الموقف الأمريكي من القضية الجزائرية 1830 - 1962

الموقف الأمريكي من القضية الجزائرية 1830 – 1962





خلف الله سمير


بداية نقول بأن الو م أ لم تظهر على مسرح الأحداث المتوسطية إلا من بعد نيلها للاستقلال عن بريطانيا وهذا في العام 1776 لكون الأخيرة هي من كانت ترعى مصالحها لما كانت مستعمرة لها ولكن الوضع تغير بعد استقلالها وأصبح لزاما عليها أن ترعى هي مصالحها بنفسها وبصورة مباشرة مع منطقة شمال إفريقيا وعلى رأسها الجزائر ومن دون أية وساطة بينهما ومن هنا تبدأ الدولتان في بناء علاقات ثنائية وسوف تتراوح تلك العلاقات بين السلم والحرب وتبادل المصالح الاقتصادية خاصة شأنها في ذلك شأن باقي الدول الأوروبية الأخرى .

 والعلاقة الأمريكية الجزائرية هي علاقة حديثة وهذا لحداثة الدولة الأمريكية ذاتها حيث أنها ترجع للعام 1783 م ومن بعد هذا التاريخ أصبحت تجارة ومصالح الو م أ تعرف صعوبات جمة في حوض البحر المتوسط وفي المحيط الأطلسي نتيجة للحضور القوى للأسطول الجزائري فيهما ولهذا ومنذ العام 1815 فقد تدهورت العلاقة بين الطرفين لتعلن الو م أ الحرب على الجزائر ولتنتهي المواجهة في البحر بمقتل الريس حميدو من قبل الأمريكيين في العام 1815 . علما بأنهم يعتبرون ما تقوم به الجزائر ليس إلا عملية سطو ونهب في عرض البحر 01 . كما وأننا في نظرهم لسنا سوى برابرة وقراصنة وهمج نعتدي على القانون الدولي ولا نقيم له حرمة مطلقا كما أننا شر يدمر تجارة الدول الصغرى 02 . ولأجل ما سبق فالحرب كانت عادية بين الطرفين فقد تجددت بينهما أي بين الجزائر والو م أ بعد العام 1812 بسبب الاختلاف حول ما يعادل الضريبة السنوية من عتاد حربي وذخيرة .

 واستمرت الحرب البحرية بعد هذا التاريخ سجالا بينهما لكون الأعمال الحربية الجزائرية البحرية كانت الدول الغربية ومنها الو م أ تعتبرها خطرا على التجارة وعلى الحضارة ولهذا فقدر الجزائر كان حسبهم أن تقع تحت نير الاحتلال لتحضيرها ولتلافي خطرها على التجارة الدولية خاصة وأنها حسبهم لا تملك من الوسائل التي تبقيها خارج تيار الحضارة من دون عقاب . وهي قائمة على أفكار تتناقض مع الحرية والتقدم الذي عرفه هذا القرن والمقصود هنا القرن التاسع عشر كما جاء في مذكرات القتصل المذكورة أعلاه دوما .

 ولهذا فإن الو م أ قد كانت من المؤيدين لقيام تحالف أوروبي مسيحي ضد الجزائر في مؤتمر فيينا لكونها دولة تشترك مع دول أوروبا الغربية في هويتها المسيحية الرومانية . ومن بعد هذا المؤتمر فقد فرضت الو م أ على الجزائر معاهدتي 1815 و 1816 مستفيدة من الوضع العام الدولي المعادي للجزائر ورغم كل هذا ونظرا لبعد المسافة بين الجزائر وأمريكا ولمناصبة الدول الأوروبية العداء لها فإن الو م أ قد أصبحت مقتنعة بأنه : " لا طاقة للولايات المتحدة الأمريكية على فرض السلام على الجزائر " بتعبير المفاوض الأمريكي في تلك الفترة جون لامب John Lamb كما أن : " الحرب ستؤدي إلى تخريب الاقتصاد وأنها ليست خطوة حكيمة " بتعبير جون ادمز John Adams نائب الرئيس الأمريكي في الفترة ما بين 1789 و 1797 . ولذلك فقد أصبحت الو م أ تتقارب مع الدول الأوروبية لأجل إيجاد مخرج للمسألة الجزائرية ونتيجة لهذه السياسة كالتقارب الأمريكي البرتغالي فإنه وكرد فعل مباشر من الجزائر على تلك الخطوة فهي قد سيطرت على سفن أمريكية في البحر المتوسط مع أسر من فيها وكان هذا في العام 1793 ونتيجة لهذا ولعدم قدرة الو م أ على فرض إرادتها على الجزائر فإنها وفي العام 1795 قد وقعت اتفاقية صداقة مع الجزائر . وبقيت العلاقة بين الطرفين تتراوح بين السلم والحرب إلى غاية سقوط الجزائر بيد الاحتلال الفرنسي في العام 1830 .

 ولنفهم موقف الو م أ من الغزو الفرنسي للجزائر علينا أن نعرف أولا طبيعة العلاقات التي كانت تربط الطرف الجزائري بالطرف الأمريكي والأوروبي عموما وهذا لتناغم المواقف بين الطرفين وإن كان تناغما نسبيا تحكمه المصالح . إن البحر المتوسط كان منطقة صراع طويل ومتجدد بين البحرية الجزائرية وبين الدول الأوروبية المختلفة وكثيرا ما كانت الجزائر تسيطر على سفن الدول الأوروبية وعلى سفن الو م أ مثلما هو الحال في العام 1785 وهذا عندما سيطرت الجزائر على سفينتين أمريكيتين وجيء بمن فيها كأسرى وبعدها بعام واحد اتفق الطرفان على مبلغ مالي تدفعه الو م أ لإيالة الجزائر كما أنه وفي العام 1793 سيطر الجزائريون على سفن أمريكية وقرابة 150 أسيرا وكل هذا كان نتيجة لتفوق الأسطول الجزائري في حوض البحر المتوسط وكنتيجة مباشرة لهذا التفوق فقد بقيت حكومة الو م أ تدفع الإتاوة للجزائر مما دفعها في العام 1815 إلى إعلان الحرب على الجزائر والتي انتهت لصالح الأمريكيين .

 ولكن وكما يقال فليس في كل مرة تسلم الجرة فالحرب مع الجزائر لا ضامن في المستقبل بأن تكون لصالح الو م أ ولذلك فإن الحملة الفرنسية على الجزائر في العام 1830 قد خلصتها أي الو م أ من كابوس كان يهدد مصالحها وخاصة التجارية منها في حوض البحر المتوسط وخلاصة القول فالنصر الفرنسي هو نصر ليس لها هي وحدها فقط بل هو نصر لهم جميعا وهذا باعتباره نصرا للمسيحية على الإسلام ونصر كما يدّعون للحضارة على البربرية وعلى الهمجية .

 كما وأن الحملة الفرنسية على الجزائر قد خلصتهم من كل تلك الشرور التي كانوا يجابهونا في علاقاتهم معها ومن جهة أخرى فإن غزو فرنسا للجزائر كان أمرا عاديا في تلك الأيام ولا يتطلب موقفا معارضا أو معاديا طالما هو لم يخل بالتوازنات الدولية ولم يضر بمصالح الدول المختلفة فنابليون ضم إمارات إيطالية لفرنسا والو م أ نفسها تضم أراضي جديدة كضم لويزيانا في العام 1812 وتكساس في العام 1845 إليها . فالقضية إذن ليست قضية أرض فالأقوى كان يضع عليها يده وانتهى الأمر ولهذا فالغزو الفرنسي للجزائر كان مرحبا به من قبل كل الأمم والدول الغربية بين ضفتي الأطلسي لأنه خلصهم من عدو طالما أرقهم ولقرون عدة ونظرتهم إلى الجزائريين لم تكن تخرج عما كان يعتقده نابليون بونابرت فينا في العام 1802 والذي قال : " لقد قررت أن ألقن هؤلاء قطاع البحر الجزائريين درسا " 03 نعم لقد كان حلمهم جميعا هو تخريب الجزائر ومحوها من الوجود وهذا في إطار الصراع بين ضفتي المتوسط ومن يسيطر عليه . كما أن المسيحية لم تغفر للإسلام أبدا أنه كان سببا في نهاية وجودها حسب اعتقادها الخاطئ في إفريقيا الشمالية وهي تتهمه بأنه هو من أنهي ذلك التواجد على الشواطئ البربرية وعليه فأي عمل من قبل أية دولة أو أمة مسيحية فقد كان مرحبا به وعلى الدوام بهدف إعادة هذه المنطقة لاتينية مسيحية كما كانت وهذا حسب اعتقادهم الباطل طبعا .

 ثم إن نجاح الحملة الفرنسية على الجزائر قد ثأر لكل تلك الإهانات والتي لا نرى من داع لتكرارها هنا ويمكن الاطلاع عليها في كتاب مولود قاسم نايت بلقاسم شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية قبل سنة 1830 الجزء الثاني منه والتي ابتلعتها مختلف الأمم والدول الأوروبية وفي مناسبات عدة بل إن هذا الاحتلال لهو : " يضمن انتصار كل من الحضارة والمسيحية في الوقت نفسه في أرض إفريقيا " 04 لماذا لأن غزر فرنسا للجزائر قد كان في صالح كل المسيحية والرامية لبسط هيمنتها على ضفتي المتوسط 05 . كما هو في صالح الدول الاستعمارية كلها ومنها الو م أ والتي أنهى وبصورة نهائية متاعبها في حوض البحر المتوسط . وعليه فاحتلال فرنسا للجزائر يدخل في خانة ذلك الصراع بين هاتين الضفتين وهذا منذ الفترة القرطاجية وإلى غاية 1830 وزادت هذه الطموحات تأججا خاصة بعد سقوط غرناطة وظهور اسبانيا كدولة مركزية قوية هذا إلى جانب ما تزخر به الجزائر من خيرات وكونها سوقا واسعة لمن تسيطر عليها من الدول الأوروبية كما أنها ستصبح مجالا حيويا وعمق استراتيجي للغرب ككل وشهدت الأيام لهذا الرأي وهذا ما تجلى في أهميتها الإستراتيجية لأوروبا خلال ح ع 2 وهذا حينما تحولت إلى قاعدة خلفية وأرضية انطلاق لتحرير أوروبا من الفاشية ومن النازية .

 كما وأنه لا لوم على فرنسا وهذا حينما احتلت الجزائر خاصة أنه وما دامت الدولة العثمانية لا تريد إزالة القرصنة وبمحض إرادتها فكل عمل من قبل الدول الأوروبية في هذا المسعى فهو عمل مقبول . 06 . كما أن احتلال الجزائر لهو عمل مرحب به كذلك لأنها ستكون البوابة والتي عبرها ستنتشر الحضارة في كل إفريقيا والتي يعيش سكانها في ظلام دامس من التوحش 07 نفسه وهو نفس موقف الو م أ والتي ترى بأن فرنسا فتحت باب نقل الحضارة إلى إفريقيا عبر الجزائر وخلصتهم من القرصنة الجزائرية ومن عار دفع ضرائب سنوية إلى الجزائر . خاصة إذا علمنا بأن فرنسا كانت حليفة للو م أ في حرب استقلالها عن بريطانيا وهي من فتحت لها طريق غرب المتوسط وسهلت لها مهامها الاقتصادية فيه ثم هي اشترت منها ومن دون مشاكل تذكر مستعمرة لويزيانا كل هذا إضافة إلى سياسة العزلة الأمريكية والتي بموجبها قررت عدم التدخل في شؤون القارة الأوروبية ومستعمراتها وسياسة العزلة تلك ستدفع الو م أ إلى أن تكون غير عابئة بما تفعل فرنسا في الجزائر وستجد الأخيرة مطلق حرية التصرف في شؤون الجزائر وهذا طوال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين .

 وإذا ما نحن وصلنا إلى محطة رحيل الحكم العثماني من الجزائر وقيادة الأمير عبد القادر للمقاومة الجزائرية للغزو الفرنسي فإن هذا الأخير قد حاول إقامة علاقات ودية مع الو م أ عبر قنصلها بطنجة المغربية لكي يستفيد منها ضد فرنسا ولكن متانة العلاقات الفرنسية الأمريكية لم تنجح مسعاه هذا وهذا أمر لا يثير الاستغراب لأنه من المستحيل انتظار موقفا إيجابيا أمريكيا من الجزائر وهذا من بعد العام 1830 ولا الاهتمام بها أصلا لكونها أصبحت مسألة فرنسية داخلية والتعامل معها يكون من بوابة باريس شأنها في هذا شأن أي مقاطعة فرنسية أخري إضافة إلى هذا انسحابها من مسرح السياسة الدولية على اثر مبدأ مونرو 1823 م قد جعلها غير عابئة بما يحدث خارج حدودها وحدود القارة الأمريكية .

 وإذا ما نحن انتقلنا إلى محطة الحرب العالمية الأولى فقد شارك فيها الجزائريون كغيرهم من شعوب المستعمرات الفرنسية وهذا من بعد أن فرضت عليهم فرنسا التجنيد الإجباري سنة 1912 ومن بعد انتهائها توجه وفد يمثلهم إلى مؤتمر الصلح بباريس في العام 1919 كان من شارك فيه الأمير سعيد الجزائري نجل الأمير عبد القادر كما هو معلوم للجميع وقدموا مذكرة جاء فيها : " إن الشعب الجزائري والتونسي يطالب باستقلاله التام ويهيب بالضمير العالمي ليعترف له بحق تقرير مصيره بحرية ويرفع مطالبه إلى مؤتمر الصلح الذي سيجتمع بعد أيام للنظر في خريطة العالم وإصدار مبادئ جديدة لضمان حقوق الإنسان والشعوب " 08 وهنا نحن لا ننتظر أي شيء من الو م أ والتي كانت تعيش في سياسة العزلة ولا هي قادرة على مجابهة النمر الفرنسي جورج كليمنصو Georges Clemenceau .

 والو م أ وكما نعلم جميعا لم تتدخل في الح ع 1 رغبة منها في المشاركة في إدارة شؤون العالم وإنما شاركت فيها بهدف حماية مصالحها الاقتصادية ولصيانة وحدتها الترابية والحفاظ عليها وليس هنا مجال التوسع في هذه النقاط ولذلك فمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها لم تعمل الو م أ على فرضه على فرنسا وبريطانيا واللتان كانتا لهم مصالح توسعية تتناقض مع هذا المبدأ وإن هم استفادوا منه خدمة لمصالحهم تلك وهذا حينما عملوا به وطبقوه على خصومهم المنهزمين في الحرب كالنمسا والدولة العثمانية ولذلك فلن ننتظر في هذه الفترة أي شيء من الو م أ والتي وبانتهاء مؤتمر الصالح عادت إلى سياسة العزلة من جديد .

 وأما في الفترة ما بين الحربين فلا يمكن لنا أبدا أن ننتظر شيئا من الو م أ تجاه القضية الجزائرية والتي أصبحت شأنا فرنسيا داخليا وبامتياز وما يهم الو م أ فيها سوى مصالحها الاقتصادية والثقافية أما الأمور السياسية فلا دخل لها فيها مطلقا .

 أما أثناء الحرب العالمية الثانية فقد تعاملت الو م أ مع الحركة الوطنية الجزائرية مرغمة وهذا لضرورات الحرب خاصة وأنها تعلم وكما صرح روبير مورفي Robert Murphy المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي روزفلت Franklin Roosevelt من أن فرحات عباس له حركة يمكن أن تشكل الكثير من المتاعب للحلفاء لو استخدمها ضدهم . وفي مقابل هذا فهي لا يمكن لها إغضاب حليفتها الرئيسية في الحرب فرنسا كما أن مصالحها ووجودها سوف يهددان في حالة انتصار دول المحور على الحلفاء ولذا فمصالح ووجود الو م أ كدولة يتوقف على مساندتها لفرنسا في الحرب ولذلك فكل ما عدا هذا فهي أمور هامشية وثانوية بالنسبة لها خاصة وأنها دولة تحتكم لمنطق المصلحة لا إلى منطق الأخلاق .

 ومما سبق نقول بأن الو م أ وخلال ح ع 2 قد دعمت الجزائر الفرنسية وهذا ما نجده في خطاب الجنرال أيزنهاور Dwight David Eisenhower لفرنسيي الجزائر حيث يقول فيه : " إننا سنترك بلادكم عندما يذهب عنها الخطر الألماني والايطالي ، وأن السيادة الفرنسية على المناطق ستظل بدون تغيير " 09 لأن هدف الو م أ في هذه المرحلة من تاريخ ح ع 2 هو توحيد الصفوف ورصها لتحقيق النصر على دول المحور وهذا ما يتضح في قول شارل أندريه جوليان Charles-André Julien والذي جاء فيه : " إن روبير ميرفي قد مارس تأثير في بعض الحالات غير سري ولكنه مصيري ، لقد استقبل فرحات عباس عدة مرات وتحادث معه حول إمكانية تطبيق مبادئ الميثاق الأطلسي على الجزائر ، وكان هدف روبير ميرفي من هذه المحادثات هو توحيد القوات الجزائرية ضد العدو المشترك " . ولذلك فقد نجحت هذه الدعاية الأمريكية وخاصة مع عباس فرحات والذي كان يؤمن بفكرة الثورة بالقانون والمتحمس أيضا للقيم الغربية وعلى رأسها قيم الحرية والديمقراطية وكل ما ناله من روبرت مورفي هو المراوغات ولا أكثر من هذا ويتضح هذا في ما كتبه هذا المبعوث ذاته وهذا حينما يقول : " تلقيت زيارات عديدة ، بعضها غير منتظرة بما في ذلك زيارة فرحات عباس ، الذي كان في هذه المرحلة وطنيا متشددا وتحدث معي في مرات عديدة عن استقلال الجزائر ، ولما كنت عائدا من واشنطن كان يسعى لمعرفة الموقف الأمريكي من مسألة الجزائر المستقلة ، وكنت أجيبه دائما أن الأمريكيين يدعمون كل رغبات الاستقلال ، لكن أهدافنا في إفريقيا محددة بحالة الحرب ، ولم يكن لدينا سوى هدف واحد هو إلحاق الهزيمة بالنازيين . " 10

 نعم لقد حاول عباس فرحات وعادته دوما في نضاله الارتكاز على القيم الغربية واستخدام أدواتها في نضاله وهذا ما يبرز في بيان الشعب الجزائري والذي صاغه هو شخصيا ومما جاء فيه : " لقد أعطى الرئيس الأمريكي روزفلت ، تأكيدا في تصريح أدلى به باسم الحلفاء بأن حقوق جميع الشعوب الكبيرة منها والصغيرة ، ستكون محترمة في تنظيم العالم الجديد ، إن الشعب الجزائري الذي يجد له قوة في هذا التصريح يطلب منذ اليوم ، كي يتجنب كل سوء تفاهم وكي يقطع الطريق على الغايات والمطامح التي يمكن أن تنشأ غدا " ولكن الو م أ وبالرغم من توجهها خلال الح ع 2 إلى فكرة تصفية الاستعمار وهذا ما ألهب الشعور الوطني في الجزائر حتى أصبح الكل وكما يقال متأكد من أن الجزائر ستستقل عقب هذه الحرب حتى أن فرحات عباس خطب في سطيف قائلا حول مؤتمر سان فرانسسكو وقال بأن : " المؤتمر سيضمن الحرية لجميع الشعوب وأن الشعب الجزائري سيكون من بينها " . ونفس الموقف يتبناه البشير الإبراهيمي والذي قال هو أيضا : " بأن مؤتمر سان فرانسيسكو سيجلب استقلالا جزئيا لشعوب شمال إفريقيا " . ومن جهة أخرى فإن الو م أ قد فكرت في إمكانية وضع المستعمرات تحت الوصاية الدولية إلا أن هذه السياسة لم يكتب لها النجاح بسبب : " صعوبة تطبيق هذه المقترحات،واصطدامها بعراقيل تعود في الأساس إلى تناقضات السياسة الأمريكية ، ورفض الدول الاستعمارية الكبرى فرنسا وبريطانيا- للهيمنة الأمريكية من جهة أخرى . " 11

 وعليه فقد حاول الجزائريون الاستفادة من الحرب العالمية الثانية وخاصة ممن كانوا ينتظمون في حركة النخبة وعلى رأسهم وكما مرّ أعلاه نجد فرحات عباس ولكنهم لم يحققوا شيئا مما هدفوا إليه وهذا لكون الحركة الوطنية الجزائرية قد كانت في هذه الفترة ضعيفة لذلك لم تستطع أن تفرض وجودها على أحد 12 وهذا على عكس ما سيكون عليه الوضع بعد العام 1954 عندما يفرض الجزائريون وجودهم على العالم أجمع وهذا عندما يحقق لهم الكفاح المسلح ما عجز عنه النضال السياسي العقيم .

 كما أن الو م أ لم تكن ترغب في المساس بسيادة فرنسا على كل منطقة شمال إفريقيا بل اعتبرت أن أي حركة ضد فرنسا هي خطر من الدرجة الأولى سوف تناهضه 13 ولهذا فهي قد حددت خياراتها في هذه الفترة فهي تفضل الوضع الاستعماري القائم على أي تغيير يحدث وربما لن يخدم مصالحها مستقبلا لكون مصالحها تتقاطع مع المصالح الفرنسية لا مع مصالح الحركة الوطنية الجزائرية والتي لا تغريها بسبب كونها ليس لها ما تقدمه إليها أصلا . ومع هذا فإننا لم نسمع عن أية مقاومة من قبل الجزائريين لقوات الحلفاء والتي نزلت الجزائر في العام 1942 فيما يعرف بعملية الشعلة Operation Torch وهذا لكون فرنسا قد حلت حزب مصالي الحاج وسجنت قياداته ونفس الأمر مع جمعية العلماء المعتقل رئيسها الإبراهيمي بمنطقة أفلوaflou بولاية الأغواط الحالية أما فرحات عباس فلا ننتظر منه في هذه الحقبة أن يؤيد أي عمل عسكري ضد فرنسا فضلا على أن يتزعمه وهذا لكونه لا زال يأمل في فرنسا الجمهورية كما أنه راهن على ما جاء في ميثاق الأطلسي وما نادى به الحلفاء من حق الشعوب في تقرير مصيرها ومن ضرورة إنهاء كل أشكال الظلم والاضطهاد والعبودية . وعندما اتصل عباس فرحات بالسيد مورفي السابق الذكر وتناقش معه حول إمكانية استقلال الجزائر لكنه راوغه بالقول بأن الو م أ مهتمة بهزيمة النازية والمحور وإن كانت تتعاطف مع كل الحركات التحررية ولكننا نعلم مسبقا بأن الجزائر تعتبرها الو م أ إقليما فرنسيا كما أنها عازمة على أن يرفرف العلم الفرنسي على كل الأراضي التي سبق وأن رفرف فوقها قبل العام 1939 ومن ضمنها طبعا الجزائر . وعليه فالو م أ كانت تعارض أي انفصال للجزائر عن فرنسا بالطرق السلمية الديمقراطية فضلا عن استخدام القوة ضدها ونقطة الخلاف بين الو م أ والحركة الوطنية الجزائرية هي أن الأولى تعتبر الجزائر مقاطعة فرنسية كما هي كاليفورنيا ولاية أمريكية لا يمكن مجرد التفكير في استقلالها فضلا عن مناقشته ويبرز هذا في رد الو م أ على بيان فيفري 1943 حيث اعتبروه مسألة تخص الشأن الداخلي الفرنسي ولا يحق لهم التدخل فيه في حين أن الحركة الوطنية الجزائرية لا تعترف بالسيادة الفرنسية على الجزائر وتعتبرها احتلال واستعمار يجب إنهائه . ولذلك وحسب الحركة الوطنية الجزائرية فهي ينطبق عليها ما وعد به الحلفاء من أن الشعوب المستعمرة كلها لها الحق بما وعدوت به أثناء ح ع 2 كتحضير لمؤتمر سان فرانسسكو . وها هو الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت صرع باسم الحلفاء بأن حقوق كل الشعوب صغيرة أو كبيرة ستحترم في منظمة العالم الجديد وانطلاقا من هذا التصريح فإن الشعب الجزائري يطالب باستنكار الاستعمار وتصفيته بمعنى إنهاء سياسة الإلحاق وتطبيق مبدأ تقرير المصير لجميع البلدان صغيرة وكبيرة وهنا يكون فرحات عباس ورفاقه في البيان قد قرؤوا تصريح روزفلت قراءة خاطئة لأن الجزائر في نظر الو م أ ليست شعبا ولا دولة وهذا انطلاقا من الوضع القائم بها ومنذ العام 1834 م وإن لم تكن مقتنعة بهذا فهي تجاري فرنسا مجاملة لها بل هي ترى كل عمل ضد فرنسا هو ضدها هذا ما كان جوابها لما أراد الجزائريون معرفة موقفها في حال قيامهم بالثورة ضد فرنسا خلال أو بعد ح ع 2 .

 ومن حقنا هنا أن نتساءل كيف يمكن لنا أن نكون سذجا لنتخيل بأن الو م أ خلال ح ع 2 يمكن لها أن تضغط على فرنسا لتمنح الجزائر استقلالها وها هي ألمانيا الغربية قد هددت الجزائر أيام الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد والذي أراد تعميم استخدام اللغة العربية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر وحجتها هنا أنها تدافع عن تواجد الحرف اللاتيني في الجزائر هذا والجزائر دولة مستقلة فما بالك بالجزائر في وضع المقاطعة الفرنسية ؟ هل كانت الو م أ لتقف معها ضد فرنسا وهي التي تتحسر وتحن إلى الأيام التي كانت فيها الجزائر مقاطعة فرنسية حيث أعلنتها صراحة من أن الجزائر قد كانت ملكا لهم وفترة طويلة من الزمن وعليه فالو م ا تتحرك في إطار كتلة الغرب ككل ومكاسبه ما لفرنسا هو لها ولهم جميعا وبصورة آلية .

 ومن بعد ما سبق نكون قد وصلنا إلى محطة مجازر الثامن ماى 1945 والتي استخدمت فيها فرنسا الطائرات الأمريكية لقنبلة المداشر وإبادة سكانها ومع ذلك فهي لم تندد بالمجازر ولا قواتها تدخلت لإيقافها . ولقد فسر البعض موقفها السلبي هذا من تلك المجازر من كونها عقدت صفقة سرية مع فرنسا مفادها الصمت على المجازر مقابل مصالح إستراتيجية في الجزائر كما أنها تحولت فجأة من الموقف المطالب بضرورة تصفية الاستعمار إلى آخر مناقض له مفاده ضرورة الإبقاء عليها وهذا نظرا للحسابات الدولية الجديدة من بعد بروز الاتحاد السوفياتي كلاعب مهم على المسرح الدولي 14

 نعم إن موقف الو م أ لهو موقف سلبي جدا من مجازر الثامن من ماي 1945 فلا إدانة ولا حتى هي وجهت لوما لفرنسا على تلك الفظائع بل هي ارتضت لنفسها موقف المتفرج على سير الأحداث كما لو كانت تتفرج على أحداث فيلم أو مسرحية تراجيدية وهي من تحضر نفسها للتوقيع على ميثاق الأمم المتحدة . وهي الداعية لحقوق الإنسان وتتشدق بالمثل الإنسانية العالية فها هو قنصلها في الجزائر يقول بأن حصيلة تلك المجازر قد كانت ما بين 45 و 50 ألف قتيل وفقط وكأن الأمر يتعلق هنا بشاحنة نقل كانت تقل خنازير أو دجاج وانقلبت في الطريق فالخبر عادي وهو مسألة أرقام وفقط ؟ وهو موقف لا يفاجئنا فتاريخ وسجل الو م أ الأسود في ما يخص سياسة الإبادة الجماعية معروف وللجميع خاصة وأنها في تلك الفترة تتهيأ لتجربة السلاح النووي على البشر في الفيتنام وأين هي حصيلة مجازر الثامن ماي من تلك النتائج الرهيبة لقنبلة كل من ناكزاكي وهورشيما ؟ . كما أن الإدارة الأمريكية نشرت وعلى أعمدة صحافتها بأن الطيران الفرنسي نفذ في ظرف أسبوعين 4500 غارة جوية لتدمير 44 مشتة 15 وكأن الأمر يتعلق هنا بقطعان من الحيوانات الضالة والتي كثيرا ما تهدد السكان في حياتهم وفي ممتلكاتهم ونسي الأمريكيون بأن تلك الطائرات هي أمريكية الصنع وعليه فهم شركاء لفرنسا في جريمتها تلك .

 نعم لقد التزمت الصمت تجاه تلك المجازر لأن ديغول هددها بإغلاق قواعدها العسكرية في الجزائر وفي السنغال وهنا انتصر صوت المصلحة على صوت الحق وأخرسه . بل هي وقفت موقف المتفرج في الجزائر استعدادا للتدخل إلى جانب فرنسا في حالة أي طارئ وهي التي أعلنتها صراحة بأنها ستقف إلى جانبها في حالة أي خطر تتعرض له خاصة وأنها قد نصحت فرنسا بضرورة تجنب ثورة عليها في الجزائر وكل هذا لتحقيق هدف واحد ووحيد ألا وهو المحافظة على المصالح الغربية عامة في شمال إفريقيا والمتمثلة في صد المد الشيوعي في المنطقة . وعليه فمتى بقيت تلك المستعمرات بيد الدول الأوربية فإنها ستبقي خارج مجال النفوذ الشيوعي وهذه الأهمية لا تحظى بها الجزائر لوحدها فقط بل تشترك معها كل دول المغرب العربي وهذا ما يبرز في هذه الفقرة والقائلة بأن : " أهمية إفريقيا الشمالية الإستراتيجية بالنسبة لأمن الولايات المتحدة الأمريكية ، فإن المقاطعات الثلاث الجزائر ، تونس ، المغرب الأقصى ، يشكلون مع بعض وحدة سياسية وجغرافية لشمال إفريقيا الفرنسي ، والمغرب الأقصى هو الأكثر أهمية ، باعتباره ركيزة أساسية كجسر بين الأطلسي والمتوسط " 16 . كما لا ننسى بأن الجزائر يمكن أن تكون خزانا للجنود وللموارد الأولية وعمق استراتيجي في حالة اندلاع حرب بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي كما كان حالها خلال ح ع 2 وهكذا تحولت الجزائر إلى قاعدة لدول الحلفاء بما تعنيه الكلمة من معنى ولقد استفادت فرنسا من هذا الوضع غداة اندلاع الثورة التحريرية الكبرى بأن استخدمت وبصورة مباشرة إمكانات الحلف الأطلسي للقضاء عليها وتصفيتها .

 كما أنه وفي العام 1948 فقد أعدت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا شرحت فيه السياسة الأمريكية في منطقة شمال إفريقيا جاء فيه بأن فرنسا إذ لم تقم بإصلاحات في المنطقة ، فإن الإطراف الشيوعية ستستغل الوضع المتدهور في الجزائر وتوظفه لصالحها ، وواصلت الإدارة الأمريكية من تحذيراتها للسلطات الفرنسية ، من تزايد التوجهات الوطنية المطالبة بالاستقلال ، وفي التقرير أيضا إشارة إلى أن الإدارة الأمريكية ، كانت دائما تذكّـر السلطات الفرنسية بأنها لا تعمل من أجل تفجير الاستعمار الفرنسي من أجل تعويضه في المنطقة " لأجل هذا فسوف يكون موقف الو م أ معارضا ومعاديا للثورة الجزائرية تخوفا من انتشار الشيوعية فيها وهذا على الأقل في السنوات الأولى منها ولا يمكن هنا أن تتماثل النظرة الأمريكية لكل من تونس والمغرب الأقصى مع نظرتيهما للجزائر هذه الأخيرة والتي هي أرض فرنسة في حين الأخريتين هما دولتان وفق القانون الدولي .

 وفي العام 1950 طالب عباس فرحات الو م أ بضرورة إعانة الشعوب المضطهدة في القضاء على الاستعمار وذكر بالالتزامات الموقعة من طرف الأمم المتحدة من أجل تحرير الدول المستعمرة – 17 والشعوب ونحن حسبهم لسنا بشعب ولا بحسبهم دولة وهو أي عباس فرحات ما زال يؤمن بالثورة بالقانون فرنسي أو دولي لكونه رجلا مسالما ويكره العنف .

 وانطلاقا مما سبق فإن الموقف في سنوات الثورة الأولي كان معادى لها وهذا لكون الو م أ وفي هذه الفترة قد كانت تتبني وجهة النظر الفرنسية تجاه القضية الجزائرية باعتبارها قضية فرنسية داخلية وهذا لكون الفرنسيين استطاعوا إقناعهم بهذا الأمر وهذا منذ بداية الحرب العالمية الثانية ولذا فإن الجزائر في عرفهم هي مقاطعة فرنسية فيما وراء البحار ولا تدخل في مجال تصفية تىستعمار هذا المشروع المزمع تجسيده بعد ح ع 2 .

 ويخبرنا مولود قاسم نايت بلقاسم بأن الو م أ قد تدخلت عقب اندلاع الثورة الجزائرية لدي كل من حكومة مصر وإسبانيا بهدف إيقاف الدعاية ضد فرنسا في الجزائر كما أنها رخصت لفرنسا حق استخدام عتاد الحلف الأطلسي فيها خاصة وأنها قد أعطت لها البطاقة البيضاء لكي تفعل في الجزائر ما يحلو لها وأن تنهي النزاع بالطريقة التي تراها مناسبة وهذا من بعد زيارة غي مولي Guy Molly رئيس الوزراء الفرنسي لواشنطن . كما أنها أي أمريكا عملت جاهده لكسب الصف العربي إلى جانب فرنسا على حساب الثورة الجزائرية . 18
ولهذا فقد صرح السفير الفرنسي في باريس دوغلاس ديلون Douglas dion عقب اندلاع الثورة بأن أمريكا تؤيد تأييدا مطلقا السياسة الفرنسية في شمال إفريقيا ثم ألقي خطابا جاء فيه بأن السياسة الفرنسية في شمال إفريقيا تحظى بالتأييد المطلق من الو م أ وقال إننا نساعد فرنسا في الجزائر ففي المجال الدبلوماسي مثلا بمعارضتنا تسجيل قضية الجزائر في هيئة الأمم المتحدة وفي المجال العسكري بإمدادها بالطائرات العسكرية العمودية وغيرها من الوسائل والتجهيزات إلى أن يقول وأود أن أطلب من صحافتنا أن تتفهم ذلك إنه يحق لفرنسا أن تفخر بما أنجزته في الجزائر . 19

 كما قال أيضا بأنه بالرغم من أن شيوعي إفريقيا و شيوعي فرنسا أو حتى موسكو حاولوا تفادي دعم الثوار الجزائريين ، إلا أن فرنسا لديها دلائل بأن الثورة مراقبة من بعيد من طرف الشيوعيين ، وأن هناك تونسيين متواجدين الآن في روسيا وتشيكوسلوفاكيا 20 ولذا علينا أن ننتظر ما بعد العام 1958 حتى تتضح الرؤية للو م أ وتصبح تفرق بين الشيوعية من جهة وبين الحركة النضالية الثورية في الجزائر وعندها فقط ستتأكد بأن لا خطر عليها من الثورة الجزائرية وهذا ما سوف يؤدي إلى تغير جذري في موقفها منها .

كما أن كل من الرئيس إيزنهاور ووزير خارجيته جون فوستر دالس John Foster Dulles كانوا متفقين على ضرورة تأييد الإدارة الأمريكية لفرنسا و هذا لكي تستعيد فرنسا مكانتها كقوة عظمى في العالم ، وكان الاثنين مقتنعين بأهمية فرنسا ومستعمراتها في إيقاف تقدم النفوذ السوفيتي والشيوعية العالمية و هذا كان محور السياسة الخارجية الأمريكية خلال فترة الخمسينات وبالتالي كان عاملا حاسما في علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع شعوب الشرق الأوسط و شمال إفريقيا . 21 أما قنصل الو م أ بالجزائر العاصمة كلارك CLARK فقد كتب يقول بأن ما وقع ليلة الفاتح نوفمبر ، له صلة مباشرة بالأيدي الشيوعية و موسكو وأن زعماء هذه الهجومات ينتمون إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية و تحركاتهم جاءت تحت ضغط الجامعة العربية وسفيرها في باريس .

  ونبقى دوما مع وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس فقد كان هو الآخر أكثر عداء للمسألة الجزائرية ، فهو من جهة كان يفضل أن تبقى بلاده بعيدة عن المشكلة الجزائرية ، على اعتبار بأنها مشكلة فرنسية داخلية ومن جهة أخرى كان يرفض إلزام فرنسا بشرط يجبرها عدم استعمال الأسلحة الأمريكية في الجزائر ، ومع ذلك نجده يتشبث برأيه القائل بضرورة ترك الحرية لفرنسا لكي تتصرف في المسألة الجزائرية كيفما شاءت . 22

 وفعلا فقد وفت الو م أ بوعودها تجاه فرنسا بحيث صوتت لصالح سحب إدراج القضية الجزائرية من جدول أعمال الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة وذلك في دورة سبتمبر 1955 وهو نفس الموقف الذي سوف تتبناه وإلى غاية العام غداة استقلال الجزائر . أما الدعم العسكري فتكفي هذه الفقرة والتي كتبها الحاكم العام الفرنسي للجزائر جاك سوستال Jacques Soustelle والتي قال فيها : " لم يكن لفرنسا سوى طائرة واحدة من نوع بيل وأما الطائرات سيكور سكاي وبنان ، فإن فرنسا لم تكن تصنعها أصلا وفي أوائل 1955 ، ارتفع عدد الطائرات المستعملة لمواجهة الثورة الجزائرية إلي حوالي 60 طائرة خفيفة و30 طائرة عمودية من صنع أمريكي ولم يكد يحل شهر أوت 1956 ، حتى أرتفع عدد الطائرات ارتفاعا مذهلا حتى بلغت150 هليكوبتر " 23 .

 كما ألح أيضا أي جاك سوستال على حكومته الفرنسية بضرورة إقناع القوات الجوية للولايات المتحدة الأمريكية بألمانيا ، لإرسال بعض من طائراتها من نوع SIKORSKYS إلى قواته الجوية الفرنسية بالجزائر .وكل هذا يدخل في أوجه الدعم المتعددة والذي قدمته الو م أ لحليفتها فرنسا ضد الجزائر أثناء الثورة التحريرية الكبرى فها هو الجنرال ويغان Maxime Weygand كتب مقالا جاء فيه : " بصيص من الضوء ينبعث من حوالك الأيام لقد أعلن سفيرا بريطانيا والولايات المتحدة قرار حكومتيها بتأييد فرنسا في نضالها المفروض عليها في إفريقيا الشمالية " 24 .

 كما أيدت الو م أ فرنسا في إطار ميثاق الحلف الأطلسي ولقد استندت فرنسا للحصول على هذا التأييد على المادة الرابعة من ميثاق الأطلسي والتي جاء فيها : " أي هجوم – اعتداء- مسلح على أراضي عضو أو أكثر من أعضاء التحالف ، تعني الاعتداء على الأراضي التابعة للأعضاء في أوروبا ، أو أمريكا الشمالية أو المقاطعات الجزائرية التابعة لفرنسا ، أو إقليم تركيا أو الجزر الخاضعة لأعضاء منظمة الحلف الأطلسي " .

 ولقد استطاعت فرنسا فعلا إنزالها أي المادة السابقة إلى أرض الواقع حيث أعلن رئيس الحكومة الفرنسي فليكس غايار Félix Gaillard في العام 1957 من أن ميثاق الأطلسي يشمل ولايات الجزائر وهذا في مادته السادسة حيث أن كل تهديد موجه لوحدتها يستتبع التضامن الآلي من جانب حلفائنا كما أوضح أحد أعضاء الوفد الأمريكي الذي وقع معاهدة شمال الأطلسي . إن هذه المعاهدة تشمل ولايات الجزائر الفرنسية الأربع التي تؤلف جزءا من فرنسا من الناحية الدستورية " 25 وفرنسا تحتج على الو م أ بأنه لا يمكن أن يكون المرء حليفا هنا دون أن يكونه في كل مكان . كما صرح ميشال دو بريه Michel Jean-Pierre Debré في العام 1959 بأنه لا يمكن أن يكون المرء شريكا في أوروبا في حالة وقوع التهديد وأن يكون منقسما في البحر المتوسط أمام التهديد ذاته وهذا ما جعل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تندد بدعم الحلف الأطلسي لفرنسا عسكريا وماليا ودبلوماسيا في حرب الإبادة وإعادة الفتح التي تشنها فرنسا منذ ست سنوات حتى اليوم " 26 ولذلك فهي ترى بأن الجزائر أدرجت في ميثاق الأطلسي دون رضا شعبها ولذلك وجب فسخ إدخالها وبصورة تعسفية في ذلك الميثاق وهو نفس الأمر الذي يشير له محمد العربي الزبيري وهذا حينما يخبرنا بأن بعض السياسيين قد استغلوا وجود هذين النصين فراحوا يدفعون حكومتهم إلى المطالبة بتدخل الحلف مباشرة لخنق أنفاس الثورة في الجزائر وكان أعضاء المنظمة يعرفون حقيقة ما يجرى في الجزائر ويعرفون أنه يتنافي مع روح المادة السابقة من ميثاقهم التي تمنع المساس بالحقوق المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وفي مقدمتها حق الشعوب في تقرير مصيرها لكنهم رغم ذلك متعاطفين مع فرنسا بسبب ما يجمع بينهم من منطلقات استعمارية وامبريالية ولقد جاء التعاطف المذكور مجسدا في مواقف كل من أمريكا وبريطانيا على مستوى مجلس الأمن " 27 علما بأن الجزائريين لم يقبلوا أبدا بأن تشمل معاهدة شمال الأطلسي بلادهم فها هي حركة الانتصار للحريات الديمقراطية تحتج وترسل بمذكرة إلى هيئة الأمم المتحدة تندد فيها بهذا الإجراء التعسفي الذي لم يستشر فيه الشعب الجزائري وكان هذا في 20 سبتمبر 1950 28 .

 علما بأن الو م أ قد واجهت عدة صعوبات في كيفية التعاطي مع القضية الجزائرية وأولى هذه الصعوبات هي كون الأخيرة مسألة فرنسية داخلية ولكن هذه النقطة تجاوزتها الأحداث لحظة أن أصبحت القضية دولية لا مسألة فرنسية داخلية كما يخبرنا جون كنيدي John F. Kennedy في خطابه الشهير في العام 1957 والعقبة الثانية تتمثل في عدد المعمرين الكبير والذي من مصلحتهم أي الكولون حسب الو م أ أن يكون هناك حلا سريعا للقضية الجزائرية حتى لا يزداد الخطر عليهم أكثر وهي نظرة صائبة والهدف الآخر الذي ترجوه الو م أ من وراء ضرورة إيجاد حل سريع للقضية الجزائرية هو منع الشيوعيين والناصريين من الاندساس في الثورة وتزعمها وهذا ما يهدد مصالح الو م ا في منطقة شمال إفريقيا ولذلك ومنذ العام 1957 والو م أ تعتبر ما يحصل في الجزائر ثورة وحركة تحررية خاصة وأنها هي ذاتها استقلت بثورة تحريرية عن بريطانيا .

 كما أن حجج فرنسا والتي كثيرا ما أرعبت بها الو م أ من احتمال دخول المنطقة في الفوضى لو تنال الجزائر استقلالها قد فندها استقلال كل من تونس والمغرب الأقصى كما أنه لا خوف على التنوع في الجزائر المستقلة لأن التنوع قاعدة عامة حسب جون كنيدي طبعا في كل إفريقيا وحتى في الو م أ نفسها وهذا حسب ما جاء في خطابه الشهير حول الجزائر في العام 1957 ولذا فحجج فرنسا الاستعمارية لم تعد مقنعة لتيار عريض في للو م ا وعلى رأسه جون كنيدي والذي وعندما يصل إلى رئاسة الو م أ سيغير من سياستها ولو بصورة جزئية لصالح القضية الجزائرية ويصبح من المؤيدين لاستقلالها وخاصة من بعد اتفاق الطرف الجزائري والفرنسي حول حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره ومن بعد مباحثات إيفيان accords d'Evian ولهذا فقد تغاضت الو م أ عن نشاطات جبهة التحرير الوطني داخل أراضيها كما سمحت للثورة التحريرية الجزائرية بفتح مكتب دائم لها في هيئة الأمم المتحدة وعلى أراضيها أيضا .

 علما بأن خطاب النائب جون كنيدي قد جوبه بعدائية وبالرافض التام من قبل إدارة الرئيس إيزنهاور وها هو فوستر دالاس والذي يخبرنا بأن : " الإدارة الأمريكية تتعاطف مع الشعوب المستعمرة وأنه يدرك مدى صعوبة المسألة الجزائرية ، معبرا بأنه لا توجد قيادة وطنية لتمثيل الجزائريين ، وبذلك أنكر دالاس وجود جبهة التحرير الوطني كقيادة وطنية تمثل الثورة والشعب الجزائري . " 29 وفي الدورة الرابعة عشر للجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة سبتمبر / ديسمبر 1959 تقدمت باكستان باسم حركة عدم الانحياز بقرار : " يستعجل الطرفين المعنيين للدخول في محادثات لتقرير البدء بأسرع ما يمكن في تنفيذ حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره بما في ذلك شروط وقف إطلاق النار " . ولقد وقفت ضده الو م أ ترضية للجنرال ديغول حتى أنها ضغطت على بعض الدول الصغيرة لتقف هي الأخرى ضده ولكنها عملت على أن تخفف من حدة معارضتها للقرار لكي تسترضي الجزائريين وتخفف من حدة غضبهم 30 .

 علما بأن الو م أ وحتي العام 1958 كانت مع فرنسا وضد الجزائر ومع بقاء فرنسا في الجزائر ويتضح هذا في التصريح التالي والذي أدلى به جورج ألن George Allen مدير وكالة أنباء الولايات المتحدة في 29 / 06 / 1959 حيث جاء فيه : " لقد حيينا عرض الجنرال ديغول صلح البواسل والولايات المتحدة تؤيد الجنرال ديغول من غير تحفظ وذلك لوضع حد لما أسماه بالنزاع العقيم أي نزاع الثورة الجزائرية الكبرى 31 والولايات المتحدة الأمريكية كانت حريصة على التفوق الفرنسي في الجزائر ولذا فقد وافقت في جوان 1959 على أن يشتري الجيش الفرنسي العامل في الجزائر 25 طائرة هيليكوبتر ثقيلة وعدد غير محدود من طائرات التدخل من أجل دعم العمليات البرية والاستجابة لاحتياجات شتاء 1959 – 1960 في الجزائر وقد سلمت الولايات المتحدة إلى فرنسا 60 طائرة في جانفي 1960 ... وكانت هذه الطائرات الأمريكية هي من فتكت بالأطفال أثناء خروجهم من مدرسة الساقية وقد صرح دوغلاس ديلن Douglas Dillon سكرتير الدولة المساعد للشؤون الاقتصادية في 26 فيفري 1958 بأن استخدام العتاد الأمريكي ضد ساقية من الصعوبة أن نجد له عذرا 32 .

 ولكن الشيء المعلوم هو أن أمريكا ككل لم تكن تتخذ موقفا معاديا من الثورة الجزائرية ففي أوت 1959 أصدر الحزب الديمقراطي بيانا مؤيد للقضية الجزائرية من توقيع 16 عضوا ونفس الموقف المؤيد لها تبنته الفدرالية العمالية الأمريكية وهي كلها قوى لها وزنها على الصعيد الاجتماعي والسياسي كما أن بعض الأصوات العسكرية ارتفعت لتعلن صراحة تأييدها للقضية الجزائرية مثلما نجده في هذا التصريح لأحد الجنرالات حيث قال : " أعتبر أن امتداد الحرب الجزائرية ، مخالف للمصالح الأمريكية في شمال إفريقيا " . كما أن الثورة الجزائرية قد أصبحت عبئا وعلى الجميع ساسة ومجتمع في أمريكا ولذلك فلا بد من إيجاد حل لها فوكالة المخابرات المركزية توصلت إلى قراره مفاده بأن الفرنسيين سيجبرون على ترك الجزائر كما أن حرب الجزائر تسببت في الأمراض الاقتصادية الفرنسية الحالية إلى حد كبير ، لقد زرعت في الوطن الفرنسي أسباب الفوضى ، وعدم الاستقرار ولقد هزت جو التضامن في هيكل الناتو،حتى الجذور 33 ولذا وجب إيجاد حل سريع ونهائي لهذه القضية .

 كما أن السياسة الفرنسية الرعناء في الجزائر وأهم مظاهرها قنبلة ساقية سيدي يوسف على الحدود الجزائرية التونسية في 08 فيفري 1958 قد كانت بمثابة علامة مفصلية في سير تطور النظرة الأمريكية للقضية الجزائرية وهذا ما نجده في حديث لفوستر دالاس والذي قال : " إن قنبلة مدينة مفتوحة يوم سوق أسبوعية ، وتقتيل نساء وأطفال ، هي قضية قذرة ... وأنه لا يرى حقيقة مآل كل ذلك بالنسبة إلينا ، إن الفرنسيين اظهروا عجزهم في إدارة الوضع في شمال إفريقيا ، ونحن بدأنا نرسم سبيلا مع أناس من المغرب وتونس ، راغبين أن يكونوا من جانب الغرب ... إن الوضع أصبح غير مراقب من قبل الفرنسيين ، فالعداء الجزائري اتسع إلى تونس ، وإذا لم يوجد حل لهذا النزاع ، فقد نخسر تونس ، ليبيا ، والمغرب وكل الدول الإسلامية وجنوب الاتحاد السوفيتي " وهنا ومتى أصبحت المسألة الجزائرية قنبلة ستنسف العلاقات الأمريكية مع العالم العربي والإسلامي فلا بد من فرض حل عادل حتى ولو كان ضد رغبة فرنسا .

 كما أن موقف الو م أ من القضية الجزائرية قد تغير بتغير من كان يحكمها من مؤيدين وبصفة مطلقة للاستعمار الفرنسي إلى معارضين لسياسة فرنسة في شمال إفريقيا والتي هي سياسة تخرب مصالحها في المنطقة فمثلا وصول جون كنيدي إلى السلطة في الو م أ عام 1960 . وفي ظل صراع أجنحة في السلطة الأمريكية بين العناصر المؤيدة للاستعمار التقليدي المباشر على معسكر الداعين للاستعمار غير المباشر وممن يدعون لنشر قيم العدالة والحرية والديمقراطية في العالم أجمع ولعل ما سهل على الو م أ تغيير موقفها من الثورة الجزائرية هو ترأس فرحات عباس للحكومة الجزائرية المؤقتة وهو رجل معروف بميوله الغربية وبعدائه إلى الشيوعية العالمية وهذا منذ العام 1948 وهذا أمر مطمئن للمعسكر الغربي وكلنا نعرف تصريحه في العام 1950 من أنه لا يريد أن يتعاون مع أي حزب تابع لستالين ونفس الموقف يتبناه تقريبا مصالي الحاج والرافض هو الآخر بأن تغيير هيمنة غربية بهيمنة شرقية شيوعية .

 كما لا ننسى بأن الو م أ دولة مصلحية براغماتية مواقفها تخضع لمبدأ الربح والخسارة ويمكن لنا أن نلخص العوامل التي حكمت نظرتها للمسألة الجزائرية في هذه الفقرة والتي نقتطفها من خطاب السيناتور جون كيندي قبل أن يصبح رئيسا للو م أ وهذا في العام 1957 حيث جاء فيه : " أن هناك 400 ألف جندي فرنسي . يقومون بالحرب في الجزائر علي حساب قوة الحلف الأطلسي التي أصبحت من جراء ذلك مجرد هيكل عظمي ثم إن هذه الحرب أضعفت المعسكر الغربي وأجبرت فرنسا علي أن يكون اقتصادها خاضعا لاقتصاد الحرب ، كما أن هذه الحرب عرقلت علاقاتنا مع تونس والمغرب و تسببت لفرنسا في قطع إعاناتها الاقتصادية للبلدين المذكورين لمساعدتهما للوطنيين الجزائريين ، إن هذه الحرب قد أضعفت قيمة مشروع أيزنهاور في الشرق الأوسط وعرضت للخطر بعض مراكزنا الجوية الإستراتيجية وشوهت موقفنا في نظر العالم الحر ودنست سمعتنا ومكانتنا وأتاحت للدعاية المناهضة للغرب في آسيا والشرق الأوسط أن تعمل عملها لإضعاف مركزنا وأجبرت هذه الحرب فرنسا علي تأجيل إصلاحاتها الداخلية و إهمال تطورها الاقتصادي والسياسي في إفريقيا السوداء و في الصحراء و في الإتحاد الأوروبي و جعلت الحزب الشيوعي الفرنسي يقوي في فرنسا في الوقت الذي يتقهقر في كل مكان آخر و هذا يقع في الشعب الفرنسي الذي لا يعرف أي استقرار وزاري كما أن هذه الحرب أدت إلي عملية قناة السويس ... " .

 ولذلك فالو م أ قد أصبحت منزعجة من الطريقة التي تدير بها فرنسا مستعمراتها بشمال إفريقيا والمبنية على الرعب والإرهاب ولهذا وحسب الو م أ فإنه يترتب عليها إيجاد حل ترضي به الشعوب الإسلامية ولذلك فهي قد قررت السير في هذا الاتجاه 34 . ولكن هذا لا يعني أنها مع وجهة النظر الجزائرية وإنما هي هنا تكيف موقفها حسب ظروف الحرب البادرة ومصالح الكتلة الغربية فالحل الذي يرضي الشعوب الإسلامية لا يعني أبدا الاعتراف باستقلال الجزائر عن فرنسا ولهذا فهي قد وقفت ضد أي قرار لتدويل القضية الجزائرية في الهيئة الأممية لأنها كانت تبحث عن صيغة ومخرج للقضية الجزائرية يضمن المصالح الغربية بعيدا عن الكتلة الشرقية وهذا لكونها على اقتناع تام بأن عصر الاستعمار التقليدي قد انتهي وعليه فقد وجب وضع ترتيبات مناسبة لما بعده .

 كما أن القضية الجزائرية قد أصبحت تهدد مصالح الو م أ كما مر في خطاب جون كنيدي المذكور أعلاه وهي دولة لا يهمها سوى الأسواق والمواد الأولية وعدم انتشار الشيوعية كما حصل في الفيتنام والو م أ في تلك الفترة مشاكلها كثيرة في العالم والقضية الجزائرية ليست ذات أولوية بالنسبة إليها لكونها لا تدخل في نطاق الحرب الباردة وصراعها مع الشيوعية العالمية خاصة وأنها أي الو م أ قد إتعضت من تجربة الهند الصينية وتأكدت بأن المستعمرات لا بد لها من أن تستقل يوما ما وهي هنا تستشهد بما قاله تريغو من أن المستعمرات مثل الثمار في الشجار لا تبقي فيها إلا يوم نضجها ، ولذلك فمن مصلحة الو م أ كسب ودها على معاداتها ليستقوى بها على المعسكر الشرقي . وما زاد من اقتناع الو م أ بالثورة الجزائرية هي أن هذه الأخيرة لم تكن حركة تمرد فوضوية محدودة دون انسجام وإدارة سياسية أو أنها معرضة للفشل ولقد قام الدليل أيضا على أنها بالعكس ثورة حقيقية منظمة وطنية شعبية لها إدارة مركزية وتقودها أركان حرب قادرة على الوصول بها إلى النصر النهائي " وما زاد الو م أ اقتناعا بضرورة إيجاد حل للقضية الجزائرية خارج الحل السياسي هو فشل الحل العسكري والذي راهنت عليه فرنسا ومنذ العام 1954 .

 كما أنه أي جون كنيدي قد كان يرى بأن استقلال الجزائر هو الطريق الصحيح الواجب السير فيه لإنقاذ الأمة الفرنسية من الضياع ومن شبح الحرب الأهلية ومن الخراب والدمار الاقتصادي والانحطاط الاجتماعي ويري بضرورة استقلال الجزائر لكي نبقي على شمال إفريقيا الفرنسية وإلا فلن يكون هناك إلا الكارثة لأن استقلال الجزائر لا يتعارض أبدا مع قيام علاقات اقتصادية متينة مع فرنسا وهذا من مصلحة الغرب كله . كما وأن واستقلال الجزائر حسبه سيقلل من الخسائر البشرية قدر المستطاع وفي نفس الوقت ربما يعيد الحياة للاتحاد الفرنسي المنهار وهو هنا يتمثل التجربة البريطانية وكيف أن بريطانيا وبحكمتها قد استطاعت أن تبنى كومنوالثا ناجحا .

 وما أيضا أقنع الو م أيضا بضرورة حل القضية الجزائرية وفي نفس السياق الدائر حول فشل فرنسا عسكريا في الجزائر هو ما يخبرنا به بسام العسلي والذي يقول : " وكتبت صحيفة أمريكية ما يلي لا أعتقد أن هناك أيا من المسؤولين الأمريكيين يعتقد بأن الثورة الجزائرية يمكن إخمادها بنصر عسكري إنهم يعتقدون أن الثورة في الجزائر مثلها كمثل جميع الثورات المشابهة التي اندلعت في النصف الأول من هذا القرن سوف تنتهي فقط عندما تفعل الحكومة الفرنسية ما تعلمت الحكومة البريطانية فعله وهو الاعتراف بصدق عزم الثوار على طلب وضع جديد في بلادهم إننا لا نعتقد بأن فرنسا قادرة على تهدئة الجزائر والاحتفاظ بها عن طريق سياسة القوة العسكرية " 35 لذلك فقد غيرت موقفها وضغطت على فرنسا لأجل الوصول إلى حل عادل للقضية الجزائرية .

 كما أن الو م أ قد تأكدت من أن الحل العسكري ليس مجديا أبدا في الجزائر فتجربة تونس والمغرب الأقصى والفيتنام خير شاهد على هذا وهذا الحل سيولد أخطارا جمة على الو م أ وعلى الغرب عموما وعلى الحلف الأطلسي ولذا وجب الاعتراف باستقلال الجزائر وهذا خاصة مع تنامي قوة الثورة الجزائرية وفشل سياسة التهدئة الفرنسية في الجزائر أقنع الو م أ بضرورة الإسراع في تصفية القضية الجزائرية بعيدا عن سياسة المجاملات لفرنسا حتى ولو أدي الأمر إلى خسارة الو م ا لحليفتها فرنسا خاصة وأن الثورة الجزائرية ثورة شعبية وإرادة الشعوب لا تقهر والو م أ تعلم جيدا بأنه وكما قال وانقات : " عندما تكون الثورة مؤيدة من الشعب يستطيع ألف رجل فيها أن يقاوموا 100 ألف جندي معادي إلي ما لا نهاية له ، و هذا بالضبط ما يجري في الجزائر " . كما جاء في خطاب جون كنيدي دوما والذي نحن اقتبسنا منه الكلام السالف الذكر . وهكذا تعرت الأكاذيب الفرنسية فثورة الجزائر هي حركة تحررية حركة شعب يريد الحرية ولا علاقة لها لا بجمال عبد الناصر ولا بتونس والمغرب الأقصى ولا بالروس الشيوعيين وهنا افتضحت كل الأكاذيب الفرنسية فتحملت الو م أ مسؤوليتها التاريخية كاملة وإن كنا هنا لا نمتدحها أو نتملقها وإنما نحن ندرس التاريخ وكما حدث بعيدا عن أية مزايدات ومهما كانت طبيعتها كما لا يجب أن يغيب عنا بأن الو م أ كانت تعمل جاهدة لأجل إرساء أسس الاستعمار الجديد غير المباشر في حين فرنسا لا زالت متمسكة بالطبعة القديمة من الاستعمار أي الاستعمار المباشر وترفض أي تنازل لصالح الجزائريين في السنوات الأولى للثورة وهذا يتناقض مع سياسة الو م أ والتي تقوم على تقديم ترضيات وتنازلات في حدود المعقول خدمة لمصالحها ولهذا فقد تصادمت كل من فرنسا والو م أ حول حوا بعض المسائل ومنها اختلافهما في النظرة إلى المسألة الجزائرية .

 كما أن الو م أ قد تخوفت من تغول الحزب الشيوعي الفرنسي ونجاحه في الوصول إلى السلطة مما يهدد أوروبا الغربية ككل وهذا نتيجة لتخرب الاقتصاد الفرنسي لكونه أصبح اقتصاد حرب مما سيجعل الدعاية الشيوعية تنجح لكونها تتغذي من مثل هذه الظروف ولهذا وجب إنهاء النظام الاستعماري المتحجر والذي أصبح عبئا ثقيلا على الو م ا لكونه أصبح ميدانا خصبا للدعاية الشيوعية المضادة والتي مفادها بأن الغرب استعماري يضطهد الشعوب ويستعبدها خدمة لمصالحه .

 إضافة إلى ما سبق ففرنسا تعمل جاهدة لأجل نيل التأييد المطلق للو م أ عسكريا ودبلوماسيا ولكن مسعاها هذا قد خاب فالصحافة لأمريكية ما فتأت تندد بالأعمال الإجرامية وبتلك الفظائع الحربية التي يقوم بها جنود اللفيف الأجنبي وجنود المظلات كالتنكيل بالشيوخ والأطفال وتقتيل المثقفين والمدنيين الأبرياء وتعذيب المساجين السياسيين الوطنيين وإكثار المعتقلات وإعدام الرهائن وتطالب الصحافة العالمية الاستعمار الفرنسي بالاعتراف العلني الرسمي بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره " 36 ولذلك فلا حل هنا سوى منح الجزائريين لما يطالبون به أي الاستقلال التام عن فرنسا ولا يهم موقف فرنسا هنا إن هي أرادت أن توقف وبالقوة سير عجلة التاريخ هذه الأخيرة والتي تجاوزت وبصورة نهائية محطة الحقبة الاستعمارية إلى محطة تصفية الاستعمار وتحرير الشعوب التي لم تزل مستعبدة بعد من قبله فالضمير الإنساني لم يعد يستطيع أن يتحمل فظائع ومجازر وجرائم فرنسا أكثر .

 وبعد سنة 1958 أصبحت المسألة الجزائرية قضية دولية تهدد السير الحسن للعلاقات الأمريكية مع العديد من دول العالم الداعمة والمساندة للقضية الجزائرية وخاصة الدول العربية البترولية ومصر كدولة محورية في الشرق الأوسط كما أن مصالح الو م أ متشعبة وموزعة في العالم ككل وكذلك الأمر مع قواعدها العسكرية واستمرارها في تأييدها المطلق لسياسة فرنسا في الجزائر من شأنه أن يعرض تلك المصالح للخطر كأن تتعرض لهجمات عسكرية وإرهابية انتقامية على أراضي الدول التي تستضيف تلك المصالح والقواعد ومعها مصالح كل الدول العضو في الحلف الأطلسي ذلك أن الثورة الجزائرية لها أصدقائها في كل دول العالم ولذا وجب على الو م أ على الأقل الوقوف على الحياد بدل من تأييدها لفرنسا ضد الثورة الجزائرية وضد الشعب الجزائري . ولا يمكن لفرنسا أن تخرب لها كل هذا فيكفيها بأن أصبحت شريكة لفرنسا في جرائمها أمام الرأي العام الدولي وهذا الأمر يجب أن ينتهي وفورا نعم شريكة في تقتيل الجزائريين بواسطة الحلف الأطلسي : " إن الفرق الثلاث التي وضعتها فرنسا تحت تصرف منظمة الأطلسي في أوروبا لم تسهم في خدمة هذه المنظمة إلا بأن تزودت بعتاد المنظمة وانكفأت نحو ميادين العمليات الحربية في الجزائر ... وهكذا استقبل الشعب الجزائري الموت والدمار من جراء وجود فرقتين في شرق البلاد وفرقة ثالثة في الغرب " الفقرة الأخيرة 37 . كما إن العتاد الموجود في الجزائر بكامله على وجه التقريب بما فيه تجهيزات الوحدات الفرنسية والتجهيز الصحي جميع ذلك من منشأ أمريكي وهناك مدربون أمريكيون يقيمون في الجزائر وبخاصة في مرسى الكبير وبوفاريك وبجاية وإن قطع التبديل والمعدات كلها أمريكية وإن قسما من تدريب الفرنسيين العاملين في الجزائر يجري في ألمانيا وخصوصا على الطائرات ... هذا وقد أوصت فرنسا الولايات المتحدة في مارس 1956 على خمسين طائرة هيليكوبتر ذات المحركين مخصصة للعمليات الحربية في الجزائر ... وقد سلمت الدفعة الأولى إلى فرنسا في جوان 1956 " .

 كما أن الو م أ لا يمكن أن تبقي ملكية أكثر من الملك فها هي فرنسا ومنذ العام 1956 تفتح باب الاتصالات والمفاوضات مع الطرف الجزائري خدمة لمصالحها فما يمنع الو م أ من أن تكون هي الأخرى تعمل لأجل مصالحها في منطقة شمال إفريقيا وأولها المصالح الاقتصادية ولذا وجب امتصاص شحنة الغضب والكره والحقد تجاهها خاصة وأنها في صراع حياة أو موت مع الشيوعية العالمية .
وفي نفس الوقت فقد تأكدت الو م أ بأنه لا خطر شيوعي يتهدد المنطقة وهذا ما نجده في تصريح لروبير موفي مبعوث الرئيس أيزنهاور في شمال إفريقيا والذي جاء فيه : " إن نهاية سريعة لحرب الجزائر ستحمي شمال إفريقيا من فيروس الشيوعية " . خاصة من بعد تأكدها من عدم امتلاك فرنسا لحل سياسي لا على مستوى الجزائر ولا على مستوى هيئة الأمم سوى سياسة الكرسي الشاغر ولا هي تستطيع حسم المسألة عسكريا وبصورة نهائية . كما أنه ولما فشلت الو م أ في أن تستخدم الحبيب بورقيبة ليقنع ثوار الجزائر بالحكم الذاتي مع فرنسا فلم يبقي سوى الاعتراف بالأمر الواقع أي الاستقلال التام للجزائر عن فرنسا . وأمام اقتناع فرنسا بأن لا حل للمعضلة الجزائرية إلا عن طريق المفاوضات هنا انفتح الطريق أمام الو م أ للتعمل وبصورة علنية ومباشرة مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية . وما أن جاء العام 1961 حتى صرح وزير الخارجية الأمريكي بأن واشنطن تؤيد حق الشعب الجزائري في نيل استقلاله وحقه في تقرير مصيره . وما بقي منها سوى الاعتراف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وفي ديسمبر من العام 1961 أعلنت واشنطن بأنها على استعداد لاستضافة أعضاء الحكومة المؤقتة ومتى يرغبون في ذلك ومن بعد استفتاء تقرير المصير في الجزائر 03 جويلية 1962 اعترفت الو م أ باستقلال الجزائر .

 بن امهيدي / الطارف / الجزائر

الهوامش

 01 مذكرات القنصل الأمريكي وليام شالر قنصل أمريكا في الجزائر تعريب إسماعيل العربي الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1982 ص 104 / 02 نفس المرجع ص 127
03 مولود قاسم نايت بلقاسم شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية قبل سنة 1830 الجزء الثاني دار الأمة 2007 ص 212 / 04 نفس المرجع ص 249
05 مولود قاسم نايت بلقاسم ردود الفعل الأولية داخلا وخارجا على غرة نوفمبر دار الأمة الجزائر 2007 ص 152
06 مذكرات القنصل الأمريكي وليام شالر المرجع السابق ص 185 / 07 نفس المرجع ص 186
08 أحمد مريوش دراسات وأبحاث في تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر ج 1 مؤسسة كنوز الحكمة للنشر والتوزيع الجزائر 2013 ص 51
09 - أبو القاسم سعد الله الحركة الوطنية الجزائرية الجزء الثالث الطبعة الرابعة دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان 1992 ص 194
10 معمر العايب العلاقات الفرنسية الأمريكية و المسألة الجزائرية 1962 -1942 أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر السنة الجامعية 2008 – 2009 ص 79 / 11 نفس المرجع ص 90
12 أبو القاسم سعد الله المرجع السابق ص 193 / نفس المرجع ص 195 14 معمر العايب المرجع السابق ص 39
15 محمد العربي الزبيري تاريخ الجزائر المعاصر ج 1 منشورات إتحاد الكتاب العرب 1999 1 ص 82 / 16 معمر العايب المرجع السابق ص 117
17 هاجر قحموش التنافس بين جبهة التحرير الوطني والحركة الوطنية الجزائرية (MNA) في المحافل الدولية – منظمة الأمم المتحدة نموذجا مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر في تخصص التاريخ المعاصر السنة الدراسية 2012 / 2013 ص 9
18 مولود قاسم نايت بلقاسم ردود الفعل الأولية المرجع السابق ص 175 / 19 نفس المرجع ص 177 / 20 نفس المرجع ص 175
21 معمر العايب المرجع السابق ص 176 / 22 نفس المرجع ص180 / 23 نفس المرجع ص 191
24 بسام العسلي الاستعمار الفرنسي في مواجهة الثورة الجزائرية دار النفائس الطبعة الثانية بيروت لبنان 1986 ص 24
25 بسام العسلي جبهة التحرير الوطني ط 3 دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع بيروت لبنان 1990 ص 176 / 26 نفس المرجع ص 181
27 محمد العربي الزبيري تاريخ الجزائر المعاصر ج 2 منشورات إتحاد الكتاب العرب 1999 ص 118
28 يحي بوعزيز موضوعات وقضايا في تاريخ الجزائر والعرب دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع 2013 ص 356 و 357
29 معمر العايب المرجع السابق ص180
30 بسام العسلي الاستعمار الفرنسي في مواجهة الثورة الجزائرية المرجع السابق ص 171 /
31 نفس المرجع ص 192 / 32 نفس المرجع ص / 33 نفس المرجع ص 210
34 هاجر قحموش المرجع السابق ص 50
35 بسام العسلي الاستعمار الفرنسي في مواجهة الثورة الجزائرية المرجع السابق ص 183 و 184
36 بسام العسلي الاستعمار الفرنسي في مواجهة الثورة الجزائرية المرجع السابق ص 73 /
37 نفس المرجع ص 173

المراجع

 - أبو القاسم سعد الله الحركة الوطنية الجزائرية الجزء الأول والثاني الطبعة الرابعة دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان 1992
- أحمد مريوش دراسات وأبحاث في تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر ج 1 مؤسسة كنوز الحكمة للنشر والتوزيع الجزائر 2013
- بسام العسلي جبهة التحرير الوطني ط 3 دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع بيروت لبنان 1990
- بسام العسلي الاستعمار الفرنسي في مواجهة الثورة الجزائرية دار النفائس الطبعة الثانية بيروت لبنان 1986
- هاجر قحموش التنافس بين جبهة التحرير الوطني والحركة الوطنية الجزائرية (MNA) في المحافل الدولية – منظمة الأمم المتحدة نموذجا مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر في تخصص التاريخ المعاصر السنة الدراسية 2012 / 2013
- محمد العربي الزبيري تاريخ الجزائر المعاصر ج 1 و 2 منشورات إتحاد الكتاب العرب 1999
- مولود قاسم نايت بلقاسم شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية قبل سنة 1830 الجزء الثاني دار الأمة 2007
- مولود قاسم نايت بلقاسم ردود الفعل الأولية داخلا وخارجا على غرة نوفمبر دار الأمة الجزائر 2007
- معمر العايب العلاقات الفرنسية الأمريكية و المسألة الجزائرية 1962 -1942 أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر السنة الجامعية 2008 – 2009
- مذكرات القنصل الأمريكي وليام شالر قنصل أمريكا في الجزائر تعريب إسماعيل العربي الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1982
- يحي بوعزيز موضوعات وقضايا في تاريخ الجزائر والعرب دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع 2013

الثورة الجزائرية التحريرية الكبرى 1954م، حتمية تاريخية

الثورة الجزائرية التحريرية الكبرى 1954م، حتمية تاريخية




خلف الله سمير


بداية مقالنا هذا ستكون من العام 1830 والذي فيه قامت فرنسا بغزو الجزائر ومنذ تلك السنة فهي قد خلقت فيها معضلة لا حل لها ولذا فهي لم تستطع إيجاد حل لها طوال 132 سنة من الاحتلال الغاشم ولتتعمق المشكلة أكثر مع قرار اللجنة الإفريقية للعام 1834 والذي وبموجبه تقرر بقاء فرنسا في الجزائر ثم تقرر إلحاقها بها في العام 1848 وانطلاقا من هذه القرارات فقد أنشأت فرنسا في الجزائر كيانا أساسه القهر والجور والظلم وهذا الأخير قد أصبح دينا للمعمرين مظاهره كل ما هو استبدادي وقمعي ومستورد من العالم السفلي كالتقتيل والتذبيح والاغتصاب والتفقير والتجويع والسلب والنهب ويمارس كل هذا الكولون والذين هم في حقيقة أمرهم قطع حقيقية أتت من الجحيم ورغم كل هذا ورغم تجدر النظام الاستعماري في الجزائر فإن أهلها قد كانوا متيقنين بأن الاستعمار الفرنسي لا محالة زائل طال الزمن أو قصر إذ أن دارا لا أساس لها لا بد أن تنهار يوما ما 01 .

وزبدة القول هي أن أكذوبة الجزائر الفرنسية لم تكن لها أسس أصلا حتى يستمر وجودها في الزمن وإنما هي تعتمد فقط وفقط على القوة الغاشمة وهذا ما نجده في هذه الفقرة والتي نقتبسها من كتاب ليل الاستعمار لعباس فرحات والتي جاء فيها : " إننا معشر الفرنسيون في بلادنا هنا ( الجزائر ) قد استحوذنا على هذه البلاد بالقوة وبسطنا سلطاننا عليها بالحديد والنار إذ لا ينجح أي احتلال إلا بالقوة ويترتب حتما عن هذا وجود غالب ومغلوب ولما كبحنا جماح الشعب الجزائري استطعنا أن ننظم البلاد وهذا التنظيم نفسه يقيم الدليل على تفوق الغالب على المغلوب أي تفوق الرجل المتمدن على الرجل المتخلف فأصبحنا أصحاب البلاد الشرعيين " 02 . ولكنهم نسوا بأن مجرد حمل المعمر للبندقية لا يجعله أبدا صاحب الحق ذلك أن القوة تهاجر من ضفة إلى ضفة أخرى وكان من المفروض أن ينتبه منظرو الاستعمار لهذه النقطة فالقوة يمكن أن تنهار في أية لحظة . وهذا ما حدث فعلى إثر ح ع 2 تراجعت فرنسا الاستعمارية وأصبحت دولة من الدرجة الثانية وتغلب عليها الشعب الفيتنامي وأصبحت تابعة للو م أ وتدور في فلكها . كما أصبحت قزم أمام الاتحاد السوفياتي ونتيجة لهذه الظروف فقد اكتسب الشعب الجزائري المغلوب على أمره قوة معنوية ذاتية دافعة للثورة على ذلك النظام الاستعماري والذي أصبح جزءا من الماضي وشظايا دنسة بتعبير فرحات عباس كما اكتسب قوة خارجية متمثلة في الدعم الأفروآسياوي ودعم الكتلة الشرقية بما فيها الصين الشعبية مما سيعادل موازين القوى بين الطرف الجزائري والجانب الفرنسي وهذا على عكس العام 1830 حينما كانت الجزائر تحارب لوحدها في فرنسا الاستعمارية . كما أن كل الحبال التي كانت تمد النظام الاستعماري القديم بالقوة قد قـُطِـعت عليه لكوننا أصبحنا نعيش في عالم يحتكم إلى القانون لا إلى القوة في عالم أصبح يمجد ويؤيد موجة التحرر لا النظام الاستعماري هذا الأخير الذي أصبح يشكل عبئا ثقيلا على الضمير الإنساني ككل وجريمة يجب إنهائها وفي أقرب الآجال وهذا في الفترة ما بعد 1945 . كما أن التعويل على القوة لوحدها لم يعد ينفع فهي قد أدت إلى حربين كونيتين واللاعبون الجدد يدركون مدى خطورة استخدام القوة في المستقبل ولذا وجب تحييدها .

نعم إن فرنسا قد اعتمدت في تثبيت وجودها في الجزائر على القوة وهذا ما يسميه فرحات عباس بقانون القوة 03 . ولذلك فلما زالت قوتها العسكرية فقد زالت معها شرعية بقائها في الجزائر لأن وجودها فيها بقي دوما مرفوضا من قبل الجزائريين وحملتها العسكرية في العام 1830 هي اعتداء على شعب ودولة ولهذا فقد بقي وعلى الدوام وجودها ضد إرادة الجزائريين صحيح إنهم رضخوا لإرادة القوة ولكن جذوة المقاومة بقيت مشتعلة بداخلهم . وقانون القوة هذا قد أصبح مرفوضا خاصة وأن فرنسا الاستعمارية تطبقه على الجزائريين وترفض أن يطبق عليها هي نفسها وهذه الازدواجية هي من خلقت دوافع الثورة عليها فبأي حق يحكم الفرنسيون أرضهم وأرض الجزائريين والجزائريون لا يحكمون بلادهم فضلا على أن يحكموا الأراضي الفرنسية وهذا المنطق المقلوب مرفوض جملة وتفصيلا .

ولذلك فالجزائر لم تهدأ ثوراتها وهذا منذ العام 1830 وما ثورتنا المباركة سوى استمرار لتلك الثورات السابقة والتي ومع الأسف الشديد هي قد فشلت في طرد المستعمر الغاصب ولهذا فقد كَـيَّـفَ الجزائريون نضالهم بعد 1919 وتحولوا إلى النضال السياسي . فالثورة لم تكن غائبة أبدا عن مشاريعهم وهذا ما سنراه مع الشيخ عبد الحميد ابن باديس فيما بعد وبقوا يتحينون الفرصة للثورة على فرنسا واستعادة سيادتهم . صحيح إنهم فشلوا طوال القرن ال 19 عشر لكون الظروف العامة كانت ضدهم ولكن ومع 1954 تغير كل شيء لصالحهم فكان النصر حليفهم هذه المرة خاصة وأن فرنسا وبطريقة مستفزة حاولت تحويل قطعة من الشرق أي الجزائر إلى قطعة غربية 04 - وضد إرادة أهلها - ولكنها فشلت في مسعاها هذا . ولذلك فلم يكن يربط الشعب الجزائري بها سوى ضريبة الدم المراق لأجل مصالحها 05 . تلك الضريبة والتي كنا ندفعها أيضا لأجل فرنسا العظمى كلما دخلت هذه الأخيرة في حرب استعمارية عدوانية أو في حرب دفاعية نتيجة لعجرفتها وسوء خياراتها . وعليه فالجزائر لم تكن بالنسبة لفرنسا سوى خزانا بشريا تستخدمه أينما وكيفما شاءت وموردا للخيرات وللثروات تنهبه وكما تشاء أيضا وما كان هذا الوضع ليستمر إلى ما لا نهاية .

وعطفا على ما سبق فإننا وعندما نقول بأن فرنسا قد خلقت مشكلة لا حل لها وهذا من بعد أن قررت إلحاق الجزائر بها بعد العام 1834 فهذه المشكلة وكما خلقت بالقوة فلا حل لها إلا بالقوة ومن هنا تأتي حتمية الثورة الجزائرية لكي تفك هذا الارتباط غير المقدس والمفروض على الجزائريين وهذا ما حدث زمن حكم ديغول Charles de Gaulle والذي يقول عنه في مذكراته وهذا حينما يخبرنا بأنه لم يخطر بباله قط أن يحل معضلة قائمة منذ 130 . سنة نعم إن الوجود الفرنسي في الجزائر كان ضد إرادة الجزائريين ولم يقبلوا به في يوم ما أبدا وإنما فقط خانتهم القوة لا غير فهم لم ينسوا أبدا أن سيادتهم غُـيِّـبَـتْ وبالقوة وهذا نتيجة لاعتداء 05 جوليلة 1830 وكانوا دوما رافضين للاستعمار وعلى استعداد للثورة عليه وهذا ما يعبر عنه خطاب محمد الأمين دباغين في العام 1947 في البرلمان الفرنسي خير تعبير حيث يقول : " ... إن إرادة ورغبة الشعب الجزائري في الاستقلال ليست ناجمة فقط عن كون الاستعمار فشل بالمعنى المادي للكلمة ، لأن هذا سيعني مثلا أن الاستعمار لو نجح في تحسين مستوى معيشة المسلمين ، كان سيجرنا ربما إلى تقبل فقدان شخصيتنا وسيادتنا وثقافتنا بالرضا ، وهذا كله مناف للحقيقة . فحتى لو افترضنا أن فرنسا حققت معجزات فيما تسميه مستعمرتها الجزائر ، وحتى إن كانت كل الأكاذيب المتداولة حول إيجابية الاستعمار المزعومة حقيقة ، وحتى لو كان الشعب الجزائري كما أكدوا لنا قد انتقل من بائس تحت حكمه الذاتي وأصبح بحكم النار الفرنسية الشعب الأكثر سلامة وثقافة ورقيا " وعليه فجذور ثورتنا المباركة لا ترجع إلى غرة أول نوفمبر 1954 أو إلى العام 1945 وإنما ترجع إلى لحظة نزول المحتل أرضنا واغتصاب سيادتنا .

نعم إن تلك المعضلة والتي خلقتها فرنسا في الجزائر لا يمكن أبدا إيجاد حل لها إلا عبر القضاء الفوري على النظام الاستعماري وتحقيق مصالحة حقيقية في الجزائر ولكن ومع تعصب الكولون وتنكرهم للحقوق المشروعة للجزائريين ولكل المشاريع الإصلاحية والتي قد كانت من الممكن أن تمتص غضب الجزائريين وأن تبعد فكرة العمل الثوري ضد فرنسا في الجزائر كفكرة الإدماج الجماعي مثلا للجزائريين في الأمة الفرنسية والتي طالب بها فرحات عباس وكانت على الدوام أحد أبرز بنود برنامجه لم تكن فكرة مبتكرة منه هو شخصيا لأن هناك من الفرنسيين أنفسهم من سعى في هذا الاتجاه وعلى رأسهم النائبان ميشولان Michelin وكوتي Coty واللذان طالبا في العام 1887 بضرورة منح الجنسية الفرنسية وبصورة جماعية للجزائريين وجاء بعدهم عدد لا بأس به من الساسة والذين ساروا في هذا الطريق من أمثال ألبان روزي Alban Rosie وجورج ليونGeorge Lyon وما عجز هؤلاء عن تحقيقه تبناه فرحات عباس وحاول إكمال المسيرة ولكنه هو وهم قد اصطدموا بصخرة الكولون والتي أجهضت هذه المشاريع العادلة والحاملة لتلك المطالب المشروعة والنتيجة الحتمية لفشل هذا الضرب من النضال هي الثورة التحريرية المباركة وكما قال لينين فإن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة .

كما أن الثورة التحريرية المباركة قد كانت حتمية تاريخية لأن الجزائريين ما كانوا وهذا منذ العام 1830 ليخرجوا من مصيبة بسبب الاستعمار إلا ليدخلوا في واحدة أسوأ منها كان أبرزها حملات الإبادة الجماعية وعمليات التقتيل الممنهجة والمنظمة وتلك القوانين الظالمة وذلك الكم الهائل من المجاعات وكل هذه الويلات قاساها الشعب الجزائري طوال القرن ال 19 قرن الأحزان كما كان يسمى مرورا بظروف ح ع 1 و ح ع 2 فها هي فرنسا مثلا وفي فترة الحرب العالمية الثانية تجرد الجزائر من خيراتها الاقتصادية لإطعام أوروبا ومن ثمة معاناة الشعب من مجاعة ومن أمراض قاتلة هذا بالإضافة إلى أن الجزائر قد قدمت زهرة أبنائها لميدان القتال كجنود أو لمصانع الإنتاج كيد عاملة في أوروبا 06 . ومن بعدها تأتي قنبلة المداشر والمشاتي والدواوير بالليل وبالنهار ودفن سكانها أحياء وهذا على إثر مجازر الثامن ماي 07 . والهدف من وراء كل هذه الإجراءات القمعية واضح فهو يتمثل في تحقيق السلام الفرنسي المزعوم وبكل الوسائل التي تمتلكها فرنسا وما كانت هذه الجرائم ضد الإنسانية أن تمر من دون قصاص عادل أبدا والسلم الذي أرساه الجنرال دوفال Raymond Duval لمدة 10 سنوات كما صرح بذلك عقب مجازر الثامن ماي الرهيبة ما هو إلا الهدوء الذي يسبق العاصفة والتي ستقتلع النظام الاستعماري ومن جذوره وإلى الأبد . ولئن كان عملاء فرنسا المخلصين لن ينسوا أبدا تلك الفظائع ولم يستطيعوا هضم تلك الوحشية التي كانت تتحكم في تصرفات هؤلاء الجبابرة والطغاة فها هو أحد الباشاغوات يصرح بقوله : " ما حييت لن أنسى تلك الاغتصابات والحرائق وتلك المدافع الرشاشة وتلك الجيوش المدججة بالسلاح والاعتقالات والإعدامات الجماعية " الزبيري 08 ، فكيف إذن ينساها الوطنيون الجزائريون الأحرار ؟؟؟ .

وما كان يغذي تلك الأعمال الوحشية هو ذلك الكم الهائل من الكره والذي كان يكنه الكولون للجزائريين فها هو عباس فرحات يخبرنا في كتابه ليل الاستعمار الصفحة 105 بأن الأوروبي يكره العربي أي الجزائري كل الكره ويتجلى ذلك في العواطف والأقوال نعم إننا نحس أن في القلوب أمواجا متلاطمة من الحقد والازدراء ولذلك فلم يتخذ العنصر الأوروبي سوى الظلم كدين له في الجزائر المحتلة وهذا الطريق سلكوه لكونهم اعتقدوا بأنه اقرب السبل لجعل الجزائر إقليما من فرنسا ووطنا لهم والى الأبد ولكونهم يضنون بأن العربي أي الجزائري لا يفهم سوى لغة القوة ولما فشلوا في تحقيق هذه الأهداف فالنتيجة الحتمية كانت هي الثورة بهدف إنزال البديل الآخر على أرض الواقع لأنه لا يمكن لأي شعب أن يبقى يرزخ تحت هذه المظالم وإلى الأبد .

نعم إن النظام الاستعماري الفرنسي في الجزائر قد كان نظاما يصادم جوهر الإنسانية وهذا لكونه يقوم على الظلم وعلى الاستعباد وعلى الإقصاء وعلى الميز العنصري وعلى الجانب الحيواني في الإنسان ولذلك فهو يتنافي مع أبسط حقوق الإنسان المشروعة وهو يتجاوز حتى شريعة الغابة والتي وعلى الرغم من قسوتها إلا أن فيها عدالة قائمة . ولذالك فلئن طال الزمن أو قصر فإنه لمن الواجب تصفية هذا النظام الشاذ إما بثورة داخلية أو عن طريق التدخل الخارجي عبر الضغط والحصار كما هو الحال مع نظام الأبارتيد apartheid الملعون في جنوب إفريقيا سابقا . ولهذا فالثورة الجزائرية قد كانت حتمية حتى يستفيق الضمير الفرنسي الحي ومعه الضمير الإنساني ككل ليرى الجميع حقيقية الاستعمار البشعة وفداحة الجريمة المقترفة في حق الجزائريين والمستمرة في الزمان والمكان وهذا منذ أكثر من قرن من الزمن . وماذا يفعل الجزائريون في ظل التعصب المقيت للكولون والذين يرفضون مبدأ التعايش معنا ويرفضون الاعتراف بأية حقوق للقوميات الأخرى غير حقوق قوميتهم هم خاصة إذا عرفنا بأن الحكومات الفرنسية المتعاقبة على الحكم في باريس قد كانت عاجزة أمامهم عن فعل أي شيء وهذا بشهادة وزير الداخلية الفرنسي ألبير ساروا saroie Alber09.

ونتيجة لذلك الوضع المسدود الأفق فإن الجزائريين قد توقعوا الثورة وهذا منذ ثلاثينيات القرن العشرين فها هو عباس فرحات يريد على رئيس الوزراء الفرنسي دالاديي Édouard Daladier بالقول : " إن السياسة التي تفسح للآمال مجالا فسيحا ثم تخيب تلك الآمال ... إنها لسياسة ذات عواقب وخيمة مآلها الفراق والطلاق " 10 . وهو هنا يقصد أن انفصال الجزائر عن فرنسا لهو أمر محتوم نتيجة لسياسة المستعمر الخرقاء . ومن جهة أخرى فكل العالم لا يحترم أي شعب يستكين للقهر وللعبودية وإنما العالم يحترم فقط من يثور على الظلم ويسترد حقه المسلوب وبنفس اللغة التي يفهمها جلادوه. ذلك أنه وكما قال لينين فإن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة نعيدها مرة أخرى . وحتى الجيش الفرنسي في الجزائر فلم يكن يدافع عن شرف فرنسا ولا هو كان يخوض حربا عادلة وإنما زجه ضباطه في حرب من أجل مصالحهم الشخصية تلك المصالح المرتبطة بالكولون والذين كانوا يصبون عليهم المال صبا وهذا على شكل هدايا ورشا ليبقوا هم فقط سادة للجزائر .

ولذلك ففرنسا لم تستخدم وطوال وجودها في الجزائر سوي أسلوب وقانون القوة الغاشمة وكانت تضن بأن هذا الأسلوب كفيل بضمان بقائها في الجزائر وإلى الأبد ولكن الاستخدام المفرط للقوة والمقترن بالظلم والاستعباد , ولأنها قوة استخدمت فقط لإقامة دولة الجور والقهر لا دولة العدالة فقد أدت إلى وضع حاجز كثيف بين الجانبين وأصبح الحوار بينهما حوار أصمين لا يسمع احدهما الأخر وأصبحت قصة الذئب الشرس والحمل البريء يعيشها الشعب الجزائري وبصورة يومية بتعبير فرحات عباس 11 . ولذلك فالنظام الاستعماري كان نظام عصابة لصوص ومافيا بتعبير اليوم ونظام همج وبرابرة قادموا من العصور المتوحشة والبائدة . وعليه فما دام الاستعمار هو ذئب لا يستخدم سوى لغة الناب والظفر فلتكن تلك هي لغة التعامل معه . والاستعمار هنا لم يعد يفهم بأن عصر استخدام القوة قد ولى وانتهى وأننا اليوم في عالم جديد عالم غير عالم غفلة القرن التاسع عشر .

نعم تلك الغفلة والتي قهرت فيها فرنسا الجزائريين وأرعبتهم لدرجة أنهم أصبحوا يطلقون عليها تسمية الرب الصغير دلالة على إرهابها وقسوتها وجبروتها مما جعل أغلبية الجزائريين لا يتوانون في المشاركة في أي عمل ثوري ضدها لأنهم أصلا قد فقدوا كل شيء وليس لديهم شيئا سيخسرونه متى هم ثاروا عليها مجددا . أما من كانوا يناضلون بأدوات فرنسا الجمهورية من الجزائريين فقد اكتشفوا بأنهم يجرون وراء أوهام وخرافات ماضي بعيد والمقصود هنا مبادئ ثورة 1789 وما زاد من حدة صدمتهم هي أن أحرار فرنسا متواطئين مع النظام الاستعماري . وبهذا فقد أصبحت كل فرنسا يمينها ويسارها الكل في خندق واحد وفي مقابل هذا فقد أصبح كل الجزائريين ضد خرافة الجزائر الفرنسية والتي يرفضها الواقع والحاضر والماضي والجغرافيا والتاريخ . وها هو عباس فرحات يخبرنا عن خيبته - وهو رجل معتدل - في النخب الفرنسية وفي الفكر الفرنسي قائلا : " إن الذكاء الفرنسي قد عجز وأصابه الإفلاس ، فذلك الفكر الذي ما فتئ ينادي بضرورة ارتقاء الرجل المستعمر من درجة العبودية إلى درجة الحرية ، لا يحرك ساكنا حين تمرغ في الوحل كرامة الإنسان المغلوب على أمره " 12 .

ونتيجة لذلك فإن الشعب الجزائري قد كتموا أنفاسه فهو تحت رحمة حكومة باريس وتحت رحمة حكومة الكولون في الجزائر وما يتبع هذا من قوانين استثنائية ظالمة وجثموا على صدره كصخرة سيزيف فلا هو يستطيع العيش في المدن نظرا للتمييز العنصري البغيض الممارس ضده لكون تلك المدن قد تحولت إلى تجمعات مغلقة حصرا على العنصر الأوروبي ولا يمكنه العيش في السهول أيضا لتحول ملكيتها إلى الكولون ولا العيش في الجبال نظرا لوجود قانون الغابات والذي يكبله ثم هم قد رفضوا أي الكولون أية مبادرة تأتي من الجزائريين أو من قبل حكومة باريس تبشر بالتعايش المشترك بين مختلف سكان الجزائر وترسي قواعدها . فهم مثلا قد قبروا مشروع بلوم فيوليت Blum-Violette الإدماجي وحاربوا عباس فرحات المعتدل في طرحه تجاه الاستعمار وكانوا ينعتونه بالكلب أما أنصار التيار الاستقلالي فتعاملوا معهم بالرصاص الحي فقط وكانوا يحيون دوما فظائع سانت أرنوا Leroy de Saint-Arnaud وبيجو Thomas-Robert Bugeaud ثم هم أيضا قد رفضوا أي إصلاحات ومهما كانت تافهة لصالح الجزائريين وعلى رأسها إصلاحات العام 1919 . وهكذا وبسبب هذه السياسة الاستعمارية الرعناء فإن كل المشاريع المعتدلة قد خسرت القاعدة الشعبية لصالح الاتجاه الثوري ولصالح دعاة الاستقلال في الجزائر .

وهكذا تضاءلت مساحة الحلول الوسطى بين الطرفين نظرا لإفشال الكولون لأي محاولة للتعايش في الجزائر ما داموا هم الغالبون والجزائريون في خانة المغلوب وهذا الوضع يخدمهم ولا يهمهم المستقبل أصلا وهذا ما نجده وبشكل جلي وواضح في رد أحد رؤساء البلديات على عباس فرحات والذي ناقشه في ضرورة إصلاح الأمور لضمان المستقبل وللجميع ومن دون استثناء فرد عليه بالقول :" إن المستقبل لا يهمني ، نحن الآن أسياد ومن بعدنا الطوفان ". 13 . وبالفعل فقد جرفهم طوفان الثورة لأنهم لم يكونوا سوي براميل منتفخة كما وصفهم الرئيس الفرنسي ذاته ولم تكن لهم عقول يحتكمون إليها أصلا فجرفهم التيار لأن الفكر الاستعماري بتعبير شارل أنديه جوليان Charles André Julien فكر : " جامد ، لا يفكر إلا في مصالحه الضيقة التي تعني فلسفته الهيمنة والاستعباد " ولا هَـمَّ لهم أي الكولون وحسب فرحات عباس في كتابه ليل الاستعمار دوما إلا : " تحقيق الثروة بحيث لا يقدمون أي تضحية بدمائهم إلا من أجل غناهم وامتيازهم ، نحن نشقى بسبب استخفافهم وكرههم ". وهذه مشكلة الكولون ويجب أن تحل ولا يمكن أبدا أن تبقي أمة بكاملها تشقي لتسعد حفنة من المعمرين ولئن كان آخر الدواء هو الكي فليكن ولتكن العملية الجراحية فنحن مستعدون لها ومهما كانت مؤلمة وللطرفين .

ولهذا فقد تنبأ فرحات عباس مثلا وهذا منذ العام 1931 بنهاية النظام الاستعماري حيث أكد بأن الاحتفال بالذكرى المئوية للغزو الفرنسي للجزائر ستكون آخر احتفالات هؤلاء المحتلين وآخر نشوتهم على أرض الجزائر وهذا ما كان بالفعل لأن سكوت الجزائريين عن الظلم والقهر لا يعني أبد قبولهم به فهم ينتظرون فقط الفرصة للثورة عليه 14 . وها هو والد مصالي الحاج يكفر بالنظام الاستعماري ويعتبر هؤلاء الكولون مجرد لصوص سرقوا وطنه 15 . وما داموا قد سرقوه فلا بد أن يعود يوما ما لأهله وإن هم قد أخذوه بالقوة فبالقوة لا بد من إرجاعه . وهذا ما حدث بالفعل وهذه الفكرة نجدها تتكرر حتى عند الفرنسيين أنفسهم وهذا ما يخبرنا به أبو القاسم سعد الله حيث جاء في كتابة الحركة الوطنية الجزء الثاني ما يلي : " كتب الدكتور فيتال Dr Vital الذي قضي حياته في الجزائر إلى صديقه إسماعيل أوربان Ismaÿl Urbain بأننا ارتكبا عملا فاحشا لا أخلاقيا لا مثيل له مدعين الرد على ضربة مروحة لقد اغتصبتم جنسية وقطرا " 16 . ولهذا ففرحات عباس يقارن من جهة بين الاحتلال الروماني والاحتلال الفرنسي للجزائر فكلاهما يقوم على الظلم وأنزلا الشعب إلى مرتبة العبيد ولذلك فكما أفلس الأول وزال فلا بد للثاني أن يماثله في المصير المحتوم لأن القهر ومهما طال أمده فلا بد أن ينتهي يوما ما . ونحن هنا وعندما نتحدث عن القهر فإننا لا نتجنى على هؤلاء الكولون فها هو غابريال عبو Gabriel Abbou كبير المعمرين يصرح بالقول : " كلما أعطينا للعرب أكثر طالبوا بأكثر منه ، ثقوا بي ، إنني أعرف كيف أقهرهم " وهذه هي خطيئة الكولون الكبرى والتي عجلت برحيلهم عن الجزائر لأنه كان ومن المفروض عليهم أن يبنوا مصالحة حقيقية مع الجزائريين بهدف تنمية أواصر العيش المشترك مع كل القوميات التي تعيش فوق أرض الجزائر لا التفكير فقط في كيفية قهرهم وجلدهم وتعذيبهم وإقصائهم .

كما أن تمسكهم الأعمى بأهداف الاستعمار سوف يؤدي إلى الهلاك خاصة وأن عجلة التاريخ تدور بسرعة ، والأحداث تتوالى الواحدة تلو الأخرى ، بلا هوادة ، وكنا نغتنم كل فرصة سانحة لنعرض على فرنسا حلولا إيجابية ، ومعتدلة ، تحدونا رغبة واحدة هي ضمان الحرية ، والكرامة لشعبنا وهذه هي أهداف فرحات عباس من وراء نضاله ضد النظام الاستعماري 17 . والدعوة إلى الإصلاح قبل فوات الأوان لم يتبناها فرحات عباس وحده فقط بل هو يشترك فيها مع عقلاء الفرنسيين أنفسهم فها هو المستشرق الفرنسي أوكتاف ديبون Octave Depont يدعو صراحة إلى ضرورة بناء مستقبل مشترك وللجميع وهذا ما نجده في قوله : " لنسرع لفتح أبواب المساعدة الطبية الواسعة والمنظمة ، وفتح المدارس في كل مكان ، وخاصة مدارس البنات ، وأن لا نفكر في التأخر ، لنضع برنامجا من أجل تحقيق اندماج كامل للأهالي ، وذلك لبناء جيل المستقبل ." ونفس الأمر نجده عند الحاكم العام الفرنسي للجزائر موريس فيوليت Maurice Violletteوالذي ألف كتابا يحمل عنوان : " هل ستعيش الجزائر ؟" وهذا في العام1931 والذي جاء فيه : " إن فرنسا ارتكبت خطأ غير مسموح ، لأنها لم ترد أن تعرف ، و لا أن تسمع ." 18 وهذا لأن غلاة الكولون يؤمنون وفقط بجزائر القرن التاسع عشر والتي تجاوزتها أحداث التاريخ فجرفهم الطوفان وإلى غير رجعة .

وهذا ما جعل الجزائريين ومنذ ق 19 وعلى الرغم من هزيمتهم العسكرية إلا أنهم قد أبقوا على روح المقاومة حية آملين في الخلاص ذات يوم ما . فها هو الدكتور فيتال السابق الذكر يخبر صديقه إسماعيل أوربان Ismail Orban بأن سلطتنا في الجزائر ستزول كما زالت سلطة اسبانيا والبرتغال حيث لاحظ بأن عبارات مثل الجنسية والإسلام تثير حماس الجزائريين كما لو كانت كلمات سحرية 19 ولهذا فالجزائريون كانوا ينتظرون بثقة ساعة الثأر 20 ومتى زالت قوتهم العسكرية أي الفرنسيين فقد حانت ساعة الثأر تلك وهذا ما كان عقب ح ع 2 .

والمستوطنون أنفسهم قد كانوا ضحايا لمنظومة قيم خاطئة ومفلسة ومنحطة وبائسة وتتمثل في تلك القيم التي تعطي للاستعمار شرعية وتبرره من الناحية الأخلاقية حتى أن ضمير الكولون قد مات فلم تعد مشاهد البؤس المتفشية تثير فيهم أي شعور بالرحمة أو بالشفقة بل أصبحت مشاهد بحث الجزائريين عن فتات الخبز في المزابل لا تهز ضميرهم الميت فهم من أنزل الجزائريين إلى تلك الوضعية وهم من يكافحون لإبقائها قائمة لاعتقادهم بأن ذلك هو الوضع الطبيعي والذي يجب أن يكون عليه الجزائري ولأن قوتهم تتغذى من ضعف الجزائريين . ولأن المعمر يرى نفسه الرجل الأعلى وهو هنا ينطلق من فلسفة القوة لنيتشه Friedrich Nietzsche. والمستوطن قد صدق كذبته هذه وضن حقا بأنه الإنسان الأعلى والأقوى والذي هو من حقه أن يبيد الأعراق الأخرى المنحطة ويرث أراضيها . والجزائري عنده إنسان أدني لم ينفصل بعد عن القرد لأنه لم يصل إلى مرحلة التطور القصوى والتي وصل إليها الإنسان الأوروبي . وعلى العكس من هذا فالجزائري لم يعتقد في يوم من الأيام بأن الأوروبي فرنسيا كان أو ايطاليا أو اسبانيا أو مالطيا هو حقا أعلى منه . ربما يخضع له حين يكويه العدو بالنار ويجلده بالسوط ويكبله بالسلاسل ولا شيء غير هذا 21 . ولذلك فعباس فرحات يخبرنا بأن ما هو موجود في قدم الجزائري أفضل مما هو موجود في عقل ذلك المستوطن البليد . وعليه فالجزائري قد كان وعلى الدوام ينتظر الفرصة للثورة بهدف التخلص من قيوده تلك ولذلك فالمستعمر هو من خلق من الجزائري عدوا له وهذا من خلال تلك المعاملة الهمجية والتي استوردها من عصور البرابرة البائدة وهو وضع شاذ كان لا بد أن يصحح طال الزمن أو قصر .

والنتيجة المباشرة لأفكارهم تلك هي استحالة التعايش بين الكتلتين لكون الكولون يعتبرون الجزائري رجلا منبوذا وعدوا لدودا وإنسانا ناقصا 22 . ولذلك فقد حاولوا إبادته طوال القرن ال 19 ولما فشلوا أقاموا نظاما قائما على الميز العنصري أساسة عقدة تفوق زائفة شعارها الإنسان الأعلى والإنسان الأدنى وغالب ومغلوب وهذا ما حال دون تمازج العنصرين فكانت الثورة حتمية لإرجاع الوضع إلى حالته الطبيعية . خصوصا وأن الكولون قد رفضوا التعايش مع الجزائريين أو حتى إدماجهم في العائلة الفرنسية وجردوا الشعب الجزائري من حقوقه المشروعة وأنكروها عليه فماذا يفعل ذلك الشعب في ظل هذا الوضع الشاذ والذي تجاوزه التاريخ ؟ ولهذا فالجزائر قبل 1962 كانت تعيش ثنائية ففيها جزائر غنية وعصرية وهي جزائر الكولون وجزائر بائسة وحقيرة هي جزائر الجزائريين الأولي يعيش أصحابها في ترف وثراء فاحش والثانية تعانق الفقر المدقع والجوع والمرض ولذا فالجزائر في العام 1911 قد أصبحت أكثر البلدان التي تثير الشفقة في العالم . 23

وانطلاقا من نظرتهم تلك للجزائر فهم أي الكولون قد أرادوا كل شيء فيها لهم لوحدهم وفقط فخسروا كل شيء فيها وإلى الأبد فها هو جول فيريJules Ferry يخبرنا في العام 1894 بأنه من الصعب أن نقنع المعمر الأوروبي بأن هناك حقوقا أخرى غير حقوقه في البلاد العربية وأن العربي ليس بالعبد المسخر المجبور المسير المقهور . والكولون هنا ومن جروهم معهم من ساسة كأفراد أو كمؤسسات للدولة الفرنسية لم يكونوا واقعيين بتعبير فرحات عباس وهو يخبرنا بأنه قد كان من الممكن البدء في تصفية الاستعمار وهذا منذ العام 1943 كما حدث في الهند وغيرها ولكن غلاة الكولون ومن تواطأ معهم من الفرنسيين هم من دفعوا بالجزائريين إلى الثورة وهذا من خلال تعنتهم . ولكن ومع تغير مجرى التاريخ بعد ح ع 2 فحتى حلفاء الأمس أو ممن لم تكن تعنيهم القضية الجزائرية أو لم يسمعوا بها كسكان أمريكا اللاتينية لم يعودوا يستطيعون تحمل كم المظالم الهائل الواقع على الجزائريين وهذا دعم نفسي من شأنه أن يتحول إلى دعم دبلوماسي وعسكري وهذا ما تم بالفعل فيما بعد وكل هذا يدخل في خانة التحفيز على الثورة وبالتالي فقد تشجع الجزائريون وفجروها .

نعم إن هؤلاء الكولون كانوا لا يعرفون سوى مصالحهم ولا شيء غيرها وحتى الديمقراطية الفرنسية والتي يفتخرون بها ولكن ومتى تعلق الأمر بالجزائريين وبحقوقهم المشروعة فهم يكفرون بها وهذا ما نجده في كتاب ليل الاستعمار لفرحات عباس وهو هنا ينقل عن جريدة الاكسبريس L'Express للعام 1959 لتصريح المعمر جورج موريل George Morrell والذي يقول : " تسألونني عن الديمقراطية أقول لكم بأننا لا تهمنا ديمقراطيتكم أف لها من ديمقراطية ثمانية ملايين من الراتون raccoon قذرين أميين يتحدون فرنسا " 24 . وهذه هي المعضلة الكبرى فالكولون يريدون جزائر لهم لوحدهم فقط جزائر من دون جزائريين وهذه الانتقائية في التعامل مع الديمقراطية لأمر مرفوض لأنها ديمقراطية مفصلة على مقاس الكولون . وهو أمر واقع كان مفروضا يوم كانت القبضة الفرنسية تخنق الجزائريين ولكن ومن بعد 1945 فلم تعد فرنسا هي فرنسا ولذا وجب التخلص من كل ذلك الإرث الاستعماري البغيض ومن تلك الكيانات المشوهة والتي أقامها الكولون في الجزائر ومن بين مظاهرها هذه الديمقراطية الزائفة . ولذلك فإن الانتخابات عندهم لهي شيء مضحك وهم يوجهونها حسب مصالحهم وحسب إرادتهم ومع ذلك فليس في كل مرة يقول هؤلاء تسلم الجرة . ولذلك فهم بحاجة إلى ولاة يرغمون العرب على احترام حقوقهم كما يدعون 25 .

ولقد عمل الجزائريون وبكل طاقتهم لتصحيح هذا الوضع الشاذ وهذا منذ 1919 ولكن الكولون كانوا يجهضون أية محاولة في هذا الاتجاه فلم يبق أمام الجزائريين سوى الثورة كخيار وحيد دفعهم الاستعمار الفرنسي إليه دفعا ففي القرن ال 19 نجد أن الكولون قد أعلنوها صراحة وهذا حينما قالوا بأنهم سيمارسون كل أنواع الإرهاب ضد الجزائريين وكل أنواع الاضطهاد ولن يتركوا لهم من خيار سوى الثورة عليهم وهذا لكي يجدوا مبررا للقسوة عليهم أكثر أو أن يصبحوا جنودا في جيش الجمهورية 26 وفي مقابل هذا فالجزائريون لم يكونوا متعطشين للدماء وإنما الاستعمار هو من زج بهم في ذلك الطريق زجا وكما لم يتركوا لنا في القرن التاسع عشر من مخرج سوى الثورة لاسترداد حقوقنا فكذلك في العام 1954 فهم سلبوا منا كل شيء وأرادوا أن نبقى خدما لهم أو جنودا في الجيش الذي كان يحرسهم ويحرس مصالحهم . ذلك أننا وحسبهم كم مهمل لا يُعبأ به وهذه قمة العنصرية والازدراء والامتهان لشعب بأكمله من قبل حفنة عنصرية من الكولون لا تهمها سوى مصالحها ومن بعدها الطوفان . وللحفاظ على مصالحهم الأنانية تلك فقد كانوا يخرقون القانون جهارا ويفتخرون بهذا ليبقوا هم يتنعمون بينما الجزائريون يتعذبون ويجلى هذا في عمليات التزوير المختلفة والتي طالت مختلف الانتخابات والتي كانت تجرى على أرض الجزائر .

وإضافة إلى ما سبق فهم لم يسمعوا لأية نصيحة يصدرها العقلاء والحكماء فها هو عباس فرحات وبسبب دراسته للتاريخ الروماني في الجزائر واستنتاجه بأنه قد فشل وأفلس في الأخير ولذلك فهو قد رحل وهذا على عكس الفتح الإسلامي والذي يراه ناجحا . ولذلك فقد نصح فرنسا الاستعمارية بضرورة تقليد العرب لا الرومان وما دامت فرنسا لم تستمع لنصيحته فهذا جعله يبتعد عنها لصالح النموذج الآخر نموذج الثورة لأنه لا يمكن له أن يبقي يسير خلف نموذج ظالم وفاشل وهذا الكلام يخبرنا به عباس فرحات ذاته في كتابه الشباب الجزائري وهو رجل معتدل تجاه فرنسا الاستعمارية فما بالك بمن يناصبونها العداء ويتحينون الفرص لرمي نظامها في البحر . نعم هم أي الكولون لم يكتفوا بعدم الإصغاء للنصائح بل هم فرضوا منطقهم على الدولة الفرنسية في حد ذاتها والتي تنازلت أمام الأوليغارشيات المالية ، وأظهرت ضعفها ووهنها بخصوص وعد فرنسا واحترام القانون الفرنسي وتطبيقه ، فإنه لن يبقى أمام الجزائريين سوى الاختيار بين السجن أو الجيل. " 27 .

فعلا لقد كانت هناك أصوات عاقلة دعت إلى ضرورة إصلاح الوضع قبل الطوفان فهي دعت مثلا وبصراحة إلى ضرورة تعليم الجزائريين اللغة الفرنسية بهدف تحقيق الإدماج الكلي للجزائر فبعد إدماج الأرض لا بد من إدماج الشعب ولقد وجد عباس فرحات سندا قويا في هذه الأطروحات وأرضية يقف ويتكأ عليها وهي أطروحات كانت موجودة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر واستمرت في التواجد خلال القرن العشرين وهذا ما نجده عند المستعرب والمستشرق الفرنسي أوكتافAlfred Marie Bell Octave في كتابه الجزائر المئوية فهو يدعو الفرنسيين إلى ضرورة الإسراع في : " فتح أبواب المساعدة الطبية الواسعة والمنظمة ، وفتح المدارس في كل مكان ، وخاصة مدارس البنات ، وأن لا نفكر في التأخر ، لنضع برنامجا من أجل تحقيق اندماج كامل للأهالي ، وذلك لبناء جيل المستقبل " ولكن كلامه هذا كان كمن يتجه إلى الأموات ويخطب فيهم ويطلب منهم أن يستمعوا له .

فماذا كانت النتيجة ؟ لقد تمثلت في أنه لا يوجد حل وسط نتيجة لتدافع التطور التاريخي بشكل سريع وهذا بظهور الفلاحين في القرى والبروليتاريا في المدن مما جعل من المستحيل التفكير في إصلاح النظام الاستعماري 28 . خاصة وأن أنصار هذا النظام لا يريدون هم الآخرون إصلاحه وهذا في ظل وجود تحالف مصلحي قوى يجمع المعمرين بالسلطات الحاكمة في باريس مع الرأي العام الفرنسي والكل متفق على أن لا حل للمعضلة الجزائرية إلا باستخدام القوة العسكرية ولا حل لها خارجها . وهذا ما تجسد من بعد انتفاضة 20 أوت 1955 والاستخدام الوحشي للقوة من قبل الاستعمار لم يبق أي أمل في حل سلمي للمشكلة الجزائرية .

بل وعلى العكس من هذا ففرنسا الاستعمارية وبدلا من أن تسمع النصائح فهي قد عملت على تخريب ونسف كل المبادرات السلمية والرامية إلى تقريب وجهات النظر بين مختلف سكان الجزائر وهذا ما كان يهدف إليه عباس فرحات مثلا ولكن المنطق الاستعماري الأرعن والمتغطرس كان يعمل وفي اتجاه مضاد نتيجة لتوسع الهوة بين كل طوائف الجزائر ذلك أن الاستعمار لا يمكن له أن يضمن بقائه إلا في ظل سياسة التفرقة العنصرية وتغليب جانب على آخر 29 . ولهذا ففرنسا هي المسئولة عن إجهاض وتخريب أي مسعى في اتجاه المصالحة الوطنية الشاملة في الجزائر لكونها لا تؤمن إلا بالجزائر الفرنسية والموجودة على الورق فقط أما الواقع فغير ذلك تماما وحتى الممارسات السلمية فقد أفرغتها فرنسا من محتواها وهذا عن طريق التزوير مثلما حدث في انتخابات 1947 وهنا لم يبق أمام الجزائريين سوى العمل الثوري لاستعادة سيادتهم وحقوقهم وأي نضال سياسي أصبح هو عين العبث في جزائر ما بعد 1945 . فلا فرنسا تستمع للأصوات المعتدلة ولا لأصوات تيار مصالي الحاج ولا للعلماء وهذا ما يعبر عنه بعقم الكفاح السياسي والذي أقنع الجميع بضرورة التوجه للكفاح المسلح كخيار واحد ووحيد تركه الاستعمار أمام الجزائريين مما يؤكد صحة ما ذهب إليه عباس فرحات من أن تجميد الوضع السياسي لن يؤدي إلا إلى العنف . 30

فلقد طالب الجزائريون مثلا بضرورة إنشاء : " جمعية وطنية تأسيسية جزائرية سيدة منتخبة بالاقتراع العام، دون تمييز عرقي أو ديني ، إنه الحل الوحيد الذي يضمن العودة إلى السيادة الوطنية ، لشعبنا ، ويشكل الحل العادل والديمقراطي للمشكل الجزائري . " هذا ما جاء في خطاب محمد الأمين دباغين في العام 1947 ولكن غلاة الكولون كانوا يرون في مثل هذا العمل نهاية حتمية لحكمهم في الجزائر تلك الجزائر التي يعتبرونها ملكية خاصة لهم ورثوها عن آبائهم ولذلك فقد كانوا يطلقون عليها : " l'Algérie de papa " وحتى الجنسية الجزائرية فقد سرقوها من الجزائريين ليصبحوا هم الجزائريون وأصبح الجزائريون غرباء في وطنهم وأجانب وهذا الوضع الشاذ كان يخدم السادة الإقطاعيين في الجزائر وأعوانهم وهم المنتفعون منه لوحدهم وفقط ولذا فهم لا يرغبون في إصلاحه فضلا عن زواله .

وفي مقابل جزائر الكولون هذه فإن جزائر أخرى بقيت حية وموجودة صحيح أنه غير معترف بها وتعيش على الهامش ولكن أبنائها يعملون وبلا ملل أو كلل لاسترجاعها خاصة وأن الوطنية فيها لم تمت هي الأخرى أبدا ففي بجاية ببلاد القبائل الشامخة شموخ سيدتها لالا فاطمة نسومر وبطلها ونمر الجبال العقيد عميروش مثلا كتب أحد المعلمين على السبورة إنني فرنسي وفرنسا وطني فكتب التلاميذ الجزائريون بدلها هذه الجملة إنني جزائري والجزائر وطني سعد 31 . وكانت الوطنية الجزائرية تنمو وتتطور متأثرة بما يدور ويحدث حولها في العالم . وفكرة الاستقلال لم تبارح خلد الجزائريين مطلقا . وها هم يعلنون لمن يريد السماع لهم بأنهم عازمون على البقاء وحدهم في أرض أجدادهم وأنهم سوف يسترجعون استقلالهم الكامل . الزبيري . 32

حقا إن الأمة الجزائرية قد بقيت حية حيث جاء في كتاب أبو القاسم سعد الله الجزء الثاني منه بأن : " أية أمة حتى ولو احتلت عن طريق السلاح لا يمكن أن تهدد بالزوال إلا إذا فقدت الثقة بنفسها وقد وجد المستشرق الفرنسي جوزيف دي بارمي de parmi Josephيخبرنا بأن : " الأمة الجزائرية لم تفقد الثقة في نفسها ذلك أن غريزة البقاء عندها قد بقيت نشطة " 33 . وهذا هو السر في أن الجزائريين لم يقبلوا بالهزيمة أبدا طوال القرن التاسع عشر وهذا ما يبرز في تلك المقاومات المختلفة والمتعددة الأشكال بين الشعبية والرسمية 34 . كما وأن العلم الجزائري والذي كانت فرنسا تعتقد بأنها قد أحلت محله العلم المثلث في الجزائر وإلى الأبد فها هو يرفع من جديد وهذا في العام 1910 حينما رفع الجزائريون الأعلام الوطنية وساروا في مسيرات شعبية استنكروا فيها الحكم الفرنسي وطالبوا بالحرية وتقدم أثناءها خطيبا لعله إيطاليا وذكر الجزائريين بأبناء البلاد الحرة دائما اللذين لن ينسوا أن العلم المثلث سوف لا يعني قريبا أي شيء وأن علما أحمر في لون الدم سيحل محله في النهاية 35 نعم لقد كان الجزائريون ينتظرون الفرصة غير راضين عن أحوالهم وما ألت إليه أحوال بلادهم . وها هو وفي العام 1914 كتب أحد الجزائريين إلى صديقه رسالة كان مضمونها أنه قرر كتابة رواية اجتماعية تاريخية عن الشعب الجزائري وعن الدمار والعذاب اللذين يعانيهما هذا الشعب الذي حكم عليه الله أن يبقى تحت نير المجوس . 36

وعطفا على ما سبق نقول بأن الشعب الجزائري لم يقبل أبدا بالغزو الفرنسي لبلاده ولا بتلك النتائج المأساوية والتي انجرت عنه وإنما رضخ فقط لإرادة السكين ولو إلى حين وهذا ما صرح به السيد محمد لمين دباغين في خطابه في العام 1947 حيث نجده يقول : " الشعب الجزائري كلفنا نحن المنتخبين الوطنيين وانتخبنا لنعلن للشعب الفرنسي والعالم كله أن الجزائر لا تعترف بالوضع الذي خلقه الاحتلال عام 1830 وأن الجزائر ليست فرنسية ، وأنها لم تكن يوما فرنسية ، إضافة إلى هذا ، فإن الشعب الجزائري لا يقبل أي حل ما لم يضمن بالدرجة الأولى وبصفة مطلقة العودة إلى السيادة الوطنية . " ونحن هنا أمام مشروعين متناقضين وكلا الطرفين قد وصل إلى طريق مسدود لا يمكن فيه تقريب وجهات النظر أبدا فلا فرنسا ستقبل بمطالب الحركة الوطنية ولا هذه الأخيرة لديها قدرة كافية على احتمال استمرار النظام الاستعماري أكثر وعليه فالصدام الكبير مع المجموعتين هو قضية وقت لا أكثر .

وهنا نصل إلى أنه ومن المفارقات العجيبة أن فرنسا التي تحررت من الاحتلال النازي وبدعم خارجي وبمقاومة وطنية داخلية رفضت وبشكل مطلق أي حديث عن استقلال للمستعمرات في الفترة ما بعد 1945 وهذا وضع لا يقبله المنطق السليم فبأي حق فرنسا تعطي لنفسها حق مقاومة الألمان وتجحد حق المقاومة وتحجبه عن الشعوب التي ترزخ تحت نيرها ؟ . وهي ومن بعد 1945 لم تكتف بحجب حق تقرير المصير عنا فقط بل أرادت إبادة كل الأصوات المنادية في الجزائر بالاستقلال ونكلت بها ومجازر الثامن ماي خير شاهد على هذا الأمر . وعليه فقد سدت فرنسا كل الطرق فيما عدا طريق واحد بقي كخيار متاح أمام الجزائريين وهو المتمثل في العمل الثوري كخيار واحد ووحيد بيد الجزائريين ولو سمعت فرنسا لصوت العقل فلربما لم نكن نرى ثورة بتلك القوة ولا بتلك القسوة والتي تماثل قسوة الوحوش من قبل الجانب الفرنسي . وعليه فالتعنت الفرنسي هو المسئول الأول والأخير عن اندلاع ثورتنا المباركة وهذا التعنت لم يكن في الجزائر فقط وإنما في كل مستعمراتها ومنها لفيتنام والتي شهدت هي الأخرى ثورة انتهت باستسلام هو أقرب إلى الفضيحة منه إلى الهزيمة العسكرية .

وكما رفع الجزائريون الإعلام الوطنية في الحرب العالمية الأولي فقد رفعوها أيضا عقب نهاية الحرب الكونية الثانية وشعارهم كان دوما الجزائر أرض عربية وهذا ما نادوا به أثناء مظاهرات الثامن من ماي 1945 وهذا لكون الوطنية الجزائرية قد بلغت أعلى درجات نضجها بعد سنة 1947 من بعد أن كانت قد بُـعِثت من جديد في بداية القرن العشرين وهذا ما نلتقي به في ذلك الخطاب المدهش والمميز للسيد محمد لمين دباغين نائب حركة الانتصار من أجل الحريات الديمقراطية والذي نقتطف منه هذه الفقرات لندلل بها على مدى النضج الذي وصلت إليه الحركة الوطنية وعلى الجرأة والقوة في الطرح يوم كان ليس من السهل مجرد رفع الرأس أمام جبروت الغازي فما بالك بإدانته وفي عقر داره ومما جاء في خطابه ما يلي : " زملائي من كتلة حركة انتصار الحريات الديمقراطية بالجزائر الذين سبقوني إلى هذا المنبر ، وأثبتوا بما يغني عن المزيد من الأدلة أن الاستيطان والاستعمار كان بالنسبة لوطننا « الجريح » كارثة حقيقية من كل الجوانب ووجهات النظر ، لكن سيكون من الخطأ الجسيم أن نعتقد مثلا أن إرادة ورغبة الشعب الجزائري في الاستقلال ناجمة فقط عن كون الاستعمار فشل بالمعنى المادي للكلمة ، لأن هذا سيعني مثلا أن الاستعمار لو نجح في تحسين مستوى معيشة المسلمين ، كان سيجرنا ربما إلى تقبل فقدان شخصيتنا وسيادتنا وثقافتنا بالرضا ، وهذا كله مناف للحقيقة . فحتى لو افترضنا أن فرنسا حققت معجزات فيما تسميه مستعمرتها الجزائر ، وحتى إن كانت كل الأكاذيب المتداولة حول إيجابية الاستعمار المزعومة حقيقة ، وحتى لو كان الشعب الجزائري كما أكدوا لنا قد انتقل من بائس تحت حكمه الذاتي وأصبح بحكم النار الفرنسية الشعب الأكثر سلامة وثقافة ورقيا ... لا تنسوا سيداتي وسادتي أن الجزائر أمة ، كانت أمة وكانت سيدة ... وفقط اعتداء 1830 أفقدها سيادتها ، وعلى سبيل المثال ، تكرر التأكيد من طرف الحكومة أو أعضاء هذه الجمعية أن الجزائر هي مرة جزء لا يتجزأ من فرنسا ، ومرة ثلاث مقاطعات فرنسية ، وأخرى كما جاء في القول : جماعة محلية تابعة للجمهورية الفرنسية ، وكلها تأكيدات من جانب واحد، لا ترتكز على أي أساس . وإذا كان قانون العدد والعدة ، ومصير الحرب لم يكن لصالح الجزائريين ، هل هذا يثبت بالصدفة مثلا أن الجزائر فقدت حقها في الاستقلال ؟ وهل هذا يثبت بالخصوص أن لفرنسا الحق في أن تقول إن الجزائر فرنسا ؟ وعلى أي حق وقانون نرتكز للقول بأن الجزائر فرنسية ؟ هل هو حق الأقوى؟ هل هو قانون الاحتلال ؟ .

إنها حقا لمعجزة أن نجد بعد أكثر من قرن من الاحتلال والحديد والنار واللفيف الأجنبي والخونة والعملاء والتزييف الممنهج للتاريخ مع نشر الأكاذيب والعمل التبشيري الجاد والحثيث من دون كلل أو ملل أن نجد الوطنية والقومية الجزائية كقطعة الذهب لا تزال تلمع في قلوب الجزائريين والذين هم على اقتناع تام بأن الاستعمار الفرنسي للجزائر ما هو إلا ليل مظلم وكابوس مزعج سينتهيان ومهما طال الزمن أو قصر وهذا ما يخبرنا به خطاب محمد لمين دباغين السابق الذكر حيث يقول : " تشيكوسلوفاكيا فقدت سيادتها بفعل اعتداء إمبريالي ، لكن حافظت على حقها في الاستقلال ، وهي الآن حرة من جديد . الأمر نفسه بالنسبة إلى الجزائر : رغم كفاحها البطولي ، فقد فقدت سيادتها في الحرب التي كانت بالنسبة لها كارثية ، ولا يمكن أن نقبل أن يكون هذا حدا لسيادتها ، إنها ستستعيد حريتها ، وتصبح كما كانت هي ذاتها ، ونحن مقتنعون أنه لا يوجد في العالم مثال لم ينته بالعودة إلى الأصل ... قرن من الاعتداء والهجوم لم يفقدها شخصيتها ولا إرادتها وعزمها القوي في العودة إلى ذاتها " .

إلى أن يقول وهو طبعا يريد حلا يرتكز على العدالة وللجميع : " وأستذكر هنا فقط اتفاقية 5 جويلية 1830 التي تعهد فيها الماريشال دي بورمون الذي كان ربما فقط جنرالا ، تعهد كتابيا بشرف فرنسا على احترام حريات السكان ، دينهم ، ملكيتهم ، تجارتهم وصناعتهم . وفور دخول الجيوش الفرنسية للجزائر ، اعتبرت هذه المعاهدة حبرا على ورق . السكان طوردوا وطردوا ، هذا تاريخ ... وتم نفيهم جماعيا . قبائل كاملة تمت إبادتها ... قبيلة العوفية مثلا.. . وأخرى أبيدت على آخرها في مغارات . أملاك الحبوس حجزت ، وأحسن الأراضي صودرت ، ويمكنني أن أحدثكم مطولا عن هذه الأشياء وأجمل المساجد تم هدمها أو حولت كاتدرائيات ، أما فيها يخص التجارة والصناعة الجزائريتين ، فإنه الإفلاس الصارخ للاقتصاد الإسلامي ، والتفقير ، وجموع البروليتاريا التي خلفها الاحتلال موجودة لتثبت كيف تم احترام هذه التجارة والصناعة وإلى أي درجة . " .

ونتيجة لهذا الوضع المزري والذي خلفه الاحتلال الفرنسي بالجزائر فإن الكل قد توقع ثورة شاملة تأتي عليه ومن أسسه بل كان يعد إليها وينتظرها فها هو الشيخ عبد الحميد ابن باديس وعندما يعلن بأن الصبح قد اقترب فهو هنا يخبرنا بقرب نهاية النظام الاستعماري في الجزائر والصبح هنا هو كناية عن الاستقلال والحرية والسيادة الوطنية المغتصبة والمصادرة أما الليل الاستعماري فهو قد ولى وانتهى وأصبحت أيامه معدودة في الجزائر والشيخ ابن باديس هنا ليس رجلا حالما أو مرابط يتنبأ ويرجم بالغيب وإنما الرجل يتخذ هنا موقفا واضحا من الاستعمار وهذا انطلاقا من الواقع وليس من التوقعات أو من تحاليل قد تصدق وقد تخطأ وإنما الرجل ينطلق من منطلقات واضحة ستؤدي حتما إلى نتائج محسومة . فالرجل يتحدث في قصيدته والتي مطلعها : " شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب " عن قرب عن نهاية النظام الاستعماري لأن المشروع الاستعماري أصابه الإفلاس أولا ولم تبق بيده سوى القوة الغاشمة ومتى فقد هذه الأخيرة فقد حقه في الوجود وحتى بحمله للبندقية فهذا لا يعطيه شرعية البقاء في الجزائر أصلا . والشيخ ينطلق في قصيدته تلك من مظاهر إفلاس المشروع الاستعماري والتي تتجلى في فشل سياسة الإدماج بشكل نهائي فلا الجزائريون يرغبون في أن يكونوا فرنسيين ولا الفرنسيين يرغبون في هذا الأمر لأنهم يعتقدون بأن تعاليم الإسلام تتناقض والجنسية الفرنسية . هذا أولا وثانيا الأمة الجزائرية لا زالت حية فهذا الشعب العظيم من قال عنه بأنه قد مات فقد كذب وكل أمة واعية بكيانها ومحافظة على شخصيتها فمهما طال الزمن فلا بد من أن تسترجع سيادتها وهو هنا ينطلق من التجارب الأوربية فبولونيا والمجر واليونان وكلها دول فقدت سيادتها ولكنها لم تمت فبعثت من جديد ولو من بعد قرون من السيطرة الأجنبية وهذا هو حال الجزائر .

كما أن الشعب الجزائري لم يحافظ فقط على شخصيته المستقلة بل حافظ على وجوده كذوات لم يستطع الاحتلال إبادتها ومن هذا الشعب المنبعث من رماده كالعنقاء سيكون النشء الجديد ، حطب يشعل ثورة التحرير هذا النشء الذي أعده ابن باديس لذلك اليوم مع رفاقه في النضال من رواد الحركة الوطنية وبالتالي فهو هنا يعول على الدماء الجديدة والتي تشكلت تشكلا جديدا وهذا من بعد انبعاث الحركة الوطنية ونضجها في وقته . كما أنه يعرف الواقع الدولي جيدا وأن عصره ليس بالقرن التاسع عشر قرن الغفلة وبالتالي فإنه يرى بأن الظروف كلها تتجه صوب الثورة لإنهاء النظام الاستعماري البغيض والمقام حسبه وفي قصيدته الشهيرة تلك على اللاعدل وعلى الظلم وعلى الغصب وعلى الخائنين وهؤلاء وكما باعوا شعبهم فسوف يبيعون الغزاة متى مالت كفة القوة لصالح المظلومين . أما عامة الشعب ومن يطلق عليهم لفظة الجامدين فهؤلاء ما أن يسمعوا نداء الجهاد هذه اللفظة السحرية فإنهم سيهبون للثورة على المحتل الغاصب وقصيدته هذه ليست مجرد تعبير أدبي راق وقطعة أدبية جيدة وإنما هي ملخص لمشروعه النضالي ولما يعتقده الرجل وأوقف حياته عليه .

وابن باديس كان مصيبا في تحليله للوضع الجزائري وهو محق في أن القضية مجرد وقت فقط وفكرة الثورة لم تكن غريبة ولا مستبعدة عن ومن مشروع الشيخ ابن باديس فهو لم يعترف أبد بشرعية الاحتلال الفرنسي للجزائر وهو أصلا كان يتبنى موقفا ثوريا تجاهه وهذا ما نلتقي به في خطاباته الأولى والمبكرة والخاصة بالاجتماعات التحضيرية لتأسيس جمعية العلماء المسلمين كما تخبرنا به الدراسات الحديثة وهي تعتمد هنا على مذكرات الشيخ خير الدين رفيقه في النضال . كما أنه أي ابن باديس يخبرنا بأن المماطلة الفرنسية : " تدفعنا إلى اليأس الذي يدفعنا إلى المغامرة والتضحية " أي إلى الثورة بتعبيرنا اليوم ثم هو يقول : " بَرْهنُوا للعالم أنكم أمةٌ تستحق الحياة . " وهل بغير الثورة والتضحية في سبيل الوطن سنبرهن للعالم بأننا امة تستحق الحياة ؟ .

ومن تستحق الحياة هي المجموعة الجزائرية المتمايزة عن المجموعة الفرنسية فها هو فرحات عباس يخبرنا في كتابه الشباب المسلم بأن الكتلة الأوروبية والكتلة المسلمة بقيتا متمايزتين غريبتين عن بعضهما ولا روح مشتركة بينهما .37 وهذا نظرا لاحتكام العنصر الأوروبي خلال تلك الحقبة إلى نظرية الجنس الأعلى والجنس الأدنى ولأننا نحن كجزائريين كنا مجرد رعايا خاضعين لا مواطنين كذلك الخليط من المستوطنين والذين منحت لهم فرنسا جنسيتها وهذا في العام 1889 38 . وما زاد من اتساع الهوة بين الكتلتين هي تلك الفلسفة والتي تبناها العنصر الأوروبي في الجزائر والتي مفادها لا بد من سيادة العنصر الغالب لأنه هو الأصلح ما دام قد غلب . لأن العقل الأوروبي وكما هو معلوم للجميع وخلال القرن التاسع عشر وهذا ليس كلامنا نحن وإنما هو كلام مشاع يعرفه الجميع كان يحتكم لنظرية داروين والتي مفادها بأن البقاء للأقوى وهذه العبارة تم رفعها في أوروبا إلى منزلة القانون الطبيعي والذي لا مفر منه فالأجناس العليا حسبهم قدرها أن تهمن وتسيطر وتستعبد وتخضع لها الأجناس الأدنى منها تطورا كما هو الحال في الطبيعة تماما وهذا حسب استنتاجاتهم وملاحظاتهم الخاطئة طبعا . وعليه فقدر شعوب إفريقيا وآسيا أن تُــستعمر من قبل الأوروبيين وبالتالي فالاستعمار وطوال القرن 19 وبداية القرن 20 كان يحمل عندهم الطابع الأخلاقي وضميرهم لم يكن يؤنبهم على تلك الجرائم المقترفة في حقنا كجزائريين لأن هذا أمر من وحي الطبيعة فهي من شرعت لأن يسيطر الجنس الأعلى على الجنس الأدنى وهذه الخرافة جاءت كنتيجة مباشرة لنظرية التطور والتي وضعتنا في مرتبة وسطى ما بين الإنسان والقرد وهذه كلها نفايات فكرية خاصة بالقرن التاسع عشر .

وكنتيجة مباشرة لذلك الفكر فقد تشبعوا أي الكولون بالروح العنصرية والتي انحدرت لهم من آبائهم وجدودهم ممن استقروا في الجزائر والذين كانوا يكرهون سكانها أي الجزائريين وهذا الكره هو من سوف يفجر أي محاولة للتقارب بين الكتلتين وسوف يزيد من اتساعه الهوة بينهما وخصوصا من بعد تلك الجرائم التي ارتكبها الاستعمار في حق الجزائريين مما جعل تلك الهوة بينهما يستحيل ردمها وهذا خاصة بعد مجازر 08 ماي 1945 حيث تحددت بعدها معالم شعبين منفصلين يعيشان فوق رقعة واحدة ويتربص أحدهما بالآخر وسوف يحسم الأمر لأحدهما لأن الاستعمار وبحماقته تلك أي مجازر الثامن ماي 1945 يكون وبتعبير الفرنسيين قد حفر خندقا سيملأ بالجثث في قادم الأيام أي أنهم هنا يتنبئون بالثورة وبالتصادم المسلح بين الكتلتين وهذا ما تحقق بالفعل بعد 10 سنوات تلك المدة التي ضمن فيها السفاح دوفال Raymond Duval السلام لفرنسا بالجزائر .

وهم بأعمالهم الهمجية تلك كانوا يريدون تحويل الشعب إلى قطيع قاصر يفرضون قوانينهم عليه ولكن الجزائريين ومن بعد 1945 قد أصبحوا يرفضون وضع القاصر المحجور عليه من قبل الوصي المستبد والظالم والخائن ولهذا فهم قد أصبحوا يرفضون أن يحكموا بقوانين لم يساهموا هم في وضعها بعبير الأمير خالد وهذا ما نجد صداه في خطاب محمد لمين دباغين في معرض مناقشته لقانون الجزائر الخاص لعام 1947 حيث يقول : " يراد اليوم ودون استشارته - أي الشعب - فرض قانون على الجزائريين، لا يهدف سوى إلى تكريس عبوديته واستغلاله الاقتصادي والقضاء على ثقافته والمسح التدريجي لشخصيته . " . وما دامت فرنسا ماضية قدما في تجاهلها للشعب الجزائري فإن كل ما يأتي من جهتها كأمر مفروض على الجزائريين لهو أمر غير ملزم لهم وكما فرضته القوة الفرنسية فسوف تلغيه القوة الجزائرية المضادة وما دامت القوة حققت للمحتل إرادته فهي حتما ستحقق للجزائريين إرادتهم أيضا وهذه الإرادة القاضية باسترداد حريتهم وسيادتهم على أرضهم المغتصبة لأن الشعب الجزائري وصل إلى مرحلة أصبح فيها قادرا على تقرير مصيره وبنفسه .

ولهذا وكما يخبرنا فرحات عباس من أن الثورة الجزائرية لم تكن مفاجئة للشعب الجزائري فهو قد كان ينتظرها وهذا منذ مجازر 08 ماي1945 تلك المجازر الرهيبة والتي يقول عنها بأنها قد وضعت حدا نهائيا للعلاقة بين الجزائريين المسلمين ، والمحتلين 39 . خاصة وأن التجمعات الأوروبية قد تحولت إلى تجمعات مغلقة على نفسها وكانت تظهر عدائية وفظاظة تجاه الجزائريين 40 . ونتيجة لتك العدائية ولتلك الفظاظة فقد حدث الطلاق وبصورة نهائية بعد مجازر 08 ماي 1945 بحيث أصبح في الجزائر شعبين منفصلين يتحين كل واحد منهم الفرصة للقضاء على الآخر فالكولون مصير نظامهم العنصري الرمي في البحر والجزائريين مصيرهم الإبادة إن استطاع المعمرون ذلك وما هي سوى مسألة وقت حتى يسترجع كل طرف قواه . وعليه فالفترة الممتدة ما بين 1945 و 1954 ما هي إلا استراحة محارب كما يقال .

ومن بعد تلك المجازر الرهيبة اقتنع الجزائريون بضرورة الكفاح المسلح وهذا ما يتضح من خلال تأسيسهم للمنظمة الخاصةOS والتي تأسست في شهر فيفري 1947 بهدف التحضير للكفاح المسلح ولئن تـأجل موعد الثورة عن العام 1952 فإنه لن يتأجل أكثر وأكثر ولمعرفة ضخامة الشرخ الذي أحدثته تلك المجازر فإننا نستشهد هنا بما قاله الفرنسيون أنفسهم من كون تلك المجازر مسئولة مسئولية مباشرة عن الثورة فها هو الجنرال توبير toubir Générale قائد لجنة التحقيق في تلك المجازر الوحشية يقول بأن : " القمع الدموي للاضطرابات كان غلطة كبيرة فالنزاع الحالي يعني ثورة نوفمبر 1954 قد ولد جزئيا من هذا القمع الأعمى " 41 . وحكمه هذا نراه صائبا فالثورة التحريرية الكبري جاءت كنتيجة حتمية لتلك التراكمات والتي عرفتها الجزائر وهذا منذ الغزو الفرنسي لها 1830 تراكمات سلبية وفي جميع المجالات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية دينية كانت مجازر الثامن ماي هي أقربها نسبيا إلى الثورة المباركة .

تلك المجازر حفرت خندقا بين الجزائريين والفرنسيين سيملأ يوما ما بالجثث بتعبير أحد الفرنسيين كما مر أعلاه وإن هؤلاء الذين امتدحوا الجيش الفرنسي وأعوانه الدرك اللفيف الأجنبي ميليشيا المعمرين على مهارته وفعاليته أثناء تلك الحادثة قد عضوا فيما بعد الأنامل من الندم على ما فعل هذا الجيش وأعوانه ولكن بعد فوات الأوان 42 . ولهذا فالثورة الجزائرية كانت آتية لا محالة وهذا ما نجده في الشعارات المحمولة في مظاهرات 08 ماي 1945 ومنها : " استعدوا فإن ساعة الصفر قد قربت ولنعد أنفسنا للثورة أيها الجزائريون حاربوا من أجل الحرية وموتوا إذا اقتضى الأمر ولكن لا هوادة مع المضطهدين أيها الجزائريون الجبال تناديكم ... " 43 . ولئن استطاعت فرنسا الاستعمارية إجهاض مشروع ثورة 1945 فإنها لن تستطيع إجهاض ثورة الفاتح من نوفمبر المباركة . ولن يجديها هنا تزوير الانتخابات في شيء ولا كذلك قطع الطريق أمام تيار الحركة الوطنية وعلى رأسهم المصاليين من أن يكونا نوابا للجزائريين فهذه الصفحة مزقها الجزائريون لصالح صفحة الكفاح الثوري المجيد .

وفي الأخير نقول بأن الاستعمار الفرنسي في الجزائر كانت نهايته حتمية لأنه مشروع فاشل أقيم بقوة الحديد والنار ولم يكن مبنيا على عقد تفاهم وقبول بين الطرفين وعليه فهو قد بقي عدوا في نظر الجزائريين خاصة وأن أصحابه الكولون لم يقدموا بديلا حضاريا للشعب الجزائري يؤهلهم لأن يكونوا القاطرة التي يتبعونها بل هم كانوا مجرد مجموعة من اللصوص في غالبيتهم يحكمون بمنطق العصابة لا بمنطق العدالة . والجزائريون كانوا في مستوي التحدي الذي واجهوه حيث أنهم استجابوا له وهذا من خلال تكيفهم مع الظرف الذي يعيشونه مما مكنهم من تجب الذوبان التام في هوية المحتل الأقوى عدة وعتاد ولكنهم كانوا أقوى منه روحيا ولذلك فقد حافظوا على هويتهم وقوميتهم حية وهي من ستكون السلاح الفتاك والذي سيهدم النظام الاستعماري ومن أسسه لأن القوى المبدعة والتي تقود الأغلبية بتعبير توينبي Arnold Joseph Toynbeeلم تختف أبدا من الجزائر ولم تتخلى عن دورها هذا أبدا سواء كانت قيادات وزعامات للثورات الشعبية والمنظمة أو قيادات للمقاومة السياسية أو زعامات دينية كجمعية العلماء المسلمين مع الشيخ ابن باديس . تلك الأقلية والتي لم تكن أبدا مسيطرة أو انتهازية تهدف لأغراض شخصية حقيرة بل كانت أقلية مضحية بما في الكلمة من معنى . كما كانت أقلية مخلصة ووفية لقضيتها مما سهل عليها عملها وجعل الجماهير تنقاد لها بسهولة وتطيع أوامرها كما لو كانت أوامر إلهية مقدسة .

كما أن الكولون فشلوا في مد شبكات التواصل مع الجزائريين لكونهم كانوا يحتكمون إلى منطق أخرق هو منطق السادة والعبيد الرجل الأعلى والرجل الأدنى منطق الغالب والمغلوب وهنا تكون شبكة العلاقات الاجتماعية بينهم وبين الجزائريين معطلة ومفقودة تماما نتيجة للكره وللحقد اللذين يكنانهما للجزائريين وعليه وجب أن يحسم الأمر لأحد الطرفين ومحال أن يقوم كيان سياسي شبكة العلاقات بين مواطنيه معطلة تماما فلا علاقات زواج بين الكتلتين إلا نادرا ولا علاقات جيرة محترمة لكون الكولون كانوا يطردون الأهالي حتى من محيط التجمعات السكانية وهذا لكي لا يقلقوا راحتهم كما أنهم لا يحبون رؤيتهم على الشواطئ ولا يريدون أن يتقاسموا معهم وسائل المواصلات ولا المقاعد في المجالس النيابية والمندوبيات المالية ولا يريدونهم إلا للضرورة الملحة كخدم في مزارعهم أو في بيوتهم أو كجنود من الدرجة السفلى للدفاع عن مصالح الاستعمارية المبتذلة وبكل بساطة لا يردونهم أن يتقاسموا معهم نفس الوطن كانوا يرفضون العيش المشترك مع الجزائريين وهذا هو الكيان الشاذ الذي يفتخر به الكولون وهو كيان مصادم لأبسط حقوق الإنسان ولأبجديات الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة ولذلك حكم عليه التاريخ بالزوال مثله مثل نظام الأبارتيد Apartheidفي دولة جنوب أفريقيا . والكولون من جهة أخرى تحجروا وتجمدوا عند القرن التاسع عشر ونسوا بأن العالم يتحرك والقوة تهاجر من ضفة إلى ضفة فهم توقفوا عند خرافة الجزائر الفرنسية والموجودة فقط في عقولهم المريضة وفي بطونهم المنتفخة تلك الجزائر التي اعتبروها جنة أبدية لهم ولأبنائهم وبجرة قلم مسحوا وتجاهلوا الجزائريين الغالبية العظمى من سكانها وهم وبالقوة الغاشمة أرادوا إيقاف عجلة التاريخ وتطور المجتمعات البشرية وأرادوا لها أن تتوقف عندهم وهذا أمر محال .



بن امهيدي الطارف / الجزائر




الهوامش :

01 - فرحات عباس ليل الاستعمار ترجمة أبو بكر رحال وزارة الثقافة الجزائر 2009 ص 133
02 نفس المرجع ص 141 / نفس المرجع ص 13 / 04 نفس المرجع ص 20
05 فرحات عباس الجزائر من المستعمرة إلى الإقليم الشباب الجزائري ترجمة أحمد منور منشورات وزارة الثقافة 2007 ص 130
06 أبو القاسم سعد الله الحركة الوطنية الجزائرية الجزء الثالث الطبعة الرابعة دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان 1992 ص 242
07 محمد العربي الزبيري تاريخ الجزائر المعاصر ج 1 منشورات إتحاد الكتاب العرب 1999 ص 81
08 نفس المرجع ص 86 /
09 عباس فرحات ليل الاستعمار المرجع السابق ص 156/ 157 / 10 نفس المرجع ص 157
/ 11 نفس المرجع ص 26 / 12 نفس المرجع ص 164
13 عباس محمد الصغیر فرحات عباس من الجزائر الفرنسية إلى الجزائر الجزائرية ( 1927 (1963- مذكرة مقدمة لنیل شھادة الماجستیر في تاریخ الحركة الوطنیة جامعة منتوري قسنطینة كلیة العلوم الإنسانیة والعلوم الإجتماعیة السنة الجامعیة 2007/2006 ص 68
14 عز الدين معزة فرحات عباس ودوره في الحركة الوطنية ومرحلة الاستقلال 1985-1899 مذكرة لنيل شهادة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر تاريخ المناقشة : 16 فيفري2005 ص 89
15 نفس المرجع ص 130 / 16 سعد الله المرجع السابق ج 2 ص 71 / 17 عز الدين معزة المرجع السابق ص 172 / 18 نفس المرجع ص 83 / 19 أبو القاسم سعد الله المرجع السابق ج 2 ص 38 / 20 نفس المرجع ص 74 / 21 عباس فرحات ليل الاستعمار المرجع السابق ص 133 / 22 نفس المرجع ص 200 / 23 سعد الله الحركة الوطنية ج 2 المرجع السابق ص 73 / 24 عباس فرحات ليل الاستعمار المرجع السابق ص 40 / 25 عباس فرحات ليل الاستعمار المرجع السابق ص 223 / 26 عباس فرحات ليل الاستعمار المرجع السابق تاكد ص 110 / 27 عباس فرحات ليل الاستعمار المرجع السابق ص 108
28 محمد حربي الثورة الجزائرية سنوات المخاض ترجمة صالح المثلوتي دار هومة 1994 ص 135
29 الزبيري المرجع السابق ج 1 ص / 30 محمد حربي المرجع السابق ص 40 / 31 أبو القاسم سعد الله المرجع السابق ج 3 ص 232 / 32 نفس المرجع ج 1 ص 64 / 33 نفس المرجع ج 2 ص 37 / 34 نفس المرجع ج 2 ص 74 / 35 نفس المرجع ص 108 / 36 نفس المرجع ص 204
37 فرحات عباس الشباب الجزائري المرجع السابق ص 156 / 38 عباس فرحات ليل الاستعمار المرجع السابق ص 156 / 39 محمد الصغير معزة المرجع السابق ص 196 / 40 فرحات عباس الشباب الجزائري المرجع السابق ص 20 / 41 أبو القاسم سعد الله ج 3 المرجع السابق ص 255 و 256 / 42 نفس المرجع ج 3 ص 257 /43 نفس المرجع ج 3 ص 232

المراجع :


- أبو القاسم سعد الله الحركة الوطنية الجزائرية الجزء الأول والثاني الطبعة الرابعة دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان 1992
- محمد العربي الزبيري تاريخ الجزائر المعاصر ج 1 منشورات إتحاد الكتاب العرب 1999
- محمد حربي الثورة الجزائرية سنوات المخاض ترجمة صالح المثلوتي دار هومة 1994
- فرحات عباس الجزائر من المستعمرة إلى الإقليم الشباب الجزائري ترجمة أحمد منور منشورات وزارة الثقافة 2007
- فرحات عباس ليل الاستعمار ترجمة أبو بكر رحال وزارة الثقافة الجزائر 2009
- عباس محمد الصغیر فرحات عباس من الجزائر الفرنسية إلى الجزائر الجزائرية ( 1927 (1963- مذكرة مقدمة لنیل شھادة الماجستیر في تاریخ الحركة الوطنیة جامعة منتوري قسنطینة كلیة العلوم الإنسانیة والعلوم الإجتماعیة السنة الجامعیة 2007/2006
- عز الدين معزة فرحات عباس ودوره في الحركة الوطنية ومرحلة الاستقلال 1985-1899 مذكرة لنيل شهادة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر تاريخ المناقشة : 16 فيفري 2005