العلاقات الخارجية للدولة الرستمية (144-296 هجري، 761-909 ميلادي)

الدولة الرستمية  (160-290 هجري، 761-909 ميلادي)
الدولة الرستمية  (160-290 هجري، 761-909 ميلادي)

 

من جذور الجزائر التاريخية


العلاقات الخارجية للدولة الرستمية  (144-296 هجري، 761-909 ميلادي)


مع الدولة العباسية:

حكم العلاقة بين العباسيين والرستميين عاملان اثنان هما: العداء السياسي والخلاف المذهبي، وقد تمثل هذا العداء في محاولة الخلافة العباسية القضاء على الدولة الرستمية في مهدها عن طريق ولاة بني العباس في مصر (محمد بن الأشعث أو في افريقية المهالبة أو الأغالبة) اللذان سالما وهادنا الرستميين فيما بعد، ومنذ ذلك الحين لم يحاول ولاة إفريقية بعد ابن الأشعث مهاجمة هذه الدولة الناشئة التى قويت، ما جعل روح بن حاتم يعقد هدنة مع عبد الرحمن بن رستم سنة (171 ه أو 787م) ، كما عقد هدنة مماثلة مع إبنه عبد الوهاب، واعتبرت هذه المهادنة والموادعة شكلا من أشكال الاعتراف الضمني العباسي بالوجود الرستمي في المغرب الأوسط.

لكن يجب الإشارة إلى أن الدولة العباسية كانت تنتظر الفرصة للقضاء على الرستميين خاصة أنها كانت تأوي المتمردين الرستميين في بغداد، لكن ورغم وجود عداء سياسي  ومذهبي بين الدولتين إلا أن هذا لم يمنع من وجود علاقات تجارية وثقافية بينهما، لعبت فيها مصر دور الوسيط ولعب فيها الحجاج الدور الرئيسي.

علاقة الرستميين مع مصر:

مرت علاقة الرستميين بمصر على مرحلتين، الأولى سلمية لتواجد جالية إباضية بمصر إلى جانب دور التجارة والتجار في ربط أواصر الأخوة بين الإقليمين، فقد كانت قبائل هوارة ونفوسة وقبائل طرابلس تتولى هذه المهمة فكانت تجوب صحراء سرت ذاهبة آيبة بين المدن الرستمية في المغربين الأدنى والأوسط وبين مصر.  كما جمعت بين الإقليمين علاقات ثقافية بين علماء مصر وإخوانهم الرستميين خاصة عن طريق الحج، وكان إباضية المغرب يبعثون إلى إخوانهم يستفتونهم في النوازل.  أما الثانية فعرفت شيئا من التوتر خاصة في عهد الطولونيين بداية من سنة 256هـ/878م.

علاقات الرستميين بالأمويين في الأندلس:

قامت علاقات من المودة والصداقة بينهما، فقد كانت السفن تترد بين مرسى وهران والمرية حاملة المتاجر والعلماء والمسافرين وقد جمعت عدة عوامل بين أمراء بني أمية في قرطبة وأئمة الرستميين في تاهرت حيث أن خطرا واحدا كان يهددهم وهو الدولة العباسية.

ويعتبر احد المؤرخين أن قيام الدولة الرستمية أطال في عمر الأمويين بالأندلس، كما أن تاهرت كانت الجسر الذي يصل دولة بني أمية في الأندلس بالمشرق لذلك وجدنا الأمراء الأمويين يهادنون الرستميين ويتوددون إليهم.

كما يذكر بعض المؤرخين أن العلاقات تواصلت بالمودة والصداقة إلى درجة أن الإمام أبا اليقظان محمد بن افلح "كان لا يقدم ولا يؤخر في أموره ومعضلاته إلا عن رأي الأمير محمد بن عبد الرحمن الأوسط 238 – 273هـ " وكذلك بالنسبة لدولة بني مدرار.

علاقات الدولة الرستمية بولاة إفريقية:

تميزت هذه العلاقة بالتوتر حينا وبالحرب حينا آخر، خاصة لما استنجدت قبيلة هوارة بالإمام عبد الوهاب سنة 196هـ ضد أبي العباس عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب، وهو ما أدى بعبد الوهاب إلى ضرب حصار على طرابلس انتهى بعقد هدنة بين الرستميين والأغالبة، تقضي بأن يحتفظ الأغالبة بمدينة طرابلس والساحل بينما ترجع الضواحي والصحراء إلى الرستميين.

وتواصل الصراع بين الدولتين خاصة لما بنى الأغالبة حاضرة بالقرب من تاهرت سموها العباسية، ولما انتهوا من بنائها سنة 227هـ قام الإمام أفلح بإحراقها ورغم ذلك لم يقم الأغالبة بأي رد فعل خوفا من الرستميين.

علاقتهم بالأدارسة:

لم تذكر المصادر ولا المراجع عن حروب بينهم وبين الأدارسة بفاس رغم اختلاف المذاهب بينهما.  والخلاف الوحيد الذي كان بين الدولتين دار حول إقليم تلمسان.

علاقة الدولة الرستمية بدولة بني واسول المدرارية بسجلماسة:

تميزت بعلاقة من المودة والتآخي وحسن الجوار وتوجت بعلاقة مصاهرة (مدرار بأروى بنت عبد الرحمن بن رستم) وكان بينهما ولد اسمه ميمون الذي كان والده يؤثره على بقية بنيه، كما لعب ميمون هذا دورا هاما في تاريخ دولة بني واسول بسجلماسة.

علاقتها بالسودان:

تميزت بعلاقة حسن الجوار وبعلاقة تجارية وهدايا بين الطرفين، وقد كان الرسول بين الطرفين هو محمد بن عرفة الذي عرف بثقافته ونبوغه ولطفه، وهذا لما كان يجده التجار السودانيون من حسن معاملة في أسواق تاهرت .


الجزائر وشمال إفريقيا تحت الحُكم الروماني

 

الجزائر وشمال إفريقيا تحت الحُكم الروماني


بداية النفوذ :

بعد إخماد ثورة النومديين التي اندلعت على اثر اغتيال الملك بطليموس والذي اتسم حكمه تجاه روما بالمسالمة والإخلاص متبعا سياسة أبيه يوبا الثاني، فكان قد ساعد الرومان في القضاء على ثورة تاكفاريناس، لكن وبالرغم من ذلك قتل بإيعاز من الإمبراطور كاليغولا (Caligula) حسدا و بغضا سنة 40م، و هذا لسبب تافه يتمثل في ارتداء بطليموس عند زيارته لروما ثيابا فاخرة تفوق ملابس الإمبراطور الروماني، ثم استولى كاليغولا على أمواله ومملكته. وبموت بطليموس انتهى نظام الحماية ودخلت نوميديا تحت الحكم المباشر الروماني فأصبحت إقليميا تابعة له.

فعملت روما على توسيع نفوذها العسكري في كل الشمال الإفريقي عن طريق مصادرة أراضيها الفلاحية الصالحة لحساب المعمرين الرومان، لكن تواصلت ثورات الأفارقة الواحدة بعد الأخرى في عهد كل من الإمبراطور كلوديوس 41-54، و فسبازيان 69-79م و دوميتيانوس وتراجانوس وهادريانوس 117-138م... وعندما وطد الاستعمار الروماني أقدامه في شمال إفريقيا شرع في رسم الحدود و تعبيد الطرق لربط المدن المحصنة فيما بينها، كما شجع سياسة الاستيطان و أنشأ مراكز عسكرية و مستعمرات فلاحية.


نظام الحكم و الإدارة:

بعد استيلاء الرومان على إفريقيا الشمالية وإخضاعها للحكم المباشر لروما، قام الأباطرة بتقسيمها إلى ثلاث ولايات وهي:

  1.  إفريقية البروقنصلية: و تضم كل من تونس و طرابلس و جانب من أرض الجزائر الشرقية.
  2.  نوميديا و هي الجزائر الحالية إلى مصب الواد الكبير قسنطينة.
  3. موريطانيا: وتشمل أراضي المغرب الأقصى حاليا إلى المحيط الأطلسي.

و في سنة 42م قسم الإمبراطور الروماني كلوديوس شمال إفريقيا إلى قسمين:
  1.  موريطانيا القيصرية: الجزائر و تونس و عاصمتها شرشال.
  2.  موريطانيا الطنجية: المغرب الأقصى و عاصمتها طنجة، ويفصل بين موريطانيا القيصرية والطنجية نهر ملوية.

و لتثبيت سيطرتهم على البلاد و قطع طموح الولاة الرومانيين في الاستقلال بولاياتهم، قسموا نوميديا إلى أربع مقاطعات .

مفهوم المقاطعة :

هي الأراضي التي استحوذت عليها روما خارج شبه جزيرة إيطاليا، في فترات متعاقبة، وكونت منها ولايات أو مقاطعات خاضعة لها، يسير شؤونها إما مجلس الشيوخ الروماني عن طريق قنصل أو الإمبراطور عن طريق مندوب، أو نواب بدرجة برايتور يختارون من بين أعضاء مجلس الشيوخ الذين سبق وأن تمتعوا بسلطة القنصلية.  وكانت هذه المقاطعات تضم الأهالي والإيطاليين من الرومان واللاتين، الذين كانوا جنودا مسرحين أو عاطلين عن العمل أو تجارا أو فرسانا، إلى جانب الجيش.

 والمقاطعات مستقلة فيما بينها وفقا للنظام اللامركزي يحكمها ولاة ذوو سلطة واسعة لا يحد من نفوذهم إلا إرادة الإمبراطور و يخضعون كلهم للسلطة المركزية المباشرة بروما، ومن مهام الولاة:

-المحافظة على الأمن واستخلاص الضرائب ومراقبة البلديات والإشراف على التعمير والقضاء، وكانت عاصمة موريطانيا القيصرية مدينة شرشال.

و قسموا هذه المقاطعات إلى نوعين مدنية يحكمها مدنيون يتمتعون بالعضوية في مجلس الشيوخ وهي التي يسود فيها الهدوء مثل قرطاج و نوميديا الشرقية، ومناطق عسكرية يشرف عليها ضباط عسكريون يعينون من طرف الإمبراطور و هي الأقاليم المناهضة للاستعمار الروماني والتي كانت أراضيها ميدانا للنشاط العسكري، وبقي نظام المقاطعات معمولا به في إفريقيا الشمالية إلى غاية نهاية العهد الإمبراطوري الأول، وعندما اعتلى العرش الروماني دقليانوس (Dioclitien) سنة 284م عدل نظام المقاطعات في إفريقيا وأنشأ الولايات ومنها:

1- ولاية موريطانيا القيصرية و عاصمتها شرشال.

2- ولاية موريطانيا الطنجية وعاصمتها طنجة.

3- ولاية موريطانيا السطيفية وعاصماتها سطيف.

4- ولاية نوميديا الشمالية وعاصمتها قسنطينة.

5- ولاية طرابلس وعاصمتها لبدة.

6- ولاية نوميديا العسكرية جنوبا و عاصمتها لمباز، و كل مقاطعة من هذه المقاطعات يشرف عليها نائب الإمبراطور يحمل لقب بروقنصل.

و قد اعتمد الولاة داخل مقاطعتهم على نظام البلديات الكبرى الذي كان نمط تسييره متنوعا ويختلف من جهة إلى أخرى حسب أصل السكان، فنجد في المرتبة الأولى المستعمرات الرومانية يسكنها المعمرون الرومان ويتمتعون بنفس الحقوق التي يمتلكها الإيطاليون في روما، تأتي من بعدها البلديات اللاتينية يديرها مجلس بلدي ينتخب لمدة سنة ويعتبر سكانها مواطنين رومانيين و لكن على خلاف المستعمرات الرومانية يطبق على سكانها العقارات، كما يخضعون لقانون وسط بين ما يجري على المواطنين الرومان وما يجري على الأجانب، وفي الأخير البلديات الأجنبية الموجودة خارج المدن يسكنها السكان الأصليون تسيرها مجالس قبلية عرفها الأمازيغ منذ القدم ومع ذلك كانت تخضع لسلطة الحاكم الروماني. وبالرغم من طول بقائهم في شمال إريقيا إلا أنه لم يستطيعوا السيطرة على كامل التراب حيث بقيت المناطق الجبلية مثل الأوراس، جرجرة، الونشريس والبابور والظهرة.. محتفظة باستقلالها مضروب عليها حراسة مشددة من طرف الجيش الروماني.

و تعاقب على حكمها الذي دام أربع قرون من سنة 42م إلى 430م عدة ملوك كان أقلهم سوءا عهد الأباطرة، أما الملوك الجمهوريين فقد اعتمدوا نظاما تمييزيا استغلاليا طيلة حكمهم، وإلى جانب الجنود الإيطاليين كان الجيش الروماني مشكلا من لفيف أجنبي مجند من بلاد الغال، وشرق اليونان وإسبانيا وكورسيكا وسردينيا ومفتوحا أيضا على السكان المحليين الأفارقة يساعدونه في حماية المستعمرات الرومانية وحفظ الأمن داخل الولايات، ولهذا الغرض اعتنى الأباطرة بتحصين المدن النوميدية حيث أحاطوها بأسوار وأبراج دفاعية ووضعوا فيها قواعد عسكرية على غرار معسكر لمباز.


الحياة الاقتصادية و الاجتماعية :


الناحية الاقتصادية:

لم يستفد الأفارقة شيأ من الاحتلال الروماني رغم أنه استغرق أربعة قرون، فكان عهدهم يتسم بالطابع العسكري والإستغلال الاقتصادي من خلال الاستيلاء على ثروات شمال إفريقيا لخدمة مصالح روما، وسياسة التمييز العنصري والتي تتجلى في الاعتقاد بتفوق و أفضلية العنصر الروماني على غيره من الشعوب، و هي نفس السياسة التي انتهجتها فرنسا قرونا من بعد في شمال إفريقيا. و لغرض التوسع و البقاء فتحت روما أبواب شمال إفريقيا على مصراعيها لرجال الأعمال و التجار الرومانيين في مختلف الميادين، فاهتم الإيطاليون بالفلاحة منذ وطئت أقدامهم أراضي إفريقيا فأصبحت أراضيها مستعمرة للاستغلال ونزعت أخصب الأراضي من أصحابها الشرعيين بالقوة وقسمتها إلى حصص متناسبة ووزعتها على المواطنين الرومان من الأرستقراطيين والموظفين الساميين والضباط و الجنود اعتبارا أن الأرض ملك للإمبراطورية الرومانية وتدخل ضمن أملاك الدولة، و بالمقابل قامت بترحيل الأهالي إلى الأراضي القاحلة والرعوية. ومن أجل الاستيلاء نهائيا على هذه الأراضي الفلاحية، قامت روما بمسحها وتنظيمها وتشجيع المواطنين الرومان للهجرة والاستيطان فيها، فأنشؤوا مستثمرات فلاحية كبيرة و شرعوا في شق الطرق وتعبيدها لتسهيل المواصلات الداخلية، ومن أهم هذه الطرقات يمكننا ذكر الطريق الرابط بين تبسة و تيمقاد، و بين تبسة وعنابة، وبين سطيف وسور الغزلان وبين قرطاج وتبسة ولمباز.

ومن أهم مزروعاتهم القمح الذي كان يحتل المرتبة الأولى و يتمتع بشهرة كبيرة، و لهذا الغرض أنشؤوا مخازن لتخزين الحبوب و المطاحن لطحنها.  واهتموا بغرس أشجار الزيتون، كما اهتموا بزراعة الكروم والأشجار المثمرة، كالرمان والتين والليمون واللوز والجوز، إضافة إلى الخضر والفواكه المتنوعة، وكانوا يربون المواشي و الخنازير والدجاج والبط والنحل والخيل والبغال والحمير... فكانت المواد التالية تصدر إلى روما : القمح والزيت والخشب والصوف.  كما اعتنى الرومان بنظام الري لخدمة الفلاحة، و أنشؤوا كذلك السدود والآبار والصهاريج، كما طوروا قنوات نقل المياه والخزنات و قنوات التوزيع لتموين الأرياف والمدن وأنشؤوا مصانع لعصر الزيتون ونسج الملابس ودبغ الجلود وصنع الأثاث وصهر الحديد، وأخضع الرومان سكان شمال إفريقيا لنظام جبائي متعدد الوجوه وهذا ما نص عليه أبيانوس: "إن الرومان أخضعوا الأرض والأشخاص لضريبة المهزومين." و بالتالي أصبح الشعب في عداد الغنائم، وكانت أموال الضرائب ترسل إلى خزينة الدولة بروما، أما المزارعين الرومان فكانوا معفيين من دفع الضريبة.

الناحية الاجتماعية: 

أما من الناحية الاجتماعية بقي سكان شمال إفريقيا محافظين على عادتهم و تقاليدهم، و كان معظمهم يشتغلون في الفلاحة لدى الملاك الكبار من العائلات الأرستقراطية الرومانية، وكانت وضعيتهم الاجتماعية سيئة. و قد أصدرت الإمبراطورية الرومانية قرارا يحق بموجبه الحصول على حق المواطنة ولكن كانت شكلية أكثر من واقعية لم يستفد منه إلا القليل من المواطنين الأفارقة من الطبقة المثقفة والأغنياء وكانت إجراءاته جد معقدة و طويلة ولا تعفي صاحبها من دفع الضريبة المستحقة للشعب الروماني. هذا وعرفت إفريقيا الشمالية طيلة الاحتلال الروماني هجرة كبيرة من الوافدين الإيطاليين الذين انتقلوا إليها بعد أن وزعت عليهم مجموعة من الأراضي الزراعية، و سبب هذه الهجرة هو سوء الحالة الفلاحية في إيطاليا.

   ولما ضم قيصر مملكة نوميديا إلى المستعمرات الرومانية عام 46ق.م، شجعت سياسته التوسعية حركة الاستيطان حيث أمر بإنشاء مستعمرات في الأقاليم المحتلة سواء في إفريقيا القديمة أو الجديدة، وكان أول مشروع جربه على الأراضي النوميدية هي إقطاعية المرتزقة أتباع ستوس (Sittus) في سيرتا التي جعلوا من أراضيها مستعمرات فلاحية هذا بالإضافة إلى الأراضي الأخرى التي وزعها على جنوده عرفانا بإخلاصهم له أثناء الحرب ضد خصمه بومبي.  وبعد مقتل قيصر زادت وتيرة الإستيطان تشجيعا من طرف الأباطرة والرأسماليين الرومان لما كانوا يجنونه من أرباح الأراضي النوميدية، إذ استحوذوا على أجودها، و إلى جانب المستثمرين الزارعين توافدت على أراضي نوميديا فئة أخرى من الإيطاليين تتمثل في التجار والمعلمين والأطباء، استقر معظمهم بالمدن كم وفد إليها المهاجرون من الأراضي الخاضعة للاحتلال الروماني كالسوريين والإسبان، هذا بالإضافة إلى العبيد الذين جلبوا من المستعمرات واستخدموا في مختلف الخدمات ذات الطابع الحضري و الريفي. 

ومن أهم المدن التي كانت موجودة في شمال أفريقيا آنذاك: سيرتا، عنابة، خنشلة وتيمقادن، جميلة، سطيف، تيبازة، شرشال،.....

وكانت المدن الكبرى محصنة بأسوار يوجد في مدخلها أبواب ضخمة وأقواس النصر، أما في الداخل فكانت تحتوي على ساحات عمومية ومتاجر وفيها يصوت المواطنون الرومانيون ويلقي الحكام خطبهم على الشعب ومقرات بلديات يجتمع فيها المجلس البلدي، ومعابد تشمل بداخلها تماثيل كبيرة، ومكتبات عمومية هي عبارة عن قاعات معدة للمطالعة وحفظ المجلدات والمخطوطات، ومسارح كثيرة نذكر منها مسرح تيمقاد وحمامات كثيرة وكبيرة الحجم معدة للاغتسال بالماء الساخن يوجد بداخلها أحواض وغرف معتدلة الحرارة وباردة وقاعات للأحاديث، وملاعب على شكل الكوليزيوم تنظم فيه مسابقات المركبات و تجرى فيه أيضا مباريات بين المتصارعين إما بين شخصين أو بين شخص و حيوان مفترس عادة ما يكون الأسد، بالإضافة إلى وجود ملاهي وأسواق عبارة عن ساحات فسيحة ومكشوفة تحاط بها الدكاكين، و منازل أنيقة و قصور فخمة، و موانئ نذكر منها: ميناء سكيكدة، القالة، جيجل، بجاية، دلس ...


المراكز التعليمية في الجزائر إبان العهد العثماني

 

المراكز التعليمية في الجزائر إبان العهد العثماني


المراكز التعليمية في الجزائر إبان العهد العثماني


1 – الكتاتيب : 

و هي المسؤولة على المستوى الابتدائي و كانت تسمى أيضا في المناطق الريفية باسم الشريعة، وفي المدن تسمى بالمسِيْد ,قد كان سبب تواجدها هو لتجنيب المساجد ضوضاء الأطفال والحفاظ على نظافته.   وتتمثل مهام هذه الكتاتيب في تحفيظ و تعليم القرآن  والحساب وعدد مريديه من 15 الى 20 طفل وتدوم مدة التدريس من 3 الى 4 سنوات كما يمكن بقاء التلاميذ لأكثر من ذلك لمن أراد حفظ كل القرآن و الانتقال الى المستوى الثانوي.

2 – المساجد :

 و تعتبر من أقدم المؤسسات في الجزائر و أكثرها شرعية وانتشارا ويقول د . سعد الله عن دورها : " إنها ملتقى العباد و مجمع الأعيان و منشط الحياة العلمية والاجتماعية و هو قلب القرية في الريف و روح الحي في المدينة إذ حوله تنتشر المساكن و الأسواق و الكتاتيب كما أنه كان الرابطة بين أهل القرية والمدينة والحي لأن الكل يشترك في بنائه ".   وقد كان عدد المساجد كبير فمدينة الجزائر في القرن 19  كانت تضم 9 جوامع و 50 مسجدا كبيرا ( جامع الخطبة ) و 109 مسجدا، أما تلمسان فقد كان فيها 50 مسجدا للخطبة منها جامع سيدي بومدين و الجامع الكبير و جامع محمد السنوسي و الكثير من المساجد في كل المناطق. كما أن المساجد كانت مقسمة الى المذهب الحنفي والمذهب المالكي والملاحظ أن مساجد الحنفية كانت أنيقة وجيدة بحكم أنها كانت تابعة للعثمانيين، أما المساجد التابعة للمذهب المالكي فقد كانت متواضعة  والتي كانت خاصة بالأهالي.

و كان لكل مسجد أوقاف خاصة به وعدد من الموظفين للإشراف عليه، فعلى سبيل المثال كان للجامع الكبير بالعاصمة إضافة إلى المفتي والوكيل إمامان للصلوات الخمس و مساعدان للمفتي و 19 أستاذا مدرسا و 18 مؤذنا و 8 حزابين لقراءة القرآن الكريم و 3 وكلاء أوقاف واحد منهم نائب للمفتي الذي هو الوكيل الرئيسي والثاني وكيل أوقاف الحزابين و 8 منظفين و 3 موظفين للسهر على الإضافة، أما خطبة الجمعة و العيدين فيتولاها المفتي نفسه.

 الزوايا : 

انتشرت الزوايا في الجزائر بكثرة خاصة في المناطق الريفية لفقرها وعدم قدرتها على بناء مساجد كبيرة ومدارس بالإضافة الى انتشار التيار الصوفي والتي عادة ما تكون الزوايا مقرا له، و قد استطاعت هذه الزوايا الانتشار بقوة لما كانت تجمع بين الوظيفة الدينية والتعليمية.

و إن كانت الزوايا قد انتشرت في الكثير من المناطق إلا أن منطقة الزواوة وبجاية أصبحت أشهر  المناطق المتواجد فيها حيث قد تصل الى 50 زاوية في المنطقة الواحدة وأهمها زاوية تيزي راشد (زاوية بن اعراب) ومن اشهر علمائها محمد الفريرا المشهور بالذباح و الذي تولى ولاية التيطري و كذا زاوية  الشيخ محمد التواتي و عن دورها قال د. يحي بوعزيز : " أنها عملت على تحفيظ القرآن الكريم و نشر التعليم و الإسلام في المناطق النائية و كانت ولا زالت مخازن للكتب والمخطوطات كما ساهمت في إزالة الفوارق الاجتماعية وتوطيد العلاقة بين فئات المجتمع و حاربت السلطة المستبدة، فالزاوية الواحدة تضم الفقير والغني ولعالم والأمي.  لكن اعتمادها على المنهج التقليدي أدى إلى الركود الفكري وشيوع الدروشة والانحرافات ".  

 الرباطات : 

الرباطات هي أين يرابط المجاهدون للدفاع عن الثغور وقد كانت متواجدة بشكل حصري في المناطق الحدودية إلا أنها كانت تقوم بوظيفة التعليم وإيواء عابري السبيل مثلها مثل الزوايا وكانت موجهة للجنود الأميين وكذا  محاولة نشر الإسلام في مناطق خارج الحدود إلا أنها لم تكن تابعة لطريقة صوفية واحدة بل متفتحة على لكثير من الطرق.

 المدارس :  

و قد انتشرت المدارس في كل أحياء ومدن الجزائر باعتراف الفرنسيين.  ففي كبرى المدن مثل تلمسان والتي اشتهرت منذ العهد الزياني، فقد كان بها عند بداية الاستعمار 50 مدرسة ابتدائية و مدرستين للتعليم العالي و هما الجامع الكبير و مدرسة أولاد الإمام، أما العاصمة فقد كانت تضم حوالي 229 مدرسة يدرس بها حوالي 5583 تلميذ، أهما المدرسة القشاشية التي أشاد بها أبو راس الناصري واعتبرها مركزا للتعليم العالي، كما أن قسنطينة كان بها عشية الاستعمار حوالي  100 مدرسة ابتدائية و 7 مدارس ثانوية أشهرها المدرسة الكتانية التي أنشاها صالح باي سنة 1776، وقد كان الطالب الداخلي يأخد 6 ريالات  والمدرس 30 ريالا.

كما أن المناطق الغربية أسست المدرسة المحمدية لتكون من أكبر المدارس، وتعتبر مدرسة مازونة من أقدم مدارس العهد العثماني فقد بناها محمد الشريف الأندلسي في القرن 16 م.

أما بالنسبة للتعليم العالي فإن نوعية الدروس المقدمة من جوامعها الكبيرة كانت تضاهي الزيتونة والقرويين، فقد كان هناك 3 مدارس كبرى تقترب من مستوى التعليم العالي وهي المدرسة الأندلسيين ومدرسة شيخ البلاد وكذا الجامع الكبير والتي تخرج منها علماء كبار انتشروا في ربوع الدول الإسلامية.