الماضي الاستعماري الفرنسي للجزائر : عقدة ومعضلة باريس

 

الماضي الاستعماري الفرنسي للجزائر : عقدة ومعضلة باريس


بقلم سمير خلف الله


إن إحدى أوجه مظاهر عقدة ومعضلة فرنسا تجاه الجزائر ، هي أن السيد ماكرون لا يزال أسير سرديات وأدبيات بالية . فهو يتعامل معها ، بتعال زائف كتعامل السيد الاقطاعي المتعجرف مع أقنانه ، أو تعامل الأستاذ مع تلاميذه . والوصي مع القاصرين ، وتشاركه في هذا النهج فرنسا الرسمية وبعض نخبها . إن السيد ماكرون ليشعر بالمرارة لأن الجزائر ، لم تعد الحديقة الخلفية لفرنسا أو ضمن مجالها الحيوي . والرجل لم يستوعب ولا هو متقبل ، فكرة أن الجزائر لم تعد أداة من أدوات باريس . تستغلها وتوظفها لتنفيذ أجندها في إفريقيا والعالم ، كما أن يستحيل عليه أن يتقبل أن الجزائر ، انعتقت من أغلالها ولم تعد تأتمر بأوامر الإيليزيه .

ولهذا كثيرا ما نراه يفقد توازنه ، ويدلي بتصريحات متهورة ، لا يقدر عواقبها . فالرجل لا يحلوا له الكلام ، إلا في أمرين . نفي صفة الوجود عن الدولة الجزائرية ، قبل اعتداء 1830 ، أو عن الاستعمار التركي للجزائر . كأن هناك نية مسبقة لإحداث فتنة أو شرخ بين البلدين ، أو على الأقل التشويش على العلاقة بينهما . أو هو يريد ضرب العلاقات الجزائرية التركية ، المتجذرة في أعماق التاريخ . أو كأنه يظن بأن له ، في الجزائر طابور خامس . وما أن يدلي بتلك التصريحات ، حتي يتلقفها أتباعه ، ويحدث زلزال في الجزائر . إنها معضلة الأنا المتضخم ، التي تقود صاحبها لا محالة إلى الهاوية .

أمّا فيما يخص عراقة وأصالة الدولة الجزائرية ، فالموضوع حسمه المؤرخون . الذين بينوا بالدليل القاطع ، بأن فرنسا هي الطارئة على التاريخ . وعلى الرغم من كل هذا فساسة باريس لا يزالون يجترون ، مقالة رئيسهم فاليري جيسكار ديستان '' فرنسا التاريخية تمد يدها للجزائر الفتية  '' .

إن السيد ماكرون وفرنسا الرسمية ، لا يفهمان كيفية إدارة العلاقات بين الدول ، إلا في إطار الاستعمار وسياسة الإبادة الجماعية والأرض المحروقة . وزعمهم الزائف بأنهم وحدهم مصدر النور والأنوار ، وما دونهم جهل وظلمات يتوجب عليهم تبديدهما . وهذه هي العقيدة ، التي تدور في فلكها فرنسا وساستها ، فهي لا تمتلك سواها . فأهداف عدوانها على الجزائر في 1830 ، لم تكن سوى إبادة الجزائريين إبادة شاملة . فهي لم يكن لها ما تقدمه غير هذا ، ولا مشروعها كان حاملا أو مبشرا بغير ما سبق ذكره . هذا هو ميراثها وهذه هي عقيدتها ، التي ورثتها عن شارل الخامس . ذلك الامبراطور الاسباني ، الذي قالها صراحة في العام 1541 ، تاريخ حملته الفاشلة على مدينة الجزائر . فالرجل كان صريحا ولم يجامل أو يختبأ وراء كلام مرسل . كادعاء نشر الحضارة أو غير هذا من الزيوف كما فعلت هي ، في ذلك البيان الذي وجهته ، إلى الجزائيين عشية حملة دي برمون ، التي كللت بسقوط مدينة الجزائر . نعم لقد قالها صراحة ، إنه أت لإبادة العرق الجزائري . وهذه العقيدة هو بدوره ورثها ، عن الحروب الصليبية ومنظريها . فكلهم يحلبون في إناء واحد ، ثم يشربون منه ، والسابق منهم يدفعه للاحق عليه .

وهذه العقيدة الدموية لا ترفع سوى شعار روما القديمة ، ويل للمنهزمين ، ثم شعار محاكم التفتيش " كُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ " . وجميعهم كروما القديمة ، لا تترك خلفها سوى أرض محروقة وإبادة جماعية . ولئن كانت روما القديمة تسقي الوطنيين الشرفاء الرصاص الذائب أو تقتلهم صبرا كما فعلت مع يوغرطا . فإن محاكم التفتيش تقضي عليهم حرقا ، وما لهم عند فرنسا الاستعمارية سوى قطع الرؤوس ونقلها إلى باريس ، لعرضها هناك اختفاء بالقتلة والمجرمين . نعم إنهم الحراس الأوفياء ، لشعار روما القديم ويل للمنهزمين . فما هم في نظرها سوى برابرة متوحشين ، لا يستحقون سوى الموت . وهذا ما انتهجته فرنسا طوال فترة احتلالها للجزائر ، فالعربي ( الجزائري ) الجيد في نظرها ، ليس إلا العربي الميت . وهذه هي العقيدة التي لا تزال تحتكم إليها فرنسا الرسمية ، عقيدة تجعلها متعطشة لسفك الدماء . وفضح هذا المنحى تورطها المباشر ، في إبادة التوتسي برواندا .

هذه هي فرنسا الرسمية ، إنها تعاني من عقدة التفوق الزائف ، إنها مريضة بداء التعالي الأجوف . فهي الشعب المختار ، وغيرها مجرد جموع من الأغيار . هي وحدها المتحضرة والمستأمنة على الحضارة ، وغيرها برابرة أشرار لا همّ لهم سوى تدمير المنجز الحضاري الانساني . هي وحدها الدولة والأمة ، وغيرها حثالة وقطعان من الأوباش ، وتجمعات للمتوحشين . وعليها تقع مسؤولية إيصالها إلى مرحلة الأمة والدولة ، وادخالها طور الحضارة والمدنية . إنها لا تفهم ولا تعي ولا تريد ولا تستطيع تقبل ، فكرة أن الزمن تحرك ولم نعد في القرن التاسع عشر . عصر الثورة الصناعية الذي منحها فلتة ، مكنتها من صولة جائرة في قارتي إفريقيا وآسيا . 

ولذلك فهي عاجزة عن إقامة ، علاقات ندية مع باقي أمم وشعوب العالم . إنها وفية لعقيدة الاستعباد والاستغلال ، ولا تستطيع أن تبني علاقة شراكة تقوم على الندية لصالح الجميع . إنها تعاني من إعاقة أيديولوجية ، تجعلها متشبثة بالماضي الاستعماري ومشدودة إليه ، مما جعلها عاجزة عن تحقيق أو الانخراط فيما سبق ذكره .

ولذلك فهي لا تستطيع أن ترى ، العلاقة الجزائرية العثمانية سوى بعينها المصابة بداء عمى الألوان . فهي لا تراها علاقة شراكة وهكذا كان واقع الحال ، وإنما تراها ضمن دائرة مفاهيمها أي الغزو والاحتلال والتقتيل والإبادة . وهذا هو تاريخها في الجزائر ، ويستحيل عليها رؤية الجزائر في غير هذا النسق والاطار . ولو أن الفرصة تتاح لها مجددا ، لأعادت في الجزائر مرة أخرى ، ما فعلته خلال ليلها الاستعماري . فذاك ما بنى لها مجدها الذي تعتز به ، وما بنى لها مفاخرها التي تجدد لها عهد وقسم الولاء .

ونحن لا نعلم لما لا يحلو للسيد ماكرون ، سوى الحديث عن التواجد العثماني في الجزائر . وما دخله هو في الأمر ، ومن فوضه للحديث باسم الجزائر . ونحن جميعا نعلم بأنه ، من الناحية الأخلاقية ، فتاريخ فرنسا لا يسمح لها أو يؤهلها أو يعطيها شرعية . لكي تعطي دروسا للآخرين ، أو أن تحاضر عن العدالة والمظلومين والانسانية . ولا أن تعطي دروسا للظلمة والسفاحين ، لأن تاريخها بالأمس واليوم ، وماضيها القريب والبعيد يشهدان ضدها .

وكيف نقبل أن تعطينا دروسا في حقوق الانسان ، وهي من أعلنتها صراحة على لسان مفكريها وساستها . من أن الديموقراطية وحقوق الانسان ، لم تخلق للأعراق المنحطة ؟ . فنحن لا نرتقي حسبها حتى إلى مرتبة البشر ، فكيف إذن ستعاملنا بندية ؟ . هذه هي حقيقة فرنسا ، فهي وطوال 132 سنة لم تقبل من الجزائريين إلا أن يذوبوا في بوتقتها وهويتها . وأن يروا العالم بعيونها ، عندها فقط كانوا سيصبحون في نظرها مواطنين صالحين . أمّا خطابات المناسبات والعلاقات العامة بعد استقلال الجزائر ، فهي مجرد مساحيق ، لتمرير أجندتها الوفية لماضيها الاستعماري في بلادنا . وهي تعلم جيدا بأنها ، ومن دون ذلك الماضي الاستعماري فهي لا شيء . فإذا ما نحن جرّدناها منه ، والذي تسميه زورا مفاخرا وانجازات حضارية وامجادا قومية ، فلن يبقى لها شيئ تفاخر به . ولذلك نراها متعصبة لفكرة تمجيد الاستعمار ، هذا الذي هي من دونه لا مكان لها ، بين ثنايا صفحات التاريخ . فهو ميراثها وعزها وفخرها . ومن يطالبها بالاعتذار عنه ( ماضيها الاستعماري ) ، كمن يطلب منها التنكر لثورتها لكبرى ، ولذلك فهو  ( الاعتذار ) يساوى الاندثار وتجريدها مما يرمز إلى عظمتها ومجدها .

فرنسا الرسمية إنها في ورطة حقيقية ، فلقد سمّمت ، بتلك التصريحات اللامسؤولة علاقاتها مع الجزائر . التي نالت الحصة الكبرى ، من ويلات الحقبة الاستعمارية . وهنا نجد التصادم في المواقف ، إلى حدّ التنافر . فمن جهة فرنسا أصدرت مرسوما ، تمجد فيه استعمارها للجزائر . لكونها ترى فيه درة انجازاتها ، وملحمتها الخالدة . ومتى جرّدناها من تاريخها الاستعماري ، فلن يبقي لها ما تباهي أو تزايد به على غيرها .

وفي المقابل نجد الجزائر وهي محقة ، لا ترى أية إيجابية في فترة الاحتلال الفرنسي الغاصب لأرضها . ثم جاء موضوع الحركى ، هذا الذي توظفه باريس بصورة مستفزة . لينسف أية جهود ، ترمى لتسوية موضوع الذاكرة وتفكيك ألغامها . وفرنسا تتجاهل بصلافة ، وجهة النظر الجزائرية . ولا تريد أن تستوعب بأن الجزائر من المستحيل أن تساوم ، أو تتفاوض أو تتنازل فيما يخص موضوع الذاكرة . وباريس من جهتها في الوقت الراهن على الأقل ، لا تستطيع أن تقدّم اعتذارا رسميا للجزائر . فهذا بمثابة لف للحبل حول رقبتها ، وانتحار لأي رجل سياسة أو دولة أو حكومة ، يقدم على مثل هذه الخطوة . خاصة وأن موقف الجزائر لهو الأقوى ، وهي ليست بحاجة لتبريره أو الدفاع عنه . على عكس موقف باريس المتداعي ، ولولا قوتها الاقتصادية النسبية ، ودعم حلفائها ، ممن يشتركون معها في خطيئة الاستعمار . لكانت هي من تستجدي الجزائر ، لتقبل اعتذارها عن حقبة استعمارها لأراضيها .

والشيء الملاحظ أن باريس وساستها ، يهربون دوما إلى الأمام بغية التسويف والمصادرة عن المطلوب . فلا هَمَّ لها ولهم ، سوى التسوية بين الوجود العثماني في الجزائر ، واستعمارهم المزعوم لها . فالسيد ماكرون يحاول جاهدا أن يغالط بشأن الوجود لعثماني بالجزائر ، فيطلق عليه زورا تسمية الاستعمار المنسي .

وبهذا يكون حسب ما يدعيه العام 1518 بداية الاستعمار التركي للجزائر ، وهي مغالطة كبرى . فما حدث وكما نعلم جميعا ، لم يكن إلا استنجادا بالدولة العثمانية لا بالدولة التركية . أمّا العام 1830 فيصبح عنده وعند من يلف لفه عام وصول الفرنسيين إلى الجزائر . والفرق شاسع بين عبارة ، الاحتلال التركي ووصول الفرنسيين . وهي محاولة بائسة من قبل ، صناع القرار في باريس لتلميع صورة احتلالهم للجزائر . وخلق وعي مزيف ، وذاكرة جديدة تمجد ، جرائم فرنسا ووحشيتها . وعبارة الوصول المستخدمة أعلاه ، لهي كلمة ناعمة توحي بقدوم الضيف المرغوب فيه ، والعزيز المنتظر . وما كان هذا هو حاله ( الاستعمار الفرنسي للجزائر ) ، قبل وبعد حملة 1830 .

وهكذا تقلب الحقائق ، فتصبح جرائمها ، مهمة تحضيرية ، تستحق عليها الشكر . ومتى أقنعتنا بهذا الطرح المزيف والبائس ، فهنا تسهل عملية شيطنة الوجود العثماني في الجزائر . وهكذا يصبح الداي حسين ، ومهما اختلفنا حوله . طاغية وعنوانا للطغيان ، أمّ بيجو وجوقة السفاحين والقتلة والمجرمين ، من رواد استعمارها . فالواحد منهم يصبح ، الفاتح والمحرر والمنقذ للجزائر والجزائريين ، من وحشية وهمجية الترك . ومن هنا تسعي هي وأدواتها لشرعنة ، اعتدائها الغاصب واحتلالها للجزائر . ومعه شرعنة الهجمة الاسبانية ، على سواحلنا في القرن السادس عشر . ومتى أعطيت شرعية لاحتلالها وللاحتلال الاسباني من قبلها ، فبصورة آلية تسلب ذات الشرعية من الوجود العثماني في الجزائر .

وكخطوة أخيرة تضفي الشرعية ، على الاستعمار الروماني لبلادنا ، وتنزعها من الفتح لعربي الاسلامي . الذي هو حسبها وحسب سردية الاسبان من قبلها ، غزو واحتلال واستعمار يتوجب تصفيه تركته بالمنطقة .وتزوير التاريخ بهذه الصورة الفجة والوقحة ، لا غاية من ورائها سوى سلخ الجزائر . عن محيطها الطبيعي العربي والاسلامي ، وربطها بالضفة الشمالية ، ضفة الغرب المسيحي اللاتيني . وبهذا تصبح الجزائر دولة وظيفية ، وأداة في خدمة مصالح القوى المتنفذة في العالم دولا كانت أو منظمات . ولذلك سمعنا ولمرات عدة ، بعض الأصوات المنادية ، بإحداث قطيعة مع ماضينا ، لحساب ماض مصطنع ومستحدث وملفق ومزور . مفاده أن الجزائر جزء من العالم الروماني اللاتيني المسيحي ، وأن هذه هي هويتها . ولذلك سعت فرنسا الاستعمارية بكل قوتها ، لتجسيد هذا المشروع على أرض الواقع . ولكن سعيها باء بالفشل ، لأن مشروعها كان مصادما للواقع ومعاديا ومعاكسا للماضي والحاضر ،  وضد الواقع والمنطق والتاريخ .

ولذلك قاومه الجزائريون ، ولم يعبؤوا به أو ينخرطوا فيه . رغم كل الامكانات ، التي وظفتها فرنسا الاستعمارية ، لتهيأ له سبل النجاح . من قمع ووحشية وإرهاب ومشاريع اغرائية ، كانت كفيلة ليس فقط بتغيير هوية الجزائر ، وإنما أن تكون أكثر من أندلس ثانية .


جريمة تجهيل الشعب الجزائري، كبرى كبائر فرنسا في الجزائر

 

جريمة تجهيل الشعب الجزائري، كبرى كبائر فرنسا في الجزائر


بقلم سمير خلف الله


جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر كثيرة لدرجة أن أي قلم ومهما حاول سيبقى عاجزا على أن يحيط بها أو يحصيها ذلك أنه في كل يوم وساعة ودقيقة وثانية من ليلها الاستعماري الطويل هناك ألف ألف جريمة مرتكبة في حق الجزائريين ولعل أفدحها جريمة التجهيل التي كانت جريمة دولة ممنهجة ومتعمدة وسياسة بغيضة أشرفت عليها وتكفلت بها وزارات وقيادات وشُرّعت لأجلها قوانين ومراسيم وقرارات ولا تهمنا تلك الحفنة من الجزائريين الذين أدخلتهم مدارسها ولا غاية لها من وراء ذلك سوى تخريج جماعة يكون أفرادها أدواتا في خدمة مشروعها الاستعماري هذا الذي كانت تهدف إلى مد جذوره عميقا في التربة الجزائرية ولهذا احتاجت لهذا الطابور ليكون القاطرة التي تجر الشعب الجزائري إلى بوتقة الفرنسة والانخراط في المشروع الاستعماري وتبنيه وضمان ذوبان الكتلة الجزائرية في الثقافة الفرنسية الغازية.

نعم لقد حالوا بيننا وبين التعليم بالقوة وحجبوا عنا هذا الحق الطبيعي تحت حجة عنصرية مقيتة مفادها أننا من ( الأعراق الدنيا ) وهم من ( الأعراق المتفوقة ) التي عليها واجب نقل الحضارة إلى ( الأعراق المنحطة ) لا لشيء سوى لكون أصحاب خرافة ( الأعراق العليا ) كانوا يدورون في فلك فكرة المركزية الأوروبية البائدة والتي أوحت لهم أسطورة تفوق الرجل الأبيض الذي من حقه التصرف في الشعوب الأخرى وحكمها حتى أنهم استثنوها من امكانية تمتعها بحقوق الانسان أو أن تشملها المواثيق الضامنة لها والعذر دوما إنها من ( الأعراق الدنيا ) وبمثل هذه الحجج العنصرية تم استبعاد الجزائريين من التمتع بحق التعليم الذي تمخض عن مرسوم جول فيري والقاضي بإجباريته ومجانيته لكل سكان الجزائر ولكن الكولون بما لهم من نفوذ في باريس عطلوا شطره الخاص بالجزائريين الذين تم استثناءهم بصورة فضة وظالمة من هذا الحق المكفول لهم كما لغيرهم من سكان ما يسمى الجزائر الفرنسية لا لشيء سوى لكونهم أهالي يتوجب عليهم أن يبقوا خمّاسة عند السادة المستوطنين.

وهذا الخطاب المتعالي والصلف نابع من مشكلة فرنسا وصنّاع قرارها في تلك الأيام ذلك أن الجميع كان لا يرى العالم إلا عبر منظومة قيم المركزية الأوروبية العرجاء نظرة كانت تُقصي الجزائريين من كل ما هو قادر على تحسين أوضاعهم لأن تمتعهم بحق التعليم سيجعلهم قادرين على معرفة حقوقهم ومن ثمة المطالبة بها ولعل أبرزها حق المساواة مع السادة المستوطنين وهنا يصبح التعليم الفرنسي سلاحا فتاكا وحادا يستخدمه الجزائريون ضد فرنسا وقوانينها وهو أمر مرعب ومخيف لها وللكولون فالجزائريون في نظرهم مجرد أهالي مسخرين للخدمة مثلهم مثل الدواب وهذا هو وضعهم الطبيعي ومتى تجاوزوه ففي هذا التجاوز تهديد لمكانة السادة الأوروبيين في الجزائر وسطو على حقوق لم توضع لهم وهو نفس موقف فيليب دو توكفيل المبهور والمفتون بالديموقراطية الأمريكية فهو الآخر يرى بأن حق المواطنة والحرية لم يُوضع للجزائريين ولا هم أهل ليتمتعوا بحقوق الحرية والمساواة والديموقراطية.

 جزائريون أو كما تسميهم أدبيات فرنسا الاستعمارية الأنديجان فرضت عليهم الخضوع لقانون الأهالي الذي منعهم من التنقل دون ترخيص خاص وهذا ما أغلق في وجوههم كل منفذ يمكن لهم عبره تحصيل ولو النزر اليسر من المعارف باستثناء أبناء موظفي إدارتها ثم جاء قانون أكتوبر 1892 ليطلق رصاصة الرحمة على ما تبقي من التعليم العربي وبهذا تكون قد حرمت الجزائريين من التعليم العربي وسدّت في وجوهم أبواب التعليم الفرنسي ومع كل هذا فقد كانت تدعى بأن لها رسالة حضارية تنويرية والواجب الأخلاقي يُحتم عليها تأديتها إنها حقا وقاحة وخاصة عندما نعلم أن تركتها ثقيلة ومخيفة ومرعبة فيما يخص نسبة الأمية بين الجزائريين لحظة خروجها غير المأسوف عليه فقد قاربت 99 ٪ وهذا ما يدحض ويكذب تلك الادعاءات الزائفة عن رسالتها التحضيرية في الجزائر وإن نسيت نذكرها بأننا لم نرث منها سوى ثالوث الشر البغيض ( الفقر والجهل والأوبئة ) هذه هي تركتها المسمومة التي تراها منطلقا يصلح لتمجيد ليل استعمارها للجزائر.

وهذا الوضع مخالف تماما لمَا كان عليه الحال في العهد العثماني الذي لم يبق مؤرخو المدرسة الاستعمارية وأنصارهم وتلامذتهم من سبة ونقيصة إلا وألصقوها به مغرقين في الذاتية من قبل أغلبيتهم غير أن واقع الحال وشهادات جنيرالات الغزاة والرحالة الأوروبيين يكذبان أطروحاتهم  فرنسا الاستعمارية لقد حرمت بتلك السياسة الكريهة والبغيضة الجزائر من أن يكون لها أعلامها ككل أمم الدنيا فما الذي كان يمنع بلادنا من أن تنجب أمثال كانط وماكسيم غوكي وشكسبير سوى سياسة التجهيل التي وأدت العقول المبدعة ودفنتها حية وهذه جريمة أخرى تضاف إلى سلسلة جرائمها في الجزائر وحتى من فتحت لهم بواب التعليم فقد رسمت لهم إطارا يمنع عليهم التحرك خارجه  فاستنزفتهم خدمة للمشروع الاستعماري من أمثال محمد بن أبي شنب وعمر بن سعيد بوليفة هذا الذي يخبرنا عنه أبو القاسم سعد الله في كتابه تاريخ الجزائر الثقافي الجزء الثامن بأن احتواء فرنسا له منذ الطفولة جعله في دور قزم مثله مثل بلقاسم بن سديرة هذا الذي شَلـْـتْ موهبته هذا هو المصير البائس الذي آل إليه من نالوا حظوة عند المستعمر الغاصب وكانوا من جملة ممن رضي عنهم وممن أدخلهم في زمرة المقربين فما بالنا بمصير بقية الجزائريين ممن اتخذهم أعداء ونفاهم وراء الشمس وأقبرهم أحياء فلم نسمع لهم حسّا ولم نقف لهم على أثر علما بأن محمد بن أبي شنب وبلقاسم بن سديرة كان من الممكن أن يذهبا بعيدا لو أن الظروف كانت غير تلك التي أجبرتهم من خلالها فرنسا على السير وفق ما حددته لهما خدمة لمشروعها الاستعماري في الجزائر.

ولا يجب أن ننسى بأن فرنسا وكما مارست حرب إبادة جماعية وأرض محروقة في حق الجزائر والجزائريين فقد مارست حرب إبادة ثقافية وتصحير وتحريق لكل ما يتصل بالجانب الثقافي وما تبقى منه سعت جاهدة لتجفيف منابعه لتحرم الشعب الجزائري من كل ما يضمن استمراره وتواجده على الساحة وبهذا عملت بلا كلل أو ملل على تجهيل الشعب الجزائري عبر تلك الترسانة من القوانين من أول يوم وطأت فيها أقدامها الهمجية أرض الجزائر قوانين كانت ترمي من خلالها إلى قذفنا في عالم العصور البدائية وإن أمكن إلى عصور ما قبل الكتابة ولمَا لا إلى العصور الحجرية ذلك أننا كلنا نعلم ما فعلته بمجرد نجاح حملتها العدوانية على الجزائر في العام 1830 من اغتصاب للأوقاف : " قهرا وعدوانا وكان ذلك سببا في ضمور حركة التعليم واختفاء المعلمين وغلق المدارس " أبو القاسم سعد الله الحركة الوطنية الجزائرية ج 1 وهذا الفعل كان أول قطرات مطرها المسموم الذي أصابت لعنته بلادنا ثم ما برح أن تداعت عوارضه كطوفان سيل العرم الذي لا يبقي ولا يذر علما أنها كانت ترمى من وراء هذا الاجراء إلى تجفيف منابع التعليم والقضاء عليها حتى تندثر العربية ويتم استئصالها وبهذا تُـسرّع وتيرة عملية دمج الجزائر وتذويبها في بوتقة الثقافة الغازية فهذا هو السبيل الوحيد لتضمن سيادتها عليها وإلى الأبد وليسهل عليها حكمها وهي في هذا المسعى كانت تستلهم أفعالها من تجربة المستوطنين البيض في العالم الجديد وأستراليا وبعد أن قررت الحاق الجزائر بها بصورة وقحة وفجة على إثر تقرير اللجنة الافريقية 1833 ثم اعتبارها مقاطعة فرنسية بموجب دستور 1848 فلم يعد من هم لها سوى تسريع عملية تذويبها في البوتقة الفرنسية عبر تسريع سياسة التنصير والفرنسة مستفيدة من تفوقها التقني الذي منحها قدرة على الحاق الهزيمة بالمقاومات الشعبية ثم سلطت قطعان الضباع البشرية من المستوطنين والمجرمين وقطاع الطرق الذين حولوا تلك القبائل الجزائرية القوية التي تسلطوا عليها إلى قبائل بائسة بعد أن أفقرها النظام الاستعماري كما يخبرنا بهذا لأمر عباس فرحات.

وهنا أصبح الشعب الجزائري مهزوما لا هم لغالبيته سوى العمل كخماسة عند السادة المستوطنين أمّا التعليم فقد أصبح ترفا غير مفكر فيه وربما سقط عن غير قصد من سلم أولويات الجزائريين في ظلمة ذلك الليل الاستعماري الحالك جزائر الكولون في تلك الفترة كانت مزدهرة من الناحية التعليمية ففرنسا رمت بكل ثقلها لتخلق شعبا مصغرا يكون نسخة من شعبها في المتروبول ذلك أنه لا يوجد أمضى  من سلاح التعليم لصهر كل تلك الأجناس التي استوطنت الجزائر نتيجة عدم قدرة الكتلة السكانية الفرنسية على توفير ما تحتاجه لتنجز ما تسميه زورا تعمير الجزائر بمن قدموا في ركاب غزوها لبلادنا من عناصر متوسطية في الغالب كانت بحاجة إلى تسريع عملية فرنستهم وأقصر الطرق كانت المدرسة أمّا الجزائريين فمغضوب عليهم ولن تتقبلهم إلا في حال انصياعهم لما قرره ذات يوم لافيجري من أنه يتحتم عليهم أن يقبلوا الإنجيل أو أن يطردوا إلى الصحراء بعيدا عن العالم المتمدن وهو عين ما فعلته محاكم التفتيش البغيضة في الأندلس عقب سقوطها ومع هذا تدعي فرنسا الثورة بأنها حامية التنوع والاختلاف وحقوق الانسان  نعم إنه يتوجب عليهم التخلي عن اسلامهم الذي اتهمه فيليب دو توكفيل زورا بأنه هو سبب تخلفهم وعن لغتهم العربية التي اعتبرتها لغة أجنبية لأنها حسب زعمها لغة الغزاة العرب الذين افتكوا بالقوة الشمال الافريقي من حضن أمه الكنيسة والثقافة اللاتينية وهي هنا لإعادة وصل ما قطعه من اتخذتهم أعداء لها في الجزائر.

وكنتيجة حتمية لتغول سياسة التجهيل التي كانت فرنسا أكثر وفاء لها من وفائها لزعم نشر المدنية والحضارة على طول الساحل البربري  سياسة أتت أكلها حتي أصبح القول بأن العرب كانت لهم حضارة يثير الدهشة والسخرية كما جاء في كتابات عباس فرحات الذي عايش ذلك بنفسه ونحن هنا لا نلوم هؤلاء الجهلة بتاريخنا وماضينا لأن الدعاية الاستعمارية حجبت عنهم الحقيقة ونست أن تخبرهم بأن أجدادهم كانوا ينتقلون إلى بجاية ليتعلموا على أيادي شيوخها كما أنهم نسوا بأن الجزائريين وإلى وقت قريب كانوا وكما قال حمدان بن عثمان خوجة : " يعتنون كذلك بالعلوم والآداب ، ففيهم الشعراء والأدباء وأساتذة التاريخ والمشرعون " أمّا الرحالة الألماني فيلهام شيمبر فيقول : " لقد بحثت قصدا عن عربي واحد في الجزائر يجهل القراءة والكتابة ، غير أني لم أعثر عليه ، في حين أني وجدت ذلك في بلدان جنوب أروبا ، فقلما يصادف المرء هناك من يستطيع القراءة من بين أفراد الشعب " وهو عين ما نجده في شهادة الجنرال فالز والجنرال ولسن وسترهازي هذا الذي يضيف بأن :" الجزائر احتلها جنود من طبقة جاهلة كل الجهل " نعم يا سادة لقد كانت الجزائر أيقونة قبل 1830 دمرها حقد وغل وضغينة وبغضاء طوابير الغزاة الجهلة ولذلك نقول كم هو الاستعمار الفرنسي للجزائر كريه وبغيض ذلك أنه سيئة من عمل الشيطان إن لم يكن هو الشيطان كما قال الشيخ البشير الابراهيمي ولئن كانت تلك الهوة التي حفرها خلال ليله الطويل الذي ران على صدر الجزائر كقطعة من الجحيم استطاعت الثورة المباركة أن تعيدها من حيث أتت ففي مقابل هذا فإن جرائم التجهيل التي مارستها في حق الشعب الجزائري لن تجد كفارة للتكفير عنها فضلا على تبييض صورة تواجدها الأسود في الجزائر حتي أصبح عدد من هم متعلمون يعدون على الأصابع ومع هذا يرى فيهم بعض أبنائها وحراس معبدها من الجزائريين من أعظم انجازاتها وحسناتها في الجزائر.

نعم بماذا عساها أن تكفر عن خطيئة تجهيل الجزائريين وكل ما في خزائنها وما تمتلكه من ثروات فوق وتحت أرضها لن يعوض ما سلبته منهم ذلك أن الماديات مقدور عليها ولكن هل يمكن لها أن تعيد عجلة الزمن إلى الوراء وهي من سرقت من الجزائر قرنا واثنتين وثلاثين سنة وهذه فترة كافية لجعلنا في مصاف اليابان الذي بدأ نهضته بعد العام 1830 بكثير نعم لقد سرقوا منا فرصة الاقلاع الحضاري وخنقوا عقولا جبارة وأقبروها حية عقول كانت ستصل لا محالة إلى مصاف جبابرة وعمالقة العلوم الصلبة والانسانية تحت حجة مزيفة مفادها أننا عرق أدنى لم يُخلق ليتعلم فضلا على أن يفكر أو يشارك في رفع البنيان الحضاري الإنساني أو أن يُضيف له لبنة ولهذا كم من عقل جزائري جبار أقبرته فرنسا خلال ليلها الاستعماري البغيض ولو لا جريمة الاستعمار لكانت تلك العقول المقبورة الدرر واللآلئ التي تفتخر بها بلادنا كما تفتخر هي بعظمائها من أمثال فيكتور هيحو وفولتير فهل بعد كل هذا يمكن لها أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء حتي تتدارك ما جنته يداها الآثمة في الجزائر ؟

نعم إن تجهيلها للشعب الجزائري لهو جريمة تتجاوز آثارها الشعب الجزائري إلى الإنسانية جمعاء لأنها قد فوتت على الأخيرة فرصة أن تخطو خطوات عملاقة نحو غد أفضل بكل ولكل أبنائها ولكن الجهل والعنصرية والسفاهة والاستهتار وجحود ونكران قيمة الإنسان أيقونة هذا الكون لهي الشرور سوّلت لفرنسا الاستعمارية المريضة بداء التعالي الزائف والعنصرية لبغيضة ارتكاب جريمة تجهيل الشعب الجزائري ومن سوء حظ الجزائر أنها كانت أول فريسة تقع بين أنياب حية الاستعمار الخبيثة فأفرغت كل سمومها وأحقادها في جسدها الطاهر حتي استحالت سرطانا أوشك على افنائها ومحوها من صفحة التاريخ ولهذا فإن لسان حالنا يقول وسيبقى يرددُ اليوم وغدا إننا لا نعادي فرنسا وشعبها ولكننا نعادي النظام الاستعماري المجرم وكل من يتبنى خطاباته وأطروحاته العنصرية ويحاول تسويقها ومهما كان من عامة الشعب الفرنسي أو من نخبتها أو من أعضاء حكوماتها المتعاقبة وأي كانت مشاربهم واتجاهاتهم ومن جهة أخرى نحن الجزائريون يمكننا أن نختلف على كل شيء وفي كل شيء إلا أننا ومتى وصلنا إلى وطننا الجزائر فإنه يتوجب علينا أن لا نقبل من بعضنا البعض سوى الاتفاق.


كيف يُكبَّل الإقتصاد الجزائري

 



نُشِر بتاريخ 20 ماي 2021


هل يحتاج الإقتصاد الجزائري إلى إشراك الدكاترة والجامعيين، كما يُقال، للخروج من عنق الزجاجة؟

الإجابة المستفيضة قد تتطلب بعض الفقرات، لكن الإجابة المختصرة فهي لا.

يكفي أن يكون صاحب القرارات قد أنهى تعليمه الإبتدائي إذا توفرت لديه النية الصادقة لتحطيم التكبيل المقصود (لولا دا سيلفا مثالا(

 

مكابح التعافي الإقتصادي

 

مثبطات في طريق المستثمر:

المُثَبِّط الأول:

"الإذن المُسبق"،  شرط تفرضه السلطات على المستثمر المحلي.  ويعتبر هذا الشرط استثناء تنفرد به الجزائر من بين دول العالم.  يُجبر هذا الشرط كثيرا من المستثمرين على الإنتظار لأشهر طويلة وربما دون نتيجة.  أما إذا جاء الرد إيجابيا فأمام المستثمر مثبطات أخرى. 

المُثَبِّط الثاني:

"المجلس الوطني للاستثمار":  بعد انتظار "الإذن المُسبق" والذي قد يدوم سنوات، يجب على المستثمر في القطاع الخاص أن يودع ملفه لدى هذا المجلس الذى أصبح مع مرور الزمن عقبة بيروقراطية إضافية حقيقية أمام المستثمر.

"مجلس مساهمات الدولة": للمستثمر في القطاع العام.  ويُشترط على المستثمر المسكين إيداع ملف سميك من 100 ورقة وخمس خبرات بنكية وتقنية. 

وحسب شهاة خبير جزائري، فقد فضل الكثير من المستثمرين المحليين التخلي عن مشاريعهم لطول الإنتظار والخسائر الناجمة عنه. 

وحسب آخر الأرقام المتوفرة عن الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار، فإن 2200 مشروع لم يتم إنجازه في السنوات الثلاث الأخيرة إضافة إلى 610 مشروع آخر تم التخلي عنه في نفس الفترة.

 

الولاء مقابل الموافقة :


"الانتقائية" في التعامل مع المستثمرين:  هذا ما أكدته رئيسة الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، إذ تقول أن "مؤسسات الدولة مغلقة ولا تستمع إلا للأصوات القادمة من الأعلى"، فلا يستفيد من التسهيلات إلا من هو مقرب من دائرة الحكم.

خبير إقتصادي جزائري آخر يُرجع تكبيل الإقتصاد الجزائري لأسباب سياسية، فالسلطة حسبه : "تريد التحكم في حجم الاستثمارات الخاصة ورجال الأعمال، بسبب الرهانات السياسية، تحسبا لأي استحقاق محتمل، وللأسف البلد هو الخاسر الوحيد من هذه البيروقراطية الخانقة والمُضيعة للمال والوقت".

 



الصناعة الفخارية بالجزائر تقلب النظريات القائمة


 


جزائر ما قبل التاريخ، الصناعة الفخارية بالجزائر أقدم من نظيرتها بالشرق الأوسط


يعتقد أهل الإختصاص أن الإنتقال من اقتصاد قائم على الصيد (العصر الحجري القديم) إلى اقتصاد قائم على الإنتاج (العصر الحجري الحديث) قد تم بالشرق الأدنى ثم انتقل غربا.  لكن الإكتشافات الحفرية التي اكتنفت معظم المناطق الجبلية بالصحراء الوسطى كالتاسيلي بالجزائر، تؤكد على أن الإنتقال إنما تم بحركة عكسية كان مركزها جبال الصحراء الوسطى ثم وجد طريقه نحو الشرق كالنيل ووادي الرافدين.

فإلى جانب الزراعة، أماطت الإكتشافات الغبار عن صناعة فخارية متطورة (الصُوَر) قائمة على الطين المُوقَد والفخار وإنتاج شتى الأواني للإستعمال المنزلي مثل الطهي وتسخين الماء والسوائل الأخرى.  وحسب معطيات التأريخ، فإن هته النشاطات الإقتصادية تعود إلى أكثر من 11 ألف سنة، أي أنها سبقت التواريخ المتعارف عليها سابقا بأكثر من ثلاثة آلاف سنة على الأقل.


بوابة الجزائر، 24 أبريل 2021م

الحدود الجغرافية للمغرِبَيْن الأوسط والأقصى حسب الرحالة والجغرافيين المسلمين



 

المغرب الأوسط والمغرب الأقصى

 

عند نهاية القرن الثالث الهجري تميزت بلاد المغرب بوجود جهتين هما:

-         الجهة الإفريقية وقاعدتها القيروان.

-         الجهة المغربية الممتدة من غرب إفريقية إلى البحر المحيط.

   

وهذا ما أشار إليه أبو العبّاس اليعقوبي الذي أطلق على الجهة الثانية الغربية اسم المغرب دون إضـافة أو تمييز. ويستمر نفس المفهوم لدى جغرافيي القرن الرابع الهجري كالإصطخري وابن حوقل والمقدسي، أي إطلاق التسمية الإعتبارية العامة وهي البلاد الغربية على كل ما يلي إفريقية غربا.

وابتداء من القرن الخامس الهجري يظهر التمييز بين قسمين من الجهة الغربية أو المغرب الحقيقي، وهما المغرب الأوسط والمغرب الأقصى، وشاع استخدامهما طوال فترات العصر الوسيط. وأول هذا التمييز نجده عند الجغرافي البكري في القرن الخامس الهجري خلال وصفه لمدينة تلمسان بقوله: "وهذه المدينة تلمسان قاعدة المغرب الأوسط ... وهي دار مملكة زناتة وموسطة قبائل البربر". وفي القرن السادس الهجري يذكر الإدريسي أن بجاية "هي مدينة المغرب الأوسط وعين بلاد بني حماد ... وأهلها يجالسون تجار بلاد المغرب الأقصى وتجار الصحراء". وفي نفس القرن يعطينا صاحب الإستبصار وصفا مدققا لمدن كل من المغربين الأوسط والأقصى، ليصبح بذلك هذان المصطلحان شائعي الإستخدام لدى جمهور الجغرافيين والمؤرخين العرب.

 

وادي ملوية، الحد الفاصل

أما خط التقسيم بين المغربين فهو وادي ملوية مع جبال تازا، وهو ما قرره صاحب الاستبصار قائلا: "وقد ذكرنا أن آخر بلاد المغرب الأوسط وأول بلاد المغرب بلاد تازا، وهي جبال عظيمة حصينة". وحدده بدقة أيضا ابن خلدون، ونص كلامه هو: "وأما نهر ملوية آخر المغرب الأقصى فهو نهر عظيم منبعه من فوهة في جبال قبلة تازي ويصب في البحر الروماني عند غساسة، وعليه كانت ديار مكناسة المعروفة بهم في القديم".

ويعتبر هذا الوادي الفاصل بين المغربين من الأنهار الكبرى ببلاد المغرب لما عليه من نظر واسع وقرى كثيرة وعمائر متصلة، وهي كلها تسقى منه، وهو يصب على بعد عشرة أميال شرق مدينة مليلة في البحر الرومي (المتوسط). ومن روافده نهر زيز ونهر سجلماسة. واستمر هذا الوادي حدا فاصلا بين المغربين حتى عند الجغرافيين المتأخرين كليون الأفريقي (تـ 957هـ) الذي جعله نهاية لمملكة فاس شرقا ونهاية لمملكة تلمسان غربا. وكذلك لدى المتأخرين من المؤرخين كالناصري الذي يرى أن الحد الشرقي للمغرب الأقصى هو وادي ملوية مع جبال تازا.

وتقع هذه الحدود بين المغربين والمفصولة بوادي ملوية ضمن الواجهة الشمالية، وقد أوصلها جنوبا صاحب الإستبصار إلى مدينة تيزيل وهي مدينة في أول الصحراء وعلى الطريق إلى سجلماسة، وهذا بالنسبة للمغرب الأوسط، أما بالنسبة للمغرب الأقصى فإلى بلاد ملوية وأحوازها أي أول بلاد سجلماسة إلى الصحراء، وبعد ذلك لا نجد حدودا ولا فواصل في الصحراء بين المغربين.

يشترك المغربان الأوسط والأقصى في حدوديهما الأفقية الشمالية والجنوبية أي البحرية الرومية (المتوسطية) والرملية الصحراوية، كما يشتركان في حدهما العمودي وهو نهر ملوية الذي يمثل نهاية المغرب الأوسط غربا وبداية المغرب الأقصى شرقا.

أما ابن خلدون فيرى أن "المغرب الأوسط هو في الأغلب ديار زناتة ... وقاعدته لهذا العهد تلمسان وهي دار ملكه ويجاوره من جهة المشرق بلاد صنهاجة من الجزائر ومتيجة والمدية وما يليها إلى بجاية". وهذا ما يذهب إليه التنسي أثناء حديثه عن دولة السليمانيين أبناء عمومة أدارسة فاس حين استدعى محمد بن سليمان ابن عمه إدريس الثاني ليستعين به على البلاد المشرقية وفي ذلك يقول: "وقدم إلى بلاده وترك المغرب الأوسط بيد ابن عمه". وهو ما يؤكده أيضا صاحب الثغر الجماني بقوله: "والمغرب الأوسط حدّه من وادي ملوية إلى بجاية".

في حين يرى المراكشي أن مدينة قسنطينة هي آخر بلاد إفريقية وما وراءها هو البداية الحقيقية للمغرب و"أول ذلك بليدة صغيرة قبلي -جنوب- بجاية في البر تسمى ميله بينها وبين بجاية ثلاث مراحل ومن بجاية إلى قلعة بني حماد أربع مراحل وهي أيضا قبلي بجاية".

ولعل السبب في وقوف حدود المغرب الأوسط عند هذا الحد هو أن هذه البلاد الممتدة من أحواز بجاية وما وراء مجرى نهر الشلف شرقا إلى وادي ملوية غربا، ظهرت منذ أيام الفتح الأول على شكل قسم إداري وعمل قائم بذاته، وهو الأمر الذي يثبته الدكتور حسين مؤنس بقوله: "ومعنى ذلك أن المغرب الأوسط في حدوده التي وضعها العرب أي ما بين نهري شلف ومولوية تقريبا، كان منذ الفتح العربي وحدة إدارية وسياسية".

إن المغرب الأوسط بهذه الصورة هو ما يقابل وسط وغرب بلاد الجزائر تقريبا في وقتنا الحاضر، وكان يتألف عند الجغرافيين العرب سيما في القرون الهجرية الأولى من إقليمين، تيهرت في الشرق وتلمسان في الغرب.

والمغرب الأقصى وهو ما يقابل المملكة المغربية اليوم، كان هو الآخر يتألف من إقليمين، الأول في الشمال و كان يعرف بإقليم طنجة ومن مدنه فاس حاضرة المغرب وسلا وسبتة وتازا ومراكش وغيرها، ويفصل بينه وبين الإقليم الثاني المعروف ببلاد السوس الأقصى وادي تانسيفت. وعن هذا الإقليم الثاني يحدثنا المراكشي قائلا: "فمراكش هذه آخر المدن الكبار بالمغرب المشهورة به وليس وراءها مدينة لها ذكر وفيها حضارة، إلا بليدات صغار بسوس الأقصى فمنها تارودنت وزجندر والكست ونول لمطة". 


دور طائفة اليهود في احتلال الجزائر

 




في سنة 1786م، أسس اليهود نافتالي بوجناح أو بوشناق، ويوسف بكري وأخوه يعقوب شركة تجارية في الجزائر في عهد صالح باي. ولد هؤلاء الثلاثة في الجزائر لكن أصولهم تعود إلى ليفورن الايطالية.

كان عمل الشركة يقوم على أساس الوسيط بين الأهالي والشركة المَلَكِية الفرنسية. ففي سنة 1790 أنشأت الشركة اليهودية وكالة لها في عنابة وأخذ نشاطها يتطور إلى مناطق الشرق الجزائري والى تونس إلى أن احتكرت عملية شراء المحاصيل من السكان.

وفي سنة 1792م، أعلنت فرنسا عن قيام الجمهورية بعد إعدام الملك لويس الرابع عشر، وفي خضم تلك الإضطرابات لجأت الحكومة الجديدة إلى شراء كميات كبيرة من القمح لمواجهة الندرة التي اكتسحت فرنسا، لكن الشركة الملكية الإفريقية التي هي من الشركات الفرنسية الكبرى في الجزائر عجزت عن تزويد فرنسا بما تحتاج إليه من مواد غذائية. 

ألغيت الشركة الملكية الإفريقية في سنة 1794 عقب القرار الذي اتخذه مجلس الأمن العام، واستُبدلت بالوكالة الإفريقية وأصبحت هذه الأخيرة مدعمة من طرف الشركة اليهودية التي رخصت لها الحكومة الفرنسية إقامة وكالة لها في العاصمة الفرنسية، فأصبح لهذه الشريحة من اليهود دور كبير في التجارة الداخلية والخارجية للجزائر، هذا بفضل شبكاتهم ومعرفتهم لغة وعادات الجزائريين إضافة إلى التقرب من حكام الايالة وربط مصالحم مع فرنسا، ما خول لهم التدخل في الشؤون السياسية الجزائرية.

عملت الحكومة الفرنسية على شراء كميات كبيرة من القمح في عهد حكومة الثورة الفرنسية والحملة الفرنسية على مصر حتى بلغت ديونها 24 مليون فرنك، حيث قامت فرنسا بتسديد النسبة الكبيرة من قيمة القمح إلى الشركة اليهودية والتي تواطأت مع فرنسا ضد حكومة الجزائر في مسألة تسديد الدين المستحق. 

     ظلت الديون الجزائرية على فرنسا معلقة منذ عهود الجمهورية الأولى والإمبراطورية الأولى وحروب فرنسا ضد التحالفات الأوروبية، وعند عودة ملكية البوربون إلى العرش صمم داي الجزائر على تصفية الديون واقترح على شارل تاليران إنهاء قضيتها فعمل على تقديم تقرير إلى الدوق ريشيليو عام 1818، وبعد العديد من المداولات والمشاورات بين أعضاء اللجنة تقرر الاعتراف بمبلغ 7 ملايين فرنك كحد أعلى لهذه الديون وهو أقل من نصف المبلغ الذي حدده الداي، ومع ذلك وافق ممثل الداي عليه. لكن الحكومة الفرنسية دفعت 4,5 مليون فرنك التي هي حصة الداي إلى موكليه من عائلة بكري، إلاّ أن عائلة بكري خدعوا الداي بعد أن قبضوا هذا المبلغ وقرروا عدم العودة إلى الجزائر، فتجنس بكري بالجنسية الفرنسية واستقر في باريس ورحل بوشناق إلى مدينة ليفورن الإيطالية واستقر بها.

 إتهم الداي القنصل دوفال بالتواطؤ مع هذين اليهوديين، كما اتهمه بحجز الرسائل التي يوجهها إليه مجلس الدولة الفرنسي وقام باعتقال أفراد عائلة بكري وسجنهم، وطلب من فرنسا تسليمه مبلغ 2,5 مليون فرنك الباقية على الخزينة الفرنسية. 

حادثة المروحة:

       وقعت حادثة المروحة الشهيرة يوم 29 أفريل 1827 بمناسبة عيد الفطر، حيث يتقدم القناصلة الأجانب بتهنئة الداي بالعيد وكان من بينهم القنصل الفرنسي دوفال.  اغتنم الداي المناسبة وطلب من القنصل الفرنسي تفسير سبب تأخر ردود فرنسا بخصوص ديون الجزائر عليها، فكان رد القنصل غامضاً ومهيناً، فأمره بالخروج من مجلسه وعندما أبى الخروج ضربه بالمروحة التي كانت بحوزته، وزاد على ذلك دوفال في تقريره بأنه ضربه 3 مرات لكن بعض الروايات تذهب إلى أن فعل الضرب لم يحدث بل وقع التهديد بالضرب فقط. 

         كان رد فعل فرنسا على هذا الصنيع المفتعل أن أرسلت قطعة من أسطولها تحت قيادة القبطان كولي ،collet صعد القنصل دوفال إلى هذه السفينة وطلبوا من داي الجزائر القدوم شخصياً إلى السفينة وتقديم اعتذار للقنصل مدركين أن الداي لن يقبل بهذه السخافات فأضافوا شروطا أخرى منها:

  • أن يستقبل الداي القبطان ورئيس أركانه والقنصل بمحضر الديوان والقناصل الأجانب ويعتذر أمامهم لدوفال.
  • أن يرسل بعثة برئاسة وكيل الخرج (وزير البحرية) إلى قطعة القنصل الفرنسي ليعتذر باسم الداي إلى القنصل، وفي جميع الحالات يرفع العلم الفرنسي في جميع القلاع الجزائرية وتطلق مائة طلقة مدفعية تحية للقنصل.

 

وعندما انقضى أجل الإنذار بدون رد، أعلن كولي الحصار في 16 جويلية  1827م، أما الداي فقد أمر من جهته باي قسنطينة بالاستيلاء على المنشآت الفرنسية الواقعة في إقليمه، وقد أنذر الضابط الفرنسي الداي بأن عدم الاستجابة لهذه المطالب في ظرف 24 ساعة يعني إعلان الحرب على الجزائر، وبالفعل رفض داي الجزائر هذه الشروط المجحفة والمهينة فتم إعلان فرنسا الحرب على الجزائر.

 

 



إكتشاف نقود إسلامية في أمريكا، ما قصتها؟

 



عثر جيم بايلي، وهو مواطن أمريكي من ولاية رود آيلند، على قطع نقدية إسلامية صُكّت في اليمن في القرن السابع عشر مغمورة تحت الأرض بينما كان يمسح سطح بستان بمستشعر المعادن في مدينة ميدلتاون.  أكدت تحريات الخبراء الأولية أن القطع النقدية تلك صُكت باليمن في عام 1693م، فكيف وصلت إذا إلى أمريكا وماهي قصتها؟

القرصنة

يعتقد الخبراء أن هذا الإكتشاف قد يحل لغزا إستعصى على المحققين لقرون كان بطله أكبر مجرم مفلت من العدالة وأثرى قرصان عرفه التاريخ وهو الإنجليزي هنري إيفري.  فما قصة ثراء هذا القرصان وأي جُرم اغتنى به؟

قتل الحجاج والإستيلاء على أملاكهم

تعود وقائع الأحداث إلى نهاية القرن السابع عشر، وبالضبط إلى السابع من سبتمبر سنة 1695م، حيث هاجم القراصنة الإنجليز بقيادة هنري إفري سفينة حُجّاج كانت عائدة من مكة المكرمة إلى الهند وهي مملوكة لإمبراطور الهند آنذاك المسلم محي الدين محمد، وكانت محملة بالمعادن النفيسة كالذهب والفضة والنقود تبلغ قيمتها ملايين الدولارات بتقديرات اليوم.

تروي الوقائع التاريخية أن القراصنة الإنجليز عذبوا وقتلوا الحجيج واغتصبوا النساء واستولوا على ما في السفينة من نفائس ثم فروا نحو جزر الباهاماس.

وعلى الرغم من أن ملك بريطانيا وِليَم الثالث أمر بالقبض على القراصنة وعلى رأسهم هنري إفري إثر ضغوط كبيرة من امبراطور الهند، إلا أن مكان وجودهم ظل لغزا عند رجال القانون والمؤرخين المهتمين عدا زيارة إفري إيرلندا سنة 1696م.  ولكن بفضل الإكتشاف الأخير يُعتقد اليوم أن هنري إفري وقراصنته قضوا زمنا بالمستعمرات الأمريكية حيث استعملوا نقود الغنيمة تلك في سد نفقاتهم اليومية في ما يُشبه عمليات تبييض الأموال.

نقود إسلامية في ولايات أمريكية أخرى

ومنذ الإكتشاف الأول المذكور، تمكن هواة تنقيب أمريكيون من اكتشاف 16 قطعة نقدية مماثلة في ولايات أخرى، عشرة منها في ماستشيوسيت، إثنين في كوناكتيكت وثلاثة أخرى في رود آيلند، كما عُثر على أخرى في ولاية كارولينا الشمالية حيث رسى قراصنة هنري إفري عند أول نزول لهم بأمريكا بعد واقعة الحجيج.  كما يُعتقد أن بعض قراصنة إفري استقروا بإنكلترا الجديدة واندمجوا مع السكان.


بوابة الجزائر
03 ابريل 2021


الجزائر مهد الحضارات : الحضارة الأُلدواينية

 




الحضارة الأُلدواينية بالجزائر :

قبل مليوني ونصف المليون عام، إنتشرت بالجنوب الجزائري صناعة حجرية واسعة تعتمد على تشظية الحصى والحجارة لصنع أدوات الجزر والقطع.  وتُعرف هذه الحضارة عند علماء الأناسة بالحضارة الأُلدواينية كما تُعتبر مهدَ الحضارة الإنسانية.

يُعد موقع "برج تِن كنا" بالقرب من إليزي من أشهر المواقع بالجزائر التي ظهرت فيها أولى تلك الثقافات.  فقد ساعدت وفرة المياه آنذاك الإنسانَ الأول على الإستقرار بحذاء الأودية التي كانت تجرى بكثرة في منطقة التاسيلي قبل مرحلة الجفاف والتصحر.



أحقية المملكة المغربية في الصحاري الشرقية والجنوبية، الحجج التاريخية بين الحقيقة والزيف








نرد هنا بالحجة والبرهان على ادعاءات وزارة تزييف التاريخ والتلوين الصبياني للخرائط التابعة للباحثين عن الأمجاد في الأوهام وتزوير الحقائق التاريخية

فالخريطة المُرفقة أعلاه مثلا، يتم تداولها على نطاق واسع للتدليل على أحقية المراكشية التاريخية في الصحاري الشرقية والجنوبية، وهي من المرحلة السعدية. لكن هذه الخريطة تمثل مرحلة مؤلمة جدا من تاريخ إفريقيا المسلمة وتزويرا فاضحا للحقائق. إليكم بعض أحداثها

كانت أخبار وفرة الذهب بما كان يسمى السودان الغربي تثير لعاب سلاطين مراكش وتلهب أطماعهم، فجهزوا لها حملات النهب التي بدأت منذ 1581م في عهد السلطان الذهبي (لُقِّب هكذا لشغفه بالذهب) بالإستطلاعات ثم أرسل حملة عسكرية سنة 1589م كانت لغتها الإسبانية لأن معظم جندها كان من المسيحيين. إنتهت تلك الحملات بزوال دولة السونغاي المسلمة وحضارة غاو وتمبوكتو بعد أن أقدم القائد الإسباني المدعو "ابن زرقون" على قطع رؤوس العلماء والسادة بأمر من سلطان مراكش، واغتُصبت النساء، وقُتلت الأعيان

ونسوق شهادة من مؤرخ المخزن نفسه أحمد بن خالد الناصري إذ يقول : "وَلما كَانَ آخر النَّهَار هبت ريح النَّصْر وَانْهَزَمَ السودَان فَوَلوا الأدبار وَحقّ عَلَيْهِم الْبَوَار وحكمت فِي رقابهم سيوف جؤذر وجنده حَتَّى كَانَ السودَان ينادون نَحن مُسلمُونَ نَحن إخْوَانكُمْ فِي الدّين وَالسُّيُوف عاملة فيهم وجند جؤذر يقتلُون ويسلبون فِي كل وَجه".

والقائدان المذكوران جؤذر هذا وابن زرقون الذَيْن قادا حملة المراكشية على بلاد السودان الغربي هما مسيحيان نشئا في أسر إسبانية كاثوليكية من غرناطة.

لم يدم الحضور المراكشي في السودان طويلا، إذ توقفت بعثات اللهف وراء الذهب سنة 1618م، لكن المنطقة دخلت بسببها بعد ذلك في ما عُرِف بقرون "الفراغ الكبير" وهي ثلاثة امتدت حتى قدوم الإحتلال الفرنسي، انهار خلالها القانون والنظام في بلاد السودان (مالي) والذي كان قد ظل قائما باستمرار منذ تأسيس دولة غانة، وعانت الساكنة من ظهور عصابات المرتزقة والتي أخذت في نهب القرى والأملاك

(إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ)
(النمل 34)

أحداث مهدت لاحتلال الجزائر : الإنتفاضات الأهلية ضد حكم الأتراك

 



تزامنا مع غياب الإستقرار السياسي بداية القرن التاسع عشر ومسلسل الإغتيالات الذي طال حكام الجزائر الدايات، إشتعلت عدة إنتفاضات أهلية نتيجة للغضب الشعبي على تردي الأوضاع السياسية والمعيشية الناتجة عن الأول.

نذكر من هذه الإنتفاضات على سبيل المثال لا الحصر، إنتفاضات جرجرة سنوات 1804، 1810، 1823م؛  إنتفاضة بلحرش سنة 1804م بالشمال القسنطيني؛ ثورة درقاوة ما بين 1805 و 1816م بالغرب الجزائري؛ وثورة النمامشة والأوراس بين عامي 1818 و 1823م؛ والتجانية بعين ماضي سنة 1826م.

لكن نكتفي هنا بالثورات والإنتفاضات الأشهر والأكثر توثيقا ومن أهمها :

إنتفاضة بلحرش (أو ابن الأحرش)، 1804م :

قادها محمد بن عبد الله الشريف البودالي في عهد الداي مصطفى باشا (المغتال سنة 1805م). إستولى بلحرش في بداية ثورته على القُل ثم عنابة، ثم حاصر بعد ذلك قسنطينة سنة 1804م.  وتمكن من سحق جيش باي قسنطينة عثمان الذي خرج للقضاء عليه بتكليف من الداي في معركة وادي الزهور التي هلك فيها الباي ، وكان ذلك سنة 1804م أيضا.

دامت إنتفاضة بلحرش في الشرق أربع سنوات قبل أن يقضي عليها عبد الله بن إسماعيل، باي قسنطينة الجديد، بمساعدة القبائل الموالية.  فانتقل بلحرش إلى الغرب وانضم إلى انتفاضة درقاوة حيث قُتل هناك.

إنتفاضة درقاوة، 1805م :

قادها بن عبد القادر بن الشريف الدرقاوي الذي تمكن من السيطرة على رقعة جغرافية واسعة إمتدت من مليانة وسط الجزائر إلى وجدة بالمغرب الأقصى، بعد أن انتصر على مصطفى العجمي باي وهران في موقعة فرطاسة قرب غليزان سنة 1805م.

هاجم بعدها وهران وحاصرها لثمانية أشهر قبل أن يتمكن الباي محمد بن عثمان المقلش من كسر الحصار ومطاردة قوات درقاوة وإخضاع القبائل المتحالفة معه كالبرجية وعامر ومهاجر بمساعدة القبائل الموالية للأتراك، وتم له ذلك سنة 1808م بعد ثلاث سنوات من الكر والفر.

باب : النزعة الإنفصالية و انشقاق الولاة

بعد إخماد ثورة درقاوة، تولى محمد بوكابوس بايلك وهران عام 1808م، وانتمى سرّا إلى الطريقة الدرقاوية وأعلن انشقاقه عن سلطة الداي، وتحالف مع سلطان المغرب الأقصى سليمان، ثم طلب العون العسكري من إسبانيا وبريطانيا مقابل امتيازات اقتصادية يمنحهما إياها.

إنتفاضة التجانية، 1826 م

شن بايات الغرب، وحتى باي التيطري، عدة حملات ضد أتباع التجانية بعين ماضي، إبتداءاً بمحمد الكبير سنة 1784م، لكننا سنقتصر هنا على آخر تمرد للتجانية قُبَيل الإحتلال الفرنسي لاتصاله بالموضوع، وهو انتفاضة 1826م والتي قادها محمد الكبير التجاني.

سار محمد الكبير التجاني نحو مدينة معسكر فدخلها عنوة بعد أن مات من الفريقين خلق كثير.  بعد الموقعة، خرج إليه باي وهران حسن بن موسى يطلبه، فالتقى الجمعان في موقعة السمار قرب أولاد رحو. فانهزم جيش التجاني ولم ينجُ منهم أحد، لكن بعد أن قُتل من جيش الباي جمعٌ كثير.

والمؤسف أن الباي حسن قام بالتمثيل بالجثث وصلبها بعدة مدن وأمر بقطع رؤوس قادة الثوار ومنهم رأس محمد الكبير التجاني وبعث بها إلى الداي حسين بالجزائر.

أسرد هذه الأحداث هنا لأنها تفسر الضغائن التي أدت بالتجانية إلى التعاون مع المحتل الفرنسي ووقوفها ضد الأمير عبد القادر في مقاومته للإحتلال فيما بعد.

هذا غيض من فيض من أحداث وعوامل أضعفت الأتراك فمهدت للإحتلال، وأضعفت التلاحم الشعبي واستنزفت قدرات وموارد الأهالي فأفشلت مقاومتها للمحتل.