الثورة الجزائرية و إسهامها في حركة التحرر العالمية

مانديلا و هملكار كابرال عند الثوار الجزائريين

"...إن الثورة الجزائرية الحالية تستمد قوتها و قيمتها من هذا الوضع الاستعماري الخاص. و لهذا فان فشل الثورة يكون معناه احتلال تونس والمغرب من جديد. كما لا يتردد في المطالبة به صراحة بعض الشخصيات الفرنسية، كما أنه يعني توقفا حتميا للحركات التحريرية في الشعوب المضطهدة. و أخيرا يمكن الدول الاستعمارية من استعادة قوتها و من الطمع في تحقيق حلمها القديم الذي لم تتخل عنه بعد.  وبالعكس فإن انتصار الثورة الجزائرية سيعزز عقيدة وآمال جميع الشعوب التي ما يزال تحت وطأة الاحتلال الأجنبي وخصوصا في القارة الإفريقية. كما أنه سيضع حدا نهائيا للأطماع الاستعمارية."
جريدة المجاهد - العدد 20 - 15 مارس 1958  
 
تعد الثورة الجزائرية من بين أهم الثورات في العالم، نظرا لما أحدثته على المستوى الداخلي و الخارجي. فقد ثارت على أقوى دولة في الحلف الأطلسي، عدة وعتادا، كما أنها لم تكن محصورة في المكان مثل بقية الثورات بل تخطت حدودها بفضل الأهداف السامية التي كانت تنادي بها، كما أنها تركت بصمات واضحة على كل الشعوب، فالمنهج الذي اتبعته الثورة ترك تأثيرا مباشرا على كل الحركات التحررية نوجزها كالتالي:   
  • كشف أساليب الاستعمار في كل مكان، جعل الشعوب تتخذ الحيطة والحذر، وهو ما أضعف فرنسا بين مستعمراتها، وعزلها عالميا. 
  • مبادئ الثورة السامية ومساندتها للحركات التحررية التي تؤمن بالقضية الجزائرية جعل العديد من قادتها يتخذون من الجزائر قبلة لهم (قبلة الثوار كما كانت توصف).  
  • مقاومة الاستعمار الفرنسي تعدى الحدود ليصل إلى فرنسا نفسها وهو ما لم تقم به أي ثورة. 
  • شراسة الثورة، وانتصاراتها الباهرة، جعل الشعوب المستعمرة تستغل الهزائم التي تمر بها فرنسا على كل الأصعدة الداخلية و الخارجية.  
  • تأثير الثورة الجزائرية على كل الحركات التحررية جعل الحلف الأطلسي الاستعماري يتخوف من انتشارها بين مستعمراته، لذلك سارع إلى مساندة فرنسا بطريقة مباشرة في حربها ضد الثورة الجزائرية.  
  • تمكنت الثورة الجزائرية من مواجهة فرنسا في كل الجبهات، مما أيقظ الشعوب الإفريقية التي كانت شبه نائمة قبل الثورة الجزائرية.  
  • شدة الثورة جعل كل من تونس والمغرب الأقصى وليبيا تتحرك بكل حرية لتطالب ، باستقلالها، مما جعل فرنسا ترضخ، وتنسحب من فزان الليبية نهائيا في 10 أوت 1955 ومن المغرب الأقصى 2 مارس 1956 ، ومن تونس 20 مارس 1956 . وكان منح فرنسا الاستقلال لهذه الدول الهدف منه جلب كل قواتها للحرب في الجزائر، لأنه في خطتها لن تنسحب من الجزائر، مهما كانت النتائج.  
  • لم ينحصر هذا التحرك في بلدان المغرب بل امتد إلى الشعوب الإفريقية، انطلاقا من غينيا سنة 1958 ، حيث تحرك شعبها بعنف مطالبا بالاستقلال رافضا عرض ديغول الذي قام بزيارة إلى المستعمرات الفرنسية في أوت 1958 ليعرض عليها دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة، والطلب هو الاختيار بين الاندماج أو الفدرالية مع فرنسا. فاضطر ديغول إلى منح الاستقلال لغينيا حتى لا تتحرك الشعوب الأخرى إلا أن الثورة الجزائرية أفشلت السياسة الفرنسية في إفريقيا عن طريق النشاط الدبلوماسي للجزائريين في المحافل الدولية والمنظمات الإقليمية وغيرها. هذا النشاط كان له الأثر المباشر حيث تحركت الشعوب الإفريقية مطالبة بالاستقلال. تخوف فرنسا من فقدان الجزائر دفعها إلى منح الاستقلال ل 12 دولة افريقية في غربها و وسطها سنة 1960 مرة واحدة بعد الاعتراف باستقلال موريتانيا لتتفرغ للجزائر، وهو مكسب عظيم لشعوب القارة الإفريقية بفضل الله ثم الثورة الجزائرية.  
  • المتتبع لتاريخ الكفاح المسلح الجزائري يستنتج أن الثورة الجزائرية كانت تعمل ليس فقط على طرد المستعمر من الجزائر بل طرده من كامل القارة الإفريقية، وهو ما حدث فعلا حيث لم تنل الجزائر استقلالها إلا بعد خروج فرنسا من إفريقيا.  
  • إصرار الشعب على المضي قدما إلى الأمام رغم ما قامت به فرنسا من إغراءات، إضافة إلى التنظيم المحكم في مواجهة المستعمر أكسب الثورة التأييد الكلي من طرف كل شعوب آسيا و تجلى ذلك بوضوح منذ مؤتمر باندونغ 1955 ، حيث أصبحت الثورة الجزائرية هي لب كل المحادثات والمؤتمرات ومثلا في الصمود تقتدي به الحركات الوطنية في المنطقة.  
  • تمكنت الثورة الجزائرية من إيصال صوتها والتأثير على الرأي العام العالمي سواء منه العالم الثالث المحتل أو شعوب العالم المتقدم عن طريق المكاتب التي أنشأتها في عواصم الدول حيث كانت تعرف بنضال الشعب الجزائري مستعملة كل وسائل الاتصال.

أنقذوا سهل متيجة يا ناس




عوامل عديدة متساندة تهدد مكانة سهل "متيجة" العريض والخصيب وذلك بتحويله إلى مدن وقرى وصحراء أيضا، وإخضاعه إلى عاصفة الزوال من حيث الإنتاج الزراعي والخضروي، إنها عوامل متعاضدة تهاجم هذا السهل العظيم في عنف، وقد أصبح في الوقت الراهن مثل ذئب حاصرته الكلاب  من كل جانب، وأحاطت به، بل تغلغلت في أعماقه ثلاث ظواهر مفسدة وربما مهلكة وواضحة للعيان، وهي البيع والمتاجرة، وانتشار الحديد والأسمنت، والإهمال الناجم عن الغفلة وسوء التقدير، في غياب سيطرة شعار "الأرض لمن يخدمها".


بقلم: إبراهيم قمور


فعملية تقطيع الأراضي والمتاجرة فيها تجري على مبدإ "خير البر عاجله" واليوم قبل الغد، ولذلك فالعناية بشؤون الأرض من حيث الحرث والزرع والغرس تستدعي الوقت الطويل والجهد الثقيل، وانتظار النتائج في صبر مديد، أما التقطيع والبيع فلا يتطلب إلا وقتا قصيرا، وجهدا خفيفا وصبرا عابرا، ولهذا فهناك اقتلاع الأشجار المثمرة وتعويضها بالبنايات المجتمعة والمتفرقة، واستحالت تلك البساتين إلى فيلات، وشبه عمارات في وقت ضيق جدا، بالقياس إلى مقدار الأعمال المختلفة التي يتطلبها الحفاظ على الأرض وخدمتها بما يناسب من الفكر والجهد والوقت، ويأتي الإهمال السائد ليضيف متاعب أخرى إلى سهل "متيجة" الواسع بمساحة خصبة ومياه جوفية عذبة وقريبة من السطح، ورغم ذلك يبدو السهل جافا ويشتكي من الظمإ إلى الماء، وغياب العناية والجدية الكافية بالحرث والبذر والغرس والتنمية الشاملة، مما يساعد على الاتجاه إلى الفساد والتدمير فيما يتعلق بالأرض.

ومن العوامل الداعية إلى هذا الموقف، الحاجة الشديدة إلى السكن، وكثرة الأموال المتداولة في الميدان العملي بدون تعب، والرغبة الجارفة في الامتلاك العقاري، والافتخار بالقدرة على الاكتساب المادي والتوسع فيه، مع غياب التخطيط المباشر الذي يشرف ويوجه ويرشد إلى الصواب في الأمور كلها، ولاسيما في تثمير الأرض واستغلال خيراتها التي لا تكاد تحصى، بعيدا عن امتدادات الحديد والأسمنت الغازيين لكل مساحة أرضية يبدو أنها قابلة للغزو، أليس الأمر باختصار شديد يتطلب إنقاذ هذا السهل؟ وذلك قبل أن يجرفه تيار الاستحالة من الواقع الذي يوجد فيه إلى واقع آخر، تجف فيه عروق وجذور الأشجار والنباتات بفعل الجفاف والإهمال معا...

إن تدمير الوجه الجمالي والإنتاجي المتنوع لهذا السهل الشهير، وتجريده من مقومات الازدهار الفلاحي الذي يمكن من الاكتفاء الذاتي في الغذاء. قد يجلب لنا بالدرجة الأولى لوم الأجيال القادمة، لأننا تصرفنا بكيفية خاطئة فيما يعود إليهم من ثمرات الأرض، ولم نكن مضطرين إلى ذلك التصرف، ولعل الأجيال القادمة تقدر أن تعذر الذين جزأوا الأراضي وتاجروا فيها بأثمان مرتفعة جدا، لماذا؟ لأن ظروف الحياة الحاضرة قد أصبحت مسرعة بشكل لا يلائم انتظار النتائج التي تأتي من الأرض بعد وقت طويل، بينما البيع يحقق في الحين مالا كثيرا، بدون جهد ومن غير إضاعة للوقت، وطيلة للجهد، ولذلك فكيف يطمئن صاحب الأرض إلى خدمتها المعذبة، وانتظار ثمراتها التي تجيء متمهلة ومتباطئة، فمن الواقعية أنه لا يستطيع الثبات في الانتظار إلى الجنين والاستفادة إلى أهل الإرادة الصلبة والعزم الذي يخترق أشد الحوادث صلابة. ويمكن لنا أن نتصور موقف الأجيال الآتية حينما تجد حظها من ثمرات الأرض قد أخذ منها غصبا، ووقع التصرف فيه بغير حكمة ولا دراية، إنما بدافع الأنانية والأثرة.

إنه يحق لتلك الأجيال لومنا بشدة لأننا استحوذنا على حقوقهم وأكلنا ما ليس لنا مما يعود إليهم، بل إنه يليق بهم اللوم والإنكار والاتهام بالنهب والخطف في أنانية عنيفة وركوب لقطار السهولة مع الإهمال. إن المتجول المتبصر في رحاب وأحضان سهل "متيجة" يرى بعينيه مقدار آثار الهجوم الكاسح على الأرض الخصبة، وكيف يتوسع من سنة إلى أخرى ومن فصل إلى آخر، فهناك مساحة عريضة كانت تسقى وتزرع أو تغرس قد استولى عليها الجمود، واستحالت إلى صخور لا تنتج شيئا طيبا،  وتسلطت عليها ريح الإفلاس، فما يجري في هذا السهل من متاجرة وثراء سريع من جهة، وإهمال مقصود من جهة أخرى، جدير بأن يجلب إلينا، فيما بعد اللوم والإنكار من الأجيال الآتية من بعدنا كما يجلب الآن انتباه القائمين بشؤون التنظيم والتسيير، والذين يرهقهم استيراد المواد الغذائية من بلدان لا تملك سهولا تشبه سهل متيجة الخصيب فأنقذوا هذا السهل من فضلكم يا ناس، من براثين المفسدين الكثيرين، وذلك واجب مقدس!  


الثورة الجزائرية التحريرية الكبرى : المفاوضات و الإستقلال

الثورة الجزائرية التحريرية الكبرى : المفاوضات و الإستقلال



أمام إستحالة إحراز نصر عسكري على الثورة الجزائرية وتصاعد كلفة الحرب ماديا وبشريا وتزايد قلق الفرنسيين، بالإضافة إلى تدهور موقف باريس الدولي، وجد العدو نفسه مضطرا إلى قبول مبدأ التفاوض.

العوامل التي دفعت فرنسا إلى التفاوض 

ترجع هذه العوامل إلى :
  1. الضربات العنيفة التي تلقتها الدولة الإستعمارية في الجزائر، وفي فرنسا على يد الثورة التحريرية الكبرى.
  2. التنظيم المحكم الذي امتازت به الثورة الجزائرية خاصة بعد مؤتمر الصومام 1956
  3. الأزمات الاقتصادية والمالية والإجتماعية التي أنهكت فرنسا نتيجة التكاليف الباهضة لقمع الثورة .
  4. ضغط الرأي العام العالمي على فرنسا وتنديده بسياستها في الجزائر خاصة في جلسات الأمم المتحدة

تطور المفاوضات

مرت المفاوضات بعدة مراحل، وطال أمدها بفعل عدم جدية فرنسا بل حاولت من خلال التظاهر بالتفاوض إضعاف الثورة لكن الإنتصارات الميدانية والتفاف الشعب حول ثورته هو الذي أرغم فرنسا على الإستجابة لمطالب الثورة في التفاوض على أساس الإستقلال الذي دعت إليه منذ أول نوفمبر 1954.

ويمكننا تتبع تطور المفاوضات عبر المراحل التالية:

اللقاءات السرية : تعود الإتصالات السرية بين السلطات الإستعمارية وجبهة التحرير الوطني إلى 12 أفريل 1956 بالقاهرة بين جوزيف ببفارا وجورج غورس من الجانب الفرنسي ومحمد خيضر من جبهة التحرير الوطني، ثم ببلغراد في 25 جويلية 1956 بين محمد يزيد والدكتور أحمد فرانسيس من جبهة التحرير وبييركومين وبيير هيريو من الجانب الفرنسي، ثم حصل اتصال جديد في روما بإيطاليا يومي 2 و 3 سبتمبر 1956 بين محمد خيضر ومحمد يزيد و عبد الرحمان كيوان عن جبهة التحرير الوطني وبييركومين، وبيير هيريو عن الجانب الفرنسي غير أن هذه اللقاءات لم تسفر عن نتيجة، ثم انقطعت بسبب حادثة اختطاف الطائرة في 22 أكتوبر 1956.
الإتصالات والمفاوضات في عهد ديغول : بدأت الإتصالات أكثر جدية في عهد ديغول كنتيجة منطقية لفشل فرنسا في ا لقضاءعلى الثورة وسقوط الجمهورية ا لفرنسيةالرابعة بفعل ذلك وتمثلت هذه الإتصالات فيما يلي:
- محادثات "مولان" بفرنسا بين 25 و 29 جوان 1960 وإنتهت بالفشل نظرا لإشتراط فرنسا إستسلام المجاهدين وفصل الصحراء عن الجزائر.
ضم الوفد الفرنسي كل من روجي موريس، الجنرال الهوميردي كاسين أما الوفد الجزائري فضم أحمد بومنجل ومحمد الصديق بن يحي ولقد حاول الجنرال ديغول في أواخر 1960 أن يقنع نفسه بأنه بإمكان حل مشكل الجزائر بما يفيد فرنسا، ومن ذلك اقتراحه لما أسماه ب " الجزائر جزائرية " ولكي يضمن النجاح لمشروعه ذهب بنفسه إلى الجزائر يوم 10 ديسمبر 1960 ليقوم بالدعاية الواسعة له فأستقبله السكان بالمظاهرات.

أثر مظاهرات 11 ديسمبر 1960 على سير المفاوضات

إلى غاية 1960 م كان ديغول يعتقد أن بإمكان فرنسا أن تحقق نصرا عسكريا وكانت سياسته تستند إلى هذا الإعتقاد ولكنه أمام الإنتصارات التي حققتها جبهة التحرير وجيش التحرير الوطني، إقتنع أن طريق النصر أصبح مسدودا وقد لمس هذه الحقيقة عندما زار الجزائر في ديسمبر 1960 ليشرح سياسته الجديدة فأستقبله الجزائريون يحملون العلم الجزائري وينادون بشعارات الجبهة وقد أكدت هذه المظاهرات مايلي:
  •  تمثيل جبهة التحرير الوطني للشعب الجزائري وتزكيته لقيادتها (الممثل الشرعي الوحيد للشعب) 
  • الرد الفعلي والعنيف على المتطرفين الأوروبيين الذين نظموا يوم 09 ديسمبر 1960 مظاهرات كان الهدف منها تهيئة الظروف. لإنقلاب عسكري و ذلك بإثارة حوادث وإصطدمات يدفع الجيش إلى التدخل.
  • السعي لإفشال القوة الثالثة التي حاول الجنرال تكوينها من الحركة الوطنية للتفاوض معها وبالتالي إنكار وجود جبهة التحرير الوطنية.
  • إن إستقرار الأوضاع في الجزائر والتحكم في زمام الأمور حسب مايدعي جيش الإحتلال فكرة خاطئة.
 نتائج مظاهرات ديسمبر 1960
كانت لهذه المظاهرات نتائج إيجابية خاصة بعد أن إتسعت رقعتها ليجبر ديغول على التصريح "إن هذا الوضع لا يمكن أن يجلب لبلادنا سوى الخيبة والمآسي، وأنه حان الوقت للخلاص منه" و جلوسه إلى طاولة المفاوضات و الإعتراف بجيش التحرير وجبهة التحرير الوطني كممثل وحيد شرعي للشعب الجزائري.
أثار هذا الموقف إستياء الجنرالات الفرنسيين في الجزائر : ( راؤول سلان، إدموند جوهو، موريس شارل، أندري زيلر) الذين قاموا بمحاولة إنقلاب ضد ديغول وذلك في 22 أفريل 1961 إلا أنه باء بالفشل .وإعترفت هيئة الأمم المتحدة بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره في 19 ديسمبر 1960 م.
أدرك ديغول حساسية الموقف وتيقن من إستحالة الحل العسكري و أدرك ضرورة تقديم التنازلات وهكذا أستؤنفت المفاوضات 
ما بين 20 و 22 فيفري 1961 في مدينة لوسرن (LUCERNE ) السويسرية وشارك فيها عن الجانب الجزائري أحمد بومنجل والطيب بولحروف، وعن الجانب الفرنسي جورج بودبييرو وبرونو دولوس واعترف ديغول موازاة لذلك في 22 أفريل 1961 بحق الجزائريين في إقامة دولتهم ، لكن ما يلاحظ هو طول مدة المفاوضات التي تعود إلى تمسك فرنسا بما يلي:
  1. إعطاء الجزائر الحكم الذاتي بدلا من الإستقلال.
  2. حصول المعمرين على إمتيازات خاصة في الجزائر.
  3.  فصل الصحراء عن سائر القطر.
  4.  إشراك أطراف أخرى في المفاوضات عوضا عن الإقتصار على التفاوض مع جبهة التحرير وحدها.

مفاوضات إيفيان الأولى والثانية

مفاوضات إيفيان الأولى 1961 : أجريت مفاوضات إيفيان الأولى ( إيفيان بلدة على بحيرة ليمان ) ما بين 20 جوان و 13 جويلية 1961 ترأس الوفد الجزائري كريم بلقاسم والوفد الفرنسي لويس جوكس، توقفت ثم استؤنفت في لوغران ( وهي بلدة فرنسية شرقي إيفيان من 20 إلى 28 جويلية 1961 وأخفقت مثل سابقتها بسبب الصحراء ومصير المعمرين، وحاولت فرنسا بين مفاوضات إيفيان الأولى ولوغران وبعدهما إيهام الدول الإفريقية المجاورة بأن الثورة الجزائرية تريد الهيمنة على الصحراء وكذا أن تبحث عن مفاوضين جزائريين من خارج جبهة التحرير فخاب مسعاها في المحاولتين وعادت المباحثات في " لي روس" وهي قرية على الحدود الفرنسية السويسرية ما بين 11 و 19 فيفري 1962.
وفيها إتفق مبدئيا على وقف إطلاق النار وتم تناول كل المحاور وشرع في تحرير النصوص وفي خضم هذا السعي الحثيث لإنهاء الصراع كانت منظمة (O.A.S ) تبذل محاولات بائسة لوقف عجلة التاريخ ناشرة في طريقها الموت والدمار وقدرت بعض المصادر عن التفجيرات التي نفذتها المنظمة بأكثر من 4000 والإغتيالات بحوالي 900 إغتيال ومجموع ضاحايا جرائمها بأكثر من 12 ألف قتيل، ورغم محاولات هذه المنظمة الإرهابية إفشال المفاوضات إلا أن انتصارات الثورة على كل الجبهات أرغمت فرنسا على التعامل بواقعية مع مطالب الجزائريين تجلت في الإستجابة للأهداف التي حددتها الثورة في أول نوفمبر 1954 والتي عرضها الوفد المفاوض على المجلس الوطني للثورة الجزائرية المنعقد في تونس من 22 إلى 27 فيفري 1962 وبعد المناقشة وافق المجلس بالأغلبية الساحقة على نتائج مفاوضات ليروس التي تعترف بالإستقلال والوحدة الترابية ووحدة الشعب الجزائري.
مفاوضات إيفيان الثانية 1962 : إنطلقت مفاوضات إيفيان الثانية النهائية والحاسمة يوم 07 مارس 1962 حتى 18 مارس من نفس السنة ترأس الوفد الجزائري كريم بلقاسم ومن بين الشخصيات التي ضمها الوفد ( بن طوبال دحلب، يزيد، بن يحي، بولحروف إلخ...)، إنتهت بالتوقيع على إتفاقية وقف إطلاق النار وكان هناك إعتراض داخل فرنسا على الإتفاقية جعل ديغول يجري حولها
إستفتاء أسفر في 08 أفريل 1962 عن موافقة 91 % من الفرنسيين عليها. 

مضمون إتفاقيات إيفيان 

نضمت إتفاقيات إيفيان ستة فصول، نص كل منها على النقاط الرئيسية التالية:
  1. إعلان وقف إطلاق النار والعفو العام
  2. الإعتراف بوحدة الأرض الجزائرية، وإجراء إستفتاء يقرر فيه الشعب الجزائري مصيره في غضون مدة لا تزيد عن ستة أشهر .
  3. تسيير البلاد خلال الفترة الإنتقالية حكومة مؤقتة من 03 فرنسيين و 09 جزائرين في إنتظار نتيجة الإستفتاء
  4. إحتفاظ المعمرين وعملائهم بالحقوق التي كانت لهم ثلاث سنوات قبل إختيارهم جنسيتهم النهائية، إما الجزائرية فيصبحون رعايا للجزائر أو الفرنسية فيعاملون كآجانب .
  5. جلاء القوات الفنرسية عن الجزائر خلال ثلاث سنوات مع إحتفاظها بالمرسى الكبير لمدة 15 سنة، ومطارات عسكرية في عنابة، وبوفاريك وبشار، وقاعدة رقان لمدة خمس سنوات.
  6. تحتفظ فرنسا بمصالح إقتصادية في قطاعات النفط والتعدين خاصة، وإمتيازات ثقافية ( كحق فتح المدارس على سبيل المثال ) كما تعهد الطرفان بالتعاون في مختلف المجالات الإقتصادية والثقافية، مقابل حصول الجزائر على معونات مالية فرنسية.

نقطة مهمة حول قانونية بنود اتفاقيات إيفيان

نستنتج من هذه المواد أن إتفاقيات إيفيان تضمنت قيودا كثيرة لاتتناسب والتضحيات التي قدمها الجزائريون لكن المؤيدين لها أكدوا على أن هذه القيود قابلة للمراجعة في ظل الإستقلال وهو ما حدث بالفعل عندما استرجعت الجزائر استقلالها رسميا بعد الإستفتاء في جويلية 1962 حيث قامت في إطار السيادة بجملة من الإجراءات تستكمل من خلالها الإستقلال تمثلت في تأميم أراضي المعمرين والبنك الجزائري في سنة 1963 والمناجم في سنة 1966 ، وأخلت قاعدة المرسى الكبير سنة 1968 وأممت قطاع المحروقات في 1971.

وقف القتال و إعلان الإستقلال

دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في منتصف نهار 19 مارس 1962 وقد حاولت منظمة (OAS) القيام بعملياتها الإرهابية لدفع الثورة إلى إرتكاب الأخطاء من أجل عرقلة المسار الإستقلالي إلا أنها فشلت، وأجري استفتاء تقرير المصير يوم 01 جويلية 1962 وصوت فيه 97.3 %من الجزائريين لصالح الإستقلال وبعد يومين إعترفت فرنسا رسميا بإستقلال الجزائر وفي 05 جويلية 1962 أعلنت الجزائر إستقلالها رسميا وهكذا استرجعت الجزائر استقلالها بعد أن قدمت تضحيات جسام خلال ثورة التحرير الكبرى تمثلت
في استشهاد 1,5 مليون شهيد زيادة عن الجرحى والمعطوبين ( حوالي 150 ألف مجاهد ) واليتامى والمشردين والمصابين بالأمراض النفسية والعقلية لهول ما ارتكبته فرنسا من جرائم، أما القوات الفرنسية فقد خسرت حوالي 25 ألف قتيل و حوالي 63 الف جريح.

وخلاصة القول أن إصرار الشعب الجزائري على استقلاله وحريته وإستعداده لتقديم التضحيات الجسام في سبيل ذلك قد أوصله إلى هدفه بعد نضال شاق دام أكثر من سبع سنوات وبالتالي إستكملت الجزائر إستقلالها التام بفضل الله أولا و عونه.

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}

فرنسا الرسمية و الثورة الجزائرية الكبرى

فرنسا الرسمية و الثورة الجزائرية الكبرى


لم تكن فرنسا تتوقع ثورة عارمة لشعب طالما احتقرته واستعبدته لفترة زادت عن 132 سنة، ولم تكن مستعدة للتعامل بواقعية مع الثورة التي وضعت نصب أعينها الحرية أو الإستشهاد، هذا الإصرار من لدن الجزائريين هو الذي أفشل كل مخططات المستعمر الرامية إلى القضاء على الثورة وتصفيتها.

مواقف فرنسا من الثورة  

أ- موقف فرنسا من الثورة  (1954 - 1958) 

فوجئ المعمرون والسلطات الاستعمارية بالثورة، واصدر الحاكم العام "روجي ليونار" في اليوم التالي لاندلاعها بيانا يطمئن فيه الفرنسيين، ويتوعد من أسماهم ب "الخارجين عن القانون" الذين نفذوا العمليات بأشد العواقب، أما وزير الداخلية آنذاك فرانسوا متيران فقد صرح لجريدة لوموند قائلا إذا كان التفاوض ممكنا مع ثوار المغرب وتونس باعتبارهما دولتين بالمعنى القانوني
للكلمة فإن التفاوض مع جبهة التحرير في الجزائر هو السلاح، وراح رئيس وزراء فرنسا "منديس فرانس" يتهم الثورة بأنها خارجية، وصرح يوم 12 نوفمبر 1954 م بما يلي : "إن الجزائر هي فرنسا، ولن نتساهل عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن سلامة الجمهورية ".

وقد اتخذت حكومة منديس فرانس عدة إجراءات للقضاء على الثورة هي:

- فرض الإقامة الجبرية على من تشك فيهم.
- مراقبة حركة الجزائريين.
- حل حركة الانتصار والاتحاد الديمقراطي .
- شنت حملة قمع واسعة النطاق في الأوراس قادها العقيد "دوكونور" أسفرت في شهر نوفمبر وحده عن قتل أكثر من 4200 جزائري واعتقال الآلاف.
- ارتفاع عدد أفراد القوات المسلحة الفرنسية خلال اشهر قلائل من 49 ألف إلى قرابة 100 ألف.
- فرض حالة الطوارئ في الأوراس وبلاد القبائل ( 31 مارس 1955 )ثم في سائر القطر (أفريل 1955 م).
عجزت حكومة منديس فرانس عن القضاء على الثورة رغم وعودها المؤكدة  بتحقيق ذلك فسقطت في 4 فيفري 1955 ، بعدما عينت المجرم "جاكسوستيل" حاكما عاما جديداعلى الجزائر في 26 جانفي 1955 م. خلفتها حكومة "ادغار فور" التي قامت هي الأخرى بعدة إجراءات عسكرية للقضاء على ثورة نوفمبر وقد تمثلت هذه الإجراءات فيما يلي:
- أعلنت حالة الطوارئ في البلاد.
- استقدمت قوات إضافية .



لكن امتداد لهيب الثورة مع بداية 1956 م، افقد حكومة "فور" ثقة الناخب الفرنسي، فسقطت لتحل محلها في جانفي 1956 م حكومة  "غي موليه" التي حاولت هي الأخرى القضاء على الثورة التحريرية باتخاذها الإجراءات العسكرية التالية:

- عينت المجرم "لاكوست" وزيرا مقيما في الجزائر وأعطت للإدارة الفرنسية في الجزائر سلطات خاصة.
- عززت القوات المتواجدة في الجزائر حتى وصل عدد أفراد القوات الفرنسية في بلادنا الى 400.000 عسكري زيادة على ميليشيات المعمرين.
- أمر سوستيل بشن حملات عسكرية كبيرة على الأوراس و بلاد القبائل.

عجزت حكومة "غي موليه "عن التصدي للثورة فسقطت في 21 ماي 1957 خلفتها حكومة "بورجس مونوري" إلى غاية 30 سبتمبر 1957 م وتلتها حكومة "غايار" حتى 15 افريل 1958 م فحكومة "فليملن" إلى 28 ماي من نفس السنة ( 1958 )، وقد كان أهم عوامل سقوط هذه الحكومات جميعا هو إخفاقها في مواجهة الثورة التحريرية، وقد عمدت تلك الحكومات المتعاقبة إلى انتهاج
سياسات غاية في الشدة والوحشية والهمجية تمثلت فيما يلي:

- تدمير القرى والقمع والإيقاف الجماعي .
- إنشاء المناطق المحرمة .
- انتهاج سياسة الأرض المحروقة.
- التوسع في إنشاء مكاتب " الفرق الإدارية المختصة " (لاصاص) كما فعلت في فيتنام .
- ملء المعتقلات والسجون بالمواطنين بمعدل 30 ألف معتقل شهريا تقريبا .
- إكثار مكاتب المباحث و القتل و التعذيب.
- دمج العسكريين بقوات الأمن منذ أكتوبر 1956 م فضم جهاز الشرطة إلى الجيش، وجعل تحت قيادة السفاح ماسو (خاصة في عهد القائد العام سلان) المعين في ديسمبر 1957 ، وفي ذلك الإطار كلفت فرقة المظليين العاشرة بعد عودتها من حملة السويس "بتهدئة الوضع" في الجزائر العاصمة.
- إنشاء خطوط الأسلاك الشائكة الملغمة والمكهربة على الحدود مع تونس والمغرب وهي خط موريس في الشرق و بدء العمل فيه في جوان 1957 م وانتهى في جانفي 1958 م وخط آخر في الغرب (خط موريس) وذلك لمنع تسلل المجاهدين وإدخال الأسلحة عبر
الحدود بل إن القيادة الفرنسية فكرت بضرب جيش التحرير الوطني في كل من تونس والمغرب، وقد بلغ عدد القوات الفرنسية في نهاية هذه المرحلة 500 ألف عسكري و 400 ألف من البوليس والميليشيات تدعمهم آلاف المدافع والآليات وحوالي 600 طائرة حربية و 20 هليكوبتر، وبعد فشل كل المحاولات العسكرية لتطويق الثورة والقضاء عليها، أقدم بعض العسكريين المتطرفين في الجيش الفرنسي في ماي 1958 م على القيام بانقلاب عسكري أوصل ديغول إلى الحكم في فرنسا. 

ب- موقف فرنسا من الثورة في عهد ديغول (1958 - 1960) 

اعتمدت فرنسا الإستعمارية في عهد ديغول على مختلف الأساليب للقضاء على الثورة وتجسيد فكرة الجزائر فرنسية التي من أجلها حدث الإنقلاب الذي أوصل ديغول في ماي 1958 إلى الحكم وتأسيس الجمهورية الفرنسية الخامسة التي منح دستورها لرئيس الجمهورية صلاحيات واسعة تمكنه من تحقيق أطماع المعمرين في إخماد الثورة، وأبرز الأساليب التي اعتمدها ديغول للقضاء على الثورة هي: 

الأسلوب العسكري : 

- زيادة عدد القوات العسكرية حتى أصبحت في عام 1959 م مليون جندي ، مع الاستعانة بإمكانيات الحلف الأطلسي .
- الإكثار من مكاتب لاصاص، ومدارس التعذيب مثل مدرسة جون دارك بسكيكدة.
- تجنيد العديد من العملاء والحركة ووقوفهم بجانب فرنسا ضد إخوانهم الجزائريين.
- إقامة المناطق المحرمة والمراكز العسكرية .
- تشديد المراقبة على الحدود الجزائرية الشرقية والغربية عن طريق تدعيمها بالأسلاك الشائكة المكهربة.
- عزل جيش التحرير الوطني عن الشعب بتجميع هذا الأخير في محتشدات أقيمت بالقرب من مراكز العدو
- تكثيف العمليات العسكرية ضد الثوار الجزائريين مثل عملية"بريمر" (الضباب) بالقبائل في أكتوبر 1958 م، التي اشترك فيها أكثر من 10 ألاف جندي فرنسي يقودهم 14 جنرالا.
- إسناد قيادة الجيش الفرنسي إلى الجنرال "شال" خلفا للجنرال "سالان" في جانفي 1959 م، وقد قام هذا الأخير بوضع خطة عسكرية عرفت باسمه "خطة شال"و تتمثل في عمليات تمشيطية برية،بحرية وجوية وتسليط هذه العمليات على مناطق الثورة لتطهيرها من الثوار نهائيا .

وقد عرفت الجزائر في عهد ديغول العديد من العمليات مثل :

- عملية التاج في الولاية الخامسة في فيفري 1959 م شارك فيها أكثر من 30 ألف جندي فرنسي .
- عملية المنظار بالولاية الثالثة في جويلية 1959 م دامت 6 أشهر شارك فيها 70 ألف جندي فرنسي .
- عملية الأحجار الكريمة بالولاية الثانية في ديسمبر 1959 م، وشارك فيها 10 آلاف جندي. 

الأسلوب السياسي: 

في الوقت الذي كانت الجمهورية الفرنسية الخامسة بقيادة الجنرال ديغول تعمل على قمع الثورة الجزائرية بالقوة العسكرية، كانت تستعمل سلاحا آخر لإغراء الشعب و إبعاده عن ثورته، وأهم الإجراءات التي استعملتها هي :

-اعتماد الدعاية الكاذبة للحط من شأن الثورة وتغليط الرأي العام الوطني والدولي.
- تنظيم استفتاء عام على دستور الجمهورية الخامسة في 28 سبتمبر 1958 م حيث عوملت الجزائر كأرض
فرنسية وبالرغم من مقاطعة أغلبية الشعب الجزائري لهذا الاستفتاء ، فان الإدارة الفرنسية زيفت هذه العملية لإظهار الشعب بمظهر المؤيد لديغول وسياسته، وقد صرح ديغول مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الاستفتاء: " لقد أظهر الاقتراع على الدستور ثقة الجزائريين، ورغبتهم في البقاء مع فرنسا".
- عرض سلم الشجعان والحديث عن الشخصية الجزائرية وتقرير المصير، فقد صرح ديغول يوم 16 سبتمبر 1959 م :
" اعتمادا على جميع المعطيات الجزائرية الوطنية منها والدولية اعتبر أنه من الأهمية بمكان وجوب اللجوء إلى تقرير المصير ".
ويعتر هذا العرض مراوغة و خدعة أخرى من طرف ديغول خاصة وأنه وضع شروط تعجيزية لنجاح
استفتاء تقرير المصير مثل:

- إن الاستفتاء على تقرير المصير لن يتم إلا بعد مدة طويلة .
- عدم الإعتراف بجبهة التحرير الوطني كمفاوض وحيد، حيث رأى أن هناك قوة ثالثة يمكن التفاوض معها أيضا.
- تقسيم الجزائر إلى شمال وجنوب، وبالتالي إمكانية الاحتفاظ بالصحراء النفطية. 

الأسلوب الاقتصادي : 

بالإضافة إلى محاولة ديغول القضاء على الثورة عسكريا ثم سياسيا، لجأ إلى الأسلوب الاقتصادي عن طريق:

-الإعلان عن بعض المشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي تضمنها الخطاب الذي ألقاه ديغول بقسنطينة  13/05/1958 (مشروع قسنطينة) وتمثلت في:
 
- توزيع 250 ألف هكتار من الأراضي الزراعية على الفلاحين.
- إقامة قاعدة للصناعة الثقيلة وأخرى للصناعة الخفيفة.
- توظيف عددكبير من الجزائريين.
- بناء المدارس والمساكن ( 200 ألف مسكن)، ومراكز للصحة وغيرها من لتجهيزات .
والملاحظ أن ديغول من خلال هذا المشروع تجاهل الأسباب الحقيقية للثورة الجزائرية وزعم أنها أسباب قتصادية واجتماعية، وبالتالي يمكن القضاء عليها بتحسين المستوى الاقتصادي و الاجتماعي للشعب لجزائري، إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل بل كانت عاملا هاما في تصعيد العمليات الثورية ضد الوجود لإستعماري لإجباره على التعامل بواقعية مع القضية الجزائرية، وحتى الشعب الجزائري ورغم حاجته لملحة لهذه الإصلاحات للتخفيف من معاناته إلا أنه رفضها مبديا استعداده للتضحية بكل ما يملك في سبيل
تحقيق أهداف الثورة المتضمنة في بيان أول نوفمبر وهي الحرية والإستقلال وإقامة دولة ديمقراطية في طار المبادئ الإسلامية. 

تطور الموقف الدولي اتجاه الثورة الجزائرية: 

مع بداية الثورة الجزائرية، وقفت العديد من الدول موقف الحياد من القضية الجزائرية، بل لكثير منها أيدت فرنسا في أعمالها الوحشية، وبعد الانتصارات العديدة التي حققتها الثورة، تغيرت هذه لمواقف وكسبت الثورة تأييدا دوليا كبيرا خصوصا بعد تكوين الحكومة المؤقتة في سبتمبر 1958 م، وقد مثل هذا الموقف الدولي في:

 1- استقبال الوفد الجزائري استقبالا حارا في مؤتمر التضامن الإفريقي لأسيوي الذي انعقد بالقاهرة سنة 1958 م، وقد دعا المؤتمر إلى قيام مظاهرات شعبية في جميع البلاد لمشتركة فيه، لنصرة الجزائر وتعبئة الرأي العام العالمي لاستنكار السياسة الفرنسية في الجزائر، كما دعا لمؤتمر إلى الإعتراف الفوري باستقلال الجزائر، وإلى إجراء مفاوضات بين فرنسا و جبهة التحرير لوطني.
-2 شاركت جبهة التحرير الوطني في مؤتمر أكرا للدول الإفريقية الحرة عام 1958 م ولقيت تأييدا من لمؤتمر لقضية استقلال الجزائر، ووعدت الدول الإفريقية بتقديم المساعدات المختلفة للجزائر.
-3 إسراع العديد من الدول الصديقة والشقيقة إلى الإعتراف بالحكومة المؤقتة عند تأسيسها في سبتمبر1958 مثل : الدول الشيوعية، والدول العربية وكذلك غانا، غينيا، مالي،يوغسلافيا. ولم تكتف الصين لشعبية بالاعتراف بالحكومة المؤقتة فقط بل دعت وفدا من الحكومة المؤقتة لزيارة الصين، وأثناء هذه لزيارة أعلن نائب رئيس الوزراء الصيني أنه في وسع الشعب الجزائري أن يعتمد في الأيام التالية على أييد 650 مليون من الصينيين تأييدا مطلقا.
-4 إقامة مكاتب لجبهة التحرير الوطني في الكثير من عواصم الدول.
وأخيرا أصبحت القضية الجزائرية تطرح باستمرار في جلسات الأمم المتحدة، والتي بدأت تلح على لإعتراف بحق الشعب الجزائري في الإستقلال،ودعت في نفس الوقت على ضرورة قيام مفاوضات بين لحكومة الفرنسية والحكومة الجزائرية المؤقتة.

خلاصة 

 استعملت الجمهورية الخامسة وعلى رأسها ديغول كل الأساليب للاحتفاظ بالجزائر، إلا أنها لم تنجح تحت ضغط الثورة الجزائرية والتفاف الشعب حولها وسلمت في النهاية بضرورة استقلال الجزائرهذا الاستقلال الذي ضحى من أجله مليون و نصف مليون شهيد.

الثورة الجزائرية التحريرية الكبرى

الثورة الجزائرية التحريرية الكبرى


كانت ثورة نوفمبر 1954 تتويجا للحركات المناهضة للمستعمر منذ وطأت أقدامه أرض الجزائر في 1830 ، وقد توفرت بعد الحرب العالمية الثانية ظروف وعوامل عجلت بقيام الثورة في مقدمتها أحداث 08 ماي 1945 ، التي ذهب ضحيتها 45 ألف شهيد من أبناء الجزائر العزل، والتي عملت بدورها على تنشيط الحركة الوطنية ولا سيما المناضلين الشباب في حزب الشعب الجزائري المحل منذ أكتوبر 1939 ،أولئك الذين عمدوا إلى تشكيل التنظيمات السرية حتى انتهت بميلاد جبهة التحرير الوطني واندلاع ثورة  نوفمبر  1954. 

ظروف وأسباب قيام الثورة محليا ودوليا: 


الظروف والأسباب المحلية: 

  • الوجود الاستعماري وفقدان السيادة الوطنية، وما ترتب عنهما من ضياع كافة الحقوق السياسية.
  • محاولات القضاء على مقومات الشخصية الجزائرية، كالدين الإسلامي واللغة العربية والأخلاق السامية، حتى لقد اعتبرت اللغة العربية لغة أجنبية، وبلغت نسبة الأمية 86%.
  • نهب الموارد الطبيعية، ومصادرة الأراضي الزراعية لصالح المعمرين ،فانتزعت بذلك مصادر رزق الجزائريين.
  • تدهور الدخل ومستويات المعيشة حتى غدت الأدنى على مستوى العالم كله، وانتشار الأمراض نتيجة سوء التغذية، وانعدام الرعاية الصحية.
  • انتشار البطالة التي مست معظم الجزائريين، وانخفاض المداخيل نتيجة انخفاض الأجور، خاصة في الأرياف.
  • التوزيع غير العادل لمختلف المنشآت الاجتماعية والوحدات الصناعية، حيث نجد أن 51 % من هذه الوحدات متمركزة في الجزائر الوسطى و 25 % في المنطقة الشرقية و 20 % في المنطقة الغربية ومعظمها أقيمت في المناطق التي يسكنها المستوطنون الأوربيون.
  • تبلور الاتجاه الاستقلالي و تجذره منذ مجازر 08 ماي 1945 م. 
أما السبب المباشر الذي عجل باندلاع الثورة فهو : 

أزمة حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية MTLD : 

بحلول سنة 1951 م بدأت الخلافات داخل حزب حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية ،حيث طرح موضوع التدريب العسكري لبعض مناضلي الحزب في المدرسة العسكرية بالقاهرة، وهو ما لم تهتم به اللجنة المركزية للحزب، فشعر مصالي الحاج باهتزاز مكانته فكان ذلك مؤشرا لبداية الخلاف بينه وبين اللجنة المركزية ليظهر الاختلاف جليافي أبريل 1953 م وعلانية أثناء انعقاد المؤتمر الثاني لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية،في غياب زعيم الحزب ولم يكن هذه المرة سريا ، ليتوج بقرارات أهمها إقرار مبدأ الجماعة في القرار والتسيير، وسيادة رأي الأغلبية على الأقلية، مهما كان مركزها وما ضيها، حينها أحس بشيء غير عاد، فسره بأنه عملية (Niorth) رئيس الحزب مصالي الحاج وهو تحت الإقامة الجبرية بنيورث تستهدفه شخصيا،حينئذ دبت الفرقة داخل الحزب، وبرزت ثلاثة تيارات:

التيار الاول: يمثله الرئيس ومناصروه، إضافة إلى عنصرين من اللجنة المركزية هما :احمد مزغنة، مولاي مرباح وأصبح يطلق عليهم اسم " المصاليون" يرفضون مبدأ القيادة الجماعية ويكرسون الزعامة الفردية لمصالي الحاج مدى الحياة.
التيار الثاني: يمثله معظم أعضاء اللجنة المركزية (حوالي 27 عضوا) أصبح يطلق عليهم "المركزيون" يصرون على مبدأ القيادة الجماعية، و رأي وقرار الأغلبية، وتنفيذ الجميع.
التيار الثالث: يمثله مجموعة من الشباب الثوري و الأعضاء في المنظمة السرية سابقا والذين كان منهم الكثير من المتابعين من طرف سلطات الإحتلال، ولم يعد قانعا بالممارسات العقيمة للحزب، ورافضا البقاء أسيرا للصراع الثنائي القائم أي الصراع بين المصاليين والمركزيين.

وفي 1954 احتدم الصراع بين الجناحين أكثر،حين عقد المصاليون مؤتمرا استثنائيا في شهر جويلية 1954 م ببلجيكا توج بإعادة هيكلة الحزب، حسب نظرة مصالي إليه، وطرد البعض من أعضائه.فرد المركزيون بعقد مؤتمر في الجزائر العاصمة في شهر أوت 1954 م وانتهى بالإجماع على إلغاء منصب رئيس الحزب أي طرد مصالي الحاج منه كلية، وتجدر الإشارة إليه أن كلا الاتجاهين السابقين كان يريان أن أوان الثورة لم يحن بعد. 

ظهور اللجنة الثورية للوحدة والعمل 


في مواجهة هذين الخطين برز تيار ثالث من أنصار المنظمة الخاصة حاولوا التوفيق بين المصاليين و المركزيين، ولم يفلحوا.  فعقدوا مؤتمرا لهم في 23 مارس 1954 م نتج عنه تشكيل " اللجنة الثورية للوحدة والعمل" CRUA بهدف التأليف بين سائر الوطنيين الجزائريين والتمهيد للثورة المسلحة.

وفي 25 جوان 1954 عقدت اللجنة الثورية اجتماعا في المدنية بالعاصمة تحت إشراف مصطفى بن بولعيد، أسفر عن انتخاب هيئة تنفيذية ضمت ستة أعضاء هم: مصطفى بن بولعيد- محمد بوضياف، - مراد ديدوش- العربي بن مهيدي - رابح بيطاط - كريم بلقلسم.  إضافة إلى ثلاثة كانوا بالخارج هم : أحمد بن بلة - آيت احمد الحسين – محمد خيضر.

وفي 10 أكتوبر 1954 م اجتمعت لجنة الست في لابوانت بالعاصمة وقرروا تقسيم البلاد إلى خمس مناطق عسكرية وتعيين مسؤوليها ونوابهم كالآتي: 
  • الولاية الأولى: الاوراس على رأسها مصطفي بن بولعيد ونوابه شيهاني بشير، طاهر نويشي،لغرور عباس.
  • الولاية الثانية :شمال قسنطينة على رأسها مراد ديدوش ونوابه زيغوت يوسف والاخضر بن طوبال.
  • الولاية الثالثة:القبائل الكبرى على رأسها كريم بلقلسم ونوابه عمر اوعمران، زعموم، محمد السعيد.
  • الولاية الرابعة : الجزائر وضواحيها على رأسها رابح بيطاط ونوابه سويداني بوجمعة واحمد بوشعيب.
  • الولاية الخامسة: وهران ونواحيها على رأسها العربي بن مهيدي ونوابه بن عبد الملك رمضان وعبد الحفيظ بوصوف.
أما الصحراء فظلت تابعة للولاية الأولى حتى سنة 1956 م. وفي 23 اكتوبر عقدت لجنة الست اجتماعا آخر ببلدية الرايس حميدو (بوانت بيسكاد سابقا) بغرب العاصمة نتج عنه مايلي : 
  • تغيير اسم اللجنة الثورية للوحدة والعمل إلى اسم "جبهة التحرير الوطني" وتأسيس "جيش التحرير الوطني"
  • تحديد تاريخ ويوم وساعة اندلاع الثورة المسلحة.
  • إعداد البيان الأول لجبهة التحرير الوطني "بيان أول نوفمبر" الذي حدد
  • وضبط سير الثورة ومبادئها وأهدافها المتمثلة في الاستقلال الوطني الذي هو الهدف الأساسي.
  • تجنيد الشعب وراء جبهة التحرير الوطني .
  • تدويل القضية الجزائرية.
  • وضع ضوابط وشروط للتفاوض، ووقف القتال عند اللزوم.

لماذا أول نوفمبر 1954؟ 

اختير يوم الاثنين على الساعة صفر من أول نوفمبر 1954 لتفجير الثورة للأسباب التالية:
  1.  لأنه عيد القديسين،حيث يمارس فيه المسيحيون الطقوس الدينية، و تسلم رخص للجنود و الشرطة ورجال الدرك للاحتفال به.
  2.  يعد يوم تفاؤل وتيمن، بالنسبة للمسلمين لأنه يناسب يوم الاثنين، اليوم الذي ولد فيه الرسول عليه الصلاة و السلام سنة 571 م 

الظروف الدولية التي ساعدت على اندلاع الثورة 

  • انتشار المد الثوري التحرري، لاسيما في شمالي إفريقيا و الهند الصينية ممثلا في قيام الثورة المصرية سنة 1952 م، واستقلال ليبيا وتصاعد قوة الحركة الوطنية في كل من المغرب وتونس و انتصار شعب الفيتنام على فرنسا في معركة ديان بيان فو بقيادة الجنرال جياب سنة 1954 م.
  •  تراجع مكانة فرنسا الدولية وقوتها العسكرية.
  •  وجود قادة من الشباب الجزائري الذي قاتل أثناء الحرب العالمية الثانية وفي الهند الصينية واكتسب خبرة شجعته على السير في طريق الثورة. 

بيان أول نوفمبر 1954

 جاء في بيان أول نوفمبر ما يلي :

"... إننا نعتبر أن الشعب الجزائري، في أوضاعه الداخلية متحد حول قضية الاستقلال والعمل، أما في الأوضاع الخارجية، فان الانفراج الدولي مناسب لتسوية بعض المشاكل الثانوية التي من بينها قضيتنا التي تجد سندها الدبلوماسي خاصة من طرف إخواننا العرب والمسلمين.إن أحداث المغرب وتونس لها دلالتها في هذا الصدد، فهي تمثل بعمق مراحل الكفاح التحرري في شمال إفريقيا. ومما يلاحظ في هذا الميدان أننا منذ مدة طويلة كنا أول الداعين إلى الوحدة في العمل، الوحدة التي لم يتح لها مع الأسف التحقق مع الأقطار الثلاثة.
إن كل واحد منها قد اندفع في هذا السبيل، أما نحن الذين بقينا في مؤخرة الركب فإننا نتعرض إلى مصير من تجاوزته الأحداث.  إن الوقت قد حان لإخراج الحركة الوطنية من المأزق الذي أوقعها فيه صراع الأشخاص والتأثيرات لدفعها إلى المعركة الحقيقية الثورية إلى جانب إخواننا المغاربة والتونسيين ... ولكي نبين بوضوح هدفنا فإننا نسطر فيما يلي الخطوط العريضة لبرنامجنا السياسي. 

هدف الثورة : 

الاستقلال الوطني بواسطة إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية.

مراحل الثورة التحريرية الكبرى :  

مراحل الثورة الكبرى :

مرت الثورة التحريرية بثلاث مراحل هي :

أ- مرحلة الانطلاق (1954 - 1956)
في ليلة الواحد من نوفمبر 1954 م انطلقت الثورة في مختلف جهات الوطن. وفي نفس الوقت مستهدفة مراكز الشرطة وأماكن تواجد القوات و المصالح الاستعمارية ، تتراوح تقديرات المراجع لها مابين 30 الى 70 هجوما، وقد تميزت هذه الانطلاقة بما يلي:

الوحدة الزمنية: انطلاق الثورة في كامل التراب الوطني حتى تعرف فرنسا والعالم بان العملية ليست عملية عشوائية ، بل منظمة ووطنية.
الشمولية: أي أنها لم تقتصر على منطقة دون أخرى من الوطن بل شملت معظم جهات الوطن كما يظهر ذلك من خلال الرسم التوضيحي أدناه.
الثورة الجزائرية التحريرية الكبرى
المزج بين الكفاح المسلح و السياسي: إذ ما انطلقت الثورة حتى نشر بيان أول نوفمبر، الذي حدد و ضبط سير الثورة ومبادئها حيث وزع في الداخل وأذيع من إذاعة القاهرة، معلنا ميلاد الثورة وموضحا أسبابها وأهدافها. واصدر جيش التحرير الوطني (الذراع المسلح للجبهة) بيانا يدعو فيه الجزائريين إلى الالتحاق بالثورة.

التطور العسكري : 

بدأت الثورة بما يتراوح بين 2000 و 3000 مجاهد وانتشر مسئولوها عبر الوطن يشرحون للشعب قضيتها. فبدأ المتطوعون يلتحقون بالجبال ألوفا مع أسلحتهم التي كانت في الغالب بنادق صيد قديمة. وانضم إلى الثورة العسكريون القدامى والمجندون في الجيش الفرنسي بعدما هربوا بأسلحتهم وذخائرهم. والتحق بها أيضا جمع من الإطارات كالأطباء والأساتذة والمحامين فضلا عن التجار والفلاحين والنساء والأطفال ،حتى ارتفع عدد المجاهدين في آخر هذه المرحلة إلى 40000 مجاهد، والملاحظ هو أن الثورة عند اندلاعها وبفعل السرية التامة التي التزم بها القادة جعلت الكثير يترددون في اتخاذ الموقف منها بفعل الدعاية المغرضة للمستعمر الذي كان يصف الثورة بكل الأوصاف المشينة، لكن بمجرد اطلاعهم على أهدافها الحقيقية سارعوا إلى الإلتحاق بها لدرجة أن قادة جيش التحرير الوطني وجدوا صعوبة في تأطير هذا العدد الكبير من المتطوعين الذي أكد مقولة العربي بن مهيدي " القوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب"ردا على بعض المترددين من أن الثورة لن تجد تجاوبا من الشعب الجزائري،وقد واجهت الثورة عند اندلاعها مشاكل خطيرة إلا أن إرادة الشعب الجزائري وتصميمه على انتزاع حريته مكنه من تجاوز هذه المشاكل. 

المشاكل التي واجهت الثورة في بدايتها 

المشاكل التي واجهت الثورة في شهورها الأولى هي:

  • ندرة السلاح.
  • انحصار مجال الجهاد أساسا في الاوراس الذي حشد الاستعمار قوات كبيرة لحصاره وتصفية المجاهدين فيه ولمواجهة هذا التحدي قررت قيادة الثورة الشروع في هجوم كبير في منطقة الشمال القسنطيني قاده البطل زيغوت يوسف من 20 إلى 27 أوت 1955 م.
  • الدعاية المغرضة للمستعمر.
  • تردد الشعب الجزائري في احتضان الثورة.

 أحداث 20 اوت 1955 (يوم المجاهد)

لم تكن الهجومات على الشمال القسنطيني عملا ارتجاليا بل تم التحضير لها وتحديد تاريخها والإتفاق على طريقة تنفيذها والأهداف المتوخاة من ورائها وعقد لهذا الغرض أول اجتماع دعي إليه المجاهد زيغود يوسف في الفترة ما بين 25 جوان و أول جويلية 1955 في ضواحي " الرمان" المسمى بالحدائق بسكيكدة وحضره مائة من المجاهدين أعضاء المنطقة الثانية منهم:الأخضر بن طوبال، مصطفى عمار بن عودة، علي كافي ،محمد الصالح ميهوب وبوضربة عمار أما فيما يخص تسيير العمليات فقد اتفق أن تستمر ثلاثة أيام.
في اليوم الأول: 20 اوت 1955 يكون الهجوم على المدن جيشا وشعبا.
في اليوم الثاني: 21 اوت 1955 يأتي الاستعمار لحماية المدن وتدعيم المراكز العسكرية فالتصدي له يكون عن طريق الكمائن في كل الطرقات لضربه وحماية مراكز جيش التحرير بالإضافة إلى كسب السلاح من عمليات تلك الكمائن.
 في اليوم الثالث: 22 أوت 1955 تنفيذ حكم الإعدام على كل الخونة في المدن. وتم كذلك في هذا الاجتماع تحديد أماكن وأهداف العمليات فاختير 40 هدفا، في المدن والقرى قام جيش التحرير الوطني بمساندة الشعب بعدة عمليات ناجحة في الشمال القسنطيني خلال الفترة الممتدة بين 20 إلى 27 أوت 1955 بقيادة زيغود يوسف، واستهدفت الثكنات العسكرية ومراكز الشرطة و الدرك والمعمرين و المصالح الاقتصادية الفرنسية.

الأهداف من هذه العمليات

أهداف أحداث 20 أوت 1955 م:

أ - الأهداف الداخلية

- فك الحصار العسكري المضروب على بعض المناطق خاصة المنطقة الأولى (منطقةالأوراس).
- تحطيم أسطورة الجيش الفرنسي الذي لايقهر.
- ترسيخ الثقة في نفوس المجاهدين و الشعب .
- تنشيط عمل جيش التحرير الوطني. البطل الشهيد زيغوت يوسف
- تفنيد الدعاية الكاذبة التي بثتها فرنسا في أوساط الشعب الجزائري على أنها تمكنت من القضاء على الثورة.
- توسيع العمليات العسكرية لتشتيت صفوف العدو وتوسيع نطاق الثورة.

ب- الأهداف الخارجية

- تأكيد التضامن الفعال مع الشعب المغربي الشقيق إذ أنها جاءت في الذكرى الثانية لنفي السلطان محمد الخامس إلى جزيرة مدغشقر.
- لفت أنظار العالم قبل انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخاصة أن الكتلة الأسيوية الإفريقية في مؤتمر باندونغ قررت لأول مرة عرض القضية الجزائرية على الأمم المتحدة وفكرت القيادة في الداخل بأن تقوم بعمل عسكري لأن العمل الداخلي يكون سندا للممثلين في الخارج.
- إشعار العالم بقوة الثورة .
- إقناع الرأي العام الفرنسي، والرأي العام العالمي بان الشعب الجزائري قد تبنى ودعم جبهة التحرير
الوطني وهو مستعد لتحرير البلاد مهما كان الثمن والتضحيات.
- دحض الدعاية الإستعمارية الكاذبة من أن فرنسا تتحكم في الوضع.
- كسب الدعم الدبلوماسي والعسكري للثورة.

نتائجها 

رغم ما ترتب عن تلك الهجومات من مجازر نظمها المستعمر كما أكدها أحد جلادي الإستعمار آنذاك (أوساريس) ومضاعفة عدد عناصر العدو إلى أكثر من 400 ألف عسكري تم استقدامهم بعد انسحاب المستعمر من فيتنام بعد اتفاقيات جنيف إلا ان هذه الهجومات كانت لها نتائج إيجابية على مستقبل الثورة أهمها ما يلي:
أ- حققت الأهداف المرسومة لها عسكريا، سياسيا و إعلاميا.
ب- خففت الحصار المضروب على منطقة الاوراس .
ج- ازداد تلاحم الشعب بالمجاهدين.
د- غيرت نظرة الفرنسيين للمجاهدين، فبعد أن كانوا ينعتونهم ب "الفلاقة" و"قطاع الطرق" و "الخارجين عن
القانون" أصبحوا يسمونهم ثوارا.
ه - بعثت النشاط في العمل المسلح.
و– كسب المزيد من الدعم من الدول الصديقة والشقيقة.
ن- عملت على رفع صوت الثورة عاليا، وأشعرت العالم أن ما يجري في الجزائر هو ثورة حقيقية.  ونوقشت القضية الجزائرية في المحافل الدولية وراحت تحقق الانتصارات المتتالية. 

موقف السلطات الفرنسية من هذه الهجمات 

كان رد العدو وحشيا إذ قام بحملة قمع و تنكيل واسعة ضد السكان أدت إلى استشهاد أكثر من عشرين ألف جزائري منهم 1500 في مدينة سكيكدة لوحدها. 

صمود الثورة واستمرارها 

رغم مضاعفة العدو لقواته وتصعيده حملات بطشه، فقد تواصل الكفاح وانتصرت الثورة في مواجهات كثيرة كمعركة الجرف في ابريل 1956 حينما نصب المجاهدون في جبال النمامشة كمينا لقوات فرنسية كبيرة، قتلوا فيه 374 عسكريا و جرحوا المئات كما أسقطوا 6 طائرات عمودية، وطائرة مطاردة مقابل 8 شهداء . ونفذت الثورة عملية بالسترو (الاخضرية) يوم 18 ماي 1956 م قتل فيها 19 فرنسيا، وأحبطت عملية " الطائر الأزرق" التي انتهت بالتحاق 400 مسلح جزائري بالجهاد عشية مؤتمر الصومام بعد قتلهم ل 500 عسكري فرنسي وعميل.

التطور السياسي بعد أحداث 20 أوت 1955

 عجزت حكومة منديس فرانس على القضاء على الثورة رغم وعودها المؤكدة بتحقيق ذلك، فسقطت في 4 فبراير 1955 م بعدما عينت المجرم "جاك سوستيل" حاكما عاما جديدا على الجزائر في 26 جانفي 1955 م وخلفتها حكومة ادغارفور التي أعلنت حالةالطوارئ في البلاد، واستقدمت قوات إضافية.  ولكن امتداد لهيب الثورة مع أواخر 1955 وبداية 1956 أفقدحكومة فور ثقة الناخب الفرنسي، فسقطت لتحل محلها في جانفي 1956 م حكومة "غي موليه" الاشتراكي الذي أخذ في البحث عن الصيغة الملائمة لتنفيذ ما وعد به ناخبيه (العمل على استتباب السلم في الجزائر).
فعين في 6 فيفري 1956 المجرم "روبير لاكوست" وزيرا مقيما في الجزائر، وأعطى للإدارة الفرنسية في الجزائر سلطات خاصة، وعزز القوات المتواجدة بها حتى وصل عدد أفراد القوات الفرنسية في بلادنا إلى 400000 عسكري زيادة على ميليشيات المعمرين، وأمر سوستيل بشن حملات عسكرية كبيرة على الاوراس وبلاد القبائل.
ورغم هذه الإجراءات الشديدة، لم يتوان الشعب عن الالتفاف حول الثورة فانضم كثير من مناضلي الحركات الأخرى إليها. فالتحق فرحات عباس بجبهة التحرير الوطني بالقاهرة يوم 22 افريل 1956 م، كما انضمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و تأسس الاتحاد العام للعمال الجزائريين في 24 فبراير 1956 وتتالت استقالات الموظفين والنواب الجزائريين في المجالس المختلفة، مما أجبر السلطات الفرنسية على حل "المجلس الجزائري" في 12 أفريل 1956 . وتتابعت المكاسب في نفس السنة بإضراب الطلبة في 19 ماي 1956 وإنشاء اتحاد الطلبة المسلمين في 02 جويلية والإضراب الوطني في نفس الشهر و تأسيس اتحاد التجار والحرفيين في سبتمبر.

مرحلة التنظيم و الشمول ( 1956 م- 1958 م):

من أهم الأحداث التاريخية في هذه المرحلة هو انعقاد مؤتمر الصومام .
مؤتمر الصومام ونتائجه : هو أول مؤتمر لجبهة التحرير الوطني ، انعقد بالقرب من آقبو (بجاية) بوادي الصومام في 20 أوت 1956 م في الذكرى الأولى لهجوم الشمال القسنطيني، وفي منطقة زعم الاستعمار السيطرة عليها.
الهدف من انعقاد مؤتمر الصومام هو دراسة أوضاع الثورة بعد مرور عامين على اندلاعها، وتطوير أجهزتها السياسية والعسكرية وبلورة إيديولوجيتها. وقد تولى رئاسة أشغال المؤتمر كل من العربي بن مهيدي وعبان رمضان . 

أهم التنظيمات والأجهزة التي انبثقت عن المؤتمر

 تمخض عن مؤتمر الصومام عدة قرارات تنظيمية في المجالين السياسي والعسكري.

أ-التنظيمات السياسية:

المجلس الوطني للثورة الجزائرية CNRA

يعد الهيئة العليا للثورة وهو بمثابة برلمان الثورة ، تمثلت فيه كافة التيارات باستثناء الشيوعيين وضم 30 عضوا نصفهم دائم و هم:
آيت احمد الحسين، فرحات عباس، أحمد بن بلة، عبان رمضان، مصطفى بن بولعيد، يوسف بن خدة، العربي بن مهيدي، رابح بيطاط، محمد بوضياف، سعد دحلب، محمد خيضر، كريم بلقاسم، احمد توفيق المدني، زيغوت يوسف، محمد الامين دباغين، و 15 عضوا مساعدا وهم : عبد الحميد مهري، بومدين، محمد بن يحي، عمارة العسكري، بن عودة ،بن طوبال، بوصوف، محمد الشريف، سليمان دهيليس، أحمد فرنسيس، العموري، احمد محساس، علي ملاح، ابراهيم مزهودي والطيب الثعالبي)
وكان المجلس يعقد اجتماعه في الخارج، فجرت دورته الأولى عام 1957 م في القاهرة والثانية بين ديسمبر1959 وجانفي 1960 في طرابلس والثالثة خلال فيفري 1962 بتونس.وتتمثل مهام المجلس في:
- توجيه سياسة جبهة التحرير الداخلية و الخارجية.
- هو الهيئة الوحيدة التي لها الحق في أن تتخذ ما تشاء من القرارات الحاسمة التي تتعلق بمستقبل البلاد.
- هو صاحب الحق في إصدار الأمر بوقف إطلاق النار أو مواصلة الحرب.
لجنة التنسيق والتنفيذ CCE  : تمثل السلطة التنفيذية للثورة، تتكون من 5 أعضاء وهم في البداية:
العربي بن مهيدي –يوسف بن خدة – كريم بلقاسم – عبان رمضان – سعد دحلب ، كان على رأسها العربي بن مهيدي وهي مسؤولة أمام المجلس الوطني للثورة الجزائرية، وتتمثل مهامها فيما يلي :
- تنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس الوطني للثورة الجزائرية وهي مسؤولة أمامه.
- التنسيق بين الولايات، والتنسيق بين الداخل والخارج،مارست نشاطها في البداية على ارض الوطن، ثم اضطرت في جويلية 1957 م إلى النزوح للخارج بعد استشهاد العربي بن مهيدي واعتقال قادة الخارج في 22 اكتوبر 1956 م.

ب -التنظيمات العسكرية :

تمثلت التنظيمات العسكرية فيما يلي :

 تأسيس ست ( 06 ) ولايات حربية: تقسيم التراب الوطني إلى ست ( 06 ) ولايات عسكرية (لاحظ الخريطة) على راس كل منها عقيد له أربعة نواب برتبة رائد وتنقسم كل ولاية إلى مناطق وكل منطقة إلى نواحي وكل ناحية إلى أقسام ودوائر.


تنظيم جيش التحرير الوطني : إنشاء هيئة أركان له، ومجموعة مصالح عسكرية مختصة بالشؤون الحربية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وقسم الجيش كما يلي :

-1 المجاهدون : يمارسون العمل الحربي بالزي العسكري .
-2 المسبلون والفدائيون : يمارسون العمل الحربي بالزى المدني، ومهامهم تتمثل في تنظيم العمليات الفدائية و تزويد الجيش بالمعلومات والأخبار ومختلف الخدمات

تنظيم الجيش في وحدات وهي :
- نصف الفوج : 5 جنود. - الفوج: 11 جنديا - الفرقة : 35 جنديا - الكتيبة: 110 جنديا - الفيلق: 350 جنديا.

نتائج مؤتمر الصومام

مكن الثورة من وضع جهاز تنظيمي شامل سياسيا وعسكريا.
 بلور المسار الثوري لدى الرأي العام الداخلي والخارجي.
 أعطى دفعا قويا مجددا للثورة.
شكل لنتصارا سياسيا حاسما.
مكن م سد الثغرات التي عانتها الثورة منذ اندلاعها.

تطور الثورة من 1956 - 1958 


ازدادت بفعل مؤتمر الصومام الثورة تماسكا و تنظيما و امتدت لتشمل سائر مناطق البلاد بما فيها الصحراء. وعمد جيش التحرير إلى تشجيع الفلاحين على زيادة إنتاجهم لسد حاجة الثورة، كما عمل على فتح المدارس وإقامة المشافي وتقديم العون للاجئين والمنكوبين .
وكان تركيز الثورة في هذه المرحلة منصبا على أربعة جبهات هي :

أ- مواصلة الجهاد على الجبهة التقليدية فحقق المجاهدون سلسلة انتصارات في معارك نذكر منها معركة ( جبل العمور(أكتوبر 1956 ) والقل (ماي 1957 ) وبوزقزة (اوت 1957 ) وتيغرين-آقبو (أكتوبر 1957 وتيميمون (نوفمبر 1957 ) وجبل الخيفة (مارس 1958 ) وعنابة ( 1958 ) التي واجه فيها 60 مجاهدا آلاف العسكريين الفرنسيين قتلوا منهم عدة مئات وأسقطوا 03 طائرات مقابل 33 شهيدا، هذا وقامت فرنسا في 22 أكتوبر 1956 م بتحويل طائرة الخطوط الجوية المغربية التي كانت في رحلة من المغرب إلى تونس واختطفت من كان على متنها من قادة الثورة وهم : بن بلة وآيت احمد وبوضياف وخيضر، ظنا منها أنها بقرصنتها هذه تستطيع أن تقضي على الثورة لكن ذلك لم يؤثر أبدا في مسيرة الثورة التي ظهر طابعها الشعبي جليا وكان في مقدورها أن تنجب الآلاف من القادة بفعل تصميم الشعب الجزائري على الحرية والإستقلال، ورد المغاربة على ذلك بقتل عدد من الفرنسيين في مدينة مكناس، ومحاولة من فرنسا ضرب الخطوط الخلفية للثورة قامت في 08 فيفري 1958 م بغارات عدوانية على ساقية سيدي يوسف الواقعة على الحدود التونسية ، فأوقعت أكثر من 100 قتيل من المدنيين العزل وذلك بحجة الرد على إطلاق نار مزعوم على طائرتها .
ب -استخدام العاصمة ميدانا للتحرك الثوري بمضاعفة الأعمال الفدائية فيها، وبلغت ذروتها خلال الشهور السبعة الأولى من عام 1957 م وفي خضمها اعتقل وأعدم الشهيد العربي بن مهيدي في مارس 1957 م .
ج- إبراز الكيان السياسي للثورة على المسرح الدولي للحصول على مكانة تليق بدولة وتمكنت الثورة من إيصال صوتها وقضيتها إلى أحرار العالم والى المحافل الدولية، فتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحادية عشر في 17 فيفري 1957 م والثانية عشر في 13 ديسمبر 1957 م توصيات بالبحث عن حل سلمي و ديمقراطي وعادل للقضية الجزائرية.

وشاركت جبهة التحرير الوطني في مؤتمر طنجة بالمغرب الأقصى من 27 إلى 3 افريل 1958 م إلى جانب حزب الاستقلال (المغرب) والحزب الدستوري (تونس) وحازت على تأييد المؤتمرين لمبدأ تشكيل حكومة جزائرية مؤقتة .
د- العمل السياسي في داخل فرنسا لاستقطاب جاليتنا هناك و كسب تعاطف الجهات التقدمية الفرنسية.

مرحلة حرب الإبادة  (1958 - 1960)

بمرور الزمن تكرس عجز المستعمر عن تصفية الثورة الجزائرية، وشرعت الأطراف الفرنسية المختلفة ( الجيش – الحكومة – المعمرون – الأحزاب ...) تحمل بعضها بعضا مسؤولية ذلك الإخفاق وفي 13 ماي 1958 م قاد الجنرالان صالان وماسو حركة انقلاب عسكري على حكومة فرنسا وطالبا بتسليم السلطة إلى ديغول . فقام البرلمان الفرنسي باستدعاء الجنرال المتقاعد و قلده السلطة في 01 جوان 1958 م واشترط ديغول القيام بتعديلات دستورية هامة تخول رئيس الجمهورية سلطات واسعة فانهارت بذلك الجمهورية الرابعة وقامت الجمهورية الخامسة. 

سياسة ديغول اتجاه الثورة

 ظن ديغول أنه باستطاعته حل المسالة الجزائرية بتسوية سياسة تكرس شعار "الجزائر فرنسية " ولاتراعي مطالب الجزائريين بالاستقلال. وعمد لتحقيق ذلك بإنتهاج وسيلة الضغط العسكري الشديد للقضاء على الثورة، وقد مرت سياسة ديغول اتجاه الثورة بمرحلتين هما :

مرحلة الحلول الجذرية " الاستئصالية" من 1958 إلى مطلع 1961

تركزت حول محورين أولهما أساسي والآخر ثانوي أو مكمل وهما :

محور حرب الإبادة :

عمد ديغول إلى تعيين الجنرال شال في 12 ديسمبر 1958 م رئيسا للأركان خلفا لصالان، والى تصعيد الإجراءات العسكرية ضد الشعب الجزائري وثورته مستعملا أساليب جهنمية جديدة تتناسب واستراتيجية السياسة العسكرية وقد تمثلت فيما يلي:

أ - وضع وتطبيق مخطط شال المتضمن القيام بعمليات واسعة تشارك فيها قوات كبيرة ضد مناطق مختارة، تمشط و تدمر بنيتها التحتية، ثم تشق فيها الطرق وتقام التحصينات لوضعها تحت الرقابة التامة وهكذا عرفت هذه المرحلة عمليات إبادة وحشية نذكر منها:

- عملية الشرارة في جبال الحضنة في جويلية 1959 م.
- عملية المنظار في جرجرة من جويلية إلى نوفمبر 1959 م.
- عملية الأحجار الكريمة في الشمال القسنطيني في جويلية 1959 م.
- عملية ماراتون في شهر افريل 1960 ضد الأراضي التونسية بحجة ضرب وحدات جيش التحرير.
- عملية المحس في جبال الضاية من افريل إلى ماي 1960 م.
- عملية بروميثيوس في الجنوب الوهراني من ماي إلى سبتمبر 1960 م.
- عملية الزير في الونشريس من جويلية إلى أوت 1960 م.

ب- مواصلة تطويق الحدود الجزائرية مع تونس والمغرب بأسلاك شائكة مكهربة، إذ أقيم على حدودنا الشرقية "خط شال" بموازاة "خط موريس".
ج– تشديد المراقبة والقمع في المدن، وإدخال أجهزة التعذيب المتطورة، وتخصيص فرق من المظليين للسيطرة على العاصمة .
د – التوسع في إنشاء المناطق المحرمة في الأرياف، وإجبار السكان على الإقامة في المحتشدات حتى بلغ عددهم عام 1960 م 2.5 مليون وتصعيد الحرب النفسية عليهم.
ه- العمل على زرع أعداد كبيرة من الخونة في صفوف الثورة.
و- إجراءات أخرى كتسميم المياه، ومحاولات تزويد المجاهدين بوسائل خبيثة كذخائر متفجرة لقتلهم ، وقد وقعت في هذه المرحلة عدة معارك أهمها معركة اكفادو (15-17 أكتوبر 1958) ومعركة البرواقية (03 جانفي 1959 ) و جبل مزي ( 06 ماي 1960 ) وفيها أيضا استشهد عميروش والحواس ( 28 مارس 1959 ) وقامت فرنسا بتفجير قنبلتها الذرية الأولى في رقان ( 13 فيفري 1960)

محور الإغراءات والمناورات : وتجلى ذلك فيما يلي :

أ- محاولة إنشاء قوة ثالثة : حاولت فرنسا إنشاء قوة من الشخصيات التقليدية والمعادية للثورة لتكون منافسا لجبهة التحرير الوطني في تمثيل الشعب الجزائري.
ب مشروع قسنطينة : عرض ديغول أثناء زيارته الثانية للجزائر (2-5 اكتوبر 1958) بهدف امتصاص نقمة الجزائريين وتصوير الثورة على أنها قامت لأسباب مادية، وأن توفير الشغل وبعث مشاريع اقتصادية واجتماعية قد تدفع الجزائريين إلى التخلي عن الثورة،وقد تضمن المشروع توفير الشغل ل 115 ألف جزائري، وإقامة 200 ألف سكن ومشاريع اقتصادية واجتماعية، وبيع الأراضي للجزائريين بالتقسيط وذلك خلال خمس  سنوات  (1959 - 1963)
ج- عرض سلم الشجعان: كان ذلك في 23 أكتوبر 1958 م، ونص على تسليم المجاهدين أسلحتهم مقابل العفو عنهم، والإعتراف بالشخصية الجزائرية.
د- مشروع حق تقرير المصير والدولة الجزائرية: اقترح ديغول في 16 ديسمبر 1959 م هذا المشروع الذي يتضمن الإختيار بين جمهورية جزائرية متحدة مع فرنسا، أو جمهورية منفصلة، مع تقسيم شمال الجزائر إلى منطقتين إحداهما خاصة بالمستوطنين (وتشمل المناطق الغنية) والثانية خاصة بالمسلمين ، أما الصحراء فتظل تابعة لفرنسا.

مرحلة الحلول الواقعية : رغم ما ترتب عن سياسة ديغول العسكرية من ضحايا وتخريب إلا أن الثورة صمدت وواجه الجزائريون خطة شال الجهنمية بصبر وإيمان فالجرائم المرتكبة لم تضعف إرادة الثورة، بل ضاعفت تكلفة الحرب بالنسبة لفرنسا وأمام هذا الموقف بدا القلق يستبد بالرأي العام الفرنسي الذي لم يعد يحتمل مزيدا من التضحيات، كما أن المتطرفين الفرنسيين(خاصة العسكريون والمعمرون) لم يخفوا تذمرهم من سياسة ديغول، وأضحت فرنسا منقسمة تجاه الجزائر والجمهورية الخامسة مهددة بالسقوط، خاصة حينما تمرد المعمرون وقطاع من الجيش الفرنسي في الجزائر بقيادة "ماسو" في 24 جانفي 1960 م بسبب اعتراف
ديغول بحق الشعب الجزائري في تقرير المصير، وقد رد ديغول بعزل " ماسو" والتصدي لحركة التمرد فقتل 25 أوربيا.
وبفعل تلك التطورات وكذا تزايد التأييد الدولي للثورة على حساب الموقف الفرنسي ،و تدهور علاقات باريس مع العالم العربي ثم خروج مظاهرات 11 ديسمبر 1960 رضخ ديغول نهائيا إلى التفاوض وتقديم التنازلات ، فبدأت المرحلة الرابعة من عمر الثورة وهي مرحلة المفاوضات والإستقلال .

موقف الثورة من سياسة ديغول

ردت الثورة على سياسة ديغول بما يلي :

- مجابهة خطة شال بتصغير الوحدات العسكرية، واعتماد حرب الكمائن والإكثار من العمليات الفدائية .
- شن حملة على خط موريس منذ 1958 م ثم على خط شال فيما بعد لمنع فرنسا من خنق الثورة ، وذلك رغم الخسائر التي كلفتها الحملة، وفي هذا الإطار جاءت معركة " عين الزانة" (شمالي سوق اهراس) من 02 إلى 14 جويلية 1959 م.
- الشروع في العمل المسلح داخل فرنسا نفسها .
- الإعلان من القاهرة يوم 19 سبتمبر 1958 عن تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ، لتكون الممثل الشرعي للشعب الجزائري، والناطق الرسمي باسمه وقائدة للثورة سياسيا وعسكريا، وقد كان رئيسها الأول " فرحات عباس " وكان في عضويتها :

 كريم بلقاسم (نائبا للرئيس ووزيرا للقوات المسلحة)، بن بلة (نائبا ثانيا للرئيس) آيت احمد، رابح بيطاط، بوضياف، خيضر (وزراء دولة) محمد الأمين دباغين (وزيرا للشؤون الخارجية) محمد الشريف (شؤون السلاح والتموين ) بن طوبال (الداخلية)، بوصوف (الاتصالات العامة والمخابرات)، أحمد فرنسيس (الشؤون الاقتصادية والمالية)، توفيق المدني (الثقافة) بن خدة (الشؤون الاجتماعية)
محمد يزيد (الأخبار) مهري(شؤون المغرب العربي)، مصطفى اسطمبولي، الأمين خان، عمر الصديق (كتابا للدولة )، بالإضافة إلى هيئة أركان الحرب. ولجنة وزارية للدفاع.
- إعلان الحكومة المؤقتة منذ نوفمبر 1959 م موافقتها على التفاوض مع فرنسا شريطة الإعتراف بالشخصية الجزائرية.، والحفاظ على وحدة الجزائر الترابية بما فيها الصحراء وبهذا الخصوص جاءت مظاهرات 11 ديسمبر 1960 تحت شعار الجزائر المستقلة الموحدة.

الحركة الوطنية الجزائرية ما بين 1946 - 1954

الحركة الوطنية الجزائرية  ما بين 1946 - 1954



إعادة بناء الحركة الوطنية :

بعد صدور قرار العفو الشامل في 16 مارس 1946 م والإفراج عن الزعماء السياسيين، أعاد هؤلاء بناء أحزابهم بأسماء جديدة.

الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري ( UDMA ):

الذي أسسه عباس فرحات في افر يل 1946 طالب باستقلال ذاتي للجزائر دون قطع الصلة مع فرنسا.

حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية ( MTLD) :

هو امتداد لحزب الشعب الذي حلته السلطة الإستعمارية مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، أسسه مصالي الحاج في شهر نوفمبر 1947 م الذي استمر في دعوته للاستقلال، إذ طلب بتصفية النظام الاستعماري، وإنهاء الاحتلال بأي وسيلة كانت ولو عن طريق العنف والقوة .

جمعية العلماء المسلمين الجزائريين :

اكتفت بمهمتها الإصلاحية و الدفاع عن مقومات الشخصية الوطنية كأسلوب من أساليب مقاومة المحتل ومن خلال نضالها تكوين شباب متشبع بقيمه العربية الإسلامية قادر على إفشال مشاريع فرنسا ومن خلال ذلك الإستعمار بشكل عام.

إنشاء المنظمة الخاصة ( OS ) :

خلال 16 و 17 فيفري 1947 م عقدت حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية مؤتمرا وطنيا بالجزائر العاصمة (بوزريعة) أسفر عن نتائج أهمها إنشاء المنظمة الخاصة (OS ) وهي منظمة عسكرية سرية مهمتها الإعداد للثورة المسلحة ، أسندت قيادتها إلى محمد بلوزداد، بلغ عدد أعضائها بعد سنة 2000 مناضل من الشعب الجزائري، لكن الأجهزة الفرنسية اكتشفت أمر المنظمة الخاصة في 1950 بسبب حادثة تبسة ،وملخصها أن أحد أعضائها طلب الانسحاب منها وأصر عليه، وكان نظامها يمنع عليه ذلك، فتقرر إعدامه حفاظا على الأسرار ولكنه نجا من الموت وسلم نفسه للسلطات الفرنسية وباح لها بما يعرف عن المنظمة وشنت سلطة الاستعمار حملة اعتقالات واسعة في صفوف المنظمة، والتي جعلت فرنسا منها مبررا لمنع أي نشاط في الجزائر، فاعتقلت كل من يشتبه في صلته بهذه المنظمة، وقادت حمله اعتقالات واسعة شملت عددا كبيرا من مناضلي حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية.

موقف فرنسا من الحركة الوطنية بعد 1946 م:

اعتمدت فرنسا أسلوبين إزاء الحركة الوطنية :
أسلوب الترغيب والمناورة : وتجسد في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في مارس 1946 والسماح لهم بالنشاط السياسي، وسياسة الإصلاحات فأصدرت في 20 سبتمبر 1947 م دستور الجزائر .

دستور 1947:

تضمن البنود العشرة التالية :
  1. الجزائر قطعة من الأرض الفرنسية، تتشكل من 03 ولايات ،سكانها متساوون في الحقوق والواجبات، وجنسيتهم فرنسية .
  2. يحافظ المسلمون الجزائريون على أحوالهم الشخصية الإسلامية، ولا يحول ذلك دون التمتع بحقوقهم السياسية .
  3. يمثل فرنسا في الجزائر حاكم عام، يساعده مجلس من ستة أعضاء ثلاثة أوربيين وثلاثة مسلمين .
  4.  إنشاء "مجلس جزائري " نيابي منتخب يضم 120 عضوا مناصفة بين المسلمين والفرنسيين .
  5. يقوم المجلس الجزائري بدراسة الميزانية ووضع المشاريع الاقتصادية والاجتماعية إلا أن قراراته لاتكون نافذة إلا بعد موافقة حكومة فرنسا .
  6. تطبيق القوانين الفرنسية على الجزائر بعد أن يدرسها ويوافق عليها المجلس الجزائري .
  7. يرسل المسلمون الجزائريون إلى الجمعية الوطنية الفرنسية "البرلمان" نوابا عددهم مساو لنواب المعمرين الفرنسيين بالجزائر .
  8. اعتبار اللغة العربية لغة رسمية ثانية وفصل الدين الإسلامي عن الدولة.
  9. فتح باب الوظائف المدنية و العسكرية أمام سكان الجزائر دون تمييز .
  10. إلغاء البلديات المختلطة في عموم الجزائر والحكم العسكري في الجنوب .
موقف الشعب الجزائري والحركة الوطنية من دستور 1947:

رفض كل من الشعب الجزائري و الحركة الوطنية دستور 1947 م لأنه يعتبر الجزائر جزءا من فرنسا وهو بذلك يكرس القوانين الإندماجية التي رفضها الشعب الجزائري منذ 1936 (مشروع بلوم فيوليت) كما أن الدستور يسوي في التمثيل بين الجزائريين والمعمرين الذين لم يكونوا يشكلون سوى 10 % من سكان الجزائر، كما أن ظروف الحرب العالمية الثانية وما ترتب عنها من تدحرج مكانة فرنسا عوامل أدت إلى رفض الشعب الجزائري لهذا الدستور وتمسكه بالإستقلال، فواصل نضاله تحت قيادة حركة الإنتصار على وجه الخصوص ثم جبهة التحرير الوطني التي قادت النضال إلى الإستقلال.

كانت مظاهرات 08 ماي 1945 وما تبعتها من مجازر عاملا حاسما في تقوية الإتجاه الثوري في الحركة الوطنية وتوسيع الهوة بين الفرنسيين والجزائريين ، فكانت انتفاضة 08 ماي وما صاحبها من إجرام في حق الجزائريين البذرة التي أثمرت 01 نوفمبر 1954م.

الحركة الوطنية الجزائرية أثناء الحرب العالمية الثانية ( 1939 -1945)

الحركة الوطنية الجزائرية أثناء الحرب العالمية الثانية 1939 -1945



موقف السلطات الفرنسية من الجزائريين عند اندلاع الحرب :

لجأت فرنسا عند اندلاع الحرب العالمية الثانية إلى فرض ضغوط كبيرة على الشعب الجزائري ،وذلك لمنع أية تحركات معادية لها قد يفكر في القيام بها، فقامت بحل حزب الشعب في سبتمبر 1939 م، وزجت بزعمائه في السجون بتهمة التحريض وشددت قبضتها على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فمنعت نشاطها ووضعت رئيسها الشيخ عبد الحميد بن ياديس رهن الإقامة الجبرية في مدينة قسنطينة، كما نفت نائبه البشير الإبراهيمي في افر يل 1940 م إلى مدينة آفلو حيث بقي لمدة ثلاث سنوات وقامت بسجن آلاف الجزائريين الآخرين باعتبارهم معادين لفرنسا وخطرا على الأمن العام، وفرضت التجنيد الإجباري على الشباب الجزائري، وشرعت إلى جانب ذلك في سلب ونهب الثروات الطبيعية مما أدى إلى فقدان المواد الغذائية وانتشار المجاعة والأوبئة بين الجزائريين .

ردود فعل الحركة الوطنية : 

موقف حزب الشعب : 
تمثل موقف حزب الشعب في رفض التجنيد في الجيش الفرنسي، ورفض التعاون بأية صفة مع الإدارة الفرنسية، وحين اندلعت الحرب العالمية الثانية كانت أغلبية قيادته في السجون ، لكن من بقي خارج السجون واصل نضاله سريا في سبيل تحقيق الأهداف التي سطرها الحزب وعلى رأسها الإستقلال التام.

موقف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين :
رفضت الجمعية كل العروض والمساومات وامتنعت عن توجيه برقيات الولاء والتأييد لفرنسا في حربها ضد الألمان .

موقف المنتخبين :
أعلن المنتخبون الوقوف إلى جانب فرنسا في كل الظروف، وتطوعوا في الجيش الفرنسي وفي هذا الإطار تقدم فرحات عباس بمذكرة للماريشال " بيتان " ثم بوثيقة سماها البيان، أضاف إليها فيما بعد ملحقا بعد أن تم الاتفاق بينه وبين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وحزب الشعب الجزائري، واعتبرت الوثيقة برنامج عمل تجسدت في اتفاق أهم تيارات الحركة الوطنية على لائحة مطالب مشتركة تضمنها بيان فبراير 1943.

بيان الشعب الجزائري : 

على إثر نزول قوات الحلفاء في شمال إفريقيا في 08 نوفمبر 1942 م والوعود بالحرية التي أطلقوها خاصة في ميثاق الأطلسي، قامت جماعة من الجزائريين برئاسة فرحات عباس في 22 ديسمبر 1942 م بتقديم مذكرة إلى سلطات " فرنسا الحرة " الجديدة وقيادة الحلفاء طالبت أساسا بعقد مؤتمر ينتج عنه قانون سياسي واقتصادي واجتماعي للجزائر لكن كلا من الفرنسيين والحلفاء رفضوا الطلب. في مواجهة هذا الوضع عمد الجزائريون إلى إصدار بيان " الشعب الجزائري" يوم 10 فيفري 1943 م وأرسلوا نسخا منه إلى الحاكم العام الفرنسي بالجزائر "بيرتون " والى "ديغول " في لندن وممثلي أمريكا وبريطانيا في الجزائر وإلى الحكومة المصرية .

كان البيان موقعا من طرف 22 شخصية تمثل مختلف اتجاهات الحركة الوطنية من العلماء وأنصار حزب الشعب والنواب والطلبة مما يشير إلى بداية تقارب هذه الإتجاهات ومن خلالها بداية توحيد الصف من خلال تخلي فرحات عباس عن توجهه الإدماجي نحو الإستقلال، وقداحتوى البيان على خمسة أقسام :

القسم الأول : تعرض إلى وضع الجزائر منذ احتلال الحلفاء لها .
القسم الثاني : أهمية الحربين العالميتين في تحرير الشعوب .
القسم الثالث : استعرض العلاقات الفرنسية الجزائرية منذ 1830 م وسياسة فرنسا الاستعمارية .
القسم الرابع : فشل الإصلاحات السابقة وأهمية نزول الحلفاء بالجزائر .
القسم الخامس : تضمن مطالب الجزائريين و أهم المطالب التي وردت في البيان هي:
  • إدانة الاستعمار بجميع أشكاله و السعي إلى القضاء عليه .
  • تطبيق مبدأ تقرير المصير على جميع الشعوب .
منح الجزائر دستورا خاصا بها يتضمن :
  • حرية السكان و المساواة بينهم .
  • إلغاء الملكيات الإقطاعية والقيام بإصلاحات زراعية لتحسين وضعية عمال الأرض .
  • الاعتراف باللغة العربية لغة رسمية مساوية للفرنسية .
  • حرية الصحافة وحق التنظيم والتجمع .
  • إجبارية ومجانية التعليم لكل الأطفال ذكورا وإناثا .
  • حرية العقيدة لجميع السكان وتطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة على جميع الأديان .
  • المشاركة الفورية والفعالة للمسلمين الجزائريين في حكم بلادهم .
  • إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين من كل الأحزاب .

ردود الفعل على البيان : 

كان لبيان الشعب الجزائري اثره الكبير في نمو الوعي الوطني في الجزائر، خاصة وأنه تضمن مطالب تعترف بحق الجزائريين في الحرية والحفاظ على مقومات شخصيتهم العربية الإسلامية ، فزاد الجزائريون إلتفافا حول الحركة الوطنية وأصبحوا أكثر استعدادا للتضحية في سبيل تجسيد هذه المطالب، أما فرنسا فقد تظاهرت بقبوله من حيث المبدأ، حيث طلب الحاكم العام من أصحاب البيان تقديم خطة عمل للإصلاح، وذلك بهدف ربح الوقت، وجاء ديغول إلى قسنطينة في 12 سبتمبر 1943 م وأعلن عن مشروع برنامج إصلاحات شكلي يشبه مشروع "بلوم فيولت " وفي 07 مارس 1944 م أصدرت الحكومة الفرنسية قرار إصلاحاتها في إطار الإدماج الكلي للجزائر في فرنسا فرفضته الحركة الوطنية، وقام فرحات عباس في 14 مارس 1944 بتأسيس جبهة أحباب البيان والحرية، هذه الجبهة التي ضمت كل من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وأنصار حزب الشعب الجزائري والطلبة والكشافة وكانت لها جريدة أسبوعية اسمها "المساواة " تأسست في 15 سبتمبر 1944 م ، ومن 02 إلى 04 مارس 1945 م عقدت الجبهة مؤتمرا أسفر عن تقدم الاتجاه الاستقلالي، إذ تقرر العمل على إنشاء دولة جزائرية مستقلة، وعلى أن تكون الإحتفالات باستسلام ألمانيا النازية مناسبة للجزائريين لرفع شعارات وطنية استقلالية مناهضة للإستعمار وفي هذا الإتجاه عمد أنصار حزب الشعب الجزائري المحظور إلى لعب دور كبير في إعداد الشباب الجزائري في كل جهات الوطن ليخرج يوم احتفال الحلفاء بالإنتصار إلى
الشوارع ويرفع العلم الوطني وشعارات مناهضة للإستعمار، وهو ماحدث بالفعل يوم  8 ماي 1945.

انتفاضة 08 ماي 1945 م وانعكاساتها: 

خرج الجزائريون يوم 08 ماي 1945 م للاحتفال بانتهاء الحرب، والمناداة بحرية واستقلال الجزائر وإطلاق سراح المعتقلين حاملين العلم الوطني في مدن الجزائر (سطيف،قالمة، خراطة، بجاية، باتنة، وهران، سعيدة...الخ.)، فردت فرنسا بجيوشها وميليشيا المعمرين والشرطة والدرك باقتراف مجزرة رهيبة راح ضحيتها حوالي 45000 مواطن جزائري، أما خسائر فرنسا فكانت 102 قتيلا.

لم تكتف السلطات الفرنسية بهذه المجازر فقامت بحل جبهة أحباب البيان والحرية واعتقال كل المناضلين السياسيين والزج بهم في السجون، ومنع النشاط السياسي .