الجيش الإنكشاري و وضعه بالجزائر - تأسيس أوجاق الجزائر

الجيش الإنكشاري و وضعه بالجزائر - تأسيس أوجاق الجزائر


عرفت الجزائر أول تدفق للإنكشارية في سنة 927 ه/ 1520 م، إثرإرسال "خير الدين بربروس"، بموافقة من أهالي الجزائر، طلب الانضمام إلى الدولة العثمانية، حيث أرسل السلطان سليم الأول ( 1512-1520 م) إلى الجزائر ألفين ( 2000 ) من الإنكشارية و 4000 من المتطوعين الأتراك، لتدعيم قوة "خير الدين"، المؤلفة آنذاك، من 5000 جندي، لتثبيت حكمه من جهة، وحماية الجزائر من الهجمات الإسبانية من جهة أخرى، ومنذ ذلك التاريخ أصبح للجزائر جيش إنكشاري خاص، عرف ب"أوجاق الجزائر"، بجميع هياكله ومؤسساته وكان استقراره بمدينة الجزائر، حيث بنيت له ثكنات للإيواء ونظمت قوانينه وحددت أجوره.

عملية التجنيد:


خول السلطان سليمان القانوني ( 1520-1566 م) ل"خير الدين بربروس"، حق التجنيد من مناطق الأناضول، ابتداء من سنة 1525 م، ومنذ ذلك التاريخ أصبح للجزائر، وكالات خاصة منها خان إزمير يقيم فيه الموظفون المشرفون على جمع المتطوعين وإرسالهم إلى الجزائر وكانوا يعرفون ب"الدائيات"، يرأسهم "باش دائي"، كما كان لها موكل بميناء إزمير بالأناضول، يسجل المتطوعين من شباب المنطقة ويقدم لهم كل المغريات المادية والأدبية للالتحاق بالعمل العسكري في إيالة الجزائر،"جزائر الغرب" أو "دار الجهاد"، وعلى رأس هذه المغريات جمع الثروات والوصول إلى المناصب العليا في الدولة.

وكان التجنيد للعمل بالجزائر يتم بطلب من حكامها وبترخيص من الباب العالي، وكان باستطاعة السلطان إيقاف التجنيد إذا أراد الضغط على ولاة الجزائر، خاصة فيما يخص السياسة الخارجية للأوجاق، لكن ونظرا لحاجة الدولة العثمانية لمزيد من الجند لحماية ولاياتها، وتضاءل دور عملية " الدوشرمة " في تغطية هذه الاحتياجات، أعطى السلطان العثماني لإيالة الجزائر الحق في تنظيم عملية التجنيد بين مسلمي الأقاليم العثمانية، وهو ما عبرت عنه رسالة السلطان محمود الثاني، بتاريخ 1231 ه/ 1815 م، إلى عمر باشا، داي الجزائر، يسمح له فيها باختيار الجند التركي المتطوع من ميناء "إزمير"، وفي نفس الموضوع وصلت رسالة إلى حسين باشا بتاريخ 1239 ه/ 1823 م، للسماح له بالتجنيد مجددا من الأراضي العثمانية، بعد توقف هذه العملية بسبب الخلاف الذي وقع بين الإيالة والدولة البريطانية، وقد سمح له بذلك بعد تطبيق الداي للصلح مع بريطانيا نزولا عند رغبة السلطان.

لهذه الأسباب كان معظم إنكشارية الجزائر ينتمون إلى أصول مسلمة، وكان أغلبهم من فقراء الأناضول والشبان المغامرين من أجل الثروة والجاه، وبعض المتطوعين للجهاد، ويعد العلوج les renégats المسيحيون الذين اعتنقوا الإسلام بغرض الدخول في نظام الإنكشارية والفوز بامتيازاته، من بين العناصر التي انضمت إلى إنكشارية الجزائر، وأصبحوا، حسب تعريف "هايدو"، "أتراكا بالوظيفة"، وذلك عكس إنكشارية الأناضول الذين تكونوا عن طريق نظام "الدفشرمة".

كان التجنيد في البداية يتم بين الشجعان والمستقيمين أخلاقيا، ثم أصبح يجمع من بين المشردين والمجرمين الفارين من العدالة، وهو ما اتفق حوله معظم المؤرخين للعهد العثماني بالجزائر ومنهم حمدان بن عثمان خوجة، الذي أعاد سبب انحطاط حكومة الجزائر إلى هذه النوعية من المجندين، قائلا:" كان من أسباب انحطاطها إرسال مندوبين إلى إزمير يجمعون الأجناد، وبدلا من أن يتبع هؤلاء الطريقة القديمة التي لم تكن تسمح بأن يجند من الميليشيا إلا الرجال النزهاء الذين لهم جاه ومكانة فإنهم كانوا يفتحون أبواب الميليشيا لأي كان حتى لأناس كانوا قد أدبوا أو أدينوا وكان يوجد بين المجندين يهود ويونانيين ختنوا أنفسهم"، ويبدو أن الباب العالي نفسه كان يشجع على ذلك لإبعاد العناصر المنحرفة عن أوطانهم محافظة على الأمن، وهو ما عبرت عنه بوضوح عريضة، بتاريخ 1219 ه ( 1804 م)، تحث على إرسال "أشقياء يتراوح عددهم بين 40 و 50 شقي"، تسببوا في أحداث شغب بقرية دومنجي بجزيرة قبرص، للجهاد بإيالة الجزائر، ومما جاء بالعريضة: "إن الشيء الذي نلاحظه بشأن هؤلاء الأشقياء الذين استحقوا أشد الجزاء من الدولة العلية لارتكابهم أعمالا تبرر ذلك، أن يبعد هؤلاء من أوطانهم وأهليهم ويرسلوا إلى أوجاق جزائر الغرب المنصورة التابعة للحضرة الخاقانية من أجل الجهاد في سبيل الدين والدولة ومن أجل إصلاح النفس وتهذيبها أيضا في تلك الديار المجاهدة مع السفينة التي وردت إلى الجزيرة بأمر من قبطان البحار لجلب الجنود إلى الجزائر".

وكانت عملية التجنيد، في بداية الحكم العثماني للجزائر، تتم تحت إشراف ونفقة السلطان العثماني، إذ أصدر السلطان سليم الأول ( 1512-1520 م) فرمانا يقضي بمجانية نقل المجندين إلى الجزائر التي أصبحت إيالة Eyalet (إقليم حدود) عثمانية، وضمان انخراطهم في الأوجاق بأجور منتظمة، كما أمر بإصدار جواز مرور السفن الجزائرية بالموانئ العثمانية باعتبارها وحدات في الأسطول العثماني، إلا أن ذلك الوضع لم يدم، إذ أجبرت حكومة الجزائر، بعد استقلالها عن الباب العالي، سنة 1671 م، على تحمل جميع نفقات التجنيد.

ثكنات الإنكشارية بمدينة الجزائر:


عند وصول المجند إلى مدينة الجزائر، مقر إقامة جميع المجندين، يستقبل في ثكنة خاصة بالمجندين الجدد بعد أن يسجل اسمه واسم أبيه وموطنه الأصلي وحرفته القديمة في دفاتر خاصة بالإنكشارية (دفتر يكيجيري)، كما يسجل ما له من صفات خاصة مثل " صاري " ومعناها الأشقر، و" أوزون" ومعناها الطويل، وغيرها من الألقاب التي تشير عادة إلى العاهات التي يحملها المجند مثل :"قلا قسيس " ومعناها مبتور الأذن و"طوبال Topal وتعني الأعرج و"قور " kor أي الأعور، و"نقسيس" ومعناها بوصبع، وغيرها من الألقاب التي كان يعتز بها الإنكشاري باعتبارها علامة من علامات بطولاته في المعارك، وبعد التسجيل يعطى للإنكشاري رقم خاص يشير إلى الأوجاق الذي أصبح ينتمي إليه، وترسم على ذراعه علامة تدل على انتمائه إلى الأوجاق ولا يبدأ العمل إلا في الربيع الموالي.

ويقسم المجندون إلى "أورطات"، جمع " أورطة" وتعني الوسط، وتعرف أيضا ب"أوجاق"، وأحيانا باسم "جماعت"، وهو ما جاء في سجلات أجور الإنكشارية ، وهي وحدة عسكرية، يختلف عدد أفرادها من ظرف إلى آخر ومن مكان إلى آخر، ويتراوح بين 500 و 1000 جندي أو أقل بالنسبة للنظام بالقسطنطينية، أما بالجزائر فضمت، حسب سجلات أجور الإنكشارية ، ما بين 11 و 100 رجلا، وإن سجلت ثلاث حالات نادرة وصل عدد أفراد الأوجاق فيها إلى 110 و 123 و 238، وبلغ عدد الأورطات في الجزائر، حسب نفس المصدر، 424 أورطة أو أوجاق ، مرقمة من 1 إلى 420 بسبب تكرار بعض الأعداد في السجلات و سقوط البعض منها.

قسمت أورطات الإنكشارية إلى عدد من الصفرات، جمع صفرة، وتعني المائدة التي تضم 16 فردا منهم "وكيل الخرج"، المقتصد، و"الآتشي" (الطباخ).

وزعت هذه الأورطات، في مدينة الجزائر، حسب الدراسة التي نشرها كل من A.Berbregger و A.Devoulx بالمجلة الإفريقية على ثمان ثكنات، مكونة من عدة طوابق و قادرة على استيعاب حوالي 12000 فرد في ظروف جد حسنة،عرفت ب"إنيجيري أوده لرى" (دار الإنجشايرية) أو "قشلة " و يعود بناءها، حسب L.deTassy، إلى سنة 1650 م، إلا أن A.Berbregger فند ذلك وأعادها إلى سنة 955 ه/ 1548 م، وذلك اعتمادا على كتابة عثر عليها في ثكنة باب عزون، التي حولت بعد الإحتلال الفرنسي إلى مستشفى عسكري ثم إلى ثانوية.

والواقع أن تاريخ بناء هذه الثكنات يختلف من ثكنة إلى أخري ، وباعتبار أن الحكم العثماني كان عسكريا فإن بناءها يعود حتما إلى النصف الأول من القرن 16 م، فترة استقرار الحكم العثماني بالجزائر، فبالإضافة إلى بناء خير الدين للعديد من الأبراج حول مدينة الجزائر، ومنها القصبة لحماية المدينة من الهجومات الإسبانية، تم بناء مساكن لإيواء المجندين الجدد.

وكانت هذه الثكنات خاصة بالعزاب من الإنكشارية دون المتزوجين وهي:

"دار الإنجشايرية بالخراطين "وهي أقدم الثكنات بالجزائر، أسست من طرف خير الدين، وتتألف من بنايتين متجاورتين.
ثكنة "صليح باشا" (صالح باشا أوده لرى)، وتوجد بقرب الميناء وتتشكل من 26 غرفة (أودة) تضم 1266 رجل يمثلون 60 أوجاقا.
ثكنة "علي باشا" (علي باشا أوده لرى)، وهي مجاورة لثكنة صليح باشا وتتكون من 24 غرفة تأوي 1516 فرد مكونين 55 أوجاقا.
"دار الإنجشايرية باب عزون" (باب عزون أوده لرى)، وتتكون من 28 غرفة (أودة)، يسكن بها 1611 إنكشاري وتشكل 63 أوجاقا.
الثكنة القديمة ( إسكي أوده لر)، أو الفوقانية ، وتقع في حي المدية وتتكون من 31 غرفة تضم 1089 مجند وتشكل 60 أوجاقا.
الثكنة الجديدة(يكي أوده لر)، أو التحتانية (السفلى)، وتوجد في نفس الحي وتتكون من 19 غرفة وتضم 856 جندي مشكلة 38 أوجاقا.
دار أوسطه موسى" (أسته موسى أوده لرى) وتقع قرب باب بحر (باب دزيرة) وبها 31 غرفة يشغلها 1833 مجند مكونين 72 أوجاقا.
"دار الإنجشليرية مقرون" (مقرر أوده لرى) " مقرر أودة لري"، وتتكون من 27 غرفة يسكنها 899 رجل يشكلون 48 أوجاقا.
ثكنة يالي ( يلي أوده لرى) وتقع في مقابل ثكنة " أوسطه موسى " وتسمى أيضا ب"دار الدروج" وتتكون من 15 غرفة تأوي 602 إنكشاري مشكلين 27 أوجاقا.

ولم تكن هذه الثكنات تخضع عادة لسلطة الداي، بل لسلطة الآغا، ورغم ذلك كانت أبوابها تغلق ليلا وتحمل مفاتيحها إلى قصر الداي مع مفاتيح المدينة، اتقاء لأعمال الشغب والانقلابات التي تقع عادة في الليل،وقد أشار Berbregge في مقاله السابق الذكر، أن ثكنة باب عزون كانت مركزا دائما للثورات وكذا ثكنة الخراطين القريبة منها.

عرفت الثكنة في الجزائر ب "دار" وعرفت الغرفة (الأودة) ب"بيت"، وكان معظم البيوت المكونة لثكنات الإنكشارية تسمى بأسماء الشخصيات التي عاشت بها في فترة التجنيد، كالدايات والبايات وغيرهم من الموظفين السامين في الدولة الذين عاشوا بهذه الغرف كمجندين قبل أن يتركوها للالتحاق بالأعمال الإدارية، مثل:" بيت كتشوك علي"، "بيت كتشك عثمان"، "بيت قارة بوصلي"، "بيت بابا حسن" وغيرها من الأسماء التي تدل على أن أصحابها عاشوا في فترة شبابهم بهذه الغرف، وكان يسجل ذلك، رسميا، في وثائق تحدد موضع كل غرفة وتكتب الوثيقة على الشكل التالي: " 1199 ه ( 1784-1785 م) بيت سيدنا ومولانا محمد باشا في الجهة اليسرى في الطابق العلوي وتأوي أوجاق رقم 310". 

وكثيرا ما قام هؤلاء بإدخال تحسينات على هذه الغرف، ويسجل ذلك على لوح من الرخام يوضع فوق باب الغرفة، كما خصصوا لها أوقافا لصيانتها، وهو مافعله حسن بن حسين باشا ( 1211 ه/ 1796 م) بالنسبة للغرفة التي سميت باسمه (بيت دالي والي"بابا حسن") وتوجد بثكنة باب عزون. 

بالإضافة إلى الثكنات كان الإنكشاري يسكن الخانات، التي وصل عددها في مدينة الجزائر وحدها، إلى 30 خانا، ويمكن لهذه السكنات المشتركة أن تأوي حوالي 15000 ساكن معظمهم من السلك العسكري والغرباء عن المدينة.

الإنكشاري داخل الثكنة:


كانت الثكنة السكن الأساس للإنكشاري منذ دخوله الجزائر حتى زواجه أو وفاته، ولا مأوى له غيرها، لذا وفرت الدولة بالثكنة جميع المرافق التي يحتاج إليها المجندون وعلى رأسها المسجد أو المصلى ويخصص لكل وحدة إمام يؤم الإنكشارية في الصلوات الخمس، ومدرس يعلمهم القراءة والكتابة، وواعض يذكرهم بتعاليم دينهم حتى لا ينحرفوا عن المبادئ الإسلامية، فكان مسجد "سيدي رمضان"، مثلا، تابعا لدار الإنكشارية وقد أوقفت عليه وقفية لصيانته، كما وفرت لهم مختلف مرافق الحياة اليومية كالمقهى والمطبخ،وقد أ شاد الرحالةالأجانب بهذه الثكنات ومنهم Shaw الذي قال أنها رحبة ونظيفة ومريحة مجهزة بعيون للوضوء، وقد أوقفت على مختلف الثكنات وقفيات خيرية خاصة أنها، حسب حمدان خوجة، كانت قد تحولت في نهاية العهد العثماني إلى شبه دور للعجزة، حيث ضمت العديد من الجند المتقاعدين وأرامل الجند وأيتامهم.

ويتميز الإنكشاري بأناقته ونظافته، ولونه المفضل هو الأحمر، فكان يرتدي معطفا أحمرا وحذاء yemeni أحمرا وسروالا salvar أزرقا، وما يميز الإنكشاري عن غيره هو الشكل الغريب للباس الرأس، ففي حين يلبس الفرسان الطرابيش، كان الإنكشاري يلبس قلنسوة طويلة الذنب وعلى جبينه حلقة من المعدن تلصق بها ملعقة من الخشب، أما أيام الحرب فيلبس الجميع خوذات حديدية.

بهذا يمكن تصور مدى بساطة وتواضع حياة الإنكشاري في الثكنة ومدى حرص حكومة الجزائر على توفير الحياة الكريمة للمجند بشرط أن لا يتجاوز ذلك حدود الحياة العسكرية الخشنة حفاظا على تكوينه العسكري.

ألقاب الجند ورتبهم:


يمر الإنكشاري خلال حياته العسكرية بعدة مراحل تبدأ بمرحلة التعلم وهي المرحلة التي يكون المجند فيها تلميذا لا رتبة له، وكان ذلك ضمن عملية "الدفشرمة"، وكان التلميذ يحمل لقب "عجمي أوغلان"، ثم ينتقل إلى رتبة "يولداش" Yoldach وهي كلمة تركية تعني " الرفيق" أو " الزميل "، وتطلق على الجندي البسيط، ويبدأ الإنكشاري عمله في الجزائر من هذه الرتبة، فيقضي ثلاث سنوات حاملا لقب "يني يولداش" أي الجندي الجديد، ويوضع تحت تصرف المجندين القدماء لتدريبه على حياته الجديدة، ثم ينتقل إلى "إسكي يولداش" ومعناها الجندي القديم، وهذا قبل أن يتدرج في الرتب العسكرية إلى أن يصل منصب "آغا الإنكشارية" (يكيجيري آغاسي) ومعناها قائد الإنكشارية وهي أعلى رتبة في هذا الجهاز العسكري، قبل أن ينتقل صاحبها إلى السلك الإداري، حيث يتولى منصب الخزناجي ومنه إلى أعلى منصب في الإيالة وهو منصب الداي (الباشا) وكانت الأقدمية هي مقياس هذه الترقية في أغلب الأحيان، وإن تدخلت أحيانا اعتبارات أخرى، مثل الكفاءة و الوساطة وأحيانا عن طريق القرعة أو مجرد لعبة حظ، ويأتي تفصيل هذه الرتب حسب "هايدو" Haédo كما يلي:

اليولداش، الجندي البسيط.
أوداباشي، عريف (قائد الغرفة).
أوطراك، مستشار الآغا.
البادوشا، حرس خاص، 2 للباشا و 2 للآغا.
الصوطاجي، مرافق للباشا.
مور بولوك باشي، واسطة بين الآغا والباشا.
ياياباشي، مرافق للباشا في صلاة الجمعة و عددهم 20 مرافقا.
باش بولوك باش، أقدم بولوك باشي.
كاهية الآغا، نائب الآغا.
الآغا، القائد الأعلى للإنكشارية.

ويطلق لقب "الآغا" على عدة مناصب إدارية وعسكرية في الآستانة أما في الجزائر فهو لقب، أطلق على عدد محدود من الموظفين معظمهم من الجيش منهم قواد الجيش في المقاطعات وأبرزهم آغا الإنكشارية وهو القائد الأعلى للجيش وآغا السباهية وهو القائد الأعلى للفرسان والمناطق الداخلية (آغا العرب) ولا يحتل هذا الأخير نفس أهمية آغا الإنكشارية، ويطلق على الآغا إسم "آغا الهلالين" (إيكي آي أغاسي) وذلك إشارة للفترة التي يشغلها وهي شهران.

وللآغا الذي يكون دائما من الأتراك، مكانة محترمة من طرف الجميع، حتى من الباشا نفسه، وهو المسؤول الوحيد على الإنكشاري، الذي لا يسمح له بالالتجاء إلى الباشا للشكوى، ومن فعل ذلك يعاقب من طرف الآغا، وحتى الباشا نفسه كان يلتجئ إلى الآغا إذا ما أراد أن يشتكي من تصرفات الإنكشارية ولا يحق له معاقبتهم دون العودة إلى الآغا، أما إذا اشتكى الإنكشارية من الباشا فإن الآغا يقوم بحل المشكل دون الرجوع إلى الباشا.

والترقية إلى رتبة الآغا تأتي بالأقدمية إلا أن تغييره يأتي بسرعة ولأتفه الأسباب أو بدون سبب ليصل إلى المنصب من يليه في الأقدمية.

والواقع أن الرحالة والباحثين عجزوا عن إعطاء معنى موحد للرتب العسكرية في النظام الإنكشاري، لذا كانوا يقدرون هذه الرتب والمناصب حسب مختلف المصادر التي لم تتفق حول ترتيب موحد.

كما أن الخدمة العسكرية للمجند تدوم 10 سنوات ثم يختار البقاء بالجزائر أو العودة إلى موطنه الأصلي بنفس الطريقة التي أتى بها أي عن طريق وكيل الجزائر بموطنه، والذي يتكفل بإعادته مع إعطائه شهادة من الدولة الجزائرية بأنه سرح من الخدمة، وتكتفي الدولة بمنحه بعض الهدايا أما الذي يبقى بالجزائر فإنه يحتفظ براتبه.

مرتبات الإنكشارية:


كان الأتراك والكراغلة المقيمين بالجزائر يحصلون على مرتبات، سواء كانوا ضمن صفوف الإنكشارية أو خارجها، ويقدر أقل أجر، حسب التشريفات، 14 صايمة (الصايمة = 0.18 فرنك تقريبا)، أما أعلى أجر فيقدر ب 160 صايمة، في حين يقول Shaw أن الأجر القاعدي للإنكشاري يساوي 275 أقجة ( 4.59 فرنك)، وأعلى أجر يساوي 60 ريالا كل شهرين (هلالين) ويزيد الأجر حسب الأقدمية، وبعد 12 إلى 15 سنة يصل الأجر إلى أقصاه.

ويتكفل الباب العالي، عادة ، بنصف مرتبات الجيش (العلوفات) والنصف الآخر يدفع من مداخيل الإيالة والتي تتكون من:

الضرائب التي تجمع داخل الجزائر كالأعشار والزكاة واللزمة وضريبة العقار.
كراء أراضي الدولة.
الهدايا التي تأتي من البايلكات (الدنوش).
ما يدفعه الأجانب مقابل إرساء سفنهم في الموانئ الجزائرية.
هدايا القنصليات في المواسم والأعياد.
ما يدفعه الأجانب مقابل الامتيازات التجارية.
غنائم البحر.

وتقدم الأجور بدار الباشا في احتفال كبير يحضره الداي وكبار الضباط والموظفين وجميع أفراد الإنكشارية وفي مقدمتهم آغا الإنكشارية الذي يجلس إلى يمين الداي ويقوم بتوزيع الرواتب على المسجلين في سجلات رواتب الإنكشارية ومنهم الداي الذي يكون
على رأس القائمة، وتتكون عملة الأجور من الذهب الخالص أو الفضة، ويبدأ التوزيع، الذي يقوم به الآغا، بالداي الذي يأخذ نفس أجر الجندي البسيط، ثم بقية أفراد الإنكشارية بالمنادات على أسمائهم من السجل الخاص بهم.

بالإضافة إلى الأجور حظي الإنكشاري، بجملة من الحقوق والامتيازات المادية والأدبية منها:

الإعفاء من الضرائب إعفاء تاما، وحق شراء المواد الغذائية بسعر أقل بنسبة 1/3 السعر الرسمي.
الحق في وجبات يومية مجانية، تتكون عادة من: (أرز، برغل، أربع أرغفة من الخبز ثلثه قمح وثلثين منه شعير، واللحم مرة في الأسبوع).
خضوعه لنظام قضائي خاص يحفظ كرامته، فحسب قانون السلطان مراد الأول، يجب أن يحاكم الإنكشاري محاكمة سرية من طرف ضباط الجيش وعلى رأسهم الآغا وتتراوح العقوبة بين السجن والجلد والإعدام، الذي كان ينفذ سريا في جنح الظلام وترمى الجثة عادة في البحر، إلا أن هذا الإجراء لا يحدث إلا نادرا.
حق التقاعد مع الاحتفاظ بمرتبه كاملا، حتى وفاته، وحرية اختيار مكان إقامته، ولم يكن للتقاعد، حسب القانون العسكري"عهد الأمان" الصادر بالجزائر، سنة ، 1162 ه/ 1749 م، سن محددة، بل قد يكون في سن الأربعين أو الخمسين أو الستين أي بعد مرور الجندي بجميع الرتب العسكرية أو إصابته بعجز يعيقه عن مواصلة مهامه، وهنا يعرف الإنكشاري ب" معزول آغا" ويؤذن له بالزواج والإقامة خارج الثكنة، كما يسمح له بممارسة النشاط الذي يختاره وكان الباشا يلتجأ أحيانا إليه للاستشارة، أما المجندون الذين ينسحبون من الجيش بدون عذر فيخصم منهم نصف الراتب، وإن كان ذلك لا يحصل إلا نادرا.

كما أن للإنكشاري إكراميات "بقشيش" تدفع له في المناسبات السعيدة، كالأعياد الدينية أو تولي سلطان جديد العرش، أو تعيين باشا جديد لحكم الجزائر، أو ازدياد مولود للسلطان، فعند وصول نبأ ولادة صبي للسلطان محمود، في صفر 1233 ه/ 1818 م، رفع الباشا حسين أجر إنكشارية الجزائر بصايمة واحدة وغيرها من المناسبات التي يحتفل بها رسميا في الإيالة، وتكون الزيادة دائما بصايمة واحدة في كل مناسبة، إلا في حالة الإنتصار في الحروب فتكون الزيادة ب 2.5 صايمة، وهو ما جاء في القانون العسكري الجزائري"عهد الأمان"، الذي يقول: " إن كل مظاهر الشجاعة التي تم القيام بها سواء في البر أو في البحر سيتم مكافأتها بزيادة في الأجر تقدر ب 2 صايمة ونصف ولا يمكن المطالبة بأكثر من هذا."

الجيش الإنكشاري و وضعه بالجزائر - الأصول التاریخیة

الجيش الإنكشاري و وضعه بالجزائر

القسم الأول  - الأصول التاریخیة للجيش الإنكشاري


نشأ الأتراك العثمانيون على البداوة والترحال إلى أن اعتنقوا الإسلام فتحمسوا له بقوة، وحديث العهد بالشيء شديد التمسك به والدفاع عنه، فما أن أعلنوا عن إنشاء دولتهم بالأناضول سنة 1299 م حتى رفعوا راية الجهاد ضد الدولة البيزنطية التي سقطت على أيدي سلاطينهم، سنة 1453 م، وتعود قوة هذه الدولة الفتية التي أصبحت، في زمن قياسي، إمبراطورية ضمت ثلاث قارات، إلى عدة عوامل أهمها:

  1. الحماس الديني، إذ اعتبر السلاطين العثمانيون أنفسهم حماة للإسلام وحملة لمشعله في زمن خاب فيه بريقه.
  2. الصفة العسكرية للسلاطين العثمانيين الذين قادوا الجيوش فكانوا قدوة لجنودهم في الشجاعة والصبر على المشاق على غرار قادة القبائل البدوية التي انحدروا منها.
  3. إنشاءهم لأول جيش نظامي في العالم وهو الجيش الذي عرف بالجيش الإنكشاري الذي كان عماد الدولة العثمانية وركيزتها الأولى في جميع فتوحاتها، ثم أداة حكمها في مختلف ولاياتها.


الإنكشارية نظام عسكري عثماني:


كلمة "إنكشارية" هي جمع لكلمة "إنكشاري"، وهي عبارة تركية تتكون من كلمتين:  "يني" وتعني الجديد و"جيرى" ومعناها النظام، أي النظام الجديد "يني جيري" Yeni çeri وهو المصطلح الذي أطلق على نظام الجند الجديد الذي أحدثه "السلطان أورخان"، ثاني سلاطين آل عثمان، 1326-1362 م، وكان ذلك بتوجيه من أخيه الأكبر، ووزيره الأول (الصدر الأعظم)، "علاء الدين" وقاضي العسكر " قرة خليل جندرلي"، الذي نصح السلطان العثماني بتكوين جيش نظامي اعتمادا على خمس غنائم الدولة من فتوحاتها بالبلاد الأوربية، لأن في ذلك ضمان لاستمرار قوة الدولة العثمانية وتوسعاتها، بعد أن اتضح عدم قدرة الفرسان على ضمان ذلك لقلة عددهم وعدم تفرغهم كليا للعمل العسكري، خاصة وأن الدولة كانت في توسع سريع.

تكونت فرق النظام العسكري الجديد بفضل عملية "الدفشرمة" أو "الدوشرمة"Devsirme، ومعناها اللفظي "يجمع أو يقطف" و هي عملية جمع الصبية المسيحيين وتربيتهم تربية عسكرية إسلامية بعيدا عن الأهل والوطن مما يجعلهم، عند الالتحاق بالعمل العسكري (الجهاد)، لا يعرفون أبا لهم غير السلطان ولا حرفة لهم غير الجهاد في سبيل الله، ويلتحق هؤلاء الصبية بالمدارس العسكرية في سن مبكرة، بين 10 و 15 سنة وأحيانا أقل من ذلك، مما يجعلهم سريعي الذوبان في النهج الإسلامي ، وكانوا يدربون في البداية على مختلف الأعمال المدنية وعلى رأسها البستنة، ولا يبدأ تدريبهم على الأعمال العسكرية إلا في سن 12 ويطلق عليهم اسم "عجمي أوغلان"، أي الصبية الأجانب.

وكانت عملية "الدفشرمة" تتم كل خمس سنوات ثم تقلصت الفترة إلى ثلاث سنوات ثم إلى سنتين، ثم أصبحت تتم كل سنة، ويجمع الصبية من مختلف المناطق المسيحية الخاضعة للدولة العثمانية وخاصة أوروبا الشرقية، مثل اليونان، مقدونيا، ألبانيا، صربيا، بلغاريا، البسنة والهرسك وأرمينيا، وكان التجنيد في البداية يشمل الأسرى الذين اعتنقوا الإسلام ومن العبيد وأبناء الشهداء من الأتراك والأطفال المشردين واليتامى من الأراضي المفتوحة ولقلة أعداد هؤلاء وحاجة الدولة للمزيد من الجند اتجه الحكام العثمانيون بقوة إلى عملية "الدفشرمة".

تخرجت أول دفعة من النظام الإنكشاري، حوالي سنة 736 ه ( 1335 م)، ولمباركتها عرضت على " الشيخ بقطاش " أو"حاجي بقطاش"، "مؤسس طريقة الدراويش البكطاشية"، الذي باركها بوضع يده على رأس الجندي داعيا للجيش الجديد بالنصر المبين، وتبركا به أمر السلطان بإلباس الإنكشاري قلنسوة من الصوف الأبيض تتدلى من وراءه رمزا لكمّ الشيخ حين تدلى على رأس الجندي عند مباركته، وهذا الشيخ هو الذي أطلق اسم "يني جيري"على الجيش الجديد، وقد حورت العبارة أثناء تداولها في الولايات العربية التابعة للدولة العثمانية إلى " إنكشاري".

وتبركا بهذا الشيخ، بنيت أول ثكنة للإنكشارية قرب ضريح الشيخ بقطاش، ومنذ القرن 16 م أصبح ارتباط هذه الفرق بالطريقة البقطاشية رسميا، حتى أنه كان يقيم في ثكناتهم ثمانية من الطرقيين للقيام بالصلوات الخمس بالمجندين، كما كانوا يسيرون في الاحتفالات الرسمية أمام آغا الإنكشارية يرددون الأدعية.

وإذا كان السلطان "أورخان" هو مؤسس فرقة الإنكشارية فإن ابنه وخليفته، السلطان "مراد الأول" ( 1362 م- 1389 م)، هو صانع قوانينها وتنظيماتها، وهو ما عبر عنه صاحب "بشائر أهل الإيمان..." بقوله: "وأول وقت الربيع جمع (مراد الأول) عساكر ورَتب قوانين من جملتها رتب قاضي عسكر ولم يكن من قبل..."، ويضم قانون السلطان مراد ،الذي ضبط سلوك أفراد هذه الفرق مما جعلها، ولفترة طويلة، عماد الدولة العثمانية، 14 مادة:

  1. الطاعة التامة لقادة الجيش.
  2. وحدة الصف والإقامة.
  3. البعد عن البذخ وعن كل ما يشين الإنكشاري.
  4. الإرتباط التام بالشريعة الإسلامية والطريقة البقطاشية.
  5. عدم قبول غير المجندين عن طريق "الدفشرمة".
  6. خصوصية الإعدام بالنسبة للإنكشاري.
  7. الترقية حسب الأقدمية.
  8. لا يعاقب الإنكشاري إلا من طرف قائده (الآغا).
  9. يحال المعاق على التقاعد.
  10. يجب على الإنكشاري أن يحلق ذقنه لأن اللحية من حق الأحرار فقط.
  11. منع الزواج على الإنكشاري.
  12. لا يحق للإنكشاري الابتعاد عن الثكنة.
  13. لا يجوز للإنكشاري احتراف أي مهنة.
  14. يمضي الإنكشاري أوقاته في احتراف التدريب على فنون القتال.

وقد تم تنظيم المجندين في ثلاث مجموعات:


مجموعة تشغل في القصور السلطانية وتسمى ب " القابي قول" أي عبيد السلطان، ويختارون عادة من بين الأجمل والأحسن قامة للخدمة في القصور السلطانية بعاصمة الدولة و يكونون في مدارس خاصة وهي أكثر الفرق ولاء للسلطان .

مجموعة تعد لشغل المناصب الإدارية وتهيء لهذا الغرض.

فرقة المشاة، وهي الأكبرعددا، وتضم معظم المجندين للخدمة العسكرية، وقد أطلق عليها اسم "إنجشايرية" أو "الينجيرية"، وتقسم، حسب مخطوط "بشائر أهل الإيمان..." إلى [أربعة (كذا) فرق وهي الجماعة والبلوك والسيبان وعجمي أوغلان]

وكانت فرقة الإنكشارية هي أهم الفرق العسكرية، والنواة الأساسية لقوة الدولة العثمانية، بل أنها تمثل الجيش العثماني بصفة عامة.

خصوصية الجيش الإنكشاري:


لم تكن الإنكشارية مجرد نظام عسكري حسن التسلح والتنظيم، بل تميز عن بقية جيوش العالم بثلاث مميزات أساسية وغير عادية:

1- أنه الجيش الوحيد في العالم المكون أساسا من عناصر أجنبية ، فبينما كانت جميع الدول تشترط خلو جيوشها من العناصر الأجنبية، باستثناء المرتزقة، لتضمن ولاءها وإخلاصها للدولة ، اشترط العثمانيون خلو جيشهم من العناصر المحلية، حتى يضمنوا انضباطه وفعاليته.
2- أن مهمة الجيش الإنكشاري لم تكن تقتصر على العمل العسكري، بل تتعداه إلى المهام الإدارية والسياسية، وهي المهام التي كان يتطلع إليها المجندون ويعقدون عليها آمالا كبيرة لتحقيق المجد والثروة، حتى أن الأسر المسيحية كانت تدفع بأبنائها للانخراط في الجيش العثماني طمعا في وصولهم إلى أعلى المراتب في الدولة، منها الصدارة العظمى (الوزارة الأولى)، وهو ما تحقق لهم فعلا، إذ وصل العديد منهم إلى الصدارة العظمى بعد أدائهم المهام العسكرية وانتقالهم إلى العمل السياسي، ففي الفترة ما بين 1453 م و 1623 م تولى الصدارة العظمى في الدولة العثمانية 49 وزيرا لا يوجد بينهم سوى خمسة أتراك والباقي من ذوي الأصول الأوروبية المسيحية الذين ترقوا في صفوف الإنكشارية.
3- أن تنظيمه كان تنظيما اجتماعيا أسريا لا مثيل له في العالم، فقد شكل الجيش الإنكشاري أسرة واحدة متماسكة، تعيش حياة اجتماعية لا تختلف عن حياة الأسر ذات الروابط الدموية، أو هذا ما رمى إليه مؤسسوه، وهو ما دلت عليه التسميات التي أطلقت على أجهزته العسكرية و المستمدة من أدوات المطبخ منها:

أ- القزانkazan وهو " القدر الكبير" الذي كان رمزا مقدسا "قزان شريف" يعبر عن التماسك الأسري الذي كان يجمع أفراد الإنكشارية، إذ أن الطعام عادة هو الرابط الأساس الذي يجمع أفراد الأسرة الواحدة، وهو دعامة أساسية لولاء الفرد للجماعة، حتى أن الطعام بقي إلى اليوم شعارا للتماسك والوئام بين الأفراد، وهو ما عبرت عنه الأمثال الشعبية كقولنا في الجزائر، "كليت ملحك"، أي أن الملح ويعني به الطعام يجمع بيننا، وفي مصر، "بيننا عيش وملح"، أي أن الأكل الجماعي يمنع الخيانة ويفرض وفاء الفرد للجماعة، وهو ما هدفت إليه الدولة العثمانية من تكفلها بإطعام أفراد الإنكشارية من قدر واحد.  ولقداسة هذا الرمز الأسري كان قدر فرق الإنكشارية يحمل في الحروب، وعلى كل فرقة أن تحافظ على "قازانها"، أثناء المعركة، وإذا حصل وأن فقدت فرقة قدرها فإنها تتعرض لعقوبات معنوية كحرمانها من الخروج للاحتفال بالنصر، إذ أن ضياع القدر في الحرب يعد عارا وشؤما عليهم، فكانت المحافظة على القدر في نفس أهمية المحافظة على السنجق (العلم)، ومن عادات الإنكشارية حمل القدر والطواف به في الشوارع أثناء الاحتفالات الرسمية، وكان خروج القدر فرجة للمارة ومفخرة لأفراد الإنكشارية، أما الفرقة التي ضاع قدرها في المعركة فتحرم من الخروج في ذلك الاستعراض.
ب- الأوجاقUCAK (أوتشاق): ويعني لغويا " الموقد "، وهو محور تجمع الأسرة ومصدر دفئها، كما يعني المنزل أو الأسرة، ويطلق على الوحدات العسكرية، الكبيرة والصغيرة، وفي كثير من الأحيان يطلق على الإيالة العثمانية، ومعنى ذلك أن الإنكشارية
أسرة موحدة يجمعها "كانون واحد".
ج- " الصفرة ": وتعني "المائدة" التي يجتمع حولها الإنكشارية للأكل أو مناقشة أمور الدولة، وتطلق أيضا على الكتيبة التي تتكون عادة من 16 إلى 21 مجند.
د- "الأودة" أو "الأوضة": وتعني الغرفة، أو بالتحديد، غرفة النوم، وتدل على المأوى الذي يضم عادة أفراد الأسرة ، وكان لكل "أودة" قدرها (قازانها) الخاص وجب المحافظة عليه.

هذا بالإضافة إلى شعارات أخرى مثل الملعقة الخشبية التي كانت توضع على خيمة رئيس الإنكشارية (الآغا) وترمز إلى السلطة الأبوية، ومن عادة الإنكشارية حمل ملاعق ضخمة إلى جانب القدر الكبير والخروج بها من الثكنات متجهين إلى المواقع التي يعسكرون بها ويطوفون بها في المدينة، أثناء الاحتفالات الكبرى، وكان الناس يصطفون في الشوارع لمشاهدة ذلك الموكب العظيم لأدوات المطبخ.  هذا زيادة على الألقاب ذات الدلالة الأسرية، منها: "الشوربجي" أو "جورباجي" وهي عبارة تتكون من كلمة تركية فارسية الأصل وهي "شور" وتعني لذيذ و "با" بمعنى الطعام و"الشوب" يعني المرق أما المعنى العسكري فهو قائد الفرقة "الأورطة" ، وهو الذي يتولى توزيع الشربة أو الحساء على أفراد الإنكشارية، ويخضع لقيادته عدد كبير من ذوي الرتب العسكرية أمثال: الأودباشي ووكيل الحرج والبيرق دار (حامل اللواء) والآتشي باشي (كبير الطهاة)، وهو المكلف بحراسة السجن، وكان شعاره سكين كبيرة كان يحملها حيثما ذهب، ويتمتع الشوربجي بمنزلة محترمة جدا بين أفراد الإنكشارية والموظفين السامين في الدولة، وللشربة نفسها قداسة خاصة، حيث أنها تقدم للإكشارية أثناء توزيع الأجور وإذا رفض هؤلاء تناولها فذلك يعني عدم رضاهم بقيمة الأجر الذي منح لهم، والتهديد بالثورة.

وكذلك لقب "الداي " الذي يعني "الخال "، وهو فرد من أفراد الأسرة الموسعة، وكذا لقب "الآغا"، الذي يعني الأخ الأكبر.

ويعيد بعض الباحثين سبب تطبيق الدولة العثمانية لهذا النظام الأسري على أفراد جيشها إلى حياة الترحال التي كانت تعيشها القبائل التركية، التي تنحدر منها الدولة العثمانية، في أواسط آسيا.  ولعل هذا التلاحم الأسري هو الذي جعل من الإنكشارية قوة لا مثيل لها في التاريخ من حيث القوة والتماسك والتسلح والانضباط.

مهام الإنكشارية :


إذا كانت مهام الجيوش في العالم تقتصر على الأعمال العسكرية والحروب فإن الإنكشاري متعدد المهام، فهو جندي أيام الحرب، وجابي للضرائب من الريف أيام السلم، وفي نهاية حياته العملية يتحول الإنكشاري، في أغلب الأحيان، إلى الأعمال الإدارية، التي قد يصل من خلالها إلى أعلى المناصب السياسية في الدولة، كالصدارة العظمى (الوزارة الأولى) أو الولاية على رأس إحدى الولايات العثمانية أو حاكما (بايا) على إحدى مقاطعاتها، وغير ذلك من الوظائف الإدارية السامية التي تدر على صاحبها أموالا طائلة وجاها كبيرا.

استمر العمل بنظام "الدفشرمة" لتنمية الجيش العثماني، حتى سنة 1676 م، تاريخ إلغائه في عهد السلطان "محمد الرابع"( 1641- 1687 م)، ليحل محله نظام التجنيد عن طريق التطوع، والذي يخضع عادة للكثير من الإغراءات المادية والأدبية، ففي سنة 1568 م سمح لأبناء الإنكشارية المتقاعدين، بالدخول في سلك الإنكشارية، وفي 1594 م، سمح للعناصر المسلمة بالدخول في النظام ولا يشترط في ذلك سوى اللياقة البدنية والتطوع، وبذلك بدأ نظام "الدفشرمة" يفقد وزنه إلى أن توقف العمل به نهائيا.

وإذا كانت جيوش العالم تضعف ويختل نظامها بدخول عناصر أجنبية ضمن صفوفها فإن الضعف بدأ يدب في أوصال الجيش الإنكشاري بدخول العناصر المحلية إلى هذه المؤسسة العسكرية.

والواقع أن الإنكشارية بدأت تعلن عن عصيانها وتمرداتها منذ وفاة السلطان "محمد الفاتح" ( 1451-1481م)، حيث قاموا ، ولأول مرة، بقتل الصدر الأعظم "محمد قرمان باشا"، بتهمة إخفائه نبأ وفاة السلطان و تنصيب ابنه الأصغر الأمير "جم" على رأس الدولة، وعمل الإنكشارية على تنصيب السلطان "بايزيد الثاني" ،الذي زاد في أعطياتهم فبلغت 2000 أقجة لكل إنكشاري، ومنذ ذلك التاريخ بدأ أفراد الإنكشارية يفرضون سلطانهم على الدولة فأرهبوا الحكام وتدخلوا في تولية وعزل الوزراء والولاة، بل تجاوزوا ذلك إلى العمل على الاستيلاء على الحكم في عدد من الإيالات العثمانية، منها الجزائر سنة 1659 م ، تاريخ استيلاء الآغواة (قادة الإنكشارية) على الحكم.

هكذا كان الجيش العثماني، حتى القرن 17 م، أكثر الجيوش تنظيما وانضباطا في العالم وعاد إليه الفضل في جميع الفتوحات التي قام بها السلاطين العثمانيون، قبل أن يدب فيه الضعف، بعد فتح أبواب الانخراط فيه من مختلف الأراضي العثمانية، فزاد عددهم وقل مردودهم، فقد تضاعف عدد الإنكشارية من 12.000 مجند في عهد محمد الفاتح ( 1451-1481م) إلى 200.000 مجند في عهد السلطان محمد الرابع، (1648-1687م)، كان معظمهم لا ينتمي إلى هذه المؤسسة العسكرية إلا اسميا، حيث تحول عدد كبير منهم إلى الحياة المدنية فمارسوا مختلف الأنشطة خارج نطاق العمل العسكري، وهو الأمر الذي جعل التربية النموذجية للإنكشاري تتبخر، وتحول الإنكشاري إلى مجرد موظف حكومي لا يهمه من منصبه غير الراتب الشهري (العلوفات)، وكثيرا ما كان الإنكشاري يبيع صك أجره الشهري للمرابين اليهود مقابل مبالغ مالية أقل من راتبه، وقد زاد من فساد النظام الإنكشاري انتشار البطالة في صفوف الإنكشارية إثر توقف الفتوحات في أوربا وتفشي ظاهرة تعاطي الخمر بين أفراده، بعد وفاة السلطان سليمان القانوني وتولي ابنه سليم الثاني الحكم ( 1566 م)، فبدأ الإنكشارية يتخلون عن تقاليدهم الحربية وانضباطهم، وتفرغوا لجمع الأموال وشراء الألقاب والتدخل في الشؤون السياسية والإدارية للدولة، وبالتالي فقدوا قدرتهم الحربية وصاروا أداة تخريب وانقلابات بعد أن كانوا أساس بناء الدولة العثمانية وتوسعاتها، ولما تفاقم خطر الإنكشارية بدأ التفكير في التخلص من هذا الجهاز "البّناء الهدام"، وهو ما حصل فعلا، سنة 1826 م، على يد السلطان "محمود الثاني" (1808-1839م)، الذي تمكن من تصفية الجيش الإنكشاري في ما سمي بالواقعة الخيرية، التي قتل بها، حسب ما جاء في مخطوط "بشائر أهل الإيمان..." آلاف إنكشاري وفر الباقي إلى قشلهم (ثكناتهم) وتحصنوا فيها، وبعد فتوى حصل عليها السلطان محمود من العلماء تمت ملاحقة وقتل جميع الإنكشارية بالآستانة ونفي جميع من كان يميل إليها وألحق بهم دراويش البكطاشية، وعوضهم السلطان بنظام جديد يحاكي فيه النظام الأوروبي الحديث، وقد رفض هذا التغيير من طرف الإنكشارية بالولايات العثمانية وخاصة الأوربية، حيث قامت ثورات تطالب بالإبقاء على النظام الإنكشاري معتبرين التخلي عنه تخلي عن المبادئ الإسلامية.


أطباء الجزائر في العصر الوسيط

أطباء الجزائر في العصر الوسيط


على غرار أطباء المغرب الإسلامي استمد أطباء المغرب الأوسط علومهم وممارستهم الطبية من مـوروث ثقافي امتدت جذوره إلى عصر أطباء اليونان أمثال جالينوس وأبقراط، وكذا أطباء المشرق والأندلس و قد سجل لنا التاريخ كثيرا من الأطباء الذين عاشوا بالمغرب الأوسط في الفترة الممتدة بين 588 - 927 هجري (1192 - 1520م).

بعض أطباء المغرب الأوسط ممن دُوِّنت أسماؤهم :


أبو عبد اﷲ محمد بن عبد اﷲ خالد البجائي المعروف بابن النباش، أصله : بجاية، مكان استقراره : مرسية (الأندلس)، المصدر : ابن أبي أصيبعة : عيون الأنباء في طبقات الأطباء 80/3.

علي بن عتيق بن أحمد بن عبد اﷲ بن عيسى بن عبد اﷲ بن محمد بن مؤمن الأنصاري الخزرجي، 523-598ه (1128-1201م)، مولده : قرطبة، إستقراره : فاس، رحلاته العلمية : بجاية، المصدر : ابن الأبار: التكملة،3 /221، ابن عبد الملك المراكشي: الذيل والتكملة، 256/1، ابن القاضي: جذوة، الاقتباس، 483/2.

أبو عبد اﷲ محمد بن سحنون المعروف بالندرومي طبيب الناصر ثم المستنصر الموحدي، 580-634ه  (1184-1237م)، أصله من ندرومة و وُلد بقرطبة، إستقر بندرومة ثم إشبيلية.  المصدر : ابن أبي أصيبعة : عيون الأنباء، نويهض : معجم أعلام الجزائر، ص 330.

أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن سعيد بن حريث بن عاصم بن مضاء الجياني القرطبي، توفي سنة 592ه (1195م)، وُلد بالأندلس و استقر ببجاية، ، المصدر السيوطي: بغية الوعاة 323/1.

علي بن موسى بن محمد بن شلوط، توفي سنة 610ه 1213م، أصله من بلنسية و استقر بتلمسان، ابن الآبار: التكملة، عبد الملك المراكشي: الذيل و التكملة، أحمد عيسى : معجم الأطباء، ص314، محمود الزعبي : أطباء من التاريخ.

أبو العباس أحمد بن خالد المالقي، توفي سنة 660ه 1261م، وُلد بملقة و استقر ببجاية، المصدر : الغبريني : عنوان الدراية،  ص 100-101.

أبو علي المغيلي، أصله من مغلة بتلمسان، المصدر : ابن مرزوق : المسند، ص382

أبو عبد اﷲ محمد بن يحيى بن عبد السلام الدلسي، وُلد بتدلس (دلس) في القرن السابع الهجري (13م)، و استقر ببجاية، المصدر الغبريني : عنوان الدراية، ص 294.

حسن بن علي بن حسن بن علي بن ميمون بن قنفد القسنطيني 694-750ه (1294-1349م) وُلد بقسنطينة و عاش فيها و دُفن بها، المصدر بن قنفد : أنس الفقير، ص86 - 88.  نويهض : معجم أعلام الجزائر، ص370.

أبو عبد اﷲ محمد بن أبي جمعة التلالسي الجرائحي (طبيب جراح)،  وُلد بتلمسان و استقر بها، توفي حوالي سنة 767ه (1365م)، يحيى بن خلدون : بغية الرواد 72/2.  المقري : أزهار الرياض.  إبن مريم : البستان ص 60.  نويهض : معجم أعلام الجزائر ص63.

أبو عبد اﷲ محمد بن أحمد الشريف الحسني المعروف بالعلوي، طبيب مشرح جراح 710-771ه، من قرية العلويين من أعمال تلمسان، استقر بتلمسان و مارس مهنته بها، المصدر ابن خلدون : التعريف بابن خلدون ، ص69-70.  ابن مريم : البستان ص 164 -173.

أحمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الواحد بن أبي حجلة التلمساني 725 - 776ه (1325-1375م)، وُلد بتلمسان و استقر بالقاهرة، زار دمشق و الحجاز خلال رحلاته، المصدر : الزركلي : الأعلام الجزء الأول ص 268-269.

إبراهيم بن أحمد التلمساني المعروف بالثغري، طبيب وصيدلاني، عاش في القرن الثامن الهجري، الرابع عشر ميلادي فكان معاصرا لابن خلدون، وُلد بتلمسان و مارس مهنته بها، المصدر ابن مريم: البستان ص166.  أبو القاسم سعد الله : تاريخ الجزائر الثقافي، الجزء الأول ص 105-106.

عبد الرحـمن بن قنفذ القسنطيني، وُلد بقسنطينة و مارس مهنته بها، مات سنة 802ه (1399م)، المصدر : ابن القاضي : درة الحجال ص 331،  الونشريسي: الوفيات، ج2 ص 713.

عبد الرحمن المكنى بأبي زيد، عاش في القرن التاسع الهجري، الخامس عشر ميلادي، مارس مهنته بمدينة وهران، المصدر : الروض الباسم ص 63.

حمد بن علي بن فشوش، طبيب ومدرس للطب، عاش في القرن التاسع الهجري، الخامس عشر ميلادي، وُلد بتلمسان و استقر بها، المصدر الروض الباسم ص 44.

تعاون بين مركز الجزيرة الإعلامي و ( ميديا دي زد ) بالجزائر

 
تعاون بين مركز الجزيرة الإعلامي و ( ميديا دي زد ) بالجزائر
 
وقع مركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير ومركز ميديا دي زد في الجزائر الديمقراطية الشعبية اتفاقية شراكة تعنى بمجال التدريب الإعلامي.
 
ونصت الاتفاقية على القيام بعدد من الدورات التدريبية في الإعلام على مستوى الجزائر، بالإضافة إلى مؤتمرات في مجال الاتصال؛ بهدف المساهمة في تطوير المؤسسات الإعلامية وتدريب منتسبيها.
 
وقال سيد علي خليل براهيمي مدير مركز ميديا دي زد، الشراكة مع مركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير امتداد للتجربة الطيبة التي سبقت الشراكة، وأقيمت من خلال برنامج صيف المركز الذي عقد في أغسطس وسبتمبر الماضي، مضيفا "هي فرصة طيبة لتأسيس هذا التعاون والذي انبثق عنه اتفاقية شراكة استراتيجية تم من خلالها تحديد الاحتياجات التدريبية وتنظيم الدورات القادمة".

الثورة الجزائریة في الشعر العراقي

الثورة الجزائریة في الشعر العراقي
 
 

إنّ الحقبة التأریخیة التي جرت فیها أحداث الثورة الجزائریة كانت أواسط الخمسینات و بداية الستينات، حیث كان الغلیان في أوجه على الساحة العربیة، وقد تمكن خلالها دعاة التجدید في الشعر العربي، ودعاة الشعر الحر الذین خاضوا المعركة منذ أواخر الأربعینات من شق طریقهم وایجاد نمط جدید من القصیدة الشعریة، وكذلك معركة الالتزام في الأدب والشعر، مرت من الحملات الكلامیة إلى الممارسة والتطبیق، ففي مثل هذا الجو نظمت القصائد العراقیة عن الثورة الجزائریة، فجاءت زاخرة بالالتزام السیاسي.
 
وقد بلغت عدد القصائد التي ضمتها هذه الموسوعة "الثورة الجزائریة في الشعر العراقي" 255 قصیدة (أنظر كتاب "الثورة الجزائریة في الشعر العراقي" للدكتور عثمان سعدي)، وقد جاءت هذه القصائد غنیة بتنوع أشكالها البنیویة، فمنها مائة وسبع وسبعون قصیدة عمودیة، واثنتان وستون قصیدة تدخل في إطار الشعر الحر، وسبع موشحات ما بین مخمسات ورباعیات، وقصیدة نثریة واحدة، ومنها أیضاً ثلاث ملاحم إحداها عمودیة وهي قصیدة "معجزة العروبة" لمصطفى نعمان البدري التي تقع في ثلاثمائة بیت تقریبا، واثنتان من الشعر الحر، وهما "الشمس تشرق على المغرب" لكاظم جواد التي بلغ عدد أسطرها مائة وأربعین سطرًا، و"إلى جمیلة" لبدر شاكر السیاب التي بلغ عدد أسطرها مائة وأربعة وأربعین سطرا.
 
والقصائد العمودیة التي أخذت حیزًا كبیرًا في الموسوعة جاءت متنوعة أیضاً، منها العمودي ذو القافیة الواحدة، كقصائد محمد مهدي الجواهري، وحافظ جمیل، وعبد الكریم الدجیلي، ومحمد بهجة الأثري، وغیرها من القصائد، ومنها القصائد ذات القوافي المتنوعة ك"نداء الأم" لآمال الزهاوي و"یافتاتي" لإسماعیل القاضي، و"تحیا الجزائر" لأمیرة نور الدین"، و"جمیلة" لحاتم غنیم، و"فتى من الجزائر" لحسن البیاتي، وغیرهم.
 
كما ضمت هذه الموسوعة شعراء نظموا أكثر من قصیدة في الثورة الجزائریة بالنمط العمودي فقط، كالدكتور أحمد حسن الرحیم، وأحمد الدجیلي، وٕاسماعیل القاضي، وبرهان الدین العبوشي، وجلال الحنفي، وحارث طه الراوي، وحمید فرج الله، وخالد الشواف، وخضر عباس الصالحي وغیرهم من الشعراء الذین قالوا أكثر من قصیدة عمودیة فقط.  كما یوجد شعراء ضمتهم هذه الموسوعة قالوا أكثر من قصیدة في الثورة الجزائریة بنمط الشعر الحر فقط، كبدر شاكر السیاب، وعبد الوهاب البیاتي، وكاظم جواد، وسعدي یوسف، وشاذل طاقة.
 
أمّا الشعراء الذین لهم في الموسوعة أكثر من قصیدة، وجاء شعرهم متنوعاً بین النمطین العمودي والحر، فهم: حبیب حسین الحسني، الذي له ثلاث قصائد عمودیة، والثانیة موشح والثالثة من الشعر الحر، وحمید حبیب الفؤادي الذي له عشر قصائد، أربع منها على نمط الشعر الحر، وحسین بحر العلوم الذي له قصیدتان أحداهما من الشعر الحر، وحیاة النهر التي لها ست قصائد منها قصیدتان من الشعر الحر و راضي مهدي السعید الذي له قصیدتان من الشعر الحر، وعلي الحلي الذي له بهذه الموسوعة ست عشرة قصیدة أربع منها تنتمي إلى الشعر الحر، ومحمد جمیل شلش الذي له ثلاث قصائد إحداهما من الشعرالحر، وكاظم محمد حسین الذي له ثماني عشرة قصیدة، تسع منها عمودیة، وتسع من الشعر الحر.
 
یظهر لنا ممّا تقدم ذكره أنّ القصائد التي قیلت في الثورة الج ا زئریة قد تنوعت أشكالها، واتخذ العشرات منها نمط الشعر الحر أسلوباً وٕاطارًا فنیاً، جاء معبرًا أصدق تعبیر وأوفاه عن نقطة التحول في مسار الحركة الشعریة العربیة في هذا القرن وفي العصر الحدیث.
 

موضوعات قصائد الثورة الجزائریة في الشعر العراقي

  یَصعُب حصر سائر الموضوعات التي تطرق إلیها شعراء الثورة الجزائریة بالعراق؛ لأنّها موضوعات كثیرة ومتعددة ومتنوعة ومتشعبة، فعدد هذه القصائد یربو على مائتین وأربعین قصیدة، منها القصیدة الموغلة في التقلیدیة والعمودیة، ومنها القصیدة العمودیة المتجددة أو الحدیثة، ومنها القصیدة المتحررة من جمیع قیود القافیة وقوالب شطري البیت، وشعر كهذا غني بموضوعاته؛ لأنّه تناول أحداث الثورة الجزائریة وما أكثرها و لكن نكتفي بالموضوعات التي تدخل في إطار الالتزام السیاسي و النضالي:
 

أولا : قوة الثورة وصلابتها :

رسم الشاعر العراقي الثورة الجزائریة بألوان من برق ورعد فجاءت كلماته كجبال الأوراس وجرجرة، معبرًا عن إرادة الثائر الجزائري وعن تصمیم الشعب الجزائري وٕاصراره على النصر، كما عبر عن الأهوال التي تحتملها جماهیره من أجل تحقیق هدف الثورة، وقد كان الشاعر العراقي یغني للثورة الجزائریة ولقوة أحداثها وصلابة أبنائها، فجاء شعره صادقا في تعبیره عمیقاً في معانیه، جزلاً في تراكیبه متنوعا في صوره.
 
فالشاعر أحمد الدجیلي یقول: إنّ الثورة الكبرى فاجأت المستعمر بالجزائر، فانتشرت بین جماهیر شعبها و تغلغلت في قلب كلّ رجل وامرأة، وسرت في نفوس الجزائریین وفي دمائهم، وانطلقت نیرانها تقطر إصرارًا في إرادة الجزائریین و تحمل الفناء لأعدائهم، فقال:
فَإذا بالثّورة الكُبرَى وَقَد  **  عَمَّتِ الشَّعبَ رجَالاً ونِسَاءا
ومَشَتْ فِي كُلِّ روحٍ ودمٍ ** لهبها یَقطُرُ عَزماً وفَنَاءا
 
ویتغنى جلال الحنفي بأمجاد سنوات الثورة السبع التي یعدها تساوي الزمان وتساوي الناس كلهم، كما أنّها تساوي الدهر جمیعه والتاریخ وأجیال البشریة، فالأبطال هم الجزائریون؛ لأنّهم بالسلاح حولوا الأقوال إلى أفعالٍ فاعلةٍ، فیقول :
 
سَبعٌ یعادلن الزَّمَانَ وأهْلَهُ  **  والدَّهَر والتأریخَ والأجیَالا
یا قومُ مَا الأبْطَال إلاّ أنتُمُ  ** لَو أنَّ شَعبَاً كافَ الأبطَالا
إنَّ السیوفُ إذا شهرن فإنَّمَا  **  یَجعَلْنَ أقوالَ الرِّجالِ فِعَالا
 
وعبد الوهاب البیاتي الشاعر المجدد، یصور قوة الثورة بأنّها عملاقة، وبأنّها فكرة مبدعة تكتسح العملاء الذین یسمیهم بالمسوخ والطبول والجیف، فالثورة تفلح الحقول من خلال أهوال العواصف، وتصنع فوق الأنقاض كل ماهو جمیل ونبیل، فالثورة إذا عند البیاتي فكرة تبني وتفلح؛ لأنّه یستقرئ الأحداث ویستطلع المستقبل، مستقبل الجزائر سیكون بناءا جمیلاً وسبكاً رائعاً لكل ماهدم، یقول :
 
الثَّورةُ العِملاقه
الفِكرةُ الخلاقه
تَجرِفُ في طریقها المُسَوخَ والطُبَولَ
والجیفِ المُعَطّرة
والنصبَ الشَّائعةِ المُبَعْثَره
تُحْدثُ في إعْصَارِها الحُقُولَ
تعیدُ صنعَ الرائع النبیلِ
 

ثانیا : وصف بطولات الثوار :

تغنى شعراء الثورة الجزائریة بالعراق ببطولات الجزائر، وبطولات أبنائها المجاهدین، ولا تكاد تخلو قصیدة من الإشادة بهذه البطولات، والتغني بأمجادها والترنم بمآثرها.
 
فهذا الشاعر أحمد حسن الرحیم في "سیف الجزائر" یكنى الجزائر ب"أم البطولات" ویوجه لسیفها الذي لا یعرف الوهن والضعف بسبب عمله المتواصل في رقاب الأعداء ألف مرحباً، فالجزائر رفعت جبین كل عربي وجعلت وجهه تعلوه البهجة والسرور، كما جعلته ینسى آلامه وحزنه، یقول :
 
فیا أمَّ البطولةُ ألفُ مَرحَى  **  لِسَیفٍ لَیسَ تضعفه الفُلُولُ
رَفَعتْ جَبِینَ مَوتُودٌ كئیبُ  **  أَضرَّ بِهِ التمزَّقُ والثُكُولُ
فبان بوجهِهِ ألقٌ بَهي  **  وفَارقَه التَّوجعُ والنُكولُ
 
وهذا حبیب حسین الحسني، یخاطب الجزائر في قصیدته (الجزائر الجریحة) فیقول: فیك عرفنا نحن العرب ملاحم البطولة وآیات العزة والسمو، فمن جروحك یتضرع المجد والنور :
 
لَنَا فیكِ المَلاِحمُ والاباءُ  **  وفِیكِ لَنَا البُطُولَةُ والسَّناءُ
جزائُرنَا الجَرِیحَةِ أيُّ نَصرِ  **  سَیَعبِقُ فِیهِ مَجدٌ أو ضِیاءُ
 

ثالثا : أمجاد جیش التحریر ومعاركه :

كان جیش التحریر الوطني الجزائري، محور قصائد شعراء الثورة الجزائریة العراقيين، إذ لم یكتفوا بتمجید بطولات المعارك فقط، بل أشادوا بمعاناة جنود جیش التحریر، وكیف صمدوا أمام برد لیالي الشتاء، ولهیب أیام الصیف، وكیف تحملوا الجوع والعري والحرمان، والبعد عن الأبناء والأهل أشهرًا بل سنوات في سبیل قهر المستعمر وتحریر البلاد.
 
وقد لقب الشعراء العراقیون جیش التحریر بعدة ألقاب، فهو "الجیش الصعق، وجیش النصر، وهو أسد تزول الجبال ولا یزول صموده، وهو الراقص على أنغام الحرب، یحارب بعقیدة قویة وٕایمان صلب، وبأنّه أقوى من الجبال، وبأنّ أيَّ جیش على وجه الأرض یعجز أنْ ینازله أو ینال من صموده.
 
كما وصفوا جنود جیش التحریر بأنّهم أصدقاء اللیل؛ لأنّهم ینفذون عملیاتهم تحت جناحه، وكل جندي یقول: إذا نحن لم نفترق أو نحترق فكیف یضيء طریق الأمل للأجیال؟
 
فالشاعر حمید فرج الله یقول بأنّ جیش التحریر أعلنها حرباً على فرنسا وفي صفوفه شبان وشیوخ، رفضوا الخنوع والذل، واختاروا طریق موتة الأحرار، فهو یزأر في الجبال صارخا : (جزائر الخلد یا أنشودة العرب) :

وجیشُ تحریرهِ شَعواء أعْلَنَها  **  عَلَى فَرَنْسةَ أشیاخٌ وشُبَّانُ
لا یَسْتَكینُ على ذل ومَسْكَنَة  **  تَراَهُ في موتة الأحْراَرِ یَزْدَانُ
یَظَلُّ یزأرُ كالآسَادِ مُرتَعِدَا  **  جزائرُ الخُلدِ یا أُنْشودَة العربِ
 
 
وبرهان الدین العبوشي في قصیدته "انجدوا الجزائر" یصف المجاهدین جنود جیش التحریر، فیقول: "بأنّهم یسیرون للموت كما سار أجدادهم إلیها، ومنهم طارق بن زیاد، ولم یبالوا بالدبابة وبالنیران التي تنطلق منها، فتراهم یتواثبون علیها تواثب الموت، كثر شهداؤهم، وتدفقت دماؤهم غزیرة غزارة الأنهر التي شرفت بها الأرض، فیقول :

یَمشُونَ للموتِ الزُّؤام كَمَا مَشَى  **  أجْدَادُهم والطَّارق المِغَوارُ
(والتنك) یَحْصَدُهُم وَهُم مثل الرَّدى  **  یَتَواثَبُون عَلیهِ إذ یَنْهَارُ
والأرضُ قَد شرفَتْ بِفیضِ دِمائِهمِ  **  جَادُوا بِها فكأنّهَا أنهارُ
وحارث طه الراوي، یربط النصر بالمجد ویجعلهما أمرین متلازمین، فیقول :
أومأ النَّصرُ لَهَا فِي سَاحةٍ  **  عَبَقتْ منَهَا الدِّماءُ العَربیةِ
وَمَشى المَجْدُ إلیها راَكِعةً  **  بِخُشُوعٍ یلثَمُ الأرضَ الندیةِ

رابعا : ثورة الجزائر أمل العروبة و مثل الإنسانیة :

  تغنى شعراء العراق بأمجاد الثورة الجزائریة التي اعتبروها أمجاداً للأمة العربیة ومآثرها للإنسانیة كلها، فقد اندلعت الثورة الجزائریة بعد هزیمة الأربعینیات التي لحقت بالجیوش العربیة في فلسطین، بسبب ضعف بعض أنظمة الحكم في المشرق العربي، وتواطئ بعضها الآخر مع القوى التي خلقت الكیان الصهیوني ولحق المواطن العربي سواء بالمشرق أو المغرب، نوع من الإذلال وانكسار الجناح.
 
واندلعت الثورة الجزائریة لتعید الثقة إلى كلِّ نفس عربیة، ولتبرهن للعالم كله أنّ الأُمة العربیة لا زالت بحیویتها التاریخیة، وبصلابة عودها في النضال، أُمة تستحق كل ما انجزته في تأریخ البشریة ضد الشر والظلم والظلام، وما ثورة الجزائر سوى تعبیر صادق عن الذات العربیة التواقة إلى الحریة، النزاعة إلى العزة والدفاع عن الكرامة القومیة، وجدت أرضیة مناسبة وقیادة حكیمة في قُطْرٍ عربي، فأتیحت لها فرصة إبراز عطائها المبدع، و نزعتها الثوریة الخلاقة، هكذا استقبل الثائر العربي أحداث تشرین الثاني 1954 م.
 
فبدر شاكر السیاب یعبر عن هذا المعنى في قصیدته "إلى جمیلة" حیث یخاطب الثورة الجزائریة من خلال المناضلة الجزائریة، فیقول لها لولاك ما جادت أغصاننا القاحلة بالثمار، ولَمَا تدفقت قوافینا البدیعة، فنحن (أي: العراقیون والعرب) نعیش في هوة مظلمة، وعن طریقك تسرب لنا الإشعاع الذي یبدد ظلامها، فقال :
 
والله لَولا أنّها یَا فَادیَة
ما أثْمَرت أغْصَانُنُا العَاریَة
أو زَنْبَقتْ أشْعَارُنا القَافِیة
إنَّا هنا.... في هوة راجیة
ما طَافَ لَولا مُقْلَتاك الشعاع
 
ومحمد علي الیعقوبي في قصیدته (أبطالنا في الجزائر)، یقول بأنّ العالم العربي فخور ببطولات أبطال الجزائر، وبأن الدنیا كلها بسائر أُممها، تثني علیكم أیها الجزائریون، وعلى ثورتكم التي انتشر ذكرها كما ینتشر عبیر الورد، وبأن مآثركم سجلت في كتاب الخلود بالدماء، فلقد أصبحت حدیث الشعوب والأمم، وصارت أخباركم تسیطر على ما تبثه الإذاعات، فأرواحنا، نحن العرب حاضرة بینكم في جهادكم، و إن كانت أجسامنا بعیدة عنكم، یقول :
 
فالعَالمُ العَربيّ في  **  أعمَالكُم زاهٍ فَخُورُ
تَتَضوعُ الدُّنیا بذِكركُم  **  كَمَا ضَاعَ العَبیرُ
فَرَطَتْ عَلَى صُحُفِ الخُلُودِ  **  مِنَ الدِّماءِ لَكُم سُطُورُ
أَضْحَت یَدُ السِّتِ الجَها  **  تِ إلى بُطُولَتكُم تَسِیرُ
وَبِكُلٍ آنٍ یَملأ الدُّ  **  نَیا بِنَصْرِكُم البَشَیِرُ
وبِفَوزكُم هَزَّ العَوَا  **  لِمَ في إذَاعَته الأثیرُ
أرواحُنا إنْ غَابت  **  الأجسَام عِندكُم حضورُ

 

خامسا : جمیلة ونضال المرأة الجزائریة :

 نالت المناضلة الجزائریة (جمیلة) حیزًا كبیرًا في الشعر العراقي الذي قیل في الثورة الجزائریة، فأكثر من ثلاثین قصیدة حملت عنوان (جمیلة)، وحدیث الشعراء عن جمیلة كان تمجیداً لنضال المرأة الجزائریة، فالنساء الجزائریات (صغن من قطع الحدید، وهن لا یتزین بالجواهر وٕانّما بالشجاعة، ویُضِئنَ للرجال جوانب الطریق المؤدیة للخلود).
 
 وقصیدة "أنا فكرة" للدكتور جواد البدري، التي نظمها وأهداها لجمیلة عام 1958 تعد من أجمل ما قیل في نضال جمیلة، فقد جسد الشاعر الثورة الجزائریة في جمیلة المناضلة، وعد الثورة فكرة ولیست كائناً من لحم ودم، ولهذا فإنّ ها لا تموت بموت الأشخاص، وهي فكرة كامنة في العقول والنفوس وفي دموع الكادحین، منذ أنْ ظهر الإنسان على سطح الأرض، یقول :
 
اقْتلُونُي
أنا فكرَه
في العُقولِ النیِّره
في النُّفُوس الخَیِّره
في دُموعِ الكَادحِین
في قلوبِ الطّیبین
عَبْرَ الآفَ السِّنینِ
مُسْتَقرِة
أنا فِكَره
 
ویستمر الشاعر في التحدث باسم جمیلة التي تعلن للأعداء، اقتلوني فأنا فكره، والفكرة لاتموت، أنا رمز لنضال الشعب من أجل تحقیق سلام یتخلص فیه الإنسان من الحروب والاستغلال معاً، حیث یسود حیاته الحب بین الناس والوئام بین الشعب، فأنا أُضحي من أجل الحق :
 
اقْتَلُوني أنا فِكْره
اسْحَقُوني أنا زَهْرَه
أنا رمزٌ لنضالِ الشِّعبِ مِنْ أجل السلامِ
وَشِعارٌ الودِّ والإخلاصِ، في دنیا الوئامِ
أنا إنْ ضحیتُ بالنّفسِ، وغایاتِ المرامِ
فِلأجل الحقِّ أمْضِي وأضَحَي
بِثباتِي
و عزمي
 
وعبد الغني الجبوري یتحدث عن النساء الجزائریات، فیقول: "بأنّ كلّ امرأة بالجزائر هبت لمصارعة الإستعمار غیر مبالیة بالموت، والمرأة التي عرفت بالدلال والغنج، تحولت بالجزائر إلى ثورة بجهادها وصارت أقوى من الجبال، وهي الجمیلة الرزینة  :
 
حَدثینَا عَن كُلّ حَواءَ خَفَتْ
واسْتَخفَّتْ بالموتِ مَا أَجْملَ المَوت
رَبّةُ الخدْرِ والدَّلالِ اسْتَحَالتْ
فِهَي أَرْسَى مِن الرُّبَى والجِبَالِ
لِقَراَعِ المُسْتَعْمَر المُتَعَالِي
إِذا كَانَ فِي سَبیلِ المَعَالِي
ثَورةً فِي كِفَاحَها وَالنِّزاَلِ
وَهي ذاتُ الحِجَى وذَاتُ الجَمَالِ
 

سادسا : فرنسا وحلفاؤها كما صورها الشعراء العراقیون :

 
لم تُهاجَم فرنسا وحلفاؤها، مثلما هوجمت في الشعر العربي الذي قیل في الثورة الجزائریة، وخاصة بالشعر العراقي، إذ تخللت هذا الهجوم عبارات مشهرة، وأحیاناً نابیة، نعتت بها فرنسا، فإنّ الطابع العام لهذا الشعر یتلخص في معنى واحد هو أنّ فرنسا تخون تاریخها وثورتها وتراثها الإنساني، الذي أورثته إیاها مبادئ الثورة الفرنسیة، وذلك من خلال ما تقوم به من جرائم ضد الشعب الجزائري في حربه التحرریة العادلة، ولا تكاد قصیدة من قصائد هذه المجموعة تخلو من هذا المعنى، معنى خیانة فرنسا لمبادئ ثورتها.
 
ویستعرض الشعراء جرائم الفرنسیین: فهم یقتلون العزل، ویعذبون السجناء، حاولوا قتل اللغة العربیة والقضاء على الإسلام، أقاموا حزام الموت المتمثل في الأسلاك الشائكة المكهربة الملغومة حول الحدود الجزائریة، وفجروا أول قنبلة ذریة فرنسیة في صحرائها".
 
وتعرض الشعراء العراقیون أیضاً للحلف الأطلسي الذي كان یساند فرنسا في حربها الظالمة ضد الشعب الجزائري، فأي سلاح حدیث كانت تخرجه المصانع الأمریكیة أو الأوروبیة، یرسل للحلف الأطلسي، ثم یوجه للجزائر لتجربته على أكواخ الفلاحین العزل، أو ضد جنود جیش التحریر، ویصف الشع ا رء حلیفات فرنسا بعدة أوصاف، مثل: "حلیفاتها على شاكلتها، الحلف الاطلسي دعامة لكل ظالم".
 
فهذا طارق الطاهري یثور غضبا عندما تبلغه جرائم فرنسا بالجزائر، فیوجه لها في قصیدة "دم الشهداء" أقسى النعوت، ولدیغول رئیسها أقسى الألقاب، فیقول :
 
وأینَ لكِ الضَمیرُ أَیَا فَرَنْسَا  **  وَقَد شَبَّتْ حَیاتُك في الجُنَاحِ
وأینَ لكِ الضَمیرُ وَلَو قَلِیلُ  ** وَعَاركِ طَارَ في الأُفُقِ الفَساحِ
وأنتِ صَریعةُ الشَّهوات دَومَا  **  رِجالكِ فوقَ أقِدامِ المِلاحِ
 ودیغولُ السِفِیه غَدَا رَئیسَا  **  لِذَوبان مُخَنَّثَة قَبَاحِ
بِهِم یَسْطُوا عَلَى دُوُلٍ ضِعَافٍ  **  وَیُجَارُ بالسِّلامِ عَلَى انْفِضَاحِ
 

سابعا : فرحة إعلان الجمهوریة وتحقیق الاستقلال :

 
في سنة 1958 أعلنت الجمهوریة الجزائریة وتألفت الحكومة المؤقتة للجمهوریة الجزائریة بالمنفى، واستقبل العدید من الشعراء بالعراق هذا النبأ بالفرحة والابتهاج، فهي حلم، وهي بمثابة شمس أشرقت، وهي عروس هزج الشرق لها، وهي شجرة دماء الشهداء.
 
لكنّ الفرحة الكبرى التي غناها الشعراء العراقیون هي فرحة إعلان الإستقلال عام 1962 ، إنّ الكثیر من الجزائریین والكثیر من العرب كانوا ینظرون إلى استقلال الجزائر على أنّه أمر بعید المنال، بل إنّ مِمّن فجروا الثورة أنفسهم كانوا یتصورون أنّ النضال سیطول وأنّ الإستقلال سوف لن یراه ویتمتع به إلاّ الجیل التالي لجیلهم.
 
ولهذا فأنّ إعلان إستقلال الجزائر كان بمثابة المعجزة، جعلت الكثیرین لا یصدقون آذانهم وهم یستمعون إلى نبأ الإستقلال.
 
فالشاعر محمد جمیل شلش ینشد قصیدة بهذه المناسبة عنوانها "تحیة للجمهوریة الجزائریة" من الشعر الحر، فیقول فیها على لسان المجاهد الجزائري، أنا أغني فجر جمهوریتي، وأغني للسلاح الذي حققها، أغني من أوراس مجد الرجال، من حیث انطلق النضال، وتدفق سبیل الثائرین :
 
وأنا أُغنِي فَجْرَ جَمْهُورِیَّتي الكُبرَى
و أغنَي للسِّلاح سیَصِیح التَأریُخ زَندي
سَیُحِّدثُ الدُّنیا لهیبي، إنّ مَجْدَ الشَّمس مجدي
فَلتَكْتبِ الأجیالُ بَعْدِي
مِنْ هاهُنا مَجْد الرِّجال
مِنْ هاهُنا انْطَلقُ النِّضالُ
وَسالَ سَبِیلُ الثَّائِرین
 
ویختم الشاعر قصیدته بأنْ یعلن أنّ الجزائریین سیقضون على جمیع أسلحة الفناء التي یسلطها علهم العدو، وسینسون الآلام والمحن، وترفرف رایات السلام والرخاء على ربوع بلادهم.
 
وَلَسَوفَ نَطْرحُ كَلّ آلاتِ الفَنَاء
ولَسَوفَ نَنْسَى الدَّمَ والظَلام
ونَفي الدُّنْیا بِرایاتِ السَّلامِ
 
ونوري القیسي في قصیدته "تحیة لجمهوریة الجزائر الحرة" یعد الشعب الجزائري الذي أعلن میلاد جمهوریته، هو الذي صنع التاریخ، ویطلب منه أن یردد على قمم الأرواس أنشودة "الجمهوریة الجزائریة" التي كان العرب مشتاقون لمیلادها، وأنْ یسكب على هضاب الجزائر قیماً ثوریة یتضاءل نور الشمس إزاء وهج إشعاعها.
 
یَا صَانِع التَّأرِیخ مُرْتَسِما   **  في وَجْنَتِیك الفَجْرِ والحَسَبُ
ردّد عَلَى "الأوراس" مُنْطَلِقَا  **  أُنَشودةٌ كُنَّا لَهَا نَصْبُو
واسْفَح عَلَى هَضَبَاتِها قِیَما  **  الشَّمْسُ فِي جَنَبَاتِهَا تَخْبُو
والشاعر زهیر غازي زاهد، في قصیدته "فجر الجزائر" یقول: بأنَّ فجر الإستقلال طلع، وهو عرس البشائر، واختلط في أفق هذا الیوم إشراق الإستقلال، مع حمرة دم الشهداء، والإستقلال كان حلم كل شهید، فلترددي النصر یاحناجر شعب العراق، ولتهتفي "عاشت الجزائر".
 
طَلَعَ الفَجرُ وهو عُرْسُ بَشَائِرُ  **  رددي النَّصْرَ یِا حَنَاجِرُ شَعْبِي
وَارْقُبِي الأفقَ جَانِ بَان سُرورِ  **  مُشْرقٌ أو دَمٌ أبِي ثَائِرُ
فَهُو یومٌ عَلَى تلولِ الضَّحَایا  **  جَاءَ یُخْتَالُ بِالجهادِ الظَّافِرِ
فَجْرُه حلمُ ألفُ شَهیدٍ  **  قَدْ تَلأْلأ مِن الدِّماءِ السَّواعِرُ
رَددي النَّصْرَ واهْزِجِي یَا حَنَاجِرُ  **  واهتِفِي عَالِیاً لِتَحْیَا الجَزائِرُ



 

الدبلوماسية الجزائرية خلال الثورة التحريرية

الدبلوماسية الجزائرية خلال الثورة التحريرية
امحمد يزيد


وضع قادة الثورة الجزائرية إستراتيجية للعمل الدبلوماسي تختلف عما كانت عليه قبل الثورة وهذا لاختلاف الأوضاع فالعمل السياسي الذي كان سائدا لم يكن يقلق فرنسا إذا تبعه نشاط دبلوماسي خارجي فكانت المراوغة التي تبديها فرنسا وكسب الوقت كافيين لإفشال أي نشاط خارجي، أما سنة 1954 فالنشاط المسلح حل محل السياسي والنشاط الدبلوماسي في الخارج اتخذ أهدافا جديدة.

في بيان أول نوفمبر :


1. تدويل القضية الجزائرية
2. تحقيق الوحدة الإفريقية في داخل إطارها الطبيعي العربي والإسلامي.
3. تأكيد عطفنا الفعال تجاه جميع الأمم التي تساند قضيتنا التحريرية.

في مقررات مؤتمر الصومام :

وعند انتشار الثورة وانتصاراتها اتخذ النشاط الدبلوماسي بعدا جديدا من خلال قرارات مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956 الذي جاء فيه:
  1. عزل فرنسا سياسيا على المستوى الداخلي وكذا على المستوى الخارجي.
  2. توسيع نطاق الثورة إلى حد جعلها مطابقة للقوانين الدولية.

ومن أهدافها على المستوى الخارجي أيضا:

  • تكثيف النشاط في الخارج لكسب الدعم المعنوي والمادي .
  • تصعيد تأييد الرأي العام.
  • التعريف بالقضية الجزائرية بين الدول التي أرادت فرنسا عزلها أو إبعادها عن المجريات الحقيقية في الجزائر، بالتالي تغيير نظرتها.
في جويلية 1957 أرسل أمحمد يزيد تقريرا إلى المجلس الوطني للثورة الجزائرية يلخص فيه النشاط الدولي لجبهة التحرير الوطني في ثلاث نقاط:

  1. العمل على إخراج القضية الجزائرية من الإطار الفرنسي.
  2. جعل القضية الجزائرية في نفس مرتبة القضيتين التونسية والمغربية على المستوى الدولي.
  3. إبلاغ هيأة الأمم المتحدة بالقضية الجزائرية.

لعبت الدبلوماسية الجزائرية دورا بارزا في التعريف بالقضية الجزائرية عن طريق ممثليها الذين تمكنوا من إقامة مكاتب لهم في العديد من الدول انطلاقا ما الدول العربية والإسلامية والدول الإفريقية وفي أوروبا الشرقية ثم بفضل النشاط الدؤوب تمكنوا من اختراق الدول الغربية رغم الحصار والتعتيم التي كانت تفرضه فرنسا.

على المستوى الإفريقي والآسيوي


أولى انتصارات الدبلوماسية الجزائرية هو الدعم الذي نالته القضية في أول تجمع لمنظمة الدول الآفرو-آسيوية في مؤتمر باندونغ في 24 افريل 1955 بعد 5 أشهر من اندلاع الثورة الجزائرية.

هذا الدعم ساهم في إخراج القضية الجزائرية من مجالها الضيق الإقليمي إلى المجال الدولي لكون المنظمة طالبت بإدراج القضية في جدول أعمال الدورة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة المقرر عقدها في أكتوبر 1955 ثم برزت القضية الجزائرية من جديد في مؤتمر أكرا غانا في 15 أفريل 1958 الذي جمع الدول الإفريقية المستقلة التي قررت بالإجماع دعم الجزائر ومساندتها للتحرر والمطالبة باستقلالها التام.

وفي بلغراد عاصمة يوغسلافيا حيث أنعقد أول مؤتمر لحركة عدم الانحياز (1) نالت فيه الثورة الجزائرية تأييدا بالإجماع على نيل الاستقلال و سلامة ترابه بما فيها الصحراء.

على مستوى الوطن العربي


نالت القضية الجزائرية تأييدا ماديا ومعنويا كبيرا من طرف الدول العربية، فقد تحصلت على السلاح و المال والمساندة السياسية في كل المحافل الدولية كما سهلت هذه الدول لممثلي الثورة الجزائرية فيها بالنشاط السياسي عن طريق مكاتبهم المنتشرة في عواصم هذه البلدان، كما كان للدول العربية الأثر الكبير في تقديم التسهيلات للطلبة الجزائريين على مواصلة دراستهم وعلى رأس هذه الدول مصر الذي كان لها الدور الكبير في مؤتمر باندونغ وغيره من المؤتمرات مثل مؤتمر القاهرة الذي جمع 46 دولة آسيوية وافريقية في 26 ديسمبر 1957 حيث خرج بقرارات هامة للقضية الجزائرية منها الاعتراف بالكفاح الجزائري والتنديد بالسياسة الفرنسية والمطالبة باستقلال الجزائر كما نادوا إلى القيام بمسيرات ومظاهرات في عواصم هذه الدول لصالح القضية الجزائرية يوم 30 مارس 1958 وجعلوا هذا اليوم هو اليوم العالمي للتضامن مع الجزائر المجاهدة. أما في تونس والمغرب الأقصى فقد كانت تجْمَعُهم وحدة الكفاح ضد مستعمر واحد لذلك كان التنسيق بينها أمرا حتميا في العديد من المؤتمرات التي جمعتهم أهمها مؤتمر طنجة من 30-27 أفريل 1958 والذي فيه اتفقوا على الإعلان عن جبهة دفاع مشتركة ضد السيطرة الاستعمارية كما تقرر في هذا المؤتمر إيجاد خطط عملية لمساندة الثورة الجزائرية وفيه مهدت جبهة التحرير الوطني أرضية تشكيل الحكومة الجزائرية المؤقتة التي تم إنشاؤها رسميا في القاهرة يوم 19 سبتمبر 1958. 

على المستوى الدولي في الأمم المتحدة


إن الدعم الذي نالته من الدول الإفريقية والآسيوية وعلى رأسها الدول العربية هو السبب الذي أوصل القضية الجزائرية إلى التدويل في الجمعية العامة لهيأة الأمم المتحدة متحدين بذلك فرنسا وحلفائها في الحلف الأطلسي الذين لعبوا دورا كبيرا في دعم فرنسا الاستعمارية.

بدأت القضية الجزائرية تتداول في لوائح الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ دورتها العاشرة (2)في سبتمبر 1955 وذلك بعد أسابيع قليلة من هجوم جيش التحرير الوطني على الشمال القسنطيني يوم 20 أوت1955 ، بقيت القضية الجزائرية تناقش في الأمم المتحدة لسبع دورات متتالية من سنة 1955 إلى غاية1962 ، لعبت خلالها الدبلوماسية الجزائرية ممثلة بإطاراتها السياسية دورا بارزا في كل بقاع العالم لكسب تأييد الشعوب لها إلى أن تبنت الجمعية العامة في دورتها السادسة عشر سنة 1961 قرارا يطالب بالدعوة إلى التفاوض بغرض التوصل إلى حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره و الاستقلال في إطار احترام الوحدة والسيادة الإقليمية للجزائر.

وسائل الكفاح الدبلوماسي الجزائري

سطرت الثورة الجزائرية للعمل الدبلوماسي في الخارج عدة طرق وأساليب حيث لم تكتف فقط بالجانب السياسي بل بكل ما يمكن أن يفيد في التعريف بالقضية ومن هذه الوسائل والأساليب:

التمثيل السياسي : عن طريق ممثلي الثورة في الخارج حيث كانوا يقومون بمختلف النشاطات منها:

  • عقد الملتقيات والندوات والمحاضرات في المعاهد والجامعات للتعريف بالقضية الجزائرية.
  • فتح مكاتب جبهة التحرير في عواصم الدول المساندة للثورة لتمثيل الجزائر بها.
  • تنظيم الجالية الجزائرية في المهجر لدعم ثورتهم ماديا ومعنويا وفي فرنسا أنشأت فدرالية جبهة التحرير التي لعبت دورا كبيرا في تنظيم الثورة داخل فرنسا، وصنفت قسم العمل السياسي والعسكري بالولاية السابعة.
  • إنشاء شبكات الدعم لتزويد الثورة بالمال والسلاح.

التمثيل الثقافي و الرياضي:

الذي أولى له مؤتمر الصومام أهمية خاصة فقد نادت جبهة التحرير بإنشاء فرق رياضية ومسرحية وسينمائية لتنشط داخل التراب الوطني كوسيلة لنشر الوعي بين الشعب الجزائري وفي نفس الوقت كانت هذه الفرق تحضر التظاهرات الدولية كممثلة للشعب الجزائري وعن طريقها تحسس شعوب العالم بوجود شعب له هويته وثقافته لأن الوجود الاستعماري الفرنسي الذي فاق القرن حاول طمس هُوِيَّة هذا الشعب في العالم خاصة منه العالم الأوروبي، فتمثيل هذه الفرق للجزائر بواسطة كرة القدم أو المسرح أو الصورة السينمائية، كان له الدور الكبير في تغيير ذهنيات العديد من الدول وبالتالي كسب المساندة والتأييد.


خلاصة


لا يمكن لأي ثورة أن تكون بمعزل عن العالم الخارجي فالمساندة والتأييد بمختلف أنواعه هو جزء من الانتصار وكان القادة الأوائل قد أحسنوا التخطيط لذلك فابتعدوا عن الصراعات الدولية والتزموا الحياد حيث كان يهم الثورة وقادتها فقط استقلال الجزائر ومساندة الحركات التحررية الأخرى لكونها جزء منها، وهو ما جعل فرنسا تفشل في محاصرة الثورة خارجيا حيث لم تجد ادعاءاتها الكاذبة أذانا صاغية للعديد من دول العالم وهذا بفضل النشاط الكبير الذي كان يقوم به رجال جبهة التحرير الوطني في العالم، من هنا يمكننا استنتاج نتائج هذا النشاط الخارجي:
  • كسب التأييد من مختلف دول العالم.
  • تزويد الثورة بالمال والسلاح.
  • الإصرار على مناقشة القضية الجزائرية في الجمعية العامة رغم الفيتو الفرنسي.
  • أصبحت الجزائر رائدة الحركة الوطنية تقيم لها الدول أياما خاصة .
  • المكانة التي عرفتها الثورة الجزائرية جعل كل الدول الاستعمارية تخشى على مستعمراتها.
من هذا النشاط المناهض للإستعمار التي تقوم به الجزائر في المحافل الدولية، خاصة إذا علمنا أن قوة الثورة والهزائم التي تلقتها فرنسا كان سببا في استقلال تونس والمغرب (مارس 1956) للتفرغ للجزائر و في سنة 1960، اشتدت الثورة في الداخل وفي الخارج الشيء الذي أدى بفرنسا إلى التخلي عن اثني عشرة دولة إفريقية.


 (1) حركة عدم الانحياز هي التسمية الجديدة لمنظمة الدول الآفرو-آسيوية عرفت بهذا الاسم في أول مؤتمر لها في بلغراد عاصمة يوغسلافيا من 1-6 سبتمبر 1961 حضرته 25 دولة حديثة الاستقلال.  أهمية الحركة تكمن في أنها أخرجت التنظيم الأول من الحيز الإقليمي إلى الدولي بانضمام يوغسلافيا من أوروبا وكوبا من أمريكا الوسطى.

(2) في هذه الدورة نوقشت القضية الجزائرية فكانت النتيجة لصالح الجزائر ب 28 صوت ضد 27 و امتناع 5 دول عن التصويت ومن الدول التي صوتت لصالح الجزائر هي : مصر، اليونان، أفغانستان، اندونيسيا، العراق، لبنان، سوريا، المملكة السعودية، يوغسلافيا، اليمن، الاتحاد السوفيتي سابقا.  و من الدول المعارضة: استراليا، بلجيكا، البرازيل، الدانمرك، هولندا، دولة الصهاينة، تركيا، السويد، جنوب إفريقيا  .أما الدول الخمس الممتنعة فهي : الصين الوطنية، السلفادور، أثيوبيا، أيسلندا، باراغواي.