الدول العربية والثورة الجزائرية : المملكة العربية السعودية

الملك سعود بن عبد العزيز






الدعم السياسي 

أ) عند هيئة الأمم المتحدة

بعد اندلاع ثورة التحرير الجزائرية بشهرين، وبالضبط يوم 5 جانفي 1955م، لفت أحمد الشقيري(*)، ممثل المملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة، أنظار العالم إلى معاناة الشعب الجزائري من اضطهادات المستعمر الفرنسي، كما نجحت السعودية في إقناع 14 دولة إفريقية وآسيوية بضرورة دمج القضية الجزائرية ضمن جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لنفس السنة، لكن معارضة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة للمقترح، حال دون تحقيق ذلك. 

عادت المملكة العربية السعودية إلى طرح القضية الجزائرية أمام الهيئة الأممية سنة 1956م مدعومة بالكتلة الأفرو-آسيوية، وطالبت بإدراج القضية الجزائرية مجددا في جدول أعمال الجمعية العامة وكشفت للحضور بعض أوجه جرائم الإستعمار الفرنسي في الجزائر وأنواع التعذيب والتقتيل الجماعي والفردي الذي يتعرض له الشعب الأعزل. لكن حلفاء فرنسا الأطلسيين عارضوا المقترح مجددا فلم يتم إدراج القضية كذلك. لكن دورة 1956م الأممية سجلت موقفا أخويا إيجابيا للوفد السعودي حيث أدرج الوفدَ الجزائري ضمن قائمته مما أثار غضب الممثل الفرنسي الذي رمى السعودية بالشيوعية! لكن صدر عن الجمعية قرار ألمح إلى ضرورة إجراء مفاوضات جزائرية-فرنسية حسب ميثاق الأمم المتحدة لإيجاد حل توافقي للأزمة. 

أما دورة 1958م فقد انتهت بالإعتراف بحق الشعب الجزائري في الإستقلال بعد أن دافعت السعودية عنه مدعومة بالكتلة العربية. 

ب) على المستوى الثنائي

بعد أن قامت فرنسا باختطاف طائرة زعماء الثورة الجزائرية بالمغرب الأقصى في 22 أكتوبر 1956م، طلب الملك سعود من فرنسا إطلاق سراحهم وأصدرت الحكومة السعودية بيانا هذا نصه : "على إثر اعتقال السلطات الفرنسية لبعض زعماء الجزائر في ظروف لا تقرها القوانين الدولية، أمر صاحب الجلالة الملك، وزارة الخارجية بتوجيه نظر الحكومة الفرنسية إلى النتائج الخطيرة التي يؤدي إليها هذا الإعتقال بالنسبة للسلم، مع المطالبة بالإفراج عنهم فورا حتى لا تتعقد الأمور وتزداد الحالة خطورة في الجزائر، بل في الشرق الأوسط عامة." 

وفي سبتمبر 1958م أعلنت السعودية اعترافها بالحكومة المؤقتة الجزائرية فور تشكيلها، فبعث الأمير فيصل بن عبد العزيز وليُّ العهد ورئيسُ الوزراء يومئذ برقيةً إلى فرحات عباس جاء فيها : "حضرة السيد فرحات عباس رئيس وزراء حكومة الجمهورية الجزائرية المؤقتة. أهنيء سيادتكم بقيام الجمهورية الجزائرية وأنه يسرني أن أخبر سيادتكم باعتراف المملكة العربية السعودية بشقيقتها الجمهورية الجزائرية، راجين لها النصر في كفاحها لنيل الإستقلال والعون في ما هي قادرة عليه." 

وفي تطور لاحق، اشترطت السعودية في جانفي من سنة 1959م حل القضية الجزائرية والسماح للشعب الجزائري بنيل استقلاله لعودة العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا التي قطعتها سنة 1956م إثر العدوان الثلاثي على مصر. وجاء في ما قاله الملك سعود عند مقابلته الأمين العام للهيئة الأممية : "البلاد العربية لن تكتفي بإرسال المساعدات المادية لإخوانهم المجاهدين، بل إني أقترح على الدول العربية اتخاذ خطوة إيجابية جديدة وهي مقاطعة فرنسا إقتصاديا حتى تقر حق إخواننا الجزائريين في حريتهم واستقلالهم في بلدهم." 

الدعم المالي

في أكتوبر 1956م، دعا الملك سعود بن عبد العزيز، الشعب السعودي إلى التبرع بالمال لصالح الثورة الجزائرية، وقام هو شخصيا بالتبرع بمبلغ مليون ريال، ثم تبعه الشيخ محمد بن لادن بمبلغ مائة ألف ريال ووزير الدولة حسن عباس شربتلي بتسعمائة ألف ريال والشيخ سالم بن محفوظ بمائة ألف ريال كما بلغت تبرعات أهالي مكة المكرمة وجَدَّة أكثر من مليون ونصف المليون من الريالات. وزاد على ذلك أن جعل ابتداءً من سنة 1958م، يوم 15 شعبان من كل سنة "يوم الجزائر" وجعله مناسبة لجمع تبرعات الشعب السعودي لدعم الكفاح نحو استقلال الجزائر. 

ومن جهته فقد دعا أمير الرياض الأمير سلمان بن عبد العزيز (الملك الحالي) في أبريل 1960م، إلى جمع التبرعات النقدية والعينية لصالح الجزائر لمدة أسبوع بعد أن وجه نداءً إلى أهالي الرياض ندد فيه بجرائم فرنسا ضد الشعب الجزائري والبؤس والشقاء الذي لا يستثني أحدا لما تفرضه الآلة الإستعمارية عليه. 

كريم بلقاسم في الرياض 

بعد نداء الأمير سلمان وفي منتصف أبريل من نفس السنة، اتجه وفد جزائري برئاسة كريم بلقاسم إلى الرياض بعد أن حط بجدَّة على متن طائرة سعودية، والتقى الملك سعود الذي أكد للوفد واجب دعم المملكة للثورة الجزائرية كونها القضية الأولى بالنسبة للسعودية. 

وفي فبراير 1962م، عقد الأمير فيصل بن تركي الأول، بصفته وزيرا للداخلية آنذاك، مؤتمرا صحفيا إستعرض فيه مسيرة كفاح الشعب الجزائري وانتهاكات الجيش الفرنسي التي لم تستثنِ حتى النساء والشيوخ والأطفال وناشد كل من لديه الإستطاعة أن يتبرع لدعم جهاد الشعب الجزائري. 



---------------------------------------------------- 

(*) كان سوري الجنسية، حجازي الأصل من جهة أبيه، فلسطيني المولد، استعارته السعودية ليمثلها لدى الأمم المتحدة لخبرته القانونية.


الدول العربية والثورة الجزائرية : ليبيا


الدول العربية والثورة الجزائرية : ليبيا




الدول العربية والثورة الجزائرية : ليبيا

في 13 جوان 1956م، استقبل الملك إدريس السنوسي بمقر إقامته بطبرق، وفدا ممثلا عن جبهة التحرير الوطني من أعضاء اللجنة الفرعية للتسليح منهم الأمين دباغين وتوفيق المدني وعمر دردور، واتُفِق خلال المحادثات على أن جهاد الجزائريين ضد فرنسا هو جهاد شرعي وجب على كل المسلمين مؤازرته. وعبر الملك الليبي خلالها عن تأييده المُطْلَق للثورة الجزائرية وقضيتها العادلة وأكد أن ليبيا حكومة وشعبا تشترك جسدا وروحا في كفاح الجزائريين ضد الإستعمار الفرنسي. 

وعند اختطاف زعماء الثورة الجزائرية بالمغرب الأقصى في 22 أكتوبر من نفس السنة، خرج المتظاهرون إلى الشوارع الليبية معبرين عن سخطهم على عملية القرصنة الجوية التي نفذتها فرنسا في حق طائرة الزعماء، كما عبر الليبيون عن احتجاجهم على العملية بغلق محلاّتهم ودكاكينهم كما أوصدت البنوك أبوابها. 

الدعم السياسي 

تواصل الدعم الرسمي الليبي للثورة الجزائرية من خلال تنظيم عدة مؤتمرات واجتماعات مفصلية في تاريخ الثورة الجزائرية أهمها: 

الدورة الثالثة للمجلس الوطني للثورة الجزائرية، طرابلس الغرب 

انعقد هذا المؤتمر بمباركة الملك الليبي في 16 ديسمبر 1959م بعد ميلاد الحكومة المؤقتة الجزائرية في سبتمبر من العام الذي قبله، فوُضعت خلاله الأسس الدستورية للدولة الجزائرية الناشئة كما قام المؤتمر بترسيخ مبدأ تقرير المصير ومنح صلاحيات بدء المفاوضات مع فرنسا للحكومة المؤقتة. 

كما كان من توصيات هذا المؤتمر : 
  • منح صلاحيات واسعة للمجلس الوطني للثورة.
  • تعيين فرحات عباس على رأس الحكومة المؤقتة وإعادة تشكيلها.
  • إنشاء قيادة عسكرية جديدة، اللجنة الوزارية للتسليح، تحت قيادة بوصوف وكريم وبن طوبال ودعوة ضباط الخارج إلى الإلتحاق بوحدات الداخل.
  • تأسيس هيئة الأركان العامة للجيش الجزائري.
  • توسيع العمل المسلح في الجزائر ونقله كذلك إلى التراب الفرنسي.
  • طلب دعم الدول الصديقة مثل الإتحاد السوفييتي والصين.
  • إقناع الأفارقة بضرورة الإنسحاب من جيش الإحتلال.
  • بعث مشروع وحدة المغرب العربي.

وفعلا فقد تم في 18 جانفي 1960م، تعيين فرحات عباس رئيسا للحكومة المؤقتة، والعقيد هواري بومدين رئيسا للأركان في 23 من نفس الشهر، كما تحرك العقداء لطفي والزبيري وبن شريف ولخضر عبيدي ودهيليس للإلتحاق بوحدات الداخل(*). 

الدورة الرابعة للمجلس الوطني للثورة الجزائرية، مؤتمر طرابلس الثاني 

انطلق هذا المؤتمر يوم 9 أوت 1961م وانتهى يوم 27 من نفس الشهر بتعيين بن يوسف بن خدة رئيسا للحكومة المؤقتة خلفا لفرحات عباس، كما تطرقت جداول أعماله إلى المفاوضات مع فرنسا. 

الدورة الخامسة للمجلس الوطني للثورة الجزائرية، مؤتمر طرابلس الثالث 

جرت أشغال هذا المؤتمر بين يومي 27 ماي و7 جوان 1962م، برئاسة محمد الصديق بن يحي، ينوبه عمر بو داوود وعلي كافي. ونوقش خلاله إستفتاء تقرير المصير والبرنامج المستقبلي للجزائر المستقلة. 

فتم إقرار إقامة دولة جزائرية ديمقراطية شعبية مبنية على أسس إشتراكية وتحويل جبهة التحرير الوطني من دورها الثوري إلى دور جماهيري تعبوي بعد الإستقلال. وظلت قرارات مؤتمر طرابلس الأخير تمثل إطار عمل الحكومة الجزائرية المستقلة إلى أن صدر ميثاق الجزائر الوطني في أبريل 1964م. 

الدعم العسكري والمادي 

في عام 1955م، وافق مصطفى بن حليم، رئيس الحكومة الليبية، على تمرير الأسلحة القادمة من مصر عبر التراب الليبي وتخزينها بطرابلس إلى أن يتم ذلك. وبحضور الوفد الجزائري، كانت الأسلحة القادمة من مصر مرورا بمنطقة السلوم تشحن في سيارات ليبية وتخزن في طرابلس ليتم نقلها إلى الحدود الجزائرية لاحقا. كما سمحت السلطات الليبية سنة 1957م لفرقة عسكرية من جيش التحرير الجزائري بالتمركز بمنطقة فزان بعد موافقة عبد الجليل سيف النصر، والي فزان. 

وفيما يخص الجانب المالي فقد قدمت اللجنة الليبية للتبرعات لصالح جيش التحرير الجزائري في جوان 1956م، خمس شيكات بنكية إلى مصر لصالح الثورة الجزائرية وقد لعب السادة الهادي المشيرقي والحاج حسونة فحيمة وعلي حسنين، أعضاء اللجنة، دورا نشطا في جمع التبرعات.

-------------------------------------------------

(*)  تمكن الطاهر الزبيري من الإلتحاق بالولاية الأولى بينما استشهد العقيد لطفي وأُلقِي القبض على أحمد بن شريف خلال العودة، ولم يتمكن لخضر عبيدي (الحاج لخضر) من العودة لمرض أصابه.