importante entre corsarios y piratas) إن مصطلح (corso) عادة ما يشير، في اللغات الأوروبية إلى الحروب البحرية. ضد سواحل الأعداء أو ضد سفنهم وخاصة التجارية، وفق قوانين الحرب المعمول بها والمتعارف عليها. وعادة ما تتم بواسطة، السفن التي تستأجرها الدول، أو تعطى لأصحابها تصريحا لممارستها، بهدف مطاردة وملاحقة سفن القراصنة والأعداء. أما القرصنة (piratería) فعادة ما تعرف، بأنها ذلك النشاط الإجرامي. الذي يقوم به المجرمون في البحر وعلى السفن والسواحل، بغية النهب والسيطرة غير المشروعة، عليها وعلى ثرواتها.

ولكن المشكلة أن هناك دوما تحيز، فالحروف البحرية من نصيب الضفة الشمالية للمتوسط. والقرصنة بمعنى لصوصية البحر، نجدها دوما مرتبطة بضفته الجنوبية. وهذا التحيز الجائر هو ما يجب، الرد عليه من قبل الدراسات التاريخية الرصينة. نعم إن ما يمارسونه حسب سرديتهم، لهي حروب بحرية مشروعة، لحماية سواحلهم وتجارتهم البحرية. وعكس هذه الغايات النبيلة ما تقوم، به الضفة الجنوبية. فأعمالها أعمال لصوص، وسُلاب وقطاع الطرق البحرية. واستمرت هذه النظرة السلبية، إلى غاية نابليون بونابرت. ثم عززتها الأطروحات، الاستعمارية الفرنسية على وجه الخصوص، عند تناولها لكل ما يتعلق بالجزائر العثمانية.

علما بأن احتلال إسبانيا لشمال افريقيا، لهو جزء من المشروع التوسعي. لمملكة إسبانيا الموحدة، وحتى قبل الوحدة فقد كانت، تطمع في تقسيم المنطقة مع مملكة أرغون. ثم جاءت معاهدة توردي سيلاس 1494، لتحدد مناطق نفوذ كل من التاج الاسباني والبرتغالي في المنطقة. وهذا المشروع الاستعماري التوسعي، اعتبرته إسبانيا استمرارا لما تطلق عليه حروب الاسترداد.

ولهذا فإن توطئة الكتاب كانت موفقة، ذلك أن الغزو الاسباني، لمنطقة شمال افريقيا. ما هو إلا امتداد لحرب سقوط غرناطة، وهذا ما يظهر بصورة جلية في وصية الملكة إيزابيلا في العام 1504. كما أنه امتداد للحروب الصليبية، لذلك يُطلق على الكاردينال خمينيث. سفاح مدينة وهران وجزارها بعد سقوطها، آخر الصليبيين الكبار. كما أن اسبانيا كانت متلهفة، لاحتلال منطقة المغرب العربي، لأغراض تجارية لا تقل أهمية، عن الأغراض العسكرية. كما أنها كانت مسكونة، بهاجس تنصير المنطقة، منذ 1492. وهذه هي الأهداف التي كانت، ترسم سياساتها بين جنباتها. ولذلك فقد بدأت باحتلال المرسى الكبير، ثم جاء الدور على بقية المدن الساحلية الأخرى. وكل هذا لتحقيق هدفين، الأول يتمثل في حماية السواحل الإسبانية، والثاني حماية الطرق المؤدية، إلى جزر الهند الغربية، وفق ما جاء في الكتاب. وهنا كان من المفروض على الباحثين، أن يتطرقا إلى الأهداف الأخرى. التي جاءت في الوصية المذكورة أعلاه، وهي ما كانت أهداف اسبانيا لوحدها. بل أهداف كل العالم المسيحي، في تلك الحقبة التاريخية، وفي مقدمته الكرسي الرسولي بروما.

هذا إلى جانب أن الأوروبيين، كانوا دوما ينظرون إلى منطقة المغرب العربي. على أنها مجرد غنيمة حرب، يفتكها الغازي اللاحق المنتصر، من المتغلب السابق المنهزم. وهذا هو المنطق الذي عاملت، به اسبانيا السواحل الجزائرية بعد سقوط غرناطة. فهي حسبها وهي المنتصرة، بقوة الحديد والنار. منطقة ما بها إلا الفراغ، ولذلك فقدرها أن تُحكم، من قبل قوى خارجية. فما هي إلا أطرافا، وتاريخيا هذا هو مصير الأطراف. ونفس هذه الحجة استند، إليها الاستعمار الفرنسي فيما بعد. إن اسبانيا بعد 1492، نظرت إلى العالم ككل والجزائر جزء منه. بنفس المنطق الذي، حكم نظرتها إلى القارة الأمريكية وسكانها. الكل في نظرها كانوا قاصرين، ويحتاجون إلى وصي يعيد، تشكيل هويتهم والمنطقة بالقوة. عبر عملية التفكيك ثم الصهر مجددا، في البوتقة الاسبانية، وهذا هو منطق كل الغزاة. للجزائر بداية من الرومان والوندال، البيزنطيين والاسبان والفرنسيين. والأمر الغريب أن الإسبان ومن بعدهم الفرنسيين، ينفون أصالة الأمة الجزائرية. ويتاسون عن عمد أو جهل أو تحيز، بأن هويتهم الوطنية التي يتفاخرون بها. ما هي إلا هوية تشكلت، نتيجة انصهار عدة هويات دخيلة وأجنبية غازية، وهذا الأمر تشترك فيه كل الدول الأوروبية. ولا نعلم بأي منطق يؤكدون، على أصالة شعوبهم ودولهم، ويحجبونها عن الجزائر؟.

هذه السردية لا تظهر، بصورة مباشرة في هذا الكتاب. ولكن المصطلحات المستخدمة، تصب فيها بصورة لا لبس فيها. حتى لو كان الباحثان بريئين منها، ولكن القارئ البسيط المبرمج عليها. لا خيار له سوى، فهم ما ورد في الكتاب في سياقها. فهما يطلقان على المقاومين الجزائريين، للغزو الاسباني قراصنة الجزائر (العاصمة لا الدولة)، وهي الترجمة الحرفية لعبارةlos corsarios de Argel . نقطة أخرى قد تلتبس، على القارئ غير المختص في التاريخ. ألا وهي القول بأن ازدهار مدينة الجزائر، قد جلب لها قطاعات واسعة، من فقراء جزر البحر المتوسط بحثا عن الثروة. لا أحد ينكر دور العامل الاقتصادي، في جلب المهتدين (renegados) إليها. ولكن هذا العامل لوحده، لا يمكن أبدا أن يفسر هذه الظاهرة. ذلك أن ما تعد به أراضي، القارة الأمريكية المكتشفة حديثا، لا يقارن بما تعد به مدينة الجزائر. ويا حبذا لو أن الباحثين، قد أشار ولو بجملة واحدة، إلى العوامل الأخرى، حتى يكون الطرح أكثر اتزانا وموضوعية. ثم إن تعبير.la sociedad corsaria de Argel يحسب لصالح الباحثين، إن هما قصدا به المعنى والمحمول الإيجابي للعبارة. على عكس لو أنها استخدما مصطلح قراصنة (piratas). المشبع بكل ما هو سلبي في حق، الجزائر والجزائريين قبل 1830.

كما جاء في الكتاب بأن التركية العثمانية، كانت اللغة الرسمية للجزائر في تلك الفترة. وهذا الكلام يحتاج إلى وقفة، ذلك أن الأرشيف الجزائري العثماني مكتوب باللغة العربية، إلى جانب التركية العثمانية. على عكس ما كان معمولا به، في بعض الدول العربية الأخرى، التي خضعت للحكم العثماني. ولذلك فهذه النقطة تحتاج إلى دراسة، حتى يتم الفصل فيها. لا أحد ينكر تواجد اللغة التركية العثمانية، ولكن كذلك لا يجب انكار تواجد اللغات الأخرى، كلغة الفرانكا التي استخدمت بصورة واسعة. ليس في الجزائر فقط، وإنما في كل المنطقة المتوسطية.

وإلى جانب ما سبق، مما تناوله الباحثان. هو حديثهما عن حملة شارلكان، على الجزائر في العام 1541م. فقد قررا بأن أحد أسباب، اختياره شهر أكتوبر لحملته على الجزائر. يتمثل في سعيه لتفادى ردة فعل العثمانيين، في حال سقوط المدينة بأيديهم، لأن الفصل سيكون حتما فصل الشتاء. ولكن هذا الأمر قد يكون، سوء تقدير منه. ذلك أن البحارة العثمانيين، والجزائريين في باقي المدن الساحلية الجزائرية الأخرى. سيسعون لاسترداد المدينة، مهما كانت الظروف. ذلك أن أعمالهم الحربية كانت تخضع، للإستراتيجيات المتبعة، بعيدا عن الارتباط بفصل محدد، وبالتالي فهذا الأمر فيه ما يقال. ولا نعلم كيف خفيت هذه الأمور، على شارلكان وعلى من معه. من بحارة الصف الأول، وعلى رأسهم قائد أساطيله، الجنوي أندريا دوريا. العارف والخبير بأدق، تفاصيل البحرية العثمانية.

والأمر المؤكد لو أن مدينة الجزائر، سقطت بيد شارلكان، في خريف 1541 م. فردة الفعل العثمانية ستكون، حتما في نفس الفصل. بغض النظر عما يمكن أن يحدث، لأن بقاءها بيد الإسبان. يعني نهاية الوجود العثماني، في الحوض الغربي للبحر المتوسط بصورة مؤكدة. ولكن فشله (شارلكان) في السيطرة عليها، كانت نتائجه مدمرة للنفوذ، الإسباني في السواحل الشمال افريقية.

إن نجاح الإسبان في غزو، معظم سواحل شمال افريقيا. لم يكن نابعا من قوة اسبانيا فقط، وإنما لعب من وقفوا إلى صفها. من سكان المنطقة، دورا حاسما في تحقيق ذلك النصر. وهنا نصل إلى القول بأنه، ما كان يجب على السلاطين السعديين. أن يضعوا أيديهم في أيادي، الإيبيريين والإسبان منهم على وجه الخصوص. وخاصة خلال ثورات الموريسكيين، فهذه التحالفات المرفوضة، كانت من أهم أسباب فشل تلك الثورات. كما أن التفاهمات المغربية الإسبانية، كانت لعنة على منطقة شمال افريقيا. وضيعت فرصا ثمينة على العالم الإسلامي، فقد كان بإمكانه أن يلتحق، بركب الكشوف الجغرافية. وبالتالي فقد كان من الممكن، أن لا نشهد هيمنة الغرب على العالم. كل تلك المدة الطويلة، والتي كثيرا ما كانت لعنة على العالم. وخاصة عمليات النقل القسري، للسود إلى العالم الجديد، ثم ما تلاها من مآسي خلال الحقبة الاستعمارية.  

كما جاء في الجزء الأول، من هذا الكتاب من أنه. وعلى الرغم من أن منطقة، شمال افريقيا أصبحت. في هذا القرن (18 م)، وفي القرن الذي سبقه. مسألة ثانوية بالنسبة لإسبانيا، ومع هذا فهي لا تزال تقيم التحصينات، حول مدينة وهران والمرسى الكبير. للبقاء فيهما بصورة دائمة، لأنها ترى في وهران نقطة جد مهمة. لمراقبة القراصنة corsarios، في الجزائر والبحر المتوسط.

كما أن الكتاب يقر بأن اسبانيا، وعلى الرغم من كل الأموال التي صرفتها. والجهود التي بذلتها، والقوات التي حركتها. إلا أنها فشلت فشلا ذريعا في الجزائر، ولم تحصد سوى الخيبة وضرب مصداقية جيشها في مقتل. وفي مقابل هذا فقد ترسخت، لدى الأوروبيين صورة مدينة الجزائر. التي لا يمكن أبدا هزمها انطلاقا من البحر. وما زاد من متاعب اسبانيا مع الجزائر، في حوض البحر المتوسط. والاقتباس دوما من الكتاب موضوع هذه الوقفة، لهو لاستقلالها الكبير عن الباب العالي. حيث أنها لم تكن ملزمة، بالاتفاقيات المبرمة بينه وبين إسبانيا. وبالتالي فتجارة الأخيرة، لم تكن أبدا سهلة وسلسة. كما هو الحال مع بلاد الشام، على سبيل المثال. إلى غاية 1771 والتي تمتعت بموجبها، ببعض الامتيازات التجارية.

كما أن الباحثين تناولا رغبة آل البربون، في القرن الثامن عشر، وسعيهم لتحقيق السلام مع الجزائر. شأنهم في ذلك شأن، عدة دول أوروبية، كالسويد وهولندا والو م أ. وأسباب هذا السعي وأهدافه معروفة، ولكن الأمر الذي يستوقف القارئ. هو أن الكتاب يشير، إلى أن ما كانت تدفعه تلك الدول، إلى دايات الجزائر. يُعتبر شيئا قليلا، وهذا ما يتناقض مع ما، جاء في دراسات أخرى. فعلى سبيل المثال، فقد جاء في بعضها. بأن الو م أ كانت تدفع إلى الجزائر، ربع ما في خزينتها سنويا. وإن هذا الكلام غير دقيق، ولكن ألأمر المؤكد أنها كانت تدفع لها مبالغ مالية ضخمة.

كما أن موضوع الأسرى في الجزائر، خلال العهد العثماني. قد أخذ حيزا في الكتاب، وهو موضوع لا يمكن أبدا الإحاطة به، في مبحث أو مبحثين من أي مصنف. وما يهمنا هو ذلك التشنيع، على الدولة الجزائرية وعلى بحريتها، خلال العهد العثماني. إنه تشنيع بواسطته، قد تم تهويل وتضخيم، ما يسمى مآسي الأسرى في الجزائر. وكأن الأسرى الجزائريين في إسبانيا، ومختلف الدول ألأوروبية الأخرى كانوا في نعيم. الجزائر لم تكن بدعا في هذا الأمر، ولا هي من اختلقته. فالإسبان أباحوا لأنفسهم حق استرقاق، كل أعدائهم المنهزمين في الحرب. مقتبسين هذا الأمر من القانون الروماني، الذي اتخذوه مرجعية لهم في هذا الشأن. وبالتالي فهذه النقطة من المفروض، دراستها ككل ما حدث بتلك الأيام. مع عدم التشنيع على الجزائريين، وكأنهم هم من ابتدعوا، مسألة استرقاق أسرى الحرب. فهذا الأمر سنه من قبلهم، فمن عهد الإمبراطورية الرومانية، وما قبلها وهو معمول به. فلما الكيل بمكيالين بخصوص هذا الأمر، إنه تحيز يجرد أية دراسة من أية صفة للموضوعية. كما أنه لا داعي للنفخ المغرض في القضية، وكأن الجزائريين ارتكبوا خطيئة، لن يتطهروا منها مهما فعلوا. وأنه يجب عليهم أن يحملوها، ونسلهم من بعدهم كصخرة، سيزيف إلى الأبد فوق ظهورهم. إن اسبانيا وكل الدول الأوروبية الأخرى، طبقت هذا الأمر وبشكل واسع. بغية الحصول على اليد العاملة الرخيصة، والمجدفين في السفن، وتكديس الثروات وانعاش الخزائن. وبالتالي يجب دراسة الأمر، ككل الأحداث التاريخية، التي عرفتها المنطقة المتوسطية. بعيدا عن شيطنة لطرف، دون بقية الأطراف الأخرى. أو التشنيع على جزائر، ما قبل 1830 دون سواها.

وبالعودة إلى موضوع (el corso y la piratería)، فإن الباحثين يقران بصعوبة التفريق بينهما. لأن كل من الممارستين كانت، محمية من قبل السلطات الرسمية، بل أكثر من هذا فقد منحتهما حصانة شبه تامة. ونفس الأمر تمتعا به، في الموانئ التي كانت ترسو فيها سفنهما. لا لشيء سوى لأن كل، من تلك الحكومات والموانئ. كانت مستفيدة منهما بشكل مباشر، فكل طرف كان ينظر إلى القائمين عليهما. من زاوية المنفعة المحققة، والأخطار التي يدرآنها. هذا ما كان يحدد الموقف منهم، وما يعتبره عملا حربيا مشروعا يأتونه. كيف لا وهم في كلا الضفتين، يحاربون الكفار حسب التوصيف المتعارف عليه، من قبل هذا الطرف أو ذاك. نعم إن المدن قد كانت مستفيدة، من هذا النشاط. وبالتالي فالجانب الأخلاقي، يتوارى حلف المكاسب، والمصالح الاقتصادية. خاصة إذا ما ارتكز أحد النشاطين، el corso o la piratería، على التعصب الديني.

وللتفريق بينهما لا بد أولا من تحديد، من كان يسعى من الأطراف المتحاربة. لتحقيق أهداف استعمارية توسعية، مبينة على الاستغلال والاستعباد. إن الدراسات النزيهة تخبر، بأن الدولة العثمانية. لم تكن تهدف لغزو، أوروبا الغربية على وجه الخصوص. وإنما اسبانيا والبرتغال، هما من كانتا تنطلقان. من عقيدة استعمارية توسعية، لا تقبل بوجود الآخر. ولذلك فهي تسعى لمحوه وإبادته، كما فعلت مع مسلمي الأندلس. وكل هذا لتحقيق هدفين، تنصير العالم والسيطرة على ذهبه. وعليه فما فعله الجزائريون، في تلك الحقبة كان رد فعل طبيعي مشروع. لإيقاف الزحف الاسباني على بلادهم، خاصة وأن ما فعلوه بغرناطة وشعبها يقف ماثلا بين أعينهم. فلا يمكن أبدا أن يطالبهم أحد، بوضع أسلحتهم وتسليم رقابهم لمن جاؤوا لذبحهم ونحرهم. واستعبادهم واسترقاقهم، ونهب ممتلكاتهم وتهديم، بيوتهم ومقدساتهم وهتك أعراضهم.

ومن جهة أخرى فما كان للمشروع الاستعماري الاسباني، التوسعي الإحلالي أن يتركهم وشأنهم. إلا إذا ما هم قبلوا، بتبديل لون جلودهم قبل لغلتهم ودينهم. ولئن كان الطرف الجزائري، قد نقل الحرب. في عدة مناسبات إلى أرض الغازي والمعتدي، فهذا حقه المشروع الذي لا يمكن المزايدة عليه. فهو ما نقله إلا ليلجم عدوانه، ويحيده ويوقفه. هذا إضافة إلى أن نقل الحرب إلى الساحل الاسباني، قد كان استجابة لاستغاثة، المستضعفين من الموريسكيين. الذين قذفت به محاكم التفتيش، والتاج الاسباني في أتون محرقة، لا نهاية لها إلا بعد تحقيق إبادة كاملة لهم. كما لا يجب أن ننسى، بأن نقل الحرب إلى أرض العدو. لم يكن من اختراع، الجزائريين في القرنين 16 و17 م. بل سبقتهم في هذا الأمر عدة أمم، ولعل أبرز مثال ما حدث، أثناء الحروب البونقية بين روما وقرطاج. فكل واحده منهما نقلت الحرب، إلى أرض الطرف الآخر المعادي لها. وعليه لا يمكن أبدا اعتبار، هجمات الجزائريين على السواحل الاسبانية. خلال القرنين 16 و 17 م، قرصنة ولصوصية بحر. وتقزيمها بهذا الشكل المرفوض، من قبل كل الوثائق والدراسات التاريخية النزيهة والمحايدة. وإنما هي ما كانت إلا أعمالا حربية مشروعة، احترم فيها الطرف الجزائري. قوانين الحرب والقانون الدولي، المعمول به في تلك الأيام. إن المقاومة الوطنية، وطوال كل التاريخ البشري. كانت أمرا مشروعا، يتعالى عن النقاش والمزايدات. وهذا ما شهدته فرنسا خلال، الحرب الفرنسية الإسبانية في القرن 17 م. ثم ما شهدته اسبانيا نفسها، بعد الغزو النابليوني لأراضيها. ولذلك فهو أمر غير مفهوم، لماذا المقاومة الوطنية. حق طبيعي مشروع في الضفة الشمالية، ولكنه محجوب ومدان ومجرم، عندما يتعلق الأمر بالضفة الجنوبية للمتوسط. أو عندما يتعلق الأمر، بشعب وأمة دون سواهما.

وللتعرف أكثر على الموضوع، أنظر الجزء الخاص بالفرق بين el corso y la piratería en el Mediterráneo en la Edad Moderna ص ص 168 – 177 من الكتاب. وإن كان الأمر يبقى ملتبسا، فالباحثان لا يطلقان على، أعمال البحرية الجزائرية. توصيف PIRATERÍA ذلك أن الإسبان، درجوا على استخدام هذا اللفظ. عند حديثهم على الاعتداءات التي، تأتيهم من قبل رعايا الدول الشمالية، ممن يهاجمون المصالح الإسبانية والبرتغالية، القريبة من السواحل الأمريكية، أنظر ص 168 من الكتاب.  

وهذه النقطة ستكون حتما، موضوع الوقفة مع الجزء الثاني من هذا الكتاب. بغية محاولة السعي والعمل، للوقوف على حقيقة الأمر، وللفصل في هذا الموضوع (CORSO Y PIRATERÍA) وفيما جاء في الجزء الثاني من الكتاب، من مواضيع مهمة تخص تاريخ الجزائر الحديث.

 هذا مع ضرورة العودة إلى المصادر، والمراجع التاريخية الاسبانية. الخاصة بتلك الحقبة التاريخية، حتى تتجلى المواقف بوضوح، والسياق الذي تستخدم فيه المصطلحات. علما بأن الباحثان قد تطرقا، وكما مر أعلاه، في هذا الجزء إلى عدة مواضيع مهمة. وعلى رأسها مبحث أخذ عنوان، الفرق بين (CORSO Y PIRATERÍA)، في البحر المتوسط في العصر الحديث. وإلى التحولات التي عرفتها الحياة، في البحر الأبيض المتوسط، ​​من خلال تطور القرصنة. ليصلا الباحثان لما أسماه، غزو الإخوة بربروسا للجزائر. وتدهور قرصنة بلدان المغرب العربي، واختفائها من البحر المتوسط. وغير هذا مما ورد فيه، وكلها مواضيع تستحق الدراسة.

وكل ما سبق من نقاط تثير الكثير من الحبر، وفيها الكثير من الألغام التاريخية، التي يتوجب على الباحثين تفكيكها. لكشف الزيوف والمغالطات، التي طالت التاريخ الوطني الجزائري، خلال الحقبة العثمانية. ومعظمها من مخلفات ما كتبته، المدرسة التاريخية الفرنسية بعد 1830. لتبرير ما لا يبرر، ألا وهو ذلك الغزو الهمجي للجزائر.

كما قررا الباحثان بأن تلك الأحداث، التي عرفتها منطقة شمال افريقيا. قد كان لها صدى واسعا، في مؤلفات تلك الحقبة. ولكنها وحسبهما تبقى، مؤلفات تسعى لتبرير ما حدث. ولإيجاد الحجج الداعمة، لها ولأصحابها، وهذه حقائق لا يمكن انكارها. وهذا بعيدا عن مدى، شرعية تلك الأحداث وأخلاقيتها. خاصة وأنها أحداث قد غيرت، مجرى تاريخ المنطقة المتوسطية، والجزائر جزء منها إلى الأبد. فكان لا بد من أن يكون لها، صدى واسعا في مصنفات، أدباء ومثقفي تلك المرحلة التاريخية. سواء في الضفة الشمالية، للمتوسط أو الجنوبية. أما باقي ما جاء في، الجزء الأول من الكتاب. فهو استعراض للمعلومات، التي يجدها القارئ الكريم. في المراجع التاريخية، المتحدثة عن تاريخ الجزائر. خلال تلك الحقبة، سواء كانت مراجعا عربية أو أجنبية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق